جرائم قتل صامتة.. منع السفر يضع 14 ألف مريض غزّي على حافة الموت
تاريخ النشر: 28th, June 2025 GMT
غزة- تراقب الجريحة حنان ديب جسدها وهي تفقد منه جزءا بعد آخر، منذ إصابتها وجميع أفراد أسرتها في غارة جوية إسرائيلية تسببت في حرق خيمتها بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة.
وقعت هذه الغارة يوم 16 يناير/كانون الثاني الماضي على مقربة من الخيمة التي نزحت إليها حنان (40 عاما) وزوجها ياسر (41 عاما) وأبناؤهما الخمسة، وأدت الغارة إلى احتراق الخيمة بالكامل، وأصيبت الأسرة بأكملها بجروح وحروق خطيرة، اضطر الأطباء على إثرها لبتر أصابع قدمي الأم، و3 أصابع من القدم اليمنى لزوجها.
تقول حنان -للجزيرة نت- إن 3 من أبنائها الخمسة يعانون إصابات متفاوتة، بين متوسطة إلى خطيرة، وقد استقرت شظية في رأس ابنها محمد (11 عاما)، وفقد ابنها عمرو (13 عاما) الإبصار في إحدى عينيه جراء إصابة بليغة بالوجه، وأصيب الابن الأكبر عماد (20 عاما) بكسر في ساقه استدعى عملية جراحية وتركيب شرائح بلاتين.
كانت أسرة ديب، النازحة من مدينة غزة، تقيم في الخيمة منذ بدايات اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونتيجة الغارة الجوية على هدف مجاور، تشتت شمل الأسرة، حيث يرقد الوالدان مع أحد الأبناء في "مستشفى شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح، ويتملك القلق الأم على نفسها وأبنائها، وترفض وذويها بشدة بتر قدمها اليسرى رغم قرار الأطباء، وتمني نفسها بسفر قريب للعلاج بالخارج وإنقاذ قدمها.
تمتلك هذه الأسرة تحويلات طبية للعلاج بالخارج، وحسب حديث أحمد الصبيحي (شقيق حنان) للجزيرة نت، وهو الذي يتولى التواصل مع منظمة الصحة العالمية، فإن المنظمة أخبرته أنها تعد قوائم الجرحى والمرضى للسفر، ولا تمتلك شيئا سوى انتظار فتح المعابر من أجل سفرهم للعلاج.
إعلان
"كل يوم تأخير يزداد الخطر ونقترب أكثر من البتر"، وقد بدأ الأطباء ببتر أصابع القدم اليمنى لحنان، ومن ثم أصابع القدم اليسرى، ومع مرور الوقت أوصى الأطباء ببتر كامل القدم اليسرى للسيطرة على آثار الإصابة ومنع تفاقمها، "ولكننا -الأسرة- رفضنا، ونتمسك بأمل سفرها وإنقاذ قدمها"، يقول الصبيحي.
وبسبب شظية أصابتها في رأسها واستقرت بالدماغ، تعاني حنان من ضعف القدرة على الحديث والكلام، وأثرت على حركة إحدى يديها، والجانب الأيمن من وجهها، علاوة على حروق من الدرجتين الثالثة والرابعة أصابتها وجميع أفراد أسرتها، وتقول بلسان ثقيل: "الحمد لله على كل حال، وأدعوه ليلا ونهارا أن يعجل بسفري لتلقي العلاج، حتى أتمكن من القيام بدوري، زوجة وأمًا، وتربية أبنائي".
يرقد ياسر على سرير مجاور لزوجته، وطوال الحديث معهم، فضّل التزام الصمت، وعنه يقول الصبيحي: "إنه مهدد ببتر نصف قدمه اليمني، بعد بتر 3 أصابع منها".
تنهار صحة أفراد هذه الأسرة يوما بعد يوم، ووفقا للصبيحي، فإن الإسراع في سفر شقيقته وزوجها وأبنائهما يزيد من أمل شفائهما، ويوقف "سكين البتر" القريبة من جسدي حنان وياسر، ويعيد لعمرو الرؤية في عينه التي تزداد حالتهما سوءا ويكاد يفقد الرؤية فيها تماما.
