سلط تقرير نشره موقع "ذي إنترسبت" الضوء على تحول إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم والداعم الأساسي لدونالد ترامب، إلى شخصية ذات تأثير كبير على الساحة السياسية العالمية، بعد أن تجاوزت مصالحه حدود الولايات المتحدة، معتبرا أن هذه المصالح الخاصة بالملياردير الأمريكي تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة.

وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن إيلون ماسك تحوّل خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية إلى مرشح الظل الحقيقي للحزب الجمهوري، لكن طموحاته ومصالحه تتعارض مع الأمن القومي الأمريكي.



تحوّل ماسك إلى معسكر ترامب
وأوضح الموقع، أنه حتى قبل أن يعلن تأييده رسميا لدونالد ترامب بعد محاولة الاغتيال في بنسلفانيا، كان إيلون ماسك قد لعب دورا غير مسبوق في الحياة الاقتصادية والثقافية في الولايات المتحدة. وخلال دورة انتخابية واحدة، انتقل ماسك من المعسكر الديمقراطي كرجل أعمال تقدمي مدافع عن الأقليات، إلى أكبر مروج للنزعة الانغلاقية التي تعادي المهاجرين وما يُعرف بحركة الاستيقاظ.

كما تجاوزت إمبراطورية ماسك الاقتصادية حدود الولايات المتحدة، ليصبح مليارديرا ذا نفوذ عالمي له شبكة من العلاقات السياسية والاقتصادية في مختلفة أنحاء العالم، وله مصالحه الخاصة التي قد لا تتماشى دائما مع مصالح الولايات المتحدة، ولا مع أهداف حركة "ماغا" (تيار مؤيد لترامب) اليمينية، وفقا للموقع.


في السويد، يخوض ماسك صراعا مع النقابات وخدمة البريد التي ترفض تسليم لوحات سيارات تسلا تضامنًا مع نقابة عمال الصيانة، مما يعيق استخدام سيارات تسلا في البلاد. وفي البرازيل، استجاب ماسك لقرار قضائي بشأن رقابة المحتوى على "إكس". وفي الصين، يضطر للحفاظ على علاقات ودية مع النظام الاستبدادي الذي قد يستولي على مصنع تسلا ويقطع وصول سياراته إلى السوق الصيني، في ظل منافسة محتدمة مع شركة "بي واي دي" الصينية.

علاقة "غامضة" مع بوتين
أما عن علاقة ماسك بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد لفت الموقع إلى أنه تم تسريب بعض التفاصيل عن علاقتهما على مدار السنتين الماضيتين في مقالات نُشرت في مجلة "نيويوركر"، وصحيفة "وول ستريت جورنال"، ومصادر أخرى، بما في ذلك ما ذكره الخبير السياسي إيان بريمر في 2022، حين أكد أن ماسك أخبره أن آراءه بشأن روسيا وحرب أوكرانيا قد استندت إلى محادثاته مع كبار المسؤولين الروس.

وكان بوتين قد صرح في مقابلة أجراها هذا العام مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون أنه "لا يوجد ما يمكن أن يوقف إيلون ماسك، فهو سيفعل ما يعتقد أنه يجب عليه فعله. عليك أن تجد أرضية مشتركة معه، ويجب أن تبحث عن بعض الطرق لإقناعه".

ووفقًا لـ"وول ستريت جورنال"، فإن ماسك أجرى محادثات منتظمة في 2022، مع مسؤولين "روس كبار". وفي تلك الفترة كان هناك ضغط من الكرملين على مشاريع ماسك في روسيا و"تهديدات ضمنية ضده".

واعتبر الموقع أن محاولة روسيا استمالة الداعم الأبرز لدونالد ترامب، قضية تتعلق بالأمن القومي وتستدعي اهتماما خاصا من اليسار الأمريكي، مضيفا أن حالة إيلون ماسك تمثل نوعا جديدا من الحكم الأرستقراطي العابر للحدود، والذي سيكون له تداعيات لاحقة تؤثر على الجميع.

وحسب الموقع، فإن قطاع التكنولوجيا الذي يمثله ماسك، كان منذ فترة طويلة مرتبطا بالصناعات الدفاعية، وتحديدا منذ فترة تزويد صواريخ "مينتمان" بالرقائق الإلكترونية، قبل أن تتعمق العلاقة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وإبرام عقود بمليارات الدولارات، ليتخطى أقطاب التكنولوجيا الشعارات الحالمة بتغيير العالم وينخرطوا في دعم الآلة العسكرية.

وأضاف الموقع أن أصحاب رأس المال المغامر يسارعون اليوم للاستثمار في الشركات الناشئة التي قد تستخدم قريبا الطائرات المسيرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في غزة أو أوكرانيا. وقد ساعدت شركة "أندرييسن هورويتز"، وهي من أبرز شركات رأس المال المغامر وأحد المستثمرين الرئيسيين في "سبيس إكس"، في تمويل استحواذ ماسك على تويتر، واستثمرت في شركته الجديدة للذكاء الاصطناعي، "إكس إيه آي"، معتبرةً ذلك استثمارًا في "الديناميكية الأمريكية".

وتستثمر شخصيات بارزة مثل بيتر ثيل وإريك شميدت، رغم اختلاف انتماءاتهما الحزبية، في تقنيات المراقبة والطائرات المسيرة وتحليل البيانات، وغيرها من أدوات العصر الرقمي لاقتصاد الحرب، مما يعكس توافق مصالحهم مع مشاريع تعزيز الهيمنة العسكرية الأمريكية، بدلاً من الدفاع عن انتماءاتهم السياسية التقليدية، حسب التقرير.

مصالح "متعارضة" مع الأمن القومي الأمريكي
ويمتلك ماسك، وفقا للموقع، عقودا مع الحكومة الأمريكية بمليارات الدولارات عبر شركة "سبيس إكس"، التي تهيمن على سوق إطلاق الأقمار الصناعية وتقوم الآن بإطلاق الأقمار الصناعية التجسسية لفائدة الولايات المتحدة، لكنه يناقض المصالح الأمريكية من خلال التواصل مع بوتين.

وقال الموقع إن انتشار خدمة "ستارلينك" للإنترنت التي يملكها ماسك، والتي توفر الاتصال بالشبكة في أنحاء العالم عبر 6,500 قمر صناعي، قد أدى إلى تعقيد علاقات ماسك على الصعيد الدولي. ورغم عدم رغبة ماسك في الانخراط في الصراعات العسكرية، وتصريح غوين شوتويل، المديرة التنفيذية للعمليات في "سبيس إكس"، بأن الخدمة ليست مخصصة للاستخدام العسكري، إلا أن "ستارلينك" لعبت دورًا بارزًا في الحرب الروسية الأوكرانية.

في 2022، أمر ماسك موظفي "سبيس إكس" بتعطيل وصول الجيش الأوكراني إلى خدمة "ستارلينك" لوقف هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على أسطول البحر الأسود الروسي، واعترف في وقت لاحق باتخاذه هذا القرار، وقال إنه تم إبلاغه أن الهجوم على القرم يشكل خطًا أحمر قد يؤدي إلى رد نووي روسي.

وفي كانون الثاني/ يناير 2023، قال ماسك إنه لم يسمح للأوكرانيين باستخدام "ستارلينك" في "الضربات بالطائرات المسيرة بعيدة المدى". ونشر ماسك في أيلول/ سبتمبر 2023: "إذا كنت قد وافقت على طلبهم، فإن سبيس إكس ستكون متواطئة بشكل صريح في عمل حربي كبير وتصعيد للصراع".

لكن الموقع يرى أن ماسك لم يقف على الحياد من خلال هذه القرارات، بل انحاز إلى الطرف الروسي. فبينما بذلت "سبيس إكس" بعض الجهود لتعطيل استخدام روسيا لـ"ستارلينك" مثلما فعلت مع الأوكرانيين، فقد تكون سهلت من جانب آخر الجهد العسكري الروسي، ففي أيلول/ سبتمبر تحطمت طائرة مسيرة روسية من صنع إيراني يُعتقد أنها تستخدم "ستارلينك".


وتابع الموقع أنه عدا عن استخدام روسيا خدمة "ستارلينك" على نطاق واسع، فإن الديكتاتور الشيشاني الموالي لبوتين، رمضان قديروف، يزعم أنه يمتلك شاحنات "تسلا سايبرترك" مزودة بالمدافع الرشاشة تقاتل في أوكرانيا. كما تزعم تقارير أن بوتين طلب من ماسك عدم تفعيل "ستارلينك" فوق تايوان لخدمة مصالح الرئيس الصيني شي جين بينغ، ووصل الأمر إلى حد طلب التصدي لأي هجوم سري للبحرية الأوكرانية.

ورغم أن أنشطة ماسك تتعارض مع أهداف الأمن القومي الأمريكي، حسب الموقع، فإن بقية أقطاب صناعة التكنولوجيا لم يتحدثوا مطلقا عن علاقاته الغامضة بقادة دول أخرى وارتباطه بأجندات أجنبية،  ما يعكس تعطشهم للسلطة.

ورغم انتقادات الديمقراطيين والليبراليين لإيلون ماسك، فإنهم لم يصلوا إلى مرحلة محاسبة الرجل الذي الذي ساهموا في تلميع صورته، والذي أصبح شريكًا لا غنى عنه للمؤسسة الأمنية، وعلى وشك اكتساب نفوذ غير مسبوق في ظل إدارة ترامب المحتملة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية ماسك ترامب روسيا روسيا الإنتخابات الأمريكية ترامب ماسك صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمن القومی الأمریکی الولایات المتحدة إیلون ماسک سبیس إکس

إقرأ أيضاً:

الخطاطات العمانيات... بين تحديات الظل وتهميش العلن!

استطلاع ـ حنين بنت سالم البريدعية -

يُعدّ فن الخط العربي من أعرق الفنون الإسلامية وأكثرها ارتباطًا بالهوية الثقافية العربية، ولكن يظلّ حضور المرأة فيه باهتًا مقارنة بما تستحقه من مساحة واهتمام، والحديث هنا لا يدور حول وجود الخطاطة من عدمه، بل حول مدى بروزها في مشهد تسيطر عليه أسماء الخطاطين والذين يتصدرون المسابقات والمعارض والمحافل الفنية.. وهذا الواقع يدفعنا إلى طرح تساؤلات جوهرية عن العوامل والتحديات التي تقف في طريق حضور الخطاطة وتميزها، رغم ما تملكه الكثير من النساء من موهبة واستعداد.

في هذا الاستطلاع نفتح ملف "الخطاطات العمانيات" بين الحضور والغياب، وبين الموهبة والفرص، لنستعرض من خلال شهادات عدد من الفنانات والخطاطات العمانيات ما يواجهنه من عقبات، سواء كانت اجتماعية أو مؤسسية، وكذلك طموحاتهن الكبيرة التي تنتظر فقط مساحة عادلة لتظهر وتُحتفى بها.

بين مسؤوليات الأسرة، وقلة الدعم المؤسسي، وتهميش الإعلام، تتعدد الروايات وتتشكل صورة واضحة لواقع لا تزال فيه المرأة تخوض معركة الظهور والتأثير، ليس فقط بصفتها هاوية أو متذوقة لهذا الفن العريق، بل كمبدعة تمتلك كل مقومات التميز، في مجال كان وما زال أحد أوجه التعبير الحضاري والجمالي للأمة.

بداية تقول الخطاطة والمزخرفة أنوار الحسنية: إن قضية غياب الخطاطات عن الساحة الفنية في فن الخط العربي تُعد موضوعًا مهمًا ويستحق النقاش، ويطرح عدة تساؤلات حول الأسباب، رغم أن الخطاطات يشاركن بأعمالهن في المسابقات والمناقشات الفنية. وأيضًا يُحتمل أن تلعب العقلية الاجتماعية دورًا في تقليل ظهور النساء، ما يعوقهنّ عن المشاركة بشكل فعال، وقد تعاني الخطاطات من نقص الدعم من الجمعيات أو الجهات المختصة، مما يُثبط عزيمتهن أيضًا؛ فالبيئة المحيطة لها دور، بما في ذلك كما ذكرنا التقاليد والعادات، التي قد تقف عائقًا أمام بروز المرأة في هذا الفن. لذلك يجب العمل على تعزيز دور الخطاطات من خلال نشر الوعي حول إنجازاتهن وأهميتهن في هذا المجال، والعمل على تدريب المبدعات في هذا المجال من خلال تنظيم دورات تدريبية طويلة المدى تستمر لعام على الأقل؛ لتتمكن الخطاطة من استيعاب نقاط الفهم وممارسة الخط باحترافية، ويجب على الجهات المختصة إنشاء منصات خاصة للخطاطات للمشاركة والتعبير عن إبداعهن، ومن خلالها تستطيع المشاركة في المعارض والمسابقات الدولية، كما أؤكد على ضرورة تدخل الجمعيات والجهات الفنية المعنية ولجان التحكيم في المسابقات لدعم المواهب النسائية.

وفي ختام حديثها قالت "الحسنية": إن حضور الخطاطات في فن الخط العربي ضرورة لإثراء هذا الفن العريق وتطويره، فمن المهم أن تُعطى النساء الفرصة للتألق في هذا المجال، مما سيعود بالنفع على المجتمع العماني والفني بأسره.

التأثر بعوامل مجتمعة!

من جانبها قالت الخطاطة عزيزة بنت طالب اليوسفية إن غياب الخطاطات العُمانيات عن المشهد ليس بسبب نقص في الموهبة، بل نتيجة عدة عوامل مجتمعة، أولها ضعف الوعي الثقافي بأهمية الخط العربي، وخاصة في المراحل الدراسية المبكرة، حيث لا يُمنح الخط العربي ما يستحقه من اهتمام داخل المدارس، لا كمادة تعليمية ولا كثقافة فنية تُغرس في الأطفال من الصغر. كما أن قلة المراكز أو المعاهد المتخصصة، سواء الحكومية أو الخاصة، في تعليم الخط العربي تُعد من أبرز التحديات، حيث لا توجد معاهد تمنح درجات علمية متخصصة في هذا المجال، لا هنا في سلطنة عمان ولا في أغلب دول الوطن العربي، وهذا يقلل من فرص التطور الأكاديمي والمهني للمهتمين. كما أن المرأة العُمانية، ومثل الكثير من النساء العربيات، تتحمّل أدوارًا متعددة في حياتها، فهي أم، وزوجة، وموظفة، ومربية، مما يجعل وقتها أكثر انشغالًا مقارنة بالرجال، الذين قد تتاح لهم فرص التفرغ والمشاركة بشكل أكبر. ومن التحديات أيضًا تمركز معظم حلقات العمل والمراكز التدريبية في العاصمة مسقط، مما يصعّب على النساء من المحافظات الأخرى الوصول والمشاركة، خاصة في ظل التزاماتهن العائلية، وهذا يبرز الحاجة إلى توزيع المراكز والدورات التدريبية في مختلف مناطق سلطنة عمان لتحقيق عدالة الفرص.

وتختتم "اليوسفية" حديثها بالقول: لا ننسى أن الاختلاف في الأهداف الشخصية بين الخطاطات قد يلعب دورًا أيضًا؛ فبعضهن يملكن الموهبة ولكن لا يفضلن الظهور أو التنافس في المعارض والفعاليات، ويمارسن الفن بدافع ذاتي فقط، بعكس من يسعين للانتشار والمشاركة العامة. لذلك أتمنى أن يشهد فن الخط العربي في عُمان اهتمامًا أكبر، من خلال تسليط الضوء على المبدعات، وكذلك اكتشاف طاقات جديدة، وتوفير بيئة تعليمية وتدريبية عادلة تُمكّن النساء من إبراز مواهبهن والمشاركة الفاعلة في المشهد الفني محليًا وعربيًا ودوليًا.

الالتزامات الأسرية

وتؤكد الخطاطة نُتيلة الرواحية أن هناك ندرة في بروز أسماء الخطاطات وتقول: رغم تلك الندرة، فالخطاطات لسن بغائبات أو مهمشات بل هنّ موجودات في الساحة الفنية بما يتناسب مع طبيعة وضعهن الاجتماعي في المجتمع؛ ففي نظري، كثرة التزامات المرأة في الحياة الاجتماعية عامة، والأسرية والعائلية خاصة، قد يقلل من بروزها في بعض المجالات، والتي منها مجال الخط العربي. وبالرغم من ذلك، هناك بعض الخطاطات اللواتي برزن في مجال الكتابة بالخط العربي في الماضي والحاضر، إلا أنه ما زال هناك قصور في مجال التأليف والتدريس، ولا شك أن السبب ليس قلة عدد الخطاطات أو عدم منحهن الفرصة؛ فالفرص متاحة للجميع في المجتمع الفني، وعلى الشخص إبراز موهبته الفنية من ذات نفسه، سواء كان ذكرًا أم أنثى، ولا علاقة بتهميش المرأة في هذا المجال.

وتضيف "الرواحية": من وجهة نظري، أن من التحديات التي تواجه الخطاطات بصفة خاصة هي عدم وجود كلية خاصة للفنون تهتم بتدريس فن الخط العربي، ففي تركيا مثلًا، هناك جامعات خاصة للفنون، ومن ضمن تخصصاتها فن الخط العربي، وأتوقع إذا وُجد هذا التخصص فسيكون هناك بروز واضح للمرأة في هذا المجال أكثر مما هو الحال الآن.

العمل في الظل!

في الوقت نفسه، تشير الخطاطة نوال الهنائية إلى أن غياب الخطاطات عن الساحة لا يعني بالضرورة عدم وجودهن أو عدم تمكنهن، بل في الحقيقة هنّ حاضرات، لكن حضورهن غالبًا ما يكون خافتًا، لا يُرى بالوضوح الذي يستحق، فهناك خطاطات مبدعات وعلى مستوى عالٍ من الإتقان والاحتراف، لكن لا يظهرن في المشهد بسبب نقص الدعم، وقلة الفرص، في الوقت الذي يحظى فيه الرجل غالبًا بتسليط الضوء، والدعوات، والمشاركات، لذلك تعمل كثير من النساء في الظل، رغم جودة أعمالهن وتميّزها... صحيح أن عدد الخطاطات أقل من عدد الخطاطين، وهذا أمر يمكن فهمه في ظل ظروف اجتماعية وثقافية مرّت بها المجتمعات، لكن حتى هذا العدد القليل من الخطاطات لا يأخذ حقه الكامل في التمثيل أو الظهور، فالمشكلة لا تكمن فقط في العدد، بل في قلة الاهتمام بهذا الحضور النسائي، وضعف إتاحة الفرص لهن للظهور والتألق، وكثيرًا ما يُسلّط الضوء على أسماء رجالية معروفة، في حين تُغفل أسماء نسائية متمكنة، فقط لأنهن لم يُمنحن المنصة الكافية للظهور.

وتضيف "الهنائية": لا تزال بعض المؤسسات واللجان الفنية، خصوصًا لجان التحكيم، تُدار بعقلية تميل لتفضيل الذكور، أحيانًا دون وعي، مما يجعل تقييم أعمال الخطاطات يخضع لمرشّحات مسبقة لا علاقة لها بجودة العمل... وهذا التحيّز يظهر بوضوح في التمثيل المنخفض للنساء ضمن قوائم الفائزين أو المشاركين في الفعاليات الدولية. في الوقت نفسه، تواجه كثير من النساء تحديات اجتماعية لا تساعدهن على الاندماج الكامل في هذا المجال، ففي بعض البيئات، لا تجد المرأة التشجيع الكافي لممارسة الخط بشكل احترافي، أو تُمنع من السفر والمشاركة في حلقات العمل والمعارض، مما يقلل من فرصها في الظهور والانتشار. وقد تتعرض لضغوط أسرية أو مجتمعية تجعل ممارستها للخط محصورة في إطار الهواية، لا الاحتراف... كما أن الكثير من الخطاطات لا يملكن نفس الوقت أو الدعم الذي يحصل عليه الرجل، ما يؤثر بشكل مباشر على استمرارية مشاركتهن في المحافل الفنية، كما أن أغلب برامج الخط تُدرّس على يد رجال، وغالبًا لا توجد نساء ضمن طاقم التدريب، مما يقلل من وجود قدوات فنية نسائية يُحتذى بها، ويجعل دخول المرأة لهذا المجال أكثر صعوبة.

