بكتيريا السالمونيلا الضارة تخفي مفتاحا لعلاج سرطان الأمعاء!
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
إنجلترا – يعد سرطان الأمعاء ثالث أكثر أنواع المرض شيوعا، والسبب الرئيسي الثاني للوفيات الناجمة عن السرطان في العالم، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
ويطلق على هذا النوع من السرطان أيضا اسم سرطان القولون والمستقيم أو سرطان الأمعاء الغليظة، بناء على الجزء الذي يصيبه السرطان.
وفي دراسة حديثة، اكتشف العلماء إمكانات جديدة لاستخدام بكتيريا السالمونيلا في علاج سرطان الأمعاء.
وتعرف السالمونيلا بأنها نوع من البكتيريا الضارة التي قد تؤدي إلى التسمم الغذائي في حال الإصابة بها، ولكن يمكن تعديلها وراثيا لتصبح آمنة وفعالة في العلاج.
وكان العلاج البكتيري لسرطان الأمعاء محور اهتمام علمي منذ القرن التاسع عشر، لكن المخاطر الصحية المرتبطة باستخدام البكتيريا الحية حالت دون تطويره بشكل أكبر. ورغم ذلك، أسفرت هذه الأبحاث عن تقدم كبير في مجال العلاج المناعي الذي يستهدف تنشيط جهاز المناعة لمحاربة السرطان.
ومع التطورات الحديثة في مجال التعديل الوراثي للبكتيريا لجعلها أكثر أمانا، تجدد الاهتمام العلمي باستخدام السالمونيلا كعلاج محتمل لسرطان الأمعاء.
ووجد فريق من Cancer Research UK في غلاسكو وبرمنغهام أن السالمونيلا يمكن تعديلها للسماح للخلايا التائية – وهي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تحمي الجسم من العدوى والأمراض – بقتل الخلايا السرطانية.
وعلى الرغم من أن العلاجات البكتيرية لسرطان الأمعاء أظهرت بعض النجاح، إلا أن فعاليتها كانت محدودة في السابق. وذلك لأن هذه العلاجات كانت تقمع جزءا مهما من جهاز المناعة، ما يضعف قدرة الجسم على محاربة الأورام. لكن الدراسة الأخيرة التي أُجريت على الفئران كشفت عن الآلية التي تؤدي إلى تثبيط جهاز المناعة، وقدمت حلا لهذه المشكلة.
ودرس العلماء استجابة الخلايا التائية لشكل آمن تم تعديله خصيصا من السالمونيلا في الفئران المصابة بسرطان القولون والمستقيم.
ووجد العلماء أن السالمونيلا تمنع الخلايا التائية من القيام بوظيفتها وتوقف خلايا سرطان القولون والمستقيم عن النمو.
ووجد الفريق أن السالمونيلا تستنفد حمضا أمينيا يسمى الأسباراجين، والذي يثبط نمو الورم، ولكنه يثبط أيضا الخلايا التائية عن طريق إيقاف عملياتها الأيضية.
ويعتقد الفريق أن السالمونيلا يمكن هندستها بشكل أكبر للعمل بالتوازي مع الجهاز المناعي حتى تتمكن الخلايا التائية من مهاجمة الخلايا السرطانية جنبا إلى جنب مع البكتيريا.
ويُتوقع أن تفتح هذه النتائج الطريق لمزيد من البحوث التي قد تؤدي إلى علاجات أكثر فعالية لسرطان الأمعاء.
وقال الباحث الرئيسي الدكتور كيندل ماسلوفسكي، من معهد أبحاث السرطان في المملكة المتحدة في غلاسكو وجامعة غلاسكو: “نحن نعلم أن السالمونيلا المخففة والبكتيريا الأخرى لديها القدرة على معالجة السرطان، ولكن حتى الآن لم يكن معروفا لماذا لم تثبت فعاليتها كما ينبغي. واكتشف بحثنا أن البكتيريا تهاجم حمضا أمينيا يسمى الأسباراجين وهو ضروري لتنشيط الخلايا التائية”.
وتابع: “نعتقد أن هذه المعرفة يمكن أن تمكن من تعديل البكتيريا بحيث لا تهاجم الأسباراجين، بشكل يسمح للخلايا التائية بالعمل ضد الخلايا السرطانية، ما يؤدي إلى علاجات فعالة جديدة للسرطان”.
وأشار المؤلف المشارك للدراسة، الدكتور أليستير كوبلاند، الباحث في علم المناعة في جامعة برمنغهام: “العلاجات البكتيرية هي طريقة مثيرة لعلاج السرطان عن طريق تجويع الأورام من العناصر الغذائية الحيوية. لقد كان أحد الألغاز التي ظلت قائمة لفترة طويلة هو سبب عدم عمل الخلايا التائية، التي تعد مفتاحا لمكافحة السرطان، بشكل مثالي أثناء هذا العلاج. لقد حددنا الآن البروتين المسؤول عن ذلك، وحددنا هدفا وراثيا مثيرا يمكن أن يساعدنا في إطلاق العنان للإمكانات الكاملة لهذا العلاج. إنه لأمر مجزٍ بشكل خاص تحويل بكتيريا تسبب المرض مثل السالمونيلا إلى بكتيريا تقاوم السرطان”.
