الجزيرة:
2025-06-20@04:39:38 GMT

خسائر إسرائيل في جبهة لبنان.. من يصرخ أولا؟

تاريخ النشر: 4th, November 2024 GMT

خسائر إسرائيل في جبهة لبنان.. من يصرخ أولا؟

في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلقت أولى صواريخ حزب الله تجاه إسرائيل، في إطار ما أطلق عليه الحزب "معركة الإسناد" لجبهة غزة التي اشتعلت فيها الحرب صباح السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023.

لكنّ جبهة الإسناد التي دخلت الحرب ضمن نطاق حذر ومتريث ووفق تصعيد منضبط من الطرفين، تحولت بعد عام كامل إلى مواجهة شبه مفتوحة برا وجوا، ولا تزال الحرب فيها عالقة تبحث عن أفق سياسي لا يبدو قريبا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"هذي مش إسرائيل يا زلمة!".. حوار مع منير شفيقlist 2 of 2طبول الحرب حول تايوان فهل تستعد الصين فعلا للمواجهة الأخطر؟end of list

ولم يستعد سكان شمال إسرائيل حتى الآن ثقتهم في قدرة جيش الاحتلال على توفير الأمن، ولم يتمكنوا من العودة إلى مستوطناتهم. وفي استطلاع رأي أجراه مؤخرا معهد "مأجار موحوت" الإسرائيلي، عبّر 70% ممن تم إجلاؤهم من مستوطنات الشمال عن عدم رغبتهم في العودة إلى منازلهم، حتى إن توقفت الحرب الآن.

دخلت إسرائيل الحرب مع حزب الله بسقف تصريحات عالٍ، يصل إلى حد تدمير مقدّرات الحزب العسكرية وفرض منطقة خالية من السكان شمال الحدود الإسرائيلية، وتراجعت الأهداف تدريجيا حتى صرّح رئيس الأركان هرتسي هاليفي منذ أسبوع بأن اغتيال القيادات العليا للحزب يُعدّ كافيا لوقف الحرب.

فما الذي خسرته إسرائيل جراء الحرب على جبهة لبنان قد يدفعها فعلا إلى هذا التراجع النسبي؟

هاليفي: اغتيال القيادات العليا لحزب الله كافٍ لوقف الحرب (الفرنسية) إستراتيجيا: خسارة كبرى

خلال عام من الحرب، تحولت منطقة الجليل -شمال إسرائيل- ذات الأهمية الإستراتيجية والأمنية إلى منطقة مهددة ورخوة أمنيا، بينما كانت تتمتع طوال ما يقرب من عقدين باستقرار أمني مقارنة بمنطقة غلاف غزة جنوبا.

تتميز الجليل بكونها منطقة مرتفعات وجبال عالية تعطي أفضلية في السيطرة الميدانية والتكتيكية، وتسمح بإنشاء قواعد عسكرية ومراكز اتصالات ومراقبة آمنة في قمم المرتفعات، كما تمثل أهمية خاصة للتراث الصهيوني والوعي القومي الإسرائيلي، وتتميز مستوطناتها بمكانة رمزية خاصة في مشوار تأسيس إسرائيل، باعتبارها موطن قدامى المحاربين و"الكيبوتسات" (البؤر الاستيطانية) التي كانت تستقبل يهود الشام المهاجرين من لبنان وسوريا.

بيد أن الجليل الآن باتت منطقة مكشوفة أمنيا وطاردة للسكان، فقد اضطرت حكومة الاحتلال لتفريغ حوالي 28 مستوطنة من سكانها، وتعرّضت كافة المنشآت العسكرية والاستخباراتية فيها لنيران حزب الله بصورة أهدرت سمعتها الأمنية بشكل بالغ، مثل استهداف مقرّ الاستخبارات الإسرائيلية الرئيسي للمنطقة الشمالية في صفد، واستهداف مقر لواء غولاني -أهم ألوية النخبة الإسرائيلية العاملة في الشمال والذي يعرف بلواء رقم 1- في عملية دقيقة للغاية استهدفت تجمعا للجنود أثناء تناول الطعام.

ويذكر أن لواء غولاني تتبع له الفرقة 36 التي تقود محور الجهد الرئيسي للعملية البرية جنوب لبنان من بلدة راميا إلى عيترون.

فضلا عن ذلك؛ تسهم الحرب على جبهة لبنان، التي يطول مداها دون تحقيق أهدافها، في تعميق الشرخ الذي أحدثه طوفان الأقصى في العقيدة القتالية الإسرائيلية.

فقد تجنبت إسرائيل منذ تأسيسها الحروب الطويلة، واعتمدت مبدأ "الحروب الخاطفة" لتحقيق أهداف سريعة اعتمادا على التفوق التقني والاستخباري الذي بات يتعرض الآن لتساؤلات جوهرية عن مدى جدواه.

كما فشلت إستراتيجية الدفاع السلبي والقائمة على ثلاثية المساحات الآمنة، وقدرة اعتراض عالية للنيران، وقدرة المستوطنين على التحمل. فتعرضت الارتكازات الثلاثة لتحديات تضرب في صميمها.

عسكريا: نزيف مستمر

خلال شهر واحد، منذ بدء العملية البرية على جنوب لبنان في 30 سبتمبر/أيلول 2024، فقدت إسرائيل حوالي 95 جنديا قتلوا في مسرح العمليات، وأصيب أكثر من 750 ضابطا وجنديا، كما أُعطبت 38 دبابة "ميركافا" وأُسقطت 4 مسيرات إسرائيلية عالية التقنية من طراز هيرميس 450 وهيرميس 900.

لا تشمل هذه الأرقام خسائر الجبهة الداخلية نتيجة عمليات القصف المستمرة والتي تخضع للرقابة العسكرية ولا تظهر أرقامها الحقيقية، وهذا فضلا عن 12 ألف عسكري استقبلوا في المستشفيات منذ بدء الحرب، منهم 1500 أصيبوا مرتين بحسب بيانات مركز إعادة التأهيل.

وبالرغم من هذه الخسائر التي تعد قياسية بالنسبة لما اعتاده الجيش الإسرائيلي، فلم يتمكن في المقابل من التقدم بصورة كافية على الحدود، ولم يستطع السيطرة على قرية واحدة كاملة، وأيا ما يكن من نتائج مستقبلية قد تجعل الاحتلال في وضع ميداني أكثر تقدما، فهي لن تلغي حقيقة أن الخسائر في هذا الطريق كانت أكثر من المتوقع وأكبر مما تحتمله قدرات إسرائيل على المدى البعيد.

 

اقتصاديا: نزيف آخر

قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن تكلفة توسيع الحرب في الجبهة اللبنانية خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين قد بلغت نحو 9 مليارات دولار، وإن هذه النفقات الكبرى ستتطلب إعادة النظر في ميزانية إسرائيل مرة أخرى.

وتضم منطقة الشمال عدة مراكز اقتصادية وحيوية لإسرائيل، وبالأخص مدينة حيفا التي باتت في مرمى نيران حزب الله. وتمثل حيفا مركز ثقل تجاري وطاقوي بالغ الأهمية لإسرائيل، وإدخال حيفا وما حولها ضمن نطاق العمليات العسكرية يتسبب في خسارة ما يقرب من 150 مليون دولار يوميا، علما بأن منشآت الطاقة ومستوعبات "الأمونيا" والرصيف البحري في حيفا لم تدخل في بنك أهداف الحزب إلى اليوم.

كما قالت دراسة لمعهد أهارون للسياسة الاقتصادية إنه مع استمرار السيناريو العسكري الحالي على الجبهة الشمالية، فإن نفقات الحرب قد تزيد بقيمة 111 مليار شيكل حتى نهاية عام 2024 فضلا عن عجز بنسبة 6.8%، لتكون نسبة الدين حوالي 71.6% في نهاية 2024.

كما بلغت خسائر قطاع السياحة في الشمال نحو 3.5 مليارات دولار إلى الآن، علما بأن للجليل -خصوصا الجليل الأعلى- أهمية سياحية كبيرة، إذ يقصده سنويا حوالي 1.5 مليون سائح.

وكلّف إخلاء مستوطنات الشمال البالغ عددها 28 مستوطنة -حتى فبراير/شباط الماضي- حوالي 613 مليون دولار (بتكلفة توازي 163 ألف دولار يوميا)، فيما خُصص نحو 1.7 مليار دولار لمواصلة تمويل إخلاء السكان حتى يوليو/تموز 2024.

وقالت القناة 14 الإسرائيلية إن 6 آلاف طلب قُدمت للتعويض عن منازل تضررت بفعل قصف حزب الله للمستوطنات الشمالية بمعدل حوالي 150 صاروخا يوميا، مشيرة إلى أن طلبات التعويض كلفت خزينة الدولة نحو 4 مليارات دولار. وقدر "بنك إسرائيل" أن غياب 57 ألفا و600 شخص من طاقة العمل في مستوطنات الشمال يكلّف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 63.2 مليون دولار أسبوعيا.

الجليل بات منطقة مكشوفة أمنيا وطاردة للسكان (الجزيرة)زراعيا؛ تعرّضت منطقة الجليل لخسائر فادحة، حيث قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إنّ الخوف من نيران حزب الله يتسبب بتعطيل قدرة مزارعي الشمال على الوصول لبساتينهم، وقد بلغت الأضرار الناتجة عن ذلك نحو 500 مليون دولار.

في حين كانت محاصيل زراعية بقيمة 20 مليون شيكل (5.4 ملايين دولار) لا تزال على الأشجار في الجليل الأعلى، لكنها تضررت كليا بسبب نقص الأيدي العاملة الذي بلغ نحو 90%، كما تضررت صناعة الدواجن، وأغلق 24 مرعى حيوانيا كبيرا لأسباب أمنية.

وأضرار القطاع الزراعي تحديدا، لا تحتسب فقط في الميزان المالي، لكن ثمة أبعاد أكثر عمقا تتمثل في ضرب علاقة المزارع بالأرض وارتباطه بها، إذ ينظر إلى مزارعي الشمال تحديدا في إسرائيل باعتبارهم مثالا في الوعي القومي، وبأنهم وقاموا بدور هائل في حماية حدود الدولة وتمكين الاستيطان.

كذلك، فإن الطبيعة التضامنية لسكان "الكيبوتس" والمستوطنات الزراعية تجعل أية خسائر تلحق ببستان أو مزرعة خسارة جماعية يتحملها كافة السكان، لذلك فإن الخسائر الاقتصادية المتراكمة قد تؤدي على مدى زمني طويل إلى صعوبة في استعادة ترابط المستوطنين بالأرض وإعادة تماسك مستوطنات الجليل مرة أخرى.

ويضاف إلى ذلك الأعباء الاقتصادية التي يتحملها هؤلاء المستوطنون بعد نقلهم خارج الشمال، فعلى الرغم من محاولة الحكومة تعويضهم، فإن ثمة أضرارا أكبر من قدرة الحكومة على التعويض.

وفي استطلاع رأي أجرته شركة مايند بول خلال سبتمبر/أيلول الماضي على 500 شخصا ممن جرى إجلاؤهم من الشمال، قال 68% منهم إنهم لم يتلقوا أي مساعدة توظيف منذ بداية الحرب، وأفاد 32% بأنهم لا يجدون عملا حاليا ومهاراتهم المهنية تتآكل، وعبر 31% عن كونهم مستعدين نفسيا للعمل بفرض إتاحته.

ويبدو أن هذه الخسائر العميقة التي سيكون لبعضها تأثيرا طويل المدى، تركت آثارا واضحة على التصور السياسي الإسرائيلي بشأن الأهداف التي يمكن تحقيقها على جبهة الشمال، فبعد الرفض الإسرائيلي لأية تفاهمات بمرجعية القرار 1701 والحديث عن عدم صلاحيته للتطبيق، عادت الأمور مجددا للقبول بنفس القرار مما يعني تخفيضا لسقف التوقعات.

وعلى الرغم من تعمد الاحتلال الإبقاء على قدر كبير من الغموض بشأن أهداف العملية البرية، فإن شهرا كاملا من عملية واسعة تقودها خمس فرق من الجيش الإسرائيلي لا يبدو أن ما حققته حتى الآن من اختراقات محدودة يكافئ ما كان مُتوقعا عندما صرّح قائد المنطقة الشمالية أوري غوردين قائلا "نحن مصممون على تدمير كل البنية التحتية، وإبعاد حزب الله من هنا، ومنعهم من شن أي هجوم ضدنا".

وبطبيعة الحرب وباعتبار فارق ميزان القوى، فإن الخسائر ليست فقط في جانب إسرائيل بكل تأكيد، إذ تضررت البنية التحتية لحزب الله ضررا بالغا منذ دخول الحرب مرحلة التصعيد الواسع بدءا من 17 سبتمبر/أيلول الماضي. وأظهرت إسرائيل مقدرة استخباراتية عالية في لبنان، مقارنة بنظيرتها في غزة، واستطاعت توجيه ضربات قوية لمستودعات الصواريخ ومنصات إطلاقها.

وتدّعي إسرائيل أنها استطاعت تدمير ثلثي البنية الصاروخية لحزب الله، لكن من المرجح أن هذا يحمل قدرا كبيرا من المبالغة، غير أنها بالتأكيد أصابت جزءا مؤثرا من قدراته. هذا كله فضلا عن تصفية قيادات الصف الأول، وضرب منظومة الاتصال الداخلية لحزب الله في عمليات أظهرت احتمالية عالية لوجود اختراق داخل الحزب أو في محيطه القيادي يعمل لصالح إسرائيل.

ولعل الأهم والأعمق هو تهجير قرابة 100 ألف من سكان الجنوب، ويظهر أن عمليات التهجير ليست عشوائية، بل تستهدف إسرائيل بصورة أساسية مناطق تجمع الحاضنة الشعبية للحزب، مما يشكل ضغطا معنويا على مقاتليه، فضلا عن إعادة هندسة ديمغرافية لسكان لبنان قد تؤثر على قاعدة الحزب الاجتماعية بشكل مستدام إذا استمرت الأوضاع الأمنية على ما هي عليه لمدى طويل.

في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال الأمين العام الحالي لحزب الله نعيم قاسم إن "الحرب هي حرب من يصرخ، ونحن لن نصرخ، وستسمعون صراخ العدو"، لكن المؤكد فقط هو أن الحرب في جبهة لبنان لم تصل نهايتها بعد، ولم تقترب منها، وكما هو معلوم أن خسائرها في لبنان هائلة، مدنيا وعسكريا، فإن خسائرها في إسرائيل أيضا كذلك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبعاد مستوطنات الشمال سبتمبر أیلول ملیون دولار جبهة لبنان لحزب الله حزب الله فضلا عن

إقرأ أيضاً:

مصر والتأثيرات المحتملة عليها جرّاء حرب إسرائيل وإيران

لطالما كانت مصر- كغيرها من الدول التي تعتمد على مصادر دخل خارجية محدودة، وتفتقر إلى قاعدة إنتاج صناعي قوية- شديدة التأثر بالتحولات العالمية. فالاعتماد على السياحة، وقناة السويس، وتحويلات العاملين بالخارج، إلى جانب أزمة الزيادة السكانية، فضلًا عن اعتمادها على الخارج في الغذاء والسلع والخدمات، يجعلها أكثر هشاشة أمام أي اضطراب دولي، كما ظهر جليًّا في جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الصهيوني على غزة.

ولا تقتصر عوامل التأثر على الاقتصاد والتجارة، بل تمتد إلى مكانة الدولة الإقليمية. فكلما كانت الدولة ذات موقع جيوستراتيجي أو دور محوري في محيطها، زادت قابليتها للتأثر بما يدور حولها، سلبًا أو إيجابًا. ومصر تندرج بوضوح ضمن هذا التصنيف.

نوعان من الآثار والتداعيات

في ضوء ما سبق فإن آثار الحرب الدائرة حاليًّا بين إسرائيل وإيران، على مصر، تنقسم إلى نوعين: آثار عاجلة وآنية، وأخرى تتصل بالمدى المتوسط، وقد تمتد لفترات طويلة. ولا شك أن العوامل الاقتصادية تأتي في مقدمة ما يشغل مصر اليوم، بل هي مصدر القلق الأكبر، بالنظر إلى تداعيات الحرب على أوضاعها المالية. فمصر ما إن بدأت تتأقلم، بعد جائحة كوفيد-19، مع تبعات الأزمة الروسية الأوكرانية، وألفت تأثيرات العدوان الصهيوني المتكرر على غزة، حتى وجدت نفسها أمام همّ جديد، بأبعاد أكثر اتساعًا.

ولعل أخطر ما قد تواجهه من هذه الحرب، هو انعكاسها على دور مصر الإقليمي، لا سيما ما يتصل بخطر إعادة تشكيل خارطة جديدة للشرق الأوسط، كما يحلم بها نتنياهو منذ أمد بعيد. وهذا السيناريو مرهون بتطور عدد المشاركين في الحرب مستقبلًا، وبما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية في ساحات المعركة.

أولًا: الآثار الاقتصادية والاجتماعية

تتعدد الآثار الاقتصادية المحتملة التي قد تظهر بوادرها في الأيام القليلة القادمة، وقد تمتد لتشمل الشأن الاجتماعي المصري. وعلى العموم، فإن درجة التأثير تتوقف على طبيعة التطورات الميدانية للحرب.

إعلان ارتفاع معدلات التضخم، من خلال زيادة أسعار السلع والخدمات، نتيجة منطقية للقيود التي تفرضها الحرب على التجارة الخارجية، خاصة مع الدول المجاورة. تأثير الحرب على السياحة، بوصفها أحد مصادر الريع الأجنبي. فالسائح، بطبعه، يفرّ من مناطق التوتر إلى أماكن الاستقرار والراحة. وقد شهد قطاع السياحة في مصر انتعاشًا ملحوظًا مؤخرًا، إذ بلغت عائداته 15.3 مليار دولار عام 2024، بزيادة 9% عن 2023. بيدَ أن الحرب الحالية قد تُعيد حالة القلق وتؤثر سلبًا على تدفق السياح. انخفاض عائدات قناة السويس، وهو مصدر مهم من مصادر النقد الأجنبي. وقد بدأ هذا التأثير منذ حرب غزة، بسبب استهداف جماعة "أنصار الله" الحوثية للسفن الإسرائيلية أو المتجهة نحو موانئها، مما أدى إلى تراجع حركة الملاحة بالقناة إلى النصف تقريبًا.ومع الهدنة الأخيرة بين واشنطن والحوثيين، وتهدئة المواجهة في باب المندب بحصرها في المجال الجوي، بدأت القناة تستعيد جزءًا من نشاطها. وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عائد القناة في فبراير/ شباط الماضي بلغ 13.1 مليار جنيه، وارتفع في مارس/ آذار وأبريل/ نيسان إلى 16.8 مليار جنيه شهريًا. غير أن استمرار الحرب الحالية يهدد مجددًا هذا المسار التصاعدي. احتمال تأثر تحويلات المصريين في الخارج، التي بلغت وفق بيانات البنك المركزي 32.6 مليار دولار عام 2024. ورغم أن عوائد المصريين قد ترتفع نظريًا نتيجة زيادة أسعار الطاقة، وتحسن دخل دول الخليج، فإن مخاوف عدم الاستقرار قد تدفع البعض للتعامل عبر السوق الموازية بدلًا من القنوات الرسمية، كما حدث في أوقات سابقة. انخفاض متوقع في قيمة الجنيه، نتيجة ضغوط على الإيرادات الدولارية، رغم تحسن الاحتياطي النقدي الذي بلغ نحو 48 مليار دولار مؤخرًا. وقد يُستخدم هذا الاحتياطي لسد العجز ودعم الجنيه مؤقتًا. اتساع عجز الموازنة العامة، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. فالموازنة العامة 2025/2026 وضعت تقديراتها بناءً على أسعار تتراوح بين 75 و82 دولارًا لبرميل النفط، فيما تتجه الأسعار للارتفاع. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة الواردات، خاصة الوقود، حيث استوردت مصر في 2022 ما قيمته 12.3 مليار دولار، وارتفع الرقم إلى 15.5 مليار دولار في 2024، ما سيضغط على مخصصات الدعم والخدمات. شح في واردات الغاز، نتيجة توقف الإمدادات الإسرائيلية، واحتمالات تعثر الشحنات القطرية الممنوحة بأسعار مميزة، بفعل اضطراب الملاحة بين البلدين. وقد تلجأ مصر إلى الجزائر لسد العجز. يُذكر أن وزارة البترول أعلنت مع بداية الحرب وقف إمداد مصانع الأسمدة بالغاز، ودرست خفض الحصة المخصصة لمصانع الحديد التي تعمل بنظام الاختزال المباشر، وهي من أكبر مستهلكي الغاز. انعكاسات اجتماعية متوقعة، حال استمرار الأزمات، لا سيما على نسب الفقر. فقد ارتفعت النسبة خلال العقد الأخير، بحسب البنك الدولي ولجنة الإسكوا، من 29.7% عام 2019 إلى 34.3% عام 2023، وتُقدّر اليوم بنحو 36% وفق مصادر غير رسمية. واستمرار الأزمة قد يؤدي إلى ارتفاعات إضافية، مع آثار مباشرة على الأمن الاجتماعي. إعلان ثانيًا: الآثار السياسية.. قتامة في الأفق

لعل أبرز التداعيات السياسية للحرب على مصر تتمثل في انعكاساتها على دورها الإقليمي، ومدى تأثره بنتائج الحرب، لا سيما في ظل طموح الكيان الصهيوني إلى فرض هيمنته على المنطقة، إذا ما نجح في إخضاع إيران وإجبارها على الرضوخ الكامل لشروط المشروع الصهيو-أميركي.

في هذا الإطار، تكمن خطورة فرض نتنياهو رؤيته الأمنية، مدعومًا بالكامل من الولايات المتحدة، وما يمكن أن يترتب عليها من تسويات سياسية تشمل تطبيعًا كاملاً مع القوى العربية التي ما تزال خارج "الاتفاقات الإبراهامية".

غزة ستكون أول المتضررين من هذه الرؤية، إذ إن الحرب النفسية الناجمة عنها ستلقي بظلالها الثقيلة على معنويات فصائل المقاومة. ورغم أن الفلسطينيين استطاعوا استغلال انشغال إسرائيل بالحرب مع إيران لتحقيق بعض المكاسب الميدانية، فإن المخزون النفسي العالي لديهم قد يتآكل في حال جاءت نتائج الحرب بما يُضعف الحلفاء، ويُقوي أعداءهم.

في خضم هذه المعادلة، تبدو مصر في موقع حساس، إذ إنها لا تزال تُصرّ على منع أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى أراضي سيناء، وهو موقف حاسم في إستراتيجيتها الأمنية. غير أن نجاح المشروع الصهيو-أميركي في كسر شوكة إيران، وسقوط آخر قلاع المقاومة، قد يفرض ضغوطًا سياسية كبيرة على القاهرة، ويفتح المجال أمام سيناريوهات أكثر تعقيدًا، تُبقي فقط بعض جيوب المقاومة المتفرقة، كالحوثيين في اليمن.

تحركات مصرية مطلوبة

في ضوء هذه المستجدات، تجد القاهرة نفسها في سباق مع الزمن، ويصبح من الضروري الدخول في مشاورات عاجلة مع القوى العربية الأكثر تأثيرًا، مثل السعودية، الإمارات، قطر، الأردن، وربما الجزائر، للتوصل إلى ترتيبات أمنية إقليمية قادرة على صدّ أي مشروع صهيوني يحاول استغلال نتائج الحرب لفرض واقع جديد.

لكن هذا التحرك المصري سيكون مرهونًا بتجاوب تلك الأطراف، ليس فقط من أجل إدارة آثار الانهيار الإيراني المحتمل، بل أيضًا لمنع إسرائيل من ملء الفراغ الناجم عن الحرب، وفرض هيمنة سياسية وأمنية على المنطقة بأسرها.

ومن الأمور الجوهرية كذلك، الحاجة إلى خلق حاضنة شعبية داخلية تدعم صانع القرار. فقد أظهرت تطورات الحرب مدى قابلية الداخل الإيراني للاختراق من قبل أجهزة الاحتلال، وهو ما سهل على تل أبيب إحراز تقدم.

ورغم أن المجتمع الإيراني متعدد ومعقد على نحو يختلف عن المجتمع المصري المتماسك، فإن الحصانة المجتمعية تظل عاملًا حاسمًا في دعم الدولة.

ومن هنا، فإن توسيع المجال العام، ومنح المواطنين مزيدًا من حرية الرأي والتعبير، لا يُعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة أمنية تمكّن القيادة من اتخاذ قرارات جريئة لمواجهة تداعيات الحرب، لا سيما إذا أُجبرت على التعامل مع ترتيبات إقليمية صعبة، قد تفرض اتخاذ خطوات منفردة تحت ضغط الواقع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • صحيفة أمريكية تكشف حجم خسائر إسرائيل اليومية
  • رتيبة النتشة: إسرائيل لا تعلن حقيقة الأهداف التي يتم إصابتها
  • مصر والتأثيرات المحتملة عليها جرّاء حرب إسرائيل وإيران
  • من نشوة القصف إلى فخ الاستنزاف.. كيف وقعت “إسرائيل” في فخ الحرب التي أرادتها؟
  • ترامب يخاطب بوتين: أوقف الحرب على أوكرانيا قبل التوسط في صراع إسرائيل وإيران
  • نفق شكا.. شريان الشمال المهمل يتحول إلى مصيدة للموت!
  • قلق لبنان من توسُّع الحرب في محله؟
  • نتيجة الحرب بين إسرائيل وإيران.. انخفاض في أعداد السفن التي تمر عبر مضيق هرمز
  • ما علاقة القاعدة التي استهدفتها إيران اليوم بأخطر “قضية تجسس” داخل “إسرائيل”؟
  • الريجي تحوّل 114 مليون دولار إلى الخزينة.. والأرباح لعام 2024 تجاوزت 400 مليون