صحيفة روسية: كيف ينبغي لنا أن نفسر ما جرى في سوريا؟
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
نشرت صحيفة "غازيتا" الروسية مقالا للكاتب تيموفي بورداشوف، تناول فيه كيفية تعامل روسيا مع التجربة السورية، مؤكدا أن القدرة على الاعتراف بأن الأحداث تتطور أحيانا بشكل غير مرغوب فيه بالنسبة لروسيا، كما هو الحال في سوريا، يجب أن يقترن بالاستعداد التام لمواصلة النضال والثقة في قدرات البلد الإستراتيجية.
وأشار بورداشوف إلى أن الأحداث الدرامية في سوريا أصبحت بالفعل موضوعا للتأمل العميق والتقييمات العاطفية السطحية، موضحا أن ذلك يرجع إلى أن الأمر يتعلق بالعواقب المباشرة لانهيار النظام السياسي السابق لبشار الأسد في دمشق على المواقع الروسية في الشرق الأوسط.
وذلك إلى جانب الخسائر العسكرية التي تكبدتها روسيا على مدى 10سنوات في سوريا وحجم الموارد التي استثمرت فيها، واهتمام الجمهور في روسيا بالتطورات الجارية لأهميتها.
جهد مطلوبوأضاف الكاتب أن الانهيار المفاجئ لنظام سياسي استثمرت روسيا الكثير من الجهد والموارد في الحفاظ عليه لم يكن قضية سهلة.
وما يزيد الوضع حساسية بالنسبة للروس أن الوجود العسكري الروسي المستقبلي في شرق البحر الأبيض المتوسط غير معروف لحد الآن، وهل سيستمر أم لا.
وتابع بورداشوف أن تحديد ما سيجري يتطلب مجهودا كبيرا على أعلى المستويات الدبلوماسية والسياسية، وذلك لأن احتمال تفكك سوريا نفسها وتحولها إلى ما يشبه الفوضى الليبية، لا يضمن احترام مصالح روسيا.
إعلانوأوضح الكاتب أن الموارد الإجمالية للغرب، خصم روسيا، أكبر من موارد روسيا، ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذا الوضع سيستمر إلى الأبد.
وزاد أنه لا يوجد سبب للشك في أن الظرف السائد سيجبر الولايات المتحدة على وقف المقاومة والتوصل إلى نوع من "الصفقة الكبرى" مع روسيا.
الاعتراف ضرورة للانطلاقويؤكد الكاتب أنه مع الاعتراف بالانتكاسة التكتيكية -بالنسبة لروسيا- في الاتجاهين السوري أو الأرمني، يجب ألا يعتبر ذلك بأي حال من الأحوال سببا للتشكيك في القدرات الإستراتيجية لروسيا.
وأبرز أن الشرط الأساسي لذلك هو القدرة على الاعتراف بأن الأحداث تتطور أحيانا بشكل غير مرغوب فيه بالنسبة لروسيا. لكن يجب أن يقترن ذلك بالاستعداد التام لمواصلة النضال مع إدراك نقاط الضعف.
وأضاف الكاتب أن روسيا هنا ليست بحاجة إطلاقا إلى التركيز على تجارب الآخرين، فالتاريخ الروسي نفسه يقدم عددا كبيرا من الأمثلة التي يجب الاستفادة منها، وفي مقدمتها "النصر العظيم عام 1945 الذي هو الحلقة المركزية في تجربتنا الجماعية، التي توحد الشعب وتحدد كيف نرى دورنا في تاريخ البشرية".
غير أن الكاتب بورداشوف استدرك قائلا: للمفارقة، إن هذه النقطة نفسها يجب التوقف عندها، مشددا على أن تصور الحرب العالمية كمثال للمواقف السياسية الخارجية الأخرى قد يكون ضارا وخطيرا.
العلَم لا يرفع دائماوقال إن التوقع المستمر لرفع العلم الروسي "فوق الرايخستاغ"، ثم العودة بعدها بسعادة إلى العمل السلمي، يهدد نظريا بتأثير سلبي على الروح المعنوية للمجتمع، إذ لم تنته أي حروب سابقة بهذه الطريقة، وعلى الأرجح لن تنتهي الحروب الأكثر توترا في المستقبل بنفس الأسلوب.
وخلص الكاتب إلى أن روسيا دولة تشكلت أسس ثقافتها السياسية الخارجية في عصر كان فيه من المستحيل تماما التمييز بين الهزيمة والنصر، مبرزا أن لدى الروس -بهذا المعنى- قواسم مشتركة أكثر بكثير مع الأنغلوساكسون المعادين لروسيا أكثر من الأوروبيين الآخرين مثل الألمان أو الفرنسيين.
إعلانوقال بورداشوف إن روسيا يجب أن تنظر إلى أي انتصارات أو إخفاقات على الساحة العالمية وتتفاعل مع عواقبها بالاعتماد على تجربتها التاريخية الخاصة، بالواقعية اللازمة للمضي قدما في خطط حماية المصالح الروسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات الکاتب أن فی سوریا
إقرأ أيضاً:
مؤتمر نيويورك في مهب الريح| حلم الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتبدد على أعتاب الصراع الإيراني الإسرائيلي.. فهل يتحقق؟
بعد أكثر من سبعة عقود من النضال الفلسطيني من أجل نيل الاستقلال والاعتراف بدولتهم، تبرز في الأفق مبادرة جديدة بقيادة فرنسا والسعودية لعقد مؤتمر دولي في نيويورك بين 17 و20 يونيو 2025. المؤتمر، الذي يأتي برعاية أممية، كان يُتوقع أن يشهد إعلاناً أوروبياً جماعياً للاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967. غير أن المعطيات على الأرض تكشف عن طريق طويل ومعقد، مليء بالشروط والمتطلبات السياسية والأمنية التي تصفها بعض الجهات الفلسطينية بأنها تعجيزية. في الوقت الذي احتدم فيه الصراع الإيراني الإسرائيلي مع توسع المواجهات الدائرة حاليا بينهما.
مؤتمر نيويورك.. بين الأمل والترددتسعى كل من فرنسا وبريطانيا وكندا، بحسب مصادر دبلوماسية، إلى إطلاق "مسار" سياسي يُفضي إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين. لكن هذا المسار لا يأتي دون ثمن، إذ يرتكز على حزمة من الشروط المفروضة على كل من السلطة الفلسطينية في رام الله وحركة "حماس" في قطاع غزة.
السلطة مطالبة بإصلاحات جذرية تشمل إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتفعيل الحياة البرلمانية، وضمان التداول السلمي للسلطة، والالتزام بالشفافية المالية والإدارية. أما "حماس"، فالشروط تتضمن تجريدها من السلاح بالكامل، وتسليم إدارة قطاع غزة لهيئة محلية فلسطينية مستقلة، ومن ثم لحكومة وطنية منتخبة.
الغرب يضع شروطهدبلوماسي غربي مطلع على تفاصيل المفاوضات الجارية وصف المسار بأنه إجباري، موضحاً: "هذه ليست شروطاً مفروضة، بل متطلبات فلسطينية وإقليمية ودولية". وأضاف أن لا اعتراف بدولة فلسطينية دون نظام سياسي فلسطيني موحد وشفاف، ولا يمكن إنهاء الحرب في غزة دون "التخلص من السلاح".
الشرط الأكثر حساسية يتمثل في تجريد غزة من السلاح، وهو ما تعتبره إسرائيل شرطاً غير قابل للنقاش لإنهاء عمليتها العسكرية، في ظل ما تسميه الحق في منع تكرار هجوم 7 أكتوبر 2023. فبالنسبة لإسرائيل، وجود أي مجموعة مسلحة في غزة أو الضفة يُنظر إليه كتهديد أمني يستدعي الرد العسكري.
الفلسطينيون.. شروط تعجيزية ومسار غير واقعيفي المقابل، ترى فصائل فلسطينية أن هذا المسار غير عملي في الوقت الراهن. قيادي في السلطة الفلسطينية عبّر عن قلقه من أن تكون هذه الاشتراطات مجرد غطاء لتأجيل الاعتراف تحت ضغط الموقف الأميركي، مضيفاً: "يريدون الاعتراف، لكنهم يخشون من تداعياته السياسية".
أما حماس، فقد وصفت اشتراط نزع السلاح بأنه غير واقعي طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي قائماً. وقال مسؤول في الحركة: "حتى لو وافقنا على نزع السلاح، فإن إسرائيل ستبقى تستخدم هذا الملف ذريعة لشن عمليات وفرض الحصار. إنه مطلب لإبقاء غزة رهينة".
وأضاف: "وحتى لو تم القضاء على الجهاز العسكري لحماس، هل هذا سيمنع نشوء مقاومة جديدة؟ الاحتلال هو أصل المشكلة".
الموقف الفرنسي.. من الحسم إلى الغموضكانت باريس قد أعلنت في وقت سابق نيتها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال المؤتمر المرتقب في نيويورك، بل إن الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه صرح بذلك في أبريل الماضي. غير أن تصريحات وزير الخارجية جون-نويل بارو الأخيرة أشارت إلى أن فرنسا لن تتخذ خطوة منفردة، بل ستسعى إلى اعتراف جماعي.
صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عنونت تقريرها بـ"ماكرون يماطل بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية"، مشيرة إلى أن باريس بدأت تتراجع عن الوضوح السابق، وتُحيل الاعتراف إلى قرار جماعي بالتنسيق مع الدول العربية والسلطة الفلسطينية.
أما صحيفة "لوموند" الفرنسية فقد وصفت المشهد بـ"متاهة الاعتراف"، وقالت إن ماكرون، الذي لمح سابقاً إلى اتخاذ هذه الخطوة، بات أكثر حذراً مع اقتراب موعد المؤتمر، خاصة في ظل الرفض الأميركي والإسرائيلي.
تل أبيب تراقب وتضغطإسرائيل لم تُخفِ غضبها من نية فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين، إذ اعتبرت ذلك مكافأة لحركة حماس رغم تحميلها المسؤولية الكاملة عن هجوم 7 أكتوبر. وفي خطوة لاحتواء الأزمة، أوفدت باريس مبعوثين سريين إلى تل أبيب لطمأنة الحكومة الإسرائيلية ومحاولة تهدئة التوتر.
وتشير تقارير صحفية إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشعر بخيبة أمل من ماكرون، خاصة بعد الانتقادات التي وجهها الأخير لحرب غزة، وتعتبر إسرائيل أن الاعتراف بدولة فلسطين في هذا التوقيت يشكل ضغطاً دبلوماسياً غير مقبول.
التحركات الأوروبيةفي موازاة هذا الجدل، كشفت تقارير أن المؤتمر الذي كان من المفترض أن يعلن عن الاعتراف الجماعي بدولة فلسطين قد اضطر لتغيير أهدافه، بحيث يكتفي بدفع عملية الاعتراف إلى الأمام دون اتخاذ خطوات تنفيذية فورية. وصرح دبلوماسيون بأنهم يسعون لجعل هذا المسار جماعياً حتى يكون له "ثقل سياسي حقيقي" وليس مجرد بيان رمزي.
وفي هذا السياق، قال عوفر برونشتاين، مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط، إن "ثلاثين عاماً من المفاوضات لم تؤد إلى قيام الدولة الفلسطينية. الآن نغير المقاربة: نبدأ بالاعتراف، ثم نبني على ذلك العملية السياسية".
هل تنجح المبادرة بدون واشنطن؟رغم الدعم الأوروبي المتزايد للفكرة، إلا أن غياب واشنطن أو على الأقل عدم انخراطها الفعلي يظل عقبة كبيرة أمام نجاح المسار. ويأمل المسؤولون الأوروبيون أن تلتزم الولايات المتحدة بالحياد الإيجابي، على الأقل بعدم وضع العراقيل أمام الدول الساعية للاعتراف.
وبحسب تصريحات لمسؤولين في باريس، فإن فرنسا تأمل في خلق "توازن دبلوماسي" يتيح تمرير الاعتراف دون مواجهة مباشرة مع حلفائها الأميركيين، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأميركية، حيث يتجنب الرئيس جو بايدن اتخاذ مواقف تُغضب اللوبي الإسرائيلي أو تؤثر على أصوات الناخبين.
بين الواقع والطموحالمؤتمر الدولي المزمع عقده في نيويورك يبدو أقرب إلى اختبار دبلوماسي كبير منه إلى لحظة تاريخية طال انتظارها. فبين رغبة أوروبية متنامية في إنهاء الجمود، واشتراطات سياسية وأمنية صعبة التحقيق، وتردد أميركي، ورفض إسرائيلي قاطع، تقف الدولة الفلسطينية المنتظرة في مفترق طرق.