نشرت يوم الثلاثاء في مجلة EMBO Molecular Medicine.
المصدر: إندبندنت
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: الخلایا التائیة لسرطان الأمعاء سرطان الأمعاء
إقرأ أيضاً:
مثل مهندس بارع.. كيف تنظم الخلايا الحية عملياتها الداخلية؟
تخيل الخلية الحية كأنها مدينة نابضة، وفي قلب هذه المدينة، تعمل العضيات المختلفة كالمناطق الصناعية والسكنية، ولكل منها وظيفة محددة، بدءًا من توليد الطاقة، مرورًا بمعالجة البروتينات، وصولا إلى التخلص من الفضلات.
لكن كيف تقرر الخلية الحيّة ما يستحق التوسع فيه أولا؟ وهل تنمو هذه العضيات بالتوازي مع نمو المدينة، أم أن هناك أولويات؟ هذا هو السؤال المركزي الذي سعى للإجابة عليه فريق بحثي بقيادة شانكار موخيرجي، الأستاذ المساعد في قسم الفيزياء في جامعة واشنطن في سانت لويس الأميركية، عبر دراسة حديثة نشرت في دورية "سيل سيستمز" في يونيو/حزيران 2025.
يقول موخيرجي: "السؤال الأساسي في علم الأحياء الخلوية هو، هل تنفق الخلية ميزانيتها على جميع العضيات بالتساوي، أم تعطي الأولوية للبعض لتلبية مطالب النمو؟ نعتقد أن الجواب هو الخيار الثاني، وأن هذه الأنماط الجماعية تمثل الطريقة التي تنسق بها الخلية بين العضيات خلال النمو".
استخدم الفريق خلايا الخميرة البرعمية نموذجا للدراسة، حيث أُضيفت علامة بروتينية فلورية تشع بلون مميز عند تعرضها للضوء لكل عضية رئيسية في خلية الخميرة مثل الميتوكوندريا، والفجوة العصارية، وجهاز جولجي، وغيرها. هذه البروتينات تُصدر ألوانًا مثل الأزرق والأخضر والأصفر والأحمر، كما في ألوان قوس قزح.
سميت التقنية باسم "خميرة قوس قزح" لأن الخلية تبدو تحت المجهر وكأنها تتوهج بألوان قوس قزح، فيمثل كل منها عضية مختلفة. في التصوير التقليدي، تتداخل الألوان المختلفة، مما يصعب تمييز العضيات عن بعضها. ولحل هذه المشكلة، استخدم الباحثون تقنية التصوير الطيفي الفائق.
يقول موخيرجي: "أعتقد أن الابتكار الحقيقي هنا هو استخدامنا لتقنية التصوير الطيفي الفائق لرؤية منظومة العضيات الـ6 بينما نغيّر من خصائص نمو وحجم الخلية"، ويضيف: "هذا سمح لنا برؤية شاملة لكيفية عمل مستويات التنظيم الخلوي المختلفة معًا لتنظيم الوظيفة الخلوية".
إعلانطُورت تقنية التصوير الفائق في الأصل لاستكشاف الأرض من الطائرات والأقمار الصناعية، وتسمح بتمييز الفروق الدقيقة بين أطياف الألوان، وبالتالي تحديد كل عضية بدقة حتى لو كانت تصدر لونًا مشابهًا لعضية أخرى.
صُوّرت آلاف الخلايا، وجُمعت بيانات حجم العضيات وعددها وتوزيعها. ثم استُخدمت أساليب تحليل رياضية متقدمة لفهم كيف تنظم الخلية عضياتها وتعيد توزيعها مع تغير الحجم أو الظروف البيئية.
وبالتحليل، تبيّن أن استجابات العضيات للتغيرات البيئية، كتوفر الجلوكوز، تتبع أنماطًا منسقة تتيح للخلية تعديل نموها دون انهيار وظائفها، ويشرح موخيرجي ذلك قائلا: "عملنا يكشف أن الخلية قد تستعين بمقاربة جماعية لتعديل مجموعات كاملة من العمليات الخلوية بطريقة منظمة، أشبه بتغيير محرك السيارة كله بدلا من تبديل كل جزء على حدة".
سمحت تقنية خميرة قوس قزح برؤية 6 عضيات رئيسية في الوقت نفسه داخل الخلية الحية، بدلًا من فحص كل عضية على حدة. ووجد الباحثون أن الخلايا لا تُنفق مواردها بشكل متساوٍ على جميع العضيات خلال النمو، بل توزع هذه الموارد وفق نمط جماعي يسمى "أنماط العضيات".
