حسن إبراهيم حسن الأفندي
أما سمعت بمن ماتوا ومن رحلوا...حتى تعيش على دمعاتها المقل ؟
وهل ترى أجْدت الدمعات ساكبها...فقد مضى من بكى واستشهد البطل
ودع غرامك أو ودّع به أملا...لا شك قد خاب لا يندى له أمل
سبعون تجري كبرق خاطف وغدا...يأتيك ما لم تكن تهوى فترتحل
لا مال تحرسه لا زرع لا إبلا...علام أنت إذن يطويك ذا الوجل
لا تخدعنَّ بقول كاذب ومنى.
جبان قلبك لا يخفى على أحد...وكل من قال شعرا عضه ملل
سبعون تمضي ولا تجدي محاولة...ولا فَكَرْتَ بما يجري به أجل
ظللت تبكي شبابا ذاهبا وصبا....والعمر يجري وفي أقدارنا عجل
كأنني وبلاط الأمس حاضرتي...ذكرى أعيش بها عمري وأختتل
لا أعرفنِّ لضعف بات يقهرني...ولا المشيب يعظني إذ به أعتدل
يا نائح الطرف ماذا في مغازلتي...إلا الذي في غد يأتيك يا رجل
كم عشت عمرا فما ترسو مراكبنا...شط الأمان ولا الآلام تحتمل
ماذا تريد من الدنيا وقد زهدت...دنياك فيك ، لئن فكرت تختبل
هي الحياة كذا ، حلو وحنظلها...لتوأمان ، وفي سعد لنا وحل
فهل نسيت من الأيام فرحتها...أيام أنسي وذاك الشعر والغزل ؟
فكل طرف جميل كان يجذبني...وكم جريت له للوصل أفتعل
ما نمت يوما بلا أنثى تجاذبني...حلو الحديث وحب ما بها مطل
كم عاشقات لأشعاري وموهبتي...وما عييت ولا أعيت بي الحيل
واليوم أبكي على الأطلال أرمقها...فهل أجاب على علاته طلل؟
تفنى الجسوم وما قلبي بمنعزل...عن الفناء ولا كبدي ولا المقل
ويزعمون بأن المرء أخلده...حبر اليراع فوا جرما لهم فعلوا
وربما خلدت أبيات قائلها...لكنما هو عن دنيا لمنعزل
شعري يخلدني (طظٌ) لما زعموا...فأين مني شفاها تشتهي القبل؟
وأين مني قصورا جئت زائرها...واللحد ضم رفاتي مثل من مثلوا
هناك لا شيء يجدي غير مكرمة...جاد الكريم بها في رحمة تصل
هل يملكون قرارا طوع رغبتهم...وكلنا لحياض الموت مرتحل
فليتني كنت صخرا لا حياة به...ولا أحس بمن يبقى وينتقل
أو كنت من شجر يروي له وطف...من السحائب يهمي ماؤه الهطل
نستعجل الوقت لا ندري عواقبه...والوقت يمضي بآجال ويختزل
ذكرى نكون لبعض الوقت باهتة...والناس تنسى لمن كانت لهم جُمل
ولا يذكرون سوى حينا مآثرهم...وربما نقدوا ما رابهم خجل
هي الحياة فودع من تعلقها...موت سيطويك ما من رده سبل
نخاف منه وألا خوف يعصمنا...وإن دعاء بطول العمر نبتهل
مقصرون بحق الحق في ملق...وكم نجامل من خابوا ومن زللوا
ولا نصحت إلى الحكام إن ظلموا...وكم أخاف على نفس لها علل
نخشى من الموت هل في الموت من فزع...ما دام يرتاده من سابق أُوَل
وليس تجدي محاذير للازمها...ولا سمعت بمن بالصبر ينشغل
إلاه مختار وابن الرافدين هما...من آمنا بجهاد دونه المثل
تجري مقاديرنا لا شيء يمنعها...وكلنا لقضاء الله يمتثل
thepoet1943@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
نعي فؤاد الحميري… بين جلال الموت وانحطاط الكراهية
كنا ولا نزال نراهن على حكمة اليمنيين، أصدقاء وخصومًا، في قدرتهم على تجاوز جراح الماضي، لا سيما وقد أصبح الجميع شركاء في وجعٍ واحد لا يستثني أحدًا.
وقد اعتدنا كيمنيين أن نجعل من المناسبات الإنسانية، وفي مقدمتها الموت، فرصة للتواصل والمراجعة، لما يحمله الموت من جلالٍ ورهبة، وما يوقظه في النفس من عظة وتذكير بزوال الدنيا وفناء البشر.
لم يحدث أن ندمنا يومًا على الترحم على خصومنا، أو على تقديم واجب العزاء لأهاليهم وذويهم. فالموت، في ثقافتنا، لحظة تعالٍ عن الصغائر، ومحطة لعودة الروح إلى جذورها الأخلاقية، حيث الأخلاق فوق الخصومة، والوطنية تعلو على الصراع.
لقد اعتاد اليمنيون، حتى في ذروة الصراع، أن يجعلوا من مناسبة الموت جسرًا للتواصل، لا خندقًا لتجديد العداوة.
لكن يبدو أن بعضهم لا يزال يرفض التصالح مع هذه القيم، ويصر على اغتيال خصومه حتى بعد رحيلهم، وكأن الموت وحده لا يكفي.
كان رحيل الشاعر والمناضل فؤاد الحميري لحظة وطنية مؤثرة، حيث تدفقت مشاعر الحزن والوفاء من جمهور واسع، بطريقة عفوية وصادقة، أعادت التذكير بأن القلوب اليمنية لا تزال تنبض بالحب لمن صدق القول والفعل، وبقي صوتًا للضمير في زمن الخديعة.
غير أن هذا النعي الجماهيري الكبير، بما فيه من صدق وعفوية، قد أثار حفيظة البعض، ممن أكل الحقد السياسي ضمائرهم، فاستأجروا الأقلام، وأطلقوا جيوش الذباب الإلكتروني للتشفّي والانتقام.
كان مشهدًا مرعبًا ومخزيًا، حين تحوّلت لحظة الرحيل الإنساني إلى منصة لتصفية الحسابات، والاحتفال بنهاية خصم، لا بوداع إنسان.
إنها صدمة أخلاقية وثقافية تتعارض تمامًا مع تقاليد اليمنيين في توقير الموت، واحترام الراحل، وجعل الوفاة مناسبة للتراحم لا للتشفي.
لقد استكثروا على فؤاد الحميري حتى نعي الجماهير، ظنًّا منهم أن الحب يُمنح بأمر، وأن الاحترام يُفرض بالقوة، ولم يدركوا أن الجماهير لا تحتاج إلى توجيه حزبي، ولا إلى إعلام رسمي، كي تعبّر عن حبها لمن رأت فيه شيئًا من حلمها، وصوتًا من ضميرها، فالحب والاحترام لا يُفرضان، بل يُكتسبان.
ومع ذلك، لا يمكننا أن نلومهم كثيرًا؛ فهم، في أعماقهم، لم يكونوا يشاهدون النعي العفوي المجرد للحميري فقط، بل كانوا يرون فيه قدرًا مرعبًا يطوّقهم ويترصدهم، وكأن هذا النعي لم يكن إلا مرآةً لمصير قادم، وموتٍ يتلبسهم ويقترب منهم، وإن تأخر.
إنها لحظة نعي مزدوج: نعيٌ لفؤاد الحميري، رمزًا نقيًّا لا يملك إلا ضميره، وصوته، وحلمه.
ونعيٌ مبكر، وربما نهائي، لأولئك الذين لا يزالون ينازعون من أجل البقاء، بكل ما في جعبتهم من أحقاد وضغائن وكراهية، في محاولة لإحياء تجربة لفظها الزمن، ولم تعد تجد لها مكانًا في وجدان الجماهير.
لقد فشلوا مرةً أخرى في استقطاب قلوبٍ كانت قد انفتحت لهم، ورأت في بعضهم بصيص أملٍ يمكن تداركه والبناء عليه، في زمن بات فيه كيان الدولة يتعرض للانهيار، ومفهوم الجمهورية مهدد بالتآكل والزوال.
إنهم يموتون في كل مرة تحيا فيها ذاكرة الجماهير، ويفشلون في كل مناسبة يظهر فيها أن الحب لا يُصادر، وأن الكرامة لا تُشترى، وأن لله في خلقه شؤون، و”كلَّ يومٍ هو في شأن”…يخفض أقوامًا، ويرفع آخرين.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةانا لله وانا اليه راجعون حسبنا الله ونعم الوكيل...
أنا طالبة علم حصلت معي ظروف صعبة جداً و عجزت اكمل دراستي و أ...
نحن اقوياء لاننا مع الحق وانتم مع الباطل...
محمد عبدالخالق سعيد محمد الوريد مدير بنك ترنس اتلنتيك فليوري...
قيق يا مسؤولي تعز تمخض الجمل فولد فأرة تبا لكم...