المسلة:
2025-06-26@19:38:56 GMT

كيف تصبح الثرثرة بديلاً عن المعرفة؟

تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT

كيف تصبح الثرثرة بديلاً عن المعرفة؟

27 نوفمبر، 2024

بغداد/المسلة:

رياض الفرطوسي

“الحمقى يعرفون كل شيء عن أي شيء”، هذا ما قاله ميلان كونديرا، مشيراً إلى ظاهرة غريبة تجعل الثرثرة بديلاً للمعرفة. هؤلاء الذين يدّعون امتلاك الإجابات على كل الأسئلة لا يفسرون في الواقع أي شيء.

كلماتهم تتحول إلى ضجيج فارغ يملأ الأجواء دون أن يثمر فكرة، مثل صحراء لا حياة فيها .

الثرثرة ليست مجرد كلمات فارغة، بل هي أحد مظاهر غياب العمق.

كما يقول برتراند راسل: “الحمقى واثقون، بينما الحكماء مليئون بالشك”. هذه الثقة العمياء لدى الحمقى لا تأتي من إدراكهم، بل من افتقارهم للمعرفة الحقيقية والوعي الذاتي. إنهم يرون أنفسهم في مرايا مشوهة تعكس صوراً من صنع الوهم، ما يجعلهم يهربون إلى بيئات تافهة خالية من النقد أو الحوار الحقيقي.

وفي هذه البيئة، يصبح العنف أحياناً النتيجة الحتمية لغياب الحوار والفهم. نعوم تشومسكي يشرح هذه الفكرة في كتابه غريزة الحرية، حيث يقول: “أي إنسان ذي فكر أو إنسانية لن يدين بسرعة العنف الذي يحدث عندما تتمرد الجماهير المظلومة ضد مضطهديهم”.

وهذا العنف، رغم قسوته، يعبر أحياناً عن صرخة مظلوم، على عكس الثرثرة التي تخدم فقط أصحابها دون أن تحقق أي تغيير.لكن الأزمة الحقيقية تظهر عندما يجد الأحمق نفسه في مجتمع يحكم بمعايير سوية.

وفي هذه اللحظة، يصبح مكشوفاً وعاجزاً عن التكيف. وقد لاحظت ذلك خلال تجربتي في العيش خارج العراق، حيث تكون أزمة الحمقى أشد وطأة وأقسى. فهم يجدون أنفسهم في بيئة غير متسقة مع حماقتهم، كأنهم أسماك ألقيت في صحراء قاحلة، عاجزة عن التكيف أو البقاء .

وما زاد الطين بلة في العراق هو التغيرات السياسية والاجتماعية المتعاقبة التي أوجدت حالة من الفوضى الفكرية.

والآية القرآنية: “كلما دخلت أمة لعنت أختها”، تنطبق بشكل كبير على هذا الواقع. الأنظمة المتغيرة أضعفت النهج الاجتماعي، وتركت المجتمع في حالة من عدم الاستقرار والتشرذم. ومع ذلك، يبقى المثقفون العراقيون في الطليعة، يحاولون الحفاظ على جذوة الفكر رغم كل هذا الشتات.

المفارقة أن أمل الأجيال القادمة يعتمد على الثقافة العالمية، حيث جعلت ثورة المعلومات المعرفة في متناول الجميع. ما فشلت مجتمعاتنا في إنتاجه من ثقافة حديثة، قد يعوضه انفتاح الأجيال القادمة على الفكر الإنساني العالمي.

لكن يبقى الخوف من أن يستمر الفراغ الفكري، ويضعف تأثير المثقفين في مواجهة هذا المد المتسارع من التفاهة والسطحية . كما قال جاك ديريدا: “المطلوب تفسير العالم أولاً، قبل تغييره”.

التفسير هو الأساس لأي تغيير حقيقي. إنه يمنحنا الأمل حتى في أحلك الظروف، لأن الفهم العميق يعطينا قوة لمواجهة الألم والوجع بطريقة واعية . لقد حان الوقت لنتوقف عن لعب دور “النّدابات” في مأتم طويل، ونتحول إلى بشر يعيدون تفسير الواقع، يفهمون جذوره، ويعملون على تغييره بأدوات الفكر والمعرفة.

التغيير يبدأ من الكلمة الواعية، لا من الثرثرة الفارغة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

عرض التجربة الجزائرية في المقاولاتية.. واضح يشارك في منتدى دافوس الصيفي بالصين

شارك وزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة نور الدين واضح في جلسة حوار حول موضوع التعاون بين الصين و افريقيا.

وقد عرض الوزير التجربة الجزائرية في ترقية المقاولاتية واقتصاد المعرفة و كذا تطوير مناخ اقتصادي ملائم لريادة الاعمال والاستثمار، مع التأكيد على أهمية التعاون الدولي و تبادل التجارب بين الحكومات والهيئات الدولية المختصة في سبيل مواجهة التحديات الكبيرة التي يمر بها العالم حاليا.

و انعقد في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس الصيفي) في دورته السادس عشر تحت شعار “ريادة الأعمال لمرحلة جديدة”، وذلك من 24 إلى 26 جوان 2025، بالمركز الوطني للمعارض. والاتفاقيات بمدينة تيانجين جمهورية الصين الشعبية، حيث أشرف على مراسيم افتتاحه .اليوم رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، بمشاركة أكثر من 1700 شخصية قيادية عالمية تمثل الحكومات، والشركات. والمنظمات الدولية، والمجتمع المدني، والهيئات الأكاديمية.

يعد هذا الاجتماع من أهم الملتقيات الاقتصادية العالمية، وقد تمحور جدول أعماله حول عرض ومناقشة أبرز المحاور المتعلقة بالاستثمار في الإنسان والأرض. الطاقة والموارد الجديدة، الصناعات الإبداعية، وتبسيط مفاهيم الاقتصاد العالمي.

وتأتي مشاركة الوزير في هذا المنتدى العالمي تجسيدا لمسعى الجزائر نحو ترسيخ مكانتها كوجهة تنافسية في تطوير مناخ الابتكار في مجال التكنولوجيا بفضل تثمين مقدراتها البشرية والاقتصادية.وذلك من خلال التركيز على الجهود التي تبذلها الدولة الجزائرية في تعزيز ريادة الأعمال، وعجلة الابتكار والتطور التكنولوجي.وترقية المؤسسات الناشئة والمصغرة، خصوصا وأن النظام البيئي لهذه المؤسسات في الجزائر يمر بمرحلة حاسمة من التطور ترتكز على تعزيز الابتكار ودعم المشاريع. من خلال برامج التمويل والتدريب والتوجيه المخصصة للشباب ورواد الأعمال المبتكرين.

مقالات مشابهة

  • المجلس الأوروبي يؤكد ضرورة أن تصبح أوروبا أكثر استعدادا للتعامل مع التحديات المستقبلية
  • الإنسانية لا تعرف حدود المكان أو الزمان!
  • كي لا تصبح الأكاذيب حقائق
  • الفكر المتطرّف والذكاء الاصطناعيّ.!
  • عرض التجربة الجزائرية في المقاولاتية.. واضح يشارك في منتدى دافوس الصيفي بالصين
  • مدير مكتبة الإسكندرية يستقبل وفد الإمارات للمكتبات والمعلومات
  • مصر في قلب المعرفة.. 11 عاما من التحول نحو دولة منتجة للابتكار والبحث العلمي
  • المشاط: نتطلع إلى التكامل وتبادل المعرفة بالابتكار في السياسات لتسريع وتيرة النمو
  • التارقي: ليبيا مهددة بأن تصبح مصدر قلق زراعي إقليمي بسبب الجراد
  • تدشين مركز «كرايونز» للتعليم المبكر في ند الشبا