الفرص محدودة!

أما الخطاطة حليمة المحمودية فقالت: إن العديد من النساء يُقبلن على تعلم الخط العربي، خاصة في السنوات الأخيرة، وتزدهر الدورات التدريبية التي تضم متدربات موهوبات، لكن العدد لا ينعكس على الساحة الإعلامية أو المؤسسية كما هو الحال مع الخطاطين الذكور غالبًا، حيث لا تُمنح الخطاطات نفس الفرص. رغم وجود مبادرات متفرقة لتسليط الضوء على الخطاطات، إلا أن التمثيل في لجان التحكيم للمسابقات الكبرى يغيب فيه العنصر النسائي. المعارض الدولية والخطية الكبرى تستضيف أسماء للخطاطين الذكور بشكل شبه دائم، والنشر والتكريم ينحصر في أسماء تقليدية، رغم وجود خطاطات يستحقن الاحتفاء... لذلك فإن أحد أبرز العوائق التي تواجه النساء في هذا المجال هو استمرار العقلية الذكورية في إدارة بعض مفاصل المشهد الفني والخطي، مشيرة إلى أن المرأة لا تزال تُنظر إليها في بعض السياقات بوصفها "متذوقة" أو "متعلّمة"، لا كمؤسسة أو قائدة في هذا الفن، وهو ما يُضعف حضورها المؤسسي ويحد من تمثيلها الحقيقي.

وسلطت "المحمودية" الضوء على عدة تحديات متراكمة، من بينها القيود الاجتماعية التي قد تمنع الخطاطات من السفر أو المشاركة في الفعاليات العامة، إضافة إلى سيطرة الذكور على أغلب لجان التحكيم، مما يؤدي ـ حتى دون قصد ـ إلى تحيّز في تقييم الأعمال، وقالت: لا توجد جهات كافية تتبنى تمكين الخطاطات أو تهيئة منصات حقيقية لهن. وضربت مثالًا حيًا من تجربتها، حين كانت ضمن مجموعة من الخطاطات تحت مظلة جمعية المرأة العمانية بمسقط، قبل أن يتم الاستغناء عنهن فجأة، ما اعتبرته نموذجًا للتهميش المؤسسي غير المبرر.

ورغم كل ذلك، عبّرت الخطاطة حليمة المحمودية عن تفاؤلها بوجود مؤشرات إيجابية للتغيير، مؤكدة أن الوعي بدأ يتزايد، وأن منصات التواصل فتحت نوافذ جديدة أمام الموهوبات لتقديم أنفسهن. وقالت: الخطاطات لم يغبنَ عن الميدان، لكننا مُغيّبات عنه إعلاميًا ومؤسساتيًا... والحل يبدأ بتغيير العقليات، وتوفير فرص عادلة، وتمكين حقيقي، وإنشاء مدرسة متخصصة تُعنى بالمرأة في مجال الخط العربي.

مقالات مشابهة

  • هولندا تدرج العدو الصهيوني ضمن قائمة الكيانات التي تهدد أمنها القومي
  • الخطاطات العمانيات... بين تحديات الظل وتهميش العلن!
  • الحوثيون وتجارة المخدرات.. اليمن من ساحة صراع إلى منصة تهريب عابر للحدود
  • «سبيس إكس» تطلق 28 قمراً صناعياً جديداً عبر «ستارلينك»
  • أخبار التكنولوجيا|القصة الكاملة لانقطاع شبكة أقمار إيلون ماسك ستارلينك.. آبل تطلق النسخة التجريبية العامة من نظام iOS 26 بواجهة الزجاج السائل
  • أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي يطالبون ترامب بكبح نتنياهو: الحرب في غزة تهدد الأمن القومي
  • عطل أم هجوم سيبراني؟.. القصة الكاملة لانقطاع شبكة أقمار إيلون ماسك ستارلينك
  • «مداري سبيس»: نخطط لبناء مراكز بيانات فضائية
  • بسبب ستارلينك.. كيف أوقف إيلون ماسك هجوماً أوكرانياً حاسماً ضد روسيا في 2022؟
  • مهندس التهريب الخفي.. الطالبي واجهة حوثية لمشروع إيراني عابر للحدود