أحد أكثر الاكتشافات إثارة كان متعلقًا بعضية تُعرف باسم الفجوة العصارية، وهي عضية خلوية محاطة بغشاء، توجد في خلايا النبات والفطريات والخميرة وبعض الكائنات الأخرى، وهي مساحة مملوءة بسائل. تشمل وظائفها الأساسية تخزين الماء والمواد الغذائية، وتنظيم ضغط الامتلاء ودعم الخلية، والنقل النشط، وتخزين النفايات. بينما تحتوي الخلايا النباتية عادة على فجوة عصارية كبيرة واحدة، قد تحتوي الخلايا الحيوانية على عدة فجوات أصغر.
يقول موخيرجي: "أنا سعيد بالتكهن حول دور الفجوة، لطالما اعتبرت مكب نفايات للخلية، لكننا نعتقد أن لها دورًا أكثر تعقيدًا. حجم الفجوة يبدو مؤثرًا بشدة على توزيع المساحة في الخلية، وبالتالي على قدرة الخلية على النمو".
بينت الدراسة أن حجم الفجوة لا يرتبط بمعدل النمو بنفس الطريقة التي يرتبط بها حجم النواة أو السيتوبلازم، وهو ما أطلق عليه الباحثون مصطلح كسر التماثل. الفجوة، حسب تصورهم، تعمل كمنظم مرن للنمو، أي تكبر لمعادلة التغيرات العشوائية في الحجم، وتصغر إذا تغيرت الظروف واحتاجت الخلية لتغيير نمط النمو.
يشرح موخيرجي: "تخيل خلية تعيش في بيئة مستقرة. إذا كبرت فجأة بفعل عوامل عشوائية، سينمو السيتوبلازم وقد يزداد معدل النمو رغم عدم وجود مغذيات كافية. في هذا السيناريو، تنمو الفجوة للحد من نمو السيتوبلازم، وتحافظ على معدل النمو ثابتًا. لكن إذا طرأ تغيير بيئي حقيقي، كزيادة مفاجئة في الجلوكوز، فإن الفجوة تسمح بتوسعة السيتوبلازم لدعم النمو المطلوب. إنها عضية تنظيمية فعالة ومرنة في الوقت نفسه".
فهم أعمق للخلايا البشريةنموذج الخلية المعتمد في الدراسة هو الخميرة لأنها بسيطة نسبيًا، ورغم بساطتها، فهي تحتوي على عضيات مشابهة لتلك الموجودة في الخلايا البشرية، ولها أدوات جينية متطورة تسمح بالتعديل الدقيق.
إعلانويقول موخيرجي: "أعتقد أن هذه هي النقطة التي قد يكون فيها مفهوم أنماط العضيات ذا أهمية قصوى، فخلايا الكائنات متعددة الخلايا تواجه معضلة، فهي تحتاج إلى وظائف خلوية عامة مثل إنتاج الطاقة، وفي الوقت نفسه لديها وظائف نوعية ضمن جسم الكائن الحي. وعملنا يشير إلى وجود إستراتيجية عامة تسمح للخلية بالتوفيق بين هذين الدورين".
لكن تصوير 6 عضيات في الوقت نفسه لم يكن أمرًا سهلًا، فالألوان الفلورية المستخدمة عادةً في تصوير الخلايا تتداخل بصريًا، مما يجعل تمييز العضيات صعبًا.
يشرح موخيرجي: "أكبر التحديات التقنية التي واجهناها كان ضعف الإشارة مقارنة بالضوضاء. خميرة قوس قزح مليئة بالألوان، لكنها ليست شديدة السطوع." ويستطرد: "اضطررنا لتقليل الدقة المكانية للصور حتى نجمع ضوءًا كافيًا من كل خلية. صحيح أن تقنيات مثل التصوير الإلكتروني تتفوق علينا في الدقة، لكن ما يميز طريقتنا هو القدرة على تصوير عشرات الآلاف من الخلايا الحية وتحليلها، مما يسمح لنا بمتابعة الخلايا الفردية عبر الزمن".
لم يكن الهدف من الدراسة فهم خلايا الخميرة فقط، بل التمهيد لفهم خلايا الإنسان، وخاصة في الحالات المرضية. يختتم موخيرجي: "من الممكن أن نجد أن العلاقة الطبيعية بين حجم العضيات والنمو في الخلايا تصبح غير طبيعية في الأمراض التي تتضمن اضطرابات في التمثيل الغذائي، مثل السرطان والسكري والأمراض المناعية. وإذا كانت هذه الأنماط علامات للمرض، أو إذا كانت تشارك فعليًا في حدوثها، فهو سؤال متحمسون للعمل عليه".