دعيت من قبل إحدى المدارس لإلقاء محاضرة تثقيفية حول (الثقافة المالية لليافعين)، عندما جاء ذكر منفعة الطفل تباينت ردود أفعال الصغار، فمنهم من تحدث بمرارة بأن والديه استولوا على المنفعة ولم يعطوه منها شيئا، وهناك من كان يفخر بأنه يحصل على كامل المبلغ الذي بات يخصص جزءًا منه للادخار، فأصبح لديه مبلغ كبير لبدء مشروع تجاري به، وهناك طبعًا فئة أخرى لم تعرف بوجود المنفعة من الأساس، من ناحية أخرى تصلني بشكل مستمر أسئلة حول كيفية التصرف بمنفعة الطفولة، التي جاء تقديمها متأخرا في نظام الحماية الاجتماعية في سلطنة عُمان ولعل ذلك أحد أسباب اللغط الحاصل حولها.
فالدول تقوم بصرف منافع مالية للطفولة بغرض دعم الأسر في تلبية احتياجات الأطفال الأساسية وتعزيز الرفاه الاجتماعي والاقتصادي. هذا الدعم يهدف إلى تحسين نوعية حياة الأطفال وضمان حصولهم على الرعاية الصحية، والتعليم، والتغذية السليمة، وكل ما يحتاجونه للنمو في بيئة آمنة ومستقرة، فهي تساعد في خفض معدلات الفقر لدى الأسر ذات الدخول المنخفضة، مما يعزز فرص الأطفال للتمتع بحياة كريمة، وضمان حصولهم على التعليم المناسب من خلال تقليل معدل التسرب الدراسي، نتيجة عجز الأسر عن توفير المستلزمات الأساسية لأطفالها، مثل الوجبات والأدوات المدرسية والملابس. لذا تُعتبر منافع الطفولة جزءًا من برامج الحماية الاجتماعية، وهي تهدف إلى تقديم شبكات أمان للأطفال الأكثر احتياجًا لضمان عدم تأثرهم بالأزمات الاقتصادية أو الطارئة، إضافة إلى الأسباب آنفا فإن بعض الدول التي تواجه انخفاضًا في معدلات الولادة قد تقدم حوافز مالية للطفولة لتشجيع النمو السكاني.
وتصرف منافع الطفولة للوالدين أو الوصي القانوني للطفل، وليس للطفل مباشرةً، وذلك لأن الوالدين أو الأوصياء هم المسؤولون عن تلبية احتياجات الطفل الأساسية من طعام، وملابس، وتعليم، ورعاية صحية، بعبارة أخرى، الدعم المالي يكون مخصصًا للأطفال، لكن يُصرف للوالدين أو الأوصياء لتمكينهم من تحمل تكاليف رعايتهم بشكل أفضل.
لذا نصيحتي دائمًا للوالدين الذين يبحثون عن طرق لاستثمار منفعة الطفولة هي في أن يستثمروا هذه المنفعة في توفير الرفاه للأطفال اليوم، وصرف المنفعة لما وجدت له، خاصة بالنسبة للأطفال الذين ينحدرون من أسر منخفضة الدخل لا تستطيع توفير الأساسيات لأبنائها، فالأولى في هذه الحالة هو توفير هذه الأساسيات اليوم.
المستقبل أطفالنا كفيلون بتأمينه لأنفسهم إذ ما تم تأسيسهم وتنشئتهم تنشئة سليمة.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
د. هبة عيد تكتب: من الطفولة تبدأ الرجولة.. كيف نُربي رجلًا لا شبه رجل
منذ لحظة ولادة الطفل، يبدأ تكوين ملامح مستقبله النفسي والوجداني. وإن كنا نطمح إلى أن نُنشئ رجلًا حقيقيًا، لا نكتفي فقط بأن نلبي احتياجاته المادية من مطعم وملبس، بل يجب أن نُربيه: على المسؤولية، على الاحترام، على القوة الداخلية لا الهيمنة الخارجية.
