سوق العطارين.. معلم بالقدس من عهد الرومان
تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT
سوق العطارين أحد أقدم الأسواق الواقعة داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس غرب المسجد الأقصى. يربط بين سوق خان الزيت وسوق الحصر، بموازاة سوق اللحامين، وهو السوق الأوسط من 3 أسواق.
يشكل القسم الأوسط أيضا من شارع الكاردو، وهو سوق روماني قديم، تبلغ مساحته نحو 8 دونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع) ويوجد فيه ما يزيد عن 56 حانوتا متلاصقة.
وقد سمي السوق نسبة إلى ما يباع في محلاته التجارية من بهارات وأعشاب طبيعية.
الموقع
يقع سوق العطارين داخل البلدة القديمة في القدس غرب المسجد الأقصى، ما بين سوق اللحامين وسوق الخواجات للأقمشة، وبعد سوق خان الزيت، الذي يتم الدخول إليه عبر باب العامود.
ولهذا السوق 4 مداخل: مدخل من الشمال، مدخل من الجنوب، ومدخلان من الوسط من سوق اللحامين وسوق الخواجات.
ويقع السوق ضمن المنطقة الغربية من السور كما هو موضح في خريطة مأدبا الفسيفسائية، وهي جزء من أرضية فسيفسائية ضمن الكنيسة البيزنطيّة القديمة في مدينة مأدبا بالأردن.
وتصف الخريطة منطقة شرق المتوسط في العصر البيزنطي، وهي أقدم خريطة أصليّة للأراضي المقدسة، ويعود إنشاؤها إلى سنة 560 م. توجد اليوم داخل كنيسة القديس جوارجيوس، التي بُنيت في عام 1896 فوق بقايا الكنيسة البيزنطيّة.
وتمتد خريطة مأدبا على جزء من أرضية الكنيسة، وتشكّل مدينة القدس مركزا لها، كما تظهر فيها عدّة مواقع في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ومصر.
التسميةسمي سوق العطارين بهذا الاسم نسبة إلى مهنة العطارة التي انتشرت فيه، والتي كان أصحابها يستوردون التوابل على اختلاف أنواعها في ذلك الحين من الهند والصين ومن بلاد فارس.
كما أُطلق على سوق العطارين وسوقي اللحامين والخواجات اسم السوق الثلاثي، لأنّ هذه الأسواق الثلاثة متلاصقة، يتوسطها سوق العطارين ويقع سوق اللحامين غربه والخواجات شرقه.
تاريخ سوق العطارينسوق العطارين سوق تاريخي يعود إلى العهد الروماني، إذ أُنشئ في الفترة الرومانية، ثم أُعيد بناؤه في الفترة الإسلامية خلال حكم الخليفة عمر بن الخطاب. وقد شهد السوق تجديدا ملحوظا في العصر الصليبي، إذ يُظهر سقفه معالم من تلك الفترة، مع أقواس مزخرفة عليها عبارات تشير إلى كنيسة سانت آن للروم الكاثوليك، وتقع شمالي المسجد الأقصى، بين باب حطة وباب الأسباط.
وقد أعاد الصليبيون بناءها عندما احتلوا القدس عام 1099م، وكانت تُعرف باسم كنيسة القديسة حنة أو "صند حنة"، وبعد التحرير الأيوبي، حولها صلاح الدين الأيوبي في 1188م إلى مدرسة للفقهاء الشافعيين، وسميت فيما بعد بـ"الصلاحية"، وكانت حوانيت هذا السوق وقفا لهذه الكنيسة.
في العهد المملوكي استكمل بناء السوق، وأضفى عليه المماليك طابعا خاصا بالعطارة، وذلك لأنهم كانوا يتحكمون في التجارة العالمية التي كانت تمر عبر الهند والبحر الأحمر وخليج السويس، وصولا إلى ميناء بورسعيد ومن ثم إلى أوروبا، ولذلك اشتهر سوق العطارين ببيع العطور، وبرزت مصر معبرا رئيسيا لهذه التجارة، مما منح القدس نصيبها منها.
تبلغ مساحة السوق نحو 8 دونمات، ويوجد فيه ما يزيد عن 56 حانوتا متلاصقة، ويصل طوله إلى 300م وعرضه ما بين 12 و15 مترا.
لسوق العطارين أهمية ومكانة خاصة بين الناس لما يمثله من مكان تاريخي عريق في الماضي، إذ كان مكانا لتجارة العطارة، يؤمه الناس من جميع البلاد لعراقته في العطارة التي تستعمل لمداواة المرضى بسبب ندرة الأدوية آنذاك.
تدخل أشعة الشمس للسوق عبر فتحات (فضّايات) في السقف المكون من أقواس عالية فيها متعة بصرية لناظريها.
مضايقات المستوطنينتسيطر الجمعيات الاستيطانية على سطح سوق العطارين، وبعد استيلائها على أحد منازل المقدسيين هناك حوّلته إلى كنيس وأنشأت مستوطنة غاليتسيا نسبة إلى بلدة في بولندا، كما أصبح سقف السوق ممرا للمستوطنين الذين يتنقلون من مستوطنتهم التي فوق السوق إلى الحي اليهودي.
يتعرض تجار السوق الثلاثي لكثير من المضايقات من المستوطنين من خلال الفتحات الجانبية والعلوية للسوق، في محاولات مستمرة لإجبارهم على هجر حوانيتهم لتسهل السيطرة عليها.