حصار المرضى
ويفرض الاحتلال قيودا مشددة على سفر الجرحى والمرضى منذ اندلاع الحرب، وازدادت هذه القيود تعقيدا إثر إغلاقه المعابر كافة في الثاني من مارس/آذار الماضي، واستئنافه الحرب يوم 18 من الشهر ذاته.
وكان معبر رفح البري مع مصر المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي، غير أنه مدمر ومغلق كليا منذ اجتياح الاحتلال مدينة رفح على الحدود الفلسطينية المصرية في أقصى جنوب القطاع في السادس من مايو/أيار 2024، واحتلال المدينة بالكامل حتى اللحظة.
ولم تحظَ المريضة إيمان أحمد (37 عاما) بفرصة للسفر والعلاج من مرض الفشل الكلوي، رغم أن لديها تحويلة طبية منذ ما قبل احتلال مدينة رفح.
وكان من المفترض أن يعاين حالة إيمان أحمد وفد طبي أجنبي، غير أن الاحتلال لم يسمح له بالمرور والوصول إلى القطاع، الذي تعاني مستشفياته ومرافقه الصحية من حالة انهيار، وضعف في القدرات البشرية والمادية، جراء الاستهداف الإسرائيلي المباشر بالقصف والاقتحام والاعتقال، وغير المباشر بالحصار ومنع الإمدادات الطبية.
هذه المريضة متزوجة ولديها طفلان، وتقيم مع أسرتها في خيمة قريبة من مستشفى شهداء الأقصى، وتقول للجزيرة نت إنها نزحت من مدينة غزة، وأقامت في خيمة قريبة من المستشفى لسهولة الوصول إلى وحدة غسيل الكلى، في ظل أزمة مواصلات حادة.
وتعاني إيمان من هذا المرض منذ 7 أعوام، وتخضع لجلسات غسيل كلى 3 مرات أسبوعيا، بمعدل ساعتين في الجلسة الواحدة، وترى أنها غير كافية، إذ كانت الجلسة تصل إلى 4 ساعات قبل اندلاع الحرب، وقد اضطرت المستشفيات لتقليص المدة الزمنية جراء نقص الأجهزة ولاستيعاب الضغط الهائل من المرضى.
إعلانوفي الآونة الأخيرة، تدهورت الحالة الصحية لهذه المريضة، وانخفض وزنها من 65 كيلوغراما إلى 50 كيلوغراما، نتيجة المجاعة وسوء التغذية وعدم توفر الغذاء الصحي المناسب لحالتها الصحية، وبعدما كان الأمل يحذوها بالعلاج واستعادة صحتها مع تطوع شقيقها للتبرع لها بإحدى كليته، فإنها تخشى الآن أكثر من أي وقت مضى من الموت، وتشعر بالقلق الشديد على طفليها.
ويقول مسؤول ملف إجلاء الجرحى والمرضى في وزارة الصحة مدير أقسام الأطفال والتوليد في مجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا، للجزيرة نت، إن 14 ألف جريح ومريض مسجلون على قوائم السفر للعلاج بالخارج، وحياتهم رهينة بفتح الاحتلال للمعابر.
ومن بين هؤلاء، فقد 546 أرواحهم وهم ينتظرون فرصة السفر، في وقت يحكم فيه الاحتلال حصاره المشدد على القطاع ويغلق المعابر، ويعرقل السفر للعلاج. ويخشى الدكتور الفرا من ارتفاع عدد الشهداء من المرضى والجرحى على قوائم الانتظار ما لم يتم فتح المعابر سريعا وتمكينهم من السفر وتلقي العلاج المناسب بالخارج.
ويوضح المسؤول الصحي أن واقع هذه الفئة من الجرحى والمرضى، وهي الأشد احتياجا للسفر بغية العلاج، قد ازداد سوءا وتدهورا منذ تشديد الحصار واستئناف الحرب في مارس/آذار الماضي.
