فى زمن يعج بالتغيرات السريعة والتحديات الكبرى، تبدو قضية «صناعة القدوة» أكثر أهمية من أى وقت مضى، فمجتمعنا اليوم فى حاجة ماسة إلى شخصيات تُلهم الأجيال الجديدة وتوجههم نحو القيم النبيلة، والأخلاق السامية، والسعى الدؤوب لتحقيق النجاح الحقيقى.
لماذا نحتاج إلى القدوة؟
القدوة ليست مجرد شخصية مشهورة أو ناجحة، بل هى نموذج حى للسلوكيات والقيم التى نطمح أن نراها فى أنفسنا وفى أبنائنا، فالشباب اليوم يواجهون سيلاً من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعى، الذين «فى كثير من الأحيان» يروجون لقيم سطحية أو يساهمون فى نشر أنماط حياة بعيدة عن الأصالة والجوهر الحقيقى للحياة.
وبدلاً من أن يكون المعيار هو الشهرة أو المال، يجب أن تكون القدوة الحقيقية هى من تجمع بين القيم الأخلاقية الراسخة والإنجازات المثمرة، سواء فى مجال العلم، أو الفن، أو الرياضة، أو حتى فى الحياة اليومية العادية.
إذن من أين نبدأ؟
لا شك يعد التعليم عنصرا رئيسيا لصناعة القدوة، حيث يجب أن يبدأ زرع القيم من المدارس، فالمنظومة التعليمية ليست فقط لنقل المعرفة، بل لتشكيل شخصيات الطلاب، وغرس قيم الصدق، والاجتهاد، والإحساس بالمسئولية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال استضافة نماذج ناجحة من المجتمع للحديث مع الطلاب عن تجاربهم وإنجازاتهم.
الإعلام كذلك يتحمل دوراً رئيسياً فى تسليط الضوء على النماذج المشرفة فى مختلف المجالات، وبدلاً من التركيز على الإثارة والمحتوى السطحى، يمكن للإعلام أن يبرز قصص النجاح الحقيقى، مثل العلماء، والمبتكرين، والأشخاص الذين تحدوا الظروف ليحققوا إنجازات ترفع اسم مصر عالياً.
علينا أيضاً أن نعيد تعريف مفهوم «النجم» لدى الأجيال الجديدة، فليس كل مشهور قدوة، وليس كل ناجح يستحق المتابعة، ويجب أن ندفع بالشخصيات التى تمثل القيم الإيجابية إلى الواجهة، سواء كانوا أطباء أنقذوا حياة الناس، أو مدرسين غيّروا حياة طلابهم، أو عمالاً اجتهدوا ليبنوا مستقبلاً أفضل.
كذلك لا يجب أن نغفل أهمية دور الأسرة فهى أولى حلقات بناء القدوة، ويجب على الأهل أن يكونوا هم أنفسهم قدوة فى السلوك والأخلاق أمام أطفالهم، وكذلك يجب أن يشجع المجتمع كله السلوكيات الإيجابية ويحتفى بها.
ويأتى السؤال الأهم هو كيف نصنع القدوة؟
أولاً: عن طريق دعم البرامج التنموية والتدريبية، وعلى الدولة والقطاع الخاص أن يستثمرا فى برامج تدريبية تستهدف تطوير مهارات الشباب وتعليمهم كيفية السعى نحو التميز.
ثانياً: من خلال تسليط الضوء على قصص النجاح المحلية، حيث يجب أن تكون لدينا مبادرات وطنية لتوثيق ونشر قصص نجاح مصرية، لتصبح هذه القصص مصدر إلهام للأجيال القادمة.
ثالثاً: التكريم والتقدير، فلابد من منح الجوائز والتقدير للشخصيات التى تسهم فى بناء المجتمع بطريقة إيجابية، وإظهار هذه التكريمات بشكل علنى ليصبحوا مثالاً يُحتذى به.
وفى النهاية فإن صناعة القدوة ليست مسئولية فرد أو مؤسسة، بل هى مشروع قومى يحتاج إلى تكاتف الجميع: الدولة، والإعلام، والتعليم، والأسرة، وإننا إذا أردنا أن نرى جيلاً يحمل راية التغيير الإيجابى لمصر، فعلينا أن نبدأ اليوم بزرع القدوة فى حياتهم، لأن بناء المستقبل يبدأ بصناعة الإنسان.
إعلامى وكاتب مصرى
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: یجب أن
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: السنة ليست مصدرا للتشريع بل منظومة أخلاقية ومنهاج للوصول لله
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن السنة ليست مصدرا للتشريع فحسب، بل هي منظومة أخلاقية، ومنهاج للوصول إلى رب العالمين، يرشدنا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أفضل الطرق، وأحبها إلى ربنا في تحقيق سعادة الدارين، معنا في هذه المقالة حديث جامع هو حديث معاذ رضي الله عنه.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه عن معاذ رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت : يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار ؟ قال : لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال ثم قرأ : ﴿تتجافى جنوبهم عن المضاجع.... حتى بلغ يعملون﴾، ثم قال : ألا أخبرك برأس الأمر كله، وعموده، وذروة سنامه ؟ قلت : بلى يا رسول الله. قال : رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ قلت : بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه، قال : كف عليك هذا، فقلت : يا نبي الله، وإنا المؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» [رواه أحمد في مسند، والترمذي في سننه، والحاكم في المستدرك] وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
فالحديث يبدأ بأن معاذ رضي الله عنه انتظر تهيئة الوقت للسؤال، فانتهز فرصة سيره مع النبي وقربه منه، وعدم انشغال النبي صلى الله عليه وسلم بشيء عن الإجابة، وفي هذا السلوك تأديب لمن أراد أن يسأل العلماء أن يتخير الوقت المناسب لسؤالهم.
سأل معاذ سؤاله الذي اتسم بسمات عظيمة، الأولى : أنه سؤال موجز ومختصر. الثانية : أنه سؤال عن قضايا مهمة وعملية. الثالثة : أنه سؤال جامع، وتلخص ذلك في قوله للنبي ﷺ : « أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار ؟»