ولم يستطع الاحتلال الاستيلاء على سوق العطارين، على الرغم من كل الإغراءات المادية التي يعرضها المستوطنون على التجار لترك محلاتهم وبيعها.
الوضع الاقتصادي للسوقانكمشت محلات العطارة في السوق على الرغم من أنه ظل يحمل اسمه العريق "سوق العطارين"، وتحول كثيرون من أصحاب المحال فيه إلى مهن أخرى، مثل بيع الملابس الجاهزة والقطنيات والستائر.
وسبب هذا التحول ما فرض على القدس من حصار وعزل عن محيطها العربي والإسلامي بعد عام 1967، فلم يعد بإمكان السائحين والحجاج العرب والمسلمين زيارة المدينة المقدسة، إضافة إلى فصلها عن الضفة الغربية عام 1993 بالحواجز العسكرية.
وقد بلغ العزل والتضييق على القدس وعلى أسواقها -بما فيها سوق العطارين- ذروته بإقامة جدار الفصل الإسرائيلي عام 2002، ناهيك عن الضرائب الإسرائيلية الباهظة.
عائلات ارتبط اسمها بالعطارةالمؤقت والقيسي أشهر عائلتين ارتبطت أسماؤهما بالعطارة في هذا السوق، ولا تزالان تملكان فيه محلات تبيع التوابل والبهارات. ويشتهر بعض العطارين في السوق بألقاب وكنى معينة، فهناك شيخ العطارين وكبير العطارين وعطار اليمن مثلا، وغيرها من المسميات التي تعتمد على الخبرة والممارسة، وبعضهم يرث هذا اللقب عن أبيه أو جده.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
3025 موقعًا ومعلمًا أثريًا في سلطنة عُمان منها أكثر من 600 في محافظة مسقط
"عمان": بلغ عدد المواقع والمعالم الأثرية المسجلة في سلطنة عُمان نحو 3025 موقعًا ومعلمًا تستأثر محافظة مسقط منها بما يزيد عن 600 معلم وموقع موزعة على ولاياتها الست، مما يعكس ثراءها التاريخي وتنوعها الثقافي، وتضم ولاية قريات وحدها 80 معلمًا و287 موقعًا أثريًا، فيما تحتوي ولاية بوشر على 37 معلمًا و62 موقعًا، وتزخر ولاية السيب بـ23 معلمًا و31 موقعًا، وتضم العامرات 20 معلمًا و26 موقعًا أثريًا، أما ولاية مطرح فتحتضن 46 معلمًا و23 موقعًا، في حين تحتوي ولاية مسقط على 36 معلمًا و23 موقعًا أثريًا.
جاء ذلك على هامش اللقاء الذي جمع معالي السيد سعود بن هلال البوسعيدي محافظ مسقط بـسعادة المهندس إبراهيم بن سعيد الخروصي وكيل وزارة التراث والسياحة للتراث، بحضور عدد من المسؤولين من الجانبين، لمناقشة سبل تعزيز التعاون المشترك في حماية وتفعيل التراث الثقافي والتاريخي في محافظة مسقط، وتسويقه وتوظيفه في مسارات التنمية والسياحة.
وتطرق اللقاء إلى خطط ترميم عدد من المعالم الأثرية بالمحافظة، بحسب الأولويات المعتمدة، بالإضافة إلى الاستثمار في معالم تاريخية مختارة بما يخدم الرؤية التنموية والسياحية للمحافظة.
كما ناقش الحضور الجهود القائمة لتطوير مشاريع التوثيق والتسجيل، من بينها إنشاء "سجل التراث العُماني" كقاعدة بيانات وطنية لحماية الممتلكات الثقافية وتعزيز الرقابة عليها، إضافة إلى استعراض آليات تطبيق قانون التراث الثقافي العُماني، وشروط تسجيل وانتقال المقتنيات الأثرية والثقافية.
وقدّمت دائرة التراث الحرفي عرضًا شاملاً تضمّن توثيق 601 عنصر من عناصر التراث الحرفي، وتحديد 14 حرفة تقليدية و44 صناعة حرفية، منها 23 عنصرًا موثقًا في مجلد خاص ضمن مشروع "كنوز التراث الحرفي العُماني". كما شمل العرض مشاريع ابتكارية في إنتاج الصاروج العُماني، والقطن الخضرنجي، وصناعات الجلود التقليدية.
من جانبها، استعرضت المديرية العامة للمتاحف أهم المتاحف الواقعة في محافظة مسقط، إلى جانب مشاريع تطوير التراث الجيولوجي، ومبادرات جمع وإعادة النيازك، ومقترح نقل متحف التاريخ الطبيعي إلى حديقة النباتات العُمانية.
وفي الإطار ذاته، تناول اللقاء جهود لجنة ربط المعالم التاريخية بين ولايتي مسقط ومطرح، ودورها في إنشاء مسارات ثقافية وسياحية تبرز الهُوية التاريخية للمدينتين وتدعم الوعي المجتمعي بقيمتها.
ويأتي هذا اللقاء ضمن مساعي محافظة مسقط إلى تعزيز الشراكة مع المؤسسات المعنية بالتراث، وتكثيف الجهود لحماية الهُوية الثقافية، وتوظيف الموروث الحضاري في مشاريع التطوير الحضري وتحقيق أهداف "رؤية عُمان 2040" في مجالي الثقافة والسياحة.