وعلينا أن نعلم جيداً بأن الرجولة لا تأتي فجأة مع البلوغ، بل تُبنى مع كل كلمة يسمعها الطفل، وكل موقف يمرّ به، وكل قدوة يعيش معها. ومع الأسف، كثير من الأسر تُربي أبناءها الذكور ليكونوا "أقوياء شكليًا"، لا ناضجين عاطفيًا ولا مسؤولين سلوكيًا. وهنا تأتي أهمية التربية الواعية. التي يجب أن يلتزم بها كل أب وأم من خلال تعريف الطفل بمن هو "الرجل الحقيقي" بلغة تناسب سنه
فالرجل الحقيقي ليس من يتحكّم، بل من يتحمّل. ليس من يعلو صوته، بل من يسمو بخُلُقه.
ويتم تنمية هذا المفهوم من خلال استخدام القصص، والمواقف اليومية، والنماذج الإيجابية من الدين (مثل سيرة النبي ﷺ وصحابته) لشرح معاني الرجولة: الرحمة، الحزم، الصدق، الإحسان، الوفاء.
وتوعيته بأن الرجولة تبدأ من قول الحقيقة، ومن الاعتذار عند الخطأ، من الدفاع عن الضعيف، ومن احترام الفتاة وليس السيطرة عليها.
ولكن في نفس الوقت لا نحرمه من التعبير عن مشاعره فكثير من الأسر يقولون للصبي: "لا تبكي … خليك راجل!"
وهذا مخالف تماما لنظريات النمو النفسي، التي تُجمع على أن كبت المشاعر منذ الصغر يصنع رجالًا عنيفين، أو منطويين، أو فاقدي التعاطف.
فالبكاء لا يُنقص من كرامته، و الاعتراف بالحزن لا يُضعفه.
لذلك يجب تشجيعه علي أن يُعبّر بالكلمات لا بالصراخ، وبالحوار لا بالعنف.
و غرس مفهوم "المسؤولية" منذ الطفولة وأن تنتبه الأسرة إلى أن الرجولة الحقيقية لا تنمو في بيئة التدليل المفرط. فالطفل يجب أن يتحمّل مسؤوليات تتناسب مع عمره.
ويتم تعريفه بها من خلال مشاركته في المهام اليومية: ترتيب غرفته، الاهتمام بأغراضه، مساعدة أحد الوالدين. ليغرس بداخله منذ الصغر أن الرجولة تعني "أن تقوم بواجبك حتى لو لم يرك أحد".
كذلك العمل على إلقاء الضوء على أهمية احترام الآخر والدور الذي يقوم به في المجتمع وخاصة دور الفتاة والمرأة فالأنثى ليست كائنًا أقل منه، بل شريك في الحياة والعمل والكرامة.
وهنا يأتي دور الأب القدوة الأولى للطفل في الحياة.
وكيف يراعي تصرفاته وافعاله امام طفله من خلال تدرّيبه على احترام حدود الآخرين، ورفض التنمر أو العنف اللفظي أو الجسدي، ولا يقل ما لا يفعل.
فالطفل يُقلد أكثر مما يسمع. وإن أردت أن تُربيه على الرجولة، كن أنت الرجل الذي تُريد أن يكونه.
كن صادقًا، ملتزمًا، متزنًا أمامه. احترم والدته، واعتذر إن أخطأت، وكن حنونًا بلا ضعف، حازمًا بلا قسوة.
وفي الختام: تربية الرجل تبدأ من الطفولة لا المراهقة، تبدأ من اللحظة التي ننظر فيها لطفلنا على أنه مشروع إنسان، لا مجرد "ولد لازم يكبر ويبقى راجل".
فالرجل الحقيقي لا يُولد، بل يُصنع بالتربية.
وغدًا، حين يكبر ابنك، ويكون زوجًا صالحًا، وأبًا رحيمًا، وسندًا لغيره ولك .. ستدرك أنك لم تُربِّ ولدًا فقط، بل أنشأت ركنًا من أركان المجتمع السليم.