مهندس التهريب الخفي.. الطالبي واجهة حوثية لمشروع إيراني عابر للحدود
تاريخ النشر: 25th, July 2025 GMT
في أعقاب ضبط شحنة الأسلحة الإيرانية النوعية التي أعلنت المقاومة الوطنية عن اعتراضها مؤخرًا، انكشفت خيوط شبكة تهريب معقدة تقودها طهران، تتجاوز في أساليبها وتعقيدها ما كان يُعتقد سابقًا. لكن الأخطر أن هذه الشبكة يقودها رجل واحد تحول إلى ما يشبه "الصندوق الأسود" لعمليات إيران السرية في اليمن: محمد أحمد الطالبي، المعروف بـ"أبو جعفر الطالبي".
بعيدًا عن الأضواء، يقود "الطالبي" واحدة من أخطر شبكات تهريب الأسلحة في المنطقة. ينتمي هذا القيادي الحوثي إلى الدائرة اللوجستية العليا داخل الميليشيا، وهو مدرج على لوائح الإرهاب الدولية منذ عام 2020. غير أن اسمه عاد بقوة إلى الواجهة بعد الكشف عن تفاصيل الشحنة الأخيرة، التي وصفت بأنها "الحلقة الثالثة عشرة" ضمن سلسلة عمليات تهريب تولى الطالبي الإشراف المباشر عليها.
ووفق المعلومات والمصادر فأن المهام الأساسية للطالبي تمكن في: إدارة خطوط تهريب السلاح من إيران عبر الصومال وسواحل اليمن، وتنسيق العمليات تحت غطاء شركات وهمية (كـ"الهاديا للتجارة")، كما أن للرجل صلات وثيقة بوحدة "أمير المؤمنين" التابعة لفيلق القدس الإيراني.
وتشير تقارير استخباراتية إلى أن الطالبي تلقى تدريبات متقدمة في قاعدة "جاسك" البحرية الإيرانية، وهي إحدى القواعد المتخصصة في إعداد الكوادر الموجهة لحروب "الوكالة"، خاصة تلك المتعلقة بالملاحة البحرية.
العملية الأخيرة لم تكن معزولة، بل جزء من نمط تهريب متطور كشفته المقاومة الوطنية خلال مؤتمرها الصحفي. فوفقًا للعميد صادق دويد، فإن الشبكة تعتمد على وسائل تمويه مركبة، تبدأ من رفع أعلام مزيفة (لبنانية، صومالية)، مرورًا بشحنات مزدوجة الطبقات، حيث توضع الأسلحة في القاع، مغطاة ببضائع مدنية كالسكر والأدوية.
المسارات المعتادة التي تشرف عليها شبكة الطالبي تنطلق من إيران البعض يسير في خط سير يتمثل نحو جزر القمر وثم إلى الصومال وأخيرًا صوب اليمن عبر زوارق سريعة. في حين هناك خط تهريب أخر يتمثل في التوجه صوب سلطنة عمان، وثم بحر العرب والسير صوف موانئ الحديدة تحت غطاء شركات تجارية.
>> جهاز تجسس إسرائيلي وتعاون كيميائي مع إيران.. التصنيع العسكري الحوثي أكذوبة
وأشارت المصادر إلى أن الشحنات التي تديرها شبكة القيادي الحوثي تمر عبر شركات وهمية مثل: الهدى للاستيراد والتصدير (مقرها صوماليلاند). مؤسسة الخير للإغاثة التي تستغل غطاء العمل الإنساني.
خطورة شبكة الطالبي لا يقتصر على ما تهربه، بل في نوعية الأسلحة والتقنيات المستخدمة لتجاوز الرقابة. فالشحنة الأخيرة تضمنت: صواريخ "غدير" البحرية القادرة على تهديد الملاحة الدولية وإغلاق مضيق باب المندب، وصواريخ "قدر 380" و"صقر 358"، وهي أنواع عالية الدقة والاستهداف الجوي. وطائرات انتحارية "معراج 532"، قادرة على تنفيذ هجمات جماعية متزامنة، ومعدات تجسس إلكترونية إسرائيلية الصنع، مهربة عبر وسطاء، تُستخدم لاعتراض الاتصالات وتشويش الأنظمة.
وما يُعزز خطورة الشبكة، وفق تحقيقات المقاومة الوطنية، أن الطالبي يشرف على ورش داخل اليمن لتركيب هذه الأسلحة بمكونات إيرانية. في صعدة، تم العثور على منشآت لتجميع طائرات "معراج" الانتحارية، ما يعني أن بعض عمليات التصنيع باتت تتم داخل البلاد.
الشحنة التي جرى ضبطها ليست موجهة لجبهات القتال فقط، بل تهدف – كما أكد متحدث المقاومة الوطنية العميد صادق دويد في المؤتمر الصحفي الأخير – إلى ضرب الاقتصاد العالمي، عبر تهديد الممرات البحرية وشن هجمات نوعية بطائرات انتحارية. ويبدو أن إيران لم تكتف بتسليح الحوثيين بأسلحة تقليدية، بل تسعى لنقل قدرات تكنولوجية متقدمة، وربما إنشاء قاعدة صاروخية في جنوب البحر الأحمر.
خبراء عسكريون حذروا من أن السماح ببقاء شبكة الطالبي دون ردع سيُفضي إلى تصعيد حوثي واسع، وإيضا تزويد الحوثيين بصواريخ طويلة المدى مثل "خيبر-1" وهو ما سيؤدي إلى توسيع نطاق تهديد الملاحة من باب المندب حتى قناة السويس.
رغم إنكار طهران تورطها في الشحنة الأخيرة، إلا أن وثائق الشحن وصور المضبوطات تُظهر أرقامًا تعود إلى ميناء بندر عباس الإيراني، الأمر الذي يضع إيران أمام مسؤولية قانونية مباشرة بانتهاك القرار 2231 لمجلس الأمن.
وفق تقديرات عسكرية يمنية وغربية، فإن تفكيك شبكة الطالبي يتطلب ضرب البنية البحرية من خلال اعتراض السفن قبل وصولها اليمن، وتجفيف التمويل عن طريق تتبع الحوالات البنكية والشركات التي تشكل واجهات التهريب. إضافة إلى استهداف مباشر للقيادات: تنفيذ عمليات استخباراتية تستهدف عناصر الشبكة على الأرض.
وقال العميد صادق دويد: "الطالبي ليس مجرد مهرب.. إنه قنطرة إيران لتحويل اليمن إلى منصة إطلاق صواريخ ضد العالم".
ما قاله دويد لم يكن خطابًا سياسيًا، بل تحذيرًا مبنيًا على وقائع ووثائق وذخائر كانت في طريقها إلى الحوثيين. وقد تكون هذه الشحنة مجرد مقدمة لتصعيد أكبر، ما لم يتحرك العالم لوقف هذا الشريان القاتل.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: المقاومة الوطنیة
إقرأ أيضاً:
جزيرة إبستين.. الوجه الخفي لحرب السيطرة على القرار الدولي
أحمد بن محمد العامري
في عالم السياسة الدولية لا تُدار كل الحروب بالسلاح ولا تُخاض كل المعارك في ميادين القتال. هناك صراعات أخطر تدور خلف الكواليس، حيث تُستخدم الفضائح، وتُدار الملفات السوداء وتُصادر الإرادات قبل أن تتخذ قرارها.
في هذا السياق، تطفو على السطح قصة جزيرة "سانت جيمس كوكر" التي تحولت إلى صندوق أسرار أسود يمتلك مفاتيحه "الموساد" الإسرائيلي، عبر رجل يدعى جيفري إبستين.
إبستين، الذي عرفه العالم كرجل أعمال وفاعل خير ظاهريًا كان في الحقيقة يدير واحدة من أخطر أدوات الابتزاز في العصر الحديث، من خلال جزيرته الصغيرة في البحر الكاريبي، لم تكن منتجعًا عاديًا، بل فخًا مُحكمًا نُصِب لكبار الشخصيات العالمية في السياسة والمال والإعلام ورجال دولة، رؤساء، أمراء، مليارديرات، ومشاهير، جميعهم مرّوا من هناك، حيث كانت تنتظرهم جولات من الرذيلة والانحراف الجنسي، استُخدمت فيها قاصرات وقصر، وتم إعداد المشهد بكامل تفاصيله لتسجيل كل لحظة.
الهدف لم يكن المتعة العابرة، بل تحويل هذه اللحظات إلى قيد دائم على هؤلاء الأشخاص، كل غرفة، كل زاوية، وكل مكان خاص في تلك الجزيرة كانت تملؤه كاميرات التجسس، ترصد بالصوت والصورة، من لحظة الوصول حتى المغادرة، ويتم إرسال كل ما يُصور إلى غرف مظلمة تابعة لجهاز الموساد حيث تُحفظ هذه الملفات لا للذكرى، بل كأداة تحكم سياسي وأمني واقتصادي طويل الأمد.
هذه العملية ليست سابقة في التاريخ، لكنها بلا شك الأوسع والأخطر من حيث الحجم والدقة والتنظيم، فالابتزاز الجنسي كان دائمًا أداة فعالة استُخدمت عبر القرون للسيطرة على الساسة وتجنيد العملاء وإخضاع النخب، لكن ما جرى في جزيرة إبستين فاق كل ما سُجل من قبل في كتب التاريخ من حيث التنوع الطبقي للضحايا وتشابك المصالح بين أجهزة الاستخبارات والمال والنفوذ الإعلامي.
في أوروبا والولايات المتحدة، كانت هناك سوابق مشابهة وإن لم تكن بنفس الاتساع، ففي أوائل القرن العشرين وخصوصًا في نيويورك، انتشرت شبكات دعارة سرية كانت تدار من قبل شخصيات يهودية نافذة، استخدمت هذه الشبكات للربح، ولكن أيضًا لجمع المعلومات وتوريط الشخصيات المؤثرة. واحدة من أشهر هذه الشبكات كانت تلك التي تديرها اليهودية بيرل أدلر "بولي"، التي عُرفت باسم "ملكة الدعارة" في نيويورك، بولي كانت تدير بيوت دعارة يرتادها الساسة وكبار الضباط والمسؤولون، وتم استغلال هذه الأماكن لتوثيق الفضائح وابتزاز الشخصيات المؤثرة سياسيًا واقتصاديًا.
في أوروبا أيضًا، وتحديدًا في باريس وبرلين، برزت خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي شبكات مشابهة كان يديرها يهود مرتبطون بحركات صهيونية أو بشبكات جريمة منظمة، هذه الشبكات لم تكن تقتصر على الربح المالي، بل كانت تتعاون كذلك مع أجهزة استخبارات للحصول على معلومات حساسة أو للسيطرة على القرار السياسي عبر الابتزاز الأخلاقي.
لكن رغم كل تلك السوابق، فإن ما فعله إبستين يمثل نقلة نوعية، لقد تحول من مجرد مدير شبكة دعارة إلى "سمسار أسرار دولية". الجزيرة التي امتلكها كانت أشبه بإستوديو تجسس كامل صممته عقول أمنية محترفة، حيث يتم رصد الضيوف من لحظة الوصول إلى لحظة مغادرتهم، وكل شيء بين هاتين اللحظتين يُوثق: العلاقات الجنسية، المحادثات الجانبية، التصرفات الخاصة، وكل ما يمكن أن يشكل ورقة ضغط مستقبلية.
هذه الملفات لم تكن محفوظة للفرجة أو الابتزاز المالي فقط، بل لتشكيل مستقبل السياسات الدولية. شخصيات ذات ثقل اقتصادي عالمي، ورجال دولة يتحكمون في قرارات سيادية، أصبحوا أسرى لهذه الأشرطة والصور.
من هنا يصبح مفهومًا لماذا يصمت بعض القادة عن جرائم إسرائيل ولماذا هرولت بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع رغم الجرائم اليومية التي ترتكب بحق الفلسطينيين. ببساطة، لأنهم لا يملكون قرارهم.
الابتزاز الأخلاقي الذي تمت ممارسته من خلال شبكة إبستين، بإشراف مباشر من الموساد، يمثل أخطر أشكال الحرب غير التقليدية، حرب لا تُستخدم فيها الصواريخ ولا الجيوش، بل تُخاض بالكاميرات الخفية وبملفات الفيديو التي تحطم الشخصيات وتقيد الإرادات، كلما واجه هؤلاء القادة خيارًا سياسيًا حساسًا تذكّروا الملفات التي تملكها إسرائيل عنهم، وتراجعوا عن المواجهة.
هذا النمط من السيطرة عبر الفضائح الشخصية ليس جديدًا، ولكنه في قضية عميل الموساد "إبستين" وصل إلى درجة غير مسبوقة من التنظيم، لم يعد الأمر عشوائيًا بل صار منظومة عمل كاملة يتم من خلالها اختيار الضحايا، استدراجهم، تصويرهم، ثم التحكم في قراراتهم المستقبلية، وهنا تتحول "الرذيلة" من فعل شخصي إلى سياسة دولة.
إن العالم اليوم يقف أمام مشهد بالغ الخطورة، فصناعة القرار الدولي في كثير من الأحيان لم تعد تدار في قاعات الاجتماعات ولا وفق مصالح الشعوب، بل في غرف مغلقة تحكمها صور مسربة ولقطات مصورة لأفعال مشينة، من هنا نفهم لماذا تتبدل المواقف، ولماذا يسكت العالم عن الاحتلال، ولماذا تتجه بعض الدول إلى الانبطاح الكامل أمام إسرائيل رغم وضوح جرائمها.
قضية جزيرة إبستين ليست ملف فضيحة شخصية، بل هي جريمة أمن قومي عالمي، جريمة سُلبت فيها إرادات الشعوب عبر السيطرة على قادتها، وتحولت فيها أدوات الرذيلة إلى أسلحة أكثر فتكًا من البنادق والصواريخ، وإذا لم تُفتح هذه الملفات وإذا لم تتم محاسبة المتورطين، فإن العالم سيظل يدور في دائرة الفساد والابتزاز، وستظل الشعوب رهينة لقرارات تُتخذ في الخفاء تحت تهديد الصور والفضائح، لا تحت راية السيادة ولا وفقًا لمصالح الإنسانية.