الشيخة جواهر: «أولاد الناس» توثّق تاريخ مجتمع مصر
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
الشارقة: «الخليج»
شهدت قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، جلسة مثرية ضمن سلسلة جلسات «صالون الشارقة الثقافي» الذي نظمه المكتب الثقافي بالمجلس، وقد حملت الجلسة عنوان «قراءة في تاريخ المماليك، من خلال رواية «أولاد الناس»، بحضور ومشاركة مؤلفته الأديبة المصرية د.
أعربت سموها، في بداية الجلسة عن سعادتها، باستضافة الكاتبة د. ريم، قائلة: «إن د. ريم بسيوني شخصية ثقافية عربية نفتخر بها، ونتمنى أن يكون لها صيت أكبر مما تحظى به الآن، لما قدمته لنا من تصوير مفصل عن تاريخ حبيبتنا مصر». لطالما كنا نجول في مصر ومدنها القديمة بحب دون الانتباه إلى تاريخها ومدى عمقه، فيقال لنا هذا مسجد السلطان الحسن، وهذا أحمد بن طولون، وغيرهم، تلك أسماء مررنا عليها مرور الكرام في التاريخ لمجرد المعرفة، ولكن «أولاد الناس» صور لنا تفاصيل المجتمع المملوكي وكأننا نعيش ما بين سحر الماضي وعبق التاريخ الذي جعلنا نشعر وكأننا نجالس «أولاد الناس».
وتابعت سموها قائلة: «مما لاشك فيه أن د. ريم استطاعت من خلال كتاباتها أن تسلط الضوء على المعنى الأعمق للفكر الصوفي، وهو جزء لا يمكن تجاهله عند بحثك في التاريخ الإسلامي، فوسعت مداركنا وبينت للقارئ كم هو فكر مملوء بالرحمة وتقبل الآخر والتسامح، ويحتاج منا إلى إعادة التفكر بمعانيه، وعدم إصدار الأحكام أو النفور منه ومن معتنقيه».
وأضافت سموها: «ولأننا في عالم لا يسعنا فيه أن نرمش دون ظهور صيحة جديدة نواكبها أو تكنولوجيا حديثة نتعلمها، وجب علينا التشديد على أهمية عدم التفريط بالهوية العربية الإسلامية، وقيمها ومبادئها السامية، التي - عكس ما يزعم البعض - تصلح لكل زمان ومكان ما دامت الأرض في دوران. لذلك أوصي الشباب بالعودة إلى الكتب والتمعن في التاريخ والتعرف على شخصياته العظيمة التي بَنَت مجتمعاتها وأسهمت في النهضة التي نشهدها اليوم. لذا أدعو أبناءنا للحفاظ على هذا الموروث وتمثيله بأفضل صورة».
وضمت الجلسة الحوارية عدة محاور شاركت فيها الدكتورة ريم كيفية تولُّد شعلة الكتابة لهذه الثلاثية التي تجاوزت السبعمئة صفحة، وناقشت قدرة الأديب على تغيير المفاهيم التاريخية لجمهور المتلقين دون الإخلال بالتوازن بين الشخصية الأكاديمية والإبداعية. كما تطرقت لدور الشخصيات النسائية في أعمال الكاتبة عموماً ورواية أولاد الناس على وجه الخصوص.
وتحدثت الدكتورة عن مسؤوليتها المزدوجة كأكاديمية وكأديبة روائية، وما يستدعيه ذلك من حرص على الأمانة العلمية، خاصة حين تبنى الرواية على أحداث حقيقية وشخصيات لها حضورها المؤثر في التاريخ.
على الرغم من أنها حاصلة على شهادتي الماجستير والدكتوراه في علم اللغة الاجتماعي من جامعة أكسفورد في بريطانيا، وعملها كأستاذة ورئيسة لقسم اللغويات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، تحرص ريم بسيوني على استخدام اللغة العربية في كتاباتها البحثية والأدبية، افتخاراً منها بانتمائها للثقافة العربية والإسلامية، مؤكدة أن الكاتب مسؤول عن تعزيز هذه الثقافة والتعريف بها وبما تحتوي من ثراء فكري وكنوز علمية، الأمر الذي يجب أن نعلمه لأجيالنا الشابة المتأثرة بعالم التكنولوجيا وما تحمله من اتجاهات معرفية لا تتناسب مع هويتنا.
كما تطرقت للحديث عن روايتها «أولاد الناس - ثلاثية المماليك» الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ للأدب من المجلس الأعلى للثقافة لأفضل رواية مصرية لعام 2019-2020، وأوضحت أن مصطلح «أولاد الناس» يعود إلى العصر المملوكي، حيث كان يطلق على أبناء المماليك الذين ولدوا على أرض مصر، فأبناء الأمراء المماليك لا يرثون صفة المملوك من آبائهم بل ولادتهم فوق التراب المصري تعفيهم من صفة المملوك وتحولهم إلى أحرار بنعت «أولاد الناس». ويشاركهم الطبقة المرموقة في المجتمع القضاة والفقهاء وتليهم طبقة التجار، أما أهل مصر وسكانها فهم فقط من العامة، ولا يسري عليهم هذا اللفظ.
كما أشارت إلى أن حياة المملوك كانت تتسم بالصعوبة حيث كان ملزماً بقوانين صارمة، فلم يكن يسمح له بالزواج إلا بإذن من السلطان ولا يورث أولاده للحد من الفساد، لذلك عرف أولاد الناس بعدم امتلاكهم للكثير من الأموال ولكن بمخزونهم الوفير من العلم والثقافة والفكر والوعي.
وأكدت أن العمل يجمع بين الجانب الأكاديمي والروائي الإبداعي، ويسلط الضوء على حقب تاريخية مهمة، ويقدم تاريخاً جميلاً للقراء ويصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات جواهر القاسمي الإمارات مصر أولاد الناس فی التاریخ
إقرأ أيضاً:
تآكل مجتمع الصهيونية “اللقيط” من الداخل.. أرقامٌ ومؤشرات
يمانيون|تقرير|إبراهيم العنسي*
تستمرُّ جِراحُ غزة ويستمرُّ نزيفُ الدم الفلسطيني، وتتصاعدُ أرقامُ الموت كما تتعاظم صورة الدمار في عيون العالم، لكن هناك صورة أُخرى تفترض أن كيان العدوّ (إسرائيل) هو الآخر على قدر إجرامه ودمويته، ينزفُ من الداخل، ونحن لا نتحدَّثُ عن خسائره الاقتصادية التي يتكبدها كمثال، بل هو حديث يخص حال مجتمعه اللقيط؛ الأَسَاس الذي قام عليه هذا الكيان والذي سيكون سببًا في زواله.
بالتزامن مع التكتّم الإسرائيلي عن الخسائر المتلاحقة في المعارك التي تخوضها قوات الاحتلال الإسرائيلي مع المقاومة في غزة، تتزايد المعطيات الرسمية التي ترصد تصاعدًا مُقلقًا لحجم المشاكل العقلية والاضطرابات النفسية التي أصابت عموم الإسرائيليين؛ بسَببِ استمرار الحرب على غزة.
هناك مشهد غير مسبوق من قبل يخص الإقبال الكثيف في كيان العدوّ على عيادات الطب النفسي.
حيثُ يجري الحديث بعمق عن تفشي الأمراض السلوكية، والتي تظل مؤشراً لتحول المجتمع الصهيوني مع مرور الوقت إلى “مجتمع مريض”، يعاني أمراضاً لم تكن معهودة من قبل، وسط عجز الحكومة عن تفاديها، في ظل تزايد المشاكل العائلية، وتصاعد حالات العنف الأسري.
جمعية “كيشر لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة” أشَارَت إلى إصابة 100 ألف إسرائيلي محتلّ، منذ بدء الحرب على غزة، بإعاقات مختلفة: حسّية، وحركية، وذهنية، وعصبية، ولم يتمكّنوا من العودة لحياتهم الطبيعية؛ بسَببِ تبعات الهجوم والحرب من بعده. جمعية “ناتال” للمساعدة النفسية الصهيونية تحدثت عن مساعدة قرابة 43 ألف مغتصِب في تسعة أشهر منذ بدء الحرب على غزة.
بينما أعلنت مؤسّسة التأمين الوطني عن إصابة 65 ألف إسرائيلي بأعراض نفسية وعصبية؛ بسَببِ الحرب، منهم عشرات الآلاف مصابون عقليًّا، العديد منهم أُصيبوا بإصابات نفسية خطيرة، فيما يحتاج 30 % من مستوطني غلاف غزة لعلاج صحي نفسي ودوائي لفترة طويلة؛ لأَنَّهم باتوا مختلّين عقليًّا، مرضى نفسيًّا، غير أكفاء.
بحسب عالم النفس الصهيوني يوسي ليفي بلاز، فَــإنَّ العدوان الإسرائيلي على غزة، أسفر عن معاناة ثلث (الإسرائيليين) من اضطراب ما بعد الصدمة، و45 % من سكان المغتصبات من الاكتئاب واضطراب القلق. كما أن 60 % منهم يعانون تدهوراً كبيراً في خصائصهم الاجتماعية والنفسية، و50 % نومهم مضطرب ولا يتحسّن، وباتوا يفقدون صبرهم، ويغضبون بسرعة؛ ما يخلُقُ قدرًا كَبيرًا من العدوانية بينهم، وقدرتُهم على إدارة حواراتهم شبهُ معدومة.
وفقًا لمنظمة “أرانERAN” للإسعافات الأولية النفسية الصهيونية، هناك 48 % من المكالمات التي تصلها تتعلق بحالات القلق، والصدمة، والشعور بالفقد، والعزلة، والوحدة، والاكتئاب، وصعوبة النوم، وهو رقم قياسي ونسبة مرتفعة لم يسبق أن وصلت إليها منذ 1971.
تقول هذه المنظمة الإسرائيلية: إن “عدد المكالمات التي تلقّتها منذ بداية الحرب على غزة، زاد عن 300 ألف مكالمة وكلها تطلب المساعدة النفسية، 40 ألفًا منها وردت من الجنود وعائلاتهم، و58 ألفًا من المراهقين”. وتراها مؤشرات خطيرة، حَيثُ إن بعض الجنود لا يخفون في مكالماتهم أسفهم على أنهم لم يُقتلوا في غزة، في ظل ما يعانونه من توتر وضيق نفسي شديد رافقهم منذ العودة الأولى من حرب غزة، بعد إعلان الهُدنة المؤقتة.
ووفقًا ليوميات الحرب على غزة فَــإنَّ جنود وضباط وسكان المغتصبات الإسرائيلية عُمُـومًا باتوا يدفعون أثمانًا نفسية، وعائلية، ومهنية باهظة؛ فهم عاشوا حالة حرب لفترات طويلة، وما زال العديد منهم لا يستطيع تحمل المزيد من المعاناة.
ويمكن ملاحظة الهروب من التجنيد ورفض الأوامر كمؤشر واضح من مؤشرات التأثير النفسي الكبير على جيش العدوّ ومجتمعه الغاصب.
قبل أسبوع تقريبًا، نقلت هيئة بث كيان العدوّ الرسمية، عن مجموعة من المجندين الصهاينة رسالة لقادتهم قالوا فيها: “بعد 17 جولة دخول إلى غزة، مررنا بعدد هائل من الأحداث العملياتية، قاتلنا لأشهر طويلة، وفقدنا أصدقاءنا، ولم نعد قادرين نفسيًّا على الدخول مجدّدًا إلى القطاع”. هذه ليست الحالة الأولى التي يرفض فيها جنود إسرائيليون دخول غزة.
في أغسطُس الماضي كمثال آخر، طلب نحو 20 مقاتلًا من لواء مشاة من قادتهم عدم المشاركة في القتال بالقطاع، وفق هيئة البث. وقتها، قال الجنود لقادتهم إنهم “بعد عشرة أشهر من القتال في غزة، لم يعودوا قادرين نفسيًّا أَو جسديًّا على العودة إلى القطاع.
وفي ظل التهديد بالسجن لرفض الأوامر يحاول مجندو العدوّ الإسرائيلي في غزة مواصلة القتال، لكنهم في الواقع يعانون أزمات نفسية كبيرة مُستمرّة منذ بدء الحرب على غزة وحتى اليوم. الصراخ والعويل والبكاء هي ردود فعل يشترك فيها مجندو العدوّ، حَيثُ فكرة الموت تبقى كابوساً مؤرقاً لهم.
ومن ضمن الصورة القاتمة لمجتمع الخوف الصهيوني، هناك ما يزيد عن 300 ألف إسرائيلي مغتصب يعانون من أمراض نفسية خطيرة، (ما قبل الحرب على غزة)، إلى جانب أن هناك (مليون مغتصب) في طوابير انتظار العيادات النفسية.
صفارات الإنذار:
لقد تركت الحرب على غزة آثارها الكارثية على الجسد والذاكرة والنفسية الإسرائيلية كما تظهرها الأرقام. ومنها آثار صفارات الإنذار ودوي الانفجارات.
هناك التوترات المتكرّرة والمصاحبة لأصوات الإنذار المتكرّرة مع وصول أَو سقوط الصواريخ.. أصداء الانفجارات التي تُسمع في المستوطنات والمدن، واقع خلق اضطرابات شديدة في الروتين اليومي لمجتمع المغتصبات، ومعه انحسار مؤشر الحياة الجيدة، التي يتمتع بها جزء من المجتمع الاستيطاني المحتلّ.
يمكن تصور واقع مجتمع الصهيونية اللقيط، مع سماع دوي صفارات الإنذار في أنحاء المدن والمغتصبات ومعها ترقب الذهنية الإسرائيلية المرهقة وردة فعلها التلقائية في قصد الملاجئ الداخلية أَو الخارجية، وما يرافق ذلك الموقف من انفعالات، وصراخ… إلخ.
مع تكرار هذا المشهد منذ بدء الحرب على غزة وحتى اليوم، يمكن إدراك أن هذا المجتمع المطبوع بحالة الخوف، معرض بكليته لاضطرابات جسدية وسلوكية ونفسية شديدة ومعقَّدة.
ومع إضافةِ الأرقام السابقة التي تقدِّمُها الإحصائياتُ الإسرائيلية والمراكز البحثية يمكن الحديث عن تضاعُفِ هذه الأرقام بعد عشرين شهرًا من حرب غزة. هناك زيادة بنسبة تقارب 900 % في عدد من يتلقّون الرعايةَ الصحية النفسية السريرية منذ اندلاع الحرب؛ أي مضاعفة هذا الرقم 15 مرة تقريبًا منذ بدء الحرب على غزة؛ ما يؤكّـد أن هذا الكيان المسخ والمجتمع اللقيط المصطنع سيكون أمام معضلة عميقة وتأثير استراتيجي، على تركيب هذا الهيكل الهزيل.
تآكل الثقة:
الآثار النفسية غير المسبوقة التي تركتها الحرب على الإسرائيليين، رافقها شعورٌ بالخيانة من الكَيان، وعدمُ ثقة بحكومة الكيان، وشعورُ 67 % من مجتمع العدوّ الإسرائيلي بعدم الأمان، وهذا رقمٌ كبير جِـدًّا.
وفيما يخص مستقبل الكيان هناك تعاظم في مؤشر اللا انتماء والبحث عن بدائلَ للعيش خارج جغرافية فلسطين المحتلّة. هذا المؤشر قد لا يكون ذا أثرٍ سريع ومباشر، لكن تأثيره العميق سيكون ضمن التأثير الاستراتيجي على وجود وقوة كيان العدوّ.
اعترف 65 % منهم أن شعورهم بالانتماء لـ (إسرائيل) انخفض بشكل كبير، 67 % يُفكِّرون بالانتقال إلى دولة أُخرى، وهذه أرقامٌ لم تُشاهد من قبل، لكنهم يبرّرونها بأنهم “ليسوا مضطرين للعيش هُنا”.
رغم كُـلّ هذه الإحصائيات، إلا إنها تظل أرقامًا أولية، استنادًا إلى اعتماد الكيان على سياسة التعتيم الصارم. فحجم وصورة الضرر الظاهر المادي السلوكي والنفسي على الكيان ما تزال سطحية ومبسطة. ما تحت رماد الحرب والعدوان على غزة هناك تداعيات سيكون لها التأثير العميق، في تآكل وانفراط عقد هذا الكيان الهزيل، في ظل جيل صهيوني لن يكون مستعدًّا أَو قادرًا على الاستمرار في مواجهة صمود ومقاومة أهل الأرض.
*المسيرة نت.