واتهم الدكتور الفرا الاحتلال بارتكاب "جرائم قتل صامتة" بحق آلاف الجرحى والمرضى، عبر وضع المعوقات في طريق سفرهم، وانتهاج سياسة ممنهجة وإجراءات معقدة، تقوم على العبث بأولويات السفر، وبينما يعرقل سفر المرضى والحالات الإنسانية عموما، فإنه يسمح من حين إلى آخر لحالات فردية ومحدودة بالسفر عبر معابر ومنافذ خاضعة لسيطرته العسكرية.
ويعتبر مرضى الكلى الأكثر تضررا من هذه السياسة المعقدة، وقد فقد أكثر من 40% من بين 1150 مريضا حياتهم منذ اندلاع الحرب، بسبب القيود الإسرائيلية على السفر، ولعدم توفر الخدمة الطبية المناسبة لهم، حسب بيانات رسمية لوزارة الصحة الفلسطينية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للعلاج بالخارج الجرحى والمرضى اندلاع الحرب السفر للعلاج للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
تقرير: أوكيناوا تعارض وجود القوات الأمريكية بعد 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية
هينوكو (اليابان) "أ ف ب": لا يزال هيروماسا إيها من سكان أوكيناوا يتذكر صراخ زملائه في الفصل الدراسي والمعلمين بعد تحطم طائرة عسكرية أمريكية في مدرسته الابتدائية ما أسفر عن مقتل 18 شخصا قبل أكثر من ستة عقود.
وبينما يحيي العالم الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، فإن رجل الأعمال المتقاعد البالغ 72 عاما، من بين العديد من السكان الذين يعارضون وجود القوات الأمريكية المتمركزة في جزيرتهم منذ ذلك الحين.
وينضم إيها إلى عشرات من سكان الجزيرة في احتجاجات شبه يومية ضد القوات الأميركية.
وتنشر الولايات المتحدة نحو 54 ألف عسكري في اليابان معظمهم في أوكيناوا. وأثارت سلسلة من الحوادث على مر السنين، بما فيها حالات اعتداء جنسي، غضب السكان.
وقال إيها لوكالة فرانس برس مستذكرا حادثة المدرسة عام 1959 "بالنسبة لنا، هذه الجرائم والحوادث ليست من شأن أحد، ونشعر بقلق بالغ لأننا لا نستطيع التنبؤ بموعد حدوثها مرة أخرى".
وأضاف "نريد رحيل القواعد".
وتحتضن جزيرة أوكيناوا الجنّة شبه الاستوائية والمقصد السياحي الكبير، 70% من جميع القواعد الأمريكية في اليابان وتُعدّ بمثابة مركز أمريكي رئيسي لمراقبة الصين ومضيق تايوان وشبه الجزيرة الكورية.
وأدت معركة أوكيناوا الدامية قبل فترة قصيرة من نهاية الحرب إلى احتلال الولايات المتحدة للجزيرة حتى عام 1972، استولت خلالها القوات على أراض خاصة الملكية في أوكيناوا لتوسيع وجودها في ما يُعرف محليا بحملة "الحربة والجرافة".
وخلال الحرب الباردة اعتبرت واشنطن وجود القوات الأمريكية في أوكيناوا رادعا ضد انتشار الشيوعية.
والآن تُشدد كل من طوكيو وواشنطن على الأهمية الاستراتيجية لأوكيناوا في مواجهة طموحات الصين الإقليمية.
لكن السكان عبروا لسنوات عن غضبهم إزاء سلسلة جرائم وحوادث تورط فيها جنود أميركيون وأفراد من القواعد.
في عام 2024 وحده اعتقلت شرطة أوكيناوا 80 شخصا على صلة بالقاعدة، مثل جنود أميركيين أو متعاقدين عسكريين، من بينهم سبعة أشخاص متهمين بجرائم عنيفة جدا.
وانفجرت موجة غضب في أوكيناوا بعد اغتصاب جماعي لفتاة تبلغ 12 عاما في 1995 من جانب ثلاثة من مشاة البحرية الأمريكية.
وفي أغسطس 2004 تحطمت مروحية تابعة لمشاة البحرية في جامعة بأوكيناوا. ولم تسفر الحادثة عن إصابات، لكنها زادت من مخاوف وقوع حوