لا تفرحوا بالولاية الثانية لترامب!
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
د. عبدالله باحجاج
لماذا لا تفرحوا بالولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟ ليس لأنه مزاجي ومُتقلِّب الآراء، وليس لأنه شخصية تُزاوِج بين مصالح بلادها ومنافعها الشخصية، وليس لأنه يُهدد بسحب قوات ومعدات بلاده من الخليج، وجعل عواصم خليجية حليفة تخترقها صواريخ مسيرة، ولكن لشغفه الذي لن يُقاوم البقاء في رئاسة الولايات المتحدة لأكثر من دورتين، والدستور الأمريكي يسمح له بذلك، خاصة وأن هناك سوابق تخطى فيها غيره حاجز الدورتين مثل الرئيس فرانكلين روزفليت الذي استمر أربعة دورات، وحتى لو لم يكن هناك إمكانية دستورية، فستُصنَع له وبقوة تشريعية وتنفيذية تضمن له تمرير كل ما يُريده، وكذلك لسبب آخر استراتيجي، وهو رهانات المحافظين الأمريكيين في إحداث إصلاحات بنيوية سياسية واجتماعية ودينية شاملة عندما يعود ترامب للبيت الأبيض رسميًا.
لذلك، سيكون شغله الشاغل تطبيق شعار حملته "أمريكا أولًا"، من على خلفية ضمانة بقائه في البيت الأبيض لفترات عديدة وخلوده في التاريخ السياسي الأمريكي، وهذه الطموحات الكبرى يمكن أن تتحقق له من خلال "مشروع 2025"، وهو كتاب بحثي أعده محافظون من أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ كتبه أكثر من 400 باحث وخبير سياسي مُحافِظ، ويقع في مجلد يتألف من 920 صفحة؛ ليكون خارطة طريق ترامب بعد فوزه، وقد أثار حين الكشف عنه قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضجة كبيرة داخلية، ولدواعٍ انتخابية اضطر ترامب إلى القول إنَّ لديه بعض التحفظات على بنوده.
وأطلقت فكرة مشروع 2025 مؤسسة "هيرتيج فاونديشن" البحثية اليمينية؛ وهي مؤسسة فكرية مُحافِظة تأسست عام 1973، تُعرف بأنها من بين المنظمات اليمينية الأكثر نفوذًا في الولايات المتحدة. وقد تداخلت مع رد ترامب في حينه قائلةً- من جانبها- إن المشروع لا يُمثِّل خطة ترامب، لكنها خطة وُضِعَت من أجل رئاسته في حال فوزه في الانتخابات. وحتى نقترب من بصمات ترامب على هذا المشروع، فقد استعانت المؤسسة بسياسيين وباحثين محافظين بينهم 140 عضوًا من إدارة ترامب السابقة، منهم كريستوفر ميلر القائم بأعمال وزير الدفاع السابق، وكين كوتشينيلي نائب وزير الأمن الداخلي السابق، وبيتر نافارو، كبير المستشارين التجاريين السابق لترام.
وتقول المصادر إن المؤسسة قد استخدمت مواردها ونفوذها لدفع أجندتها المحافظة في كل جانب من جوانب الحياة الأمريكية، وعلى رأسها معارضة الجهاد، وسياسات المناخ، والدعوة المناهِضة للمثليين، والدعوات لتضخيم الميزانية العسكرية ودور واشنطن العسكري حول العالم. وبرزت هذه المؤسسة في صُنع السياسة العامة الأمريكية منذ فترة رئاسة رونالد ريجان الذي اعتمد في سياساته على الدراسة السياسية للمؤسسة بعنوان "انتداب القيادة"، وأصبحت المؤسسة أحد مراكز البحث المحافظة الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة.
ويُدغدغ "مشروع 2025" اليميني مشاعر وطموحات ترامب كرئيس حاكم لكل السلطات، ولأجل طويل، من خلال إعادة هيكلة الحكم بتوسيع السلطات الرئاسية وإصلاح القوى العاملة الفيدرالية، بحيث يمكن استبدالها بالموالين الحزبيين.
الأخطر في المشروع كما تقول الصحيفة اليهودية "ذا جويش نيوز أوف نورثرن كاليفورنيا"، أنه يكمن في كونه يُسوِّق ضمنيًا لفكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية مسيحية، وقد انحرفت عن القيم المسيحية، وأن إجراءات معينة يجب أن تُتَخذ لجعل هذه القيم السمة المميزة للحكومة والحياة العامة. وبعبارة أخرى- والقول للصحيفة- يأمل القوميون المسيحيون استخدام القوة السياسية لكسر الفصل بين الكنيسة والدولة، ومواءمة القوانين المتعلقة بالقضايا الاجتماعية مع العقيدة الدينية الإنجيلية. وفي المشروع تفاصيل شاملة للسلطة التنفيذية، ومن بينها تجريم المواد الإباحية، وفرض حظر شامل عليها وحل وزارتي التجارة والتعليم، ووقف مبيعات حبوب الإجهاض.
وحسب دراسة لمؤسسة "جالوب" فإن المسيحية في الولايات المتحدة هي الديانة الأكثر انتشارًا بنحو 73.7% من الأمريكيين، وأظهر استطلاع أجراه معهد أبحاث الدين العام "بي آر آر آي" (PRRI) بالتعاون مع معهد بروكينجز، ونشره موقع "الجزيرة نت"، نسب دعم القومية المسيحية بين الأمريكيين من خلال طرح 5 أسئلة واستفسارات تتطلب الإجابة عليها بنعم أم لا، وهي:
- هل دعا الله المسيحيين لمُمارسة السيادة على جميع مجالات المجتمع الأمريكي؟
-هل يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تعلن أمريكا أمة مسيحية؟
- هل أن تكون مسيحياً هو جزء مهم من كونك أمريكيا؟
- هل إذا ابتعدت الولايات المتحدة عن الأسس المسيحية، فلن يكون لدينا بلد بعد الآن؟
-هل يجب أن تستند قوانين الولايات المتحدة إلى القيم المسيحية؟
وقد وجد الاستطلاع، وهو الأكبر على الإطلاق الذي تم إجراؤه حول هذا الموضوع، أن نحو 30% من كل الأمريكيين يمكن تصنيفهم على أنهم أتباع أو متعاطفون مع القومية المسيحية، وهم أولئك الذين يتفقون تمامًا أو في الغالب مع تلكم العبارات الخمسة السابقة، في حين يعارض ما يقرب من ثلثي الأمريكيين هذه النظرة المسيحية القومية للولايات المتحدة.
ويتعمق الاستطلاع أيضًا في تمسُّك الأمريكيين بالآيديولوجية القومية المسيحية البيضاء، ووفقًا لـ33% من الأمريكيين، فقد أعطى الرب أمريكا للمسيحيين الأوروبيين كأرض موعودة؛ حيث يمكنهم إنشاء مجتمع مثالي، كما إن أكثر من نصف البروتستانت الإنجيليين البيض يوافقون على هذه العبارة، و77% من الأمريكيين يعتقدون أن الآباء المؤسسين كانوا يقصدون إنشاء "أُمَّة مسيحية". ويرى هؤلاء القوميون المسيحيون أن شعار دونالد ترامب الانتخابي "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" يعني بالأساس إعادة السلطة إلى أمريكا المسيحية البيضاء.
لا يعنينا في هذا المقال تداعيات هذه التوجهات الحاكمة لفترة ترامب، وموقف اليسار الراديكالي منها، ولا عداوته المقبلة لأوروبا، ولا دوره في استنهاض المحافظين واليمين الشعبوي في القارة العجوز، وإنما يعنينا كيف ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي التعامل مع حقبة ترامب والمحافظين، مع التذكير دائمًا بمواقفه السياسية والأمنية منها إبّان فترته الأولى، ونختصرها في النقاط التالية:
- المضي قدما في تنويع الحلفاء والشركاء، والاعتماد على الذاتية في اطار التنسيق والتماهي الخليجي الخليجي.
- الحفاظ وتعزيز المناعة الاجتماعية لكل دولة، فاذا هي ضمنت عدم تسييس حقوق الانسان وحرياته في عهد ترامب الجمهوري، فلن تضمن إكراهات المحافظين الأمريكان في الدفاع عن حقوق المسيحيين في الخارج، كما إن الإكراهات الأوروبية في قضايا المِثلية والنسوية والإلحاد ستزداد أكثر من السابق، وإلغاء عقوبة الإعدام كشرط أساسي لتأشيرة شنجن نموذجًا.
- تصحيح الاختلالات البنيوية لتحولاتها الحديثة، فهي تُجدِّد الأفكار السياسية القديمة في المنطقة، وتنتج أفكاراً جديدة بقاطعات دولية بقوى أنظمة وأحزاب وجماعات.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
جائزة السلام من الفيفا لترامب تثير جدلاً واسعاً حول حياد كرة القدم
أثارت الجائزة الجديدة التي منحها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جياني إنفانتينو، للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جدلاً واسعاً وتساؤلات حول حياد الفيفا السياسي، في خطوة وصفها العديد من النقاد بأنها مثيرة للجدل وفجة.
ففي احتفال أقيم يوم الجمعة، منح إنفانتينو ترامب الجائزة الأولى من نوعها تحت مسمى "جائزة السلام من الفيفا"، مشيداً بإنجازاته الدبلوماسية الدولية، بما في ذلك ما يعرف بـ"اتفاقيات أبراهام" التي أقامت علاقات رسمية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وقال إنفانتينو: "هذا ما نريد أن نراه في القائد: من يهتم بالشعوب ويريد عالماً آمناً ويعمل على توحيد الناس". وأضاف: "السيد الرئيس، أنت تستحق بالتأكيد هذه الجائزة على ما حققته بطريقة مذهلة".
انتقادات حقوقيةلكن منح الجائزة لترامب جاء وسط انتقادات واسعة. فقد أشارت جماعات حقوقية ودبلوماسيون سابقون إلى سجل ترامب في المجالين الداخلي والخارجي، بما يشمل دعم إسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين، وتنفيذ ضربات جوية مميتة في منطقة البحر الكاريبي، وكذلك انتهاكات حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة.
وقال كريغ موخيبر، مسؤول سابق في الأمم المتحدة، إن الجائزة تمثل "تطوراً مخجلاً" وتهدف إلى "تلميع سجل ترامب المخزي".
وأشار النقاد إلى أن القرار يتناقض مع سياسات الفيفا السابقة التي دعت إلى الحياد السياسي وحظر الرسائل السياسية داخل الملاعب، مستذكرين تصريحات إنفانتينو عام 2023 حول أهمية الحفاظ على استقلالية الرياضة وحيادها.
ووصف الصحفي زاك لوي منح الجائزة لترامب بأنها أشبه بمنح لاعب كرة القدم لويس سواريز جائزة لعدم عض منافسيه، في إشارة إلى سجله المثير للجدل.
كأس العام ٢٠٢٦ويأتي هذا الحدث قبل استضافة الولايات المتحدة، بالتعاون مع المكسيك وكندا، لكأس العالم 2026، ما يعكس العلاقات الوثيقة التي جمعها إنفانتينو بترامب خلال الفترة الماضية، بما في ذلك حضوره مراسم توقيع هدنة غزة في مصر.
من جانبه، أكد ترامب أن الجائزة تمثل "أحد أعظم التكريمات" التي تلقاها، مؤكداً أن رئاسته أنقذت ملايين الأرواح وأنه أنهى ثمانية صراعات، في تصريح أثار موجة سخرية وانتقاد على وسائل التواصل الاجتماعي.
وطالب النقاد الفيفا بإلغاء الجائزة، مؤكدين أن السياسة الخارجية والسجل الحقوقي لترامب لا يعكسان "أفعالاً استثنائية للسلام والوحدة"، وأن منح الجائزة يضر بسمعة الاتحاد ويضعه في مواجهة قيمه المعلنة حول حياد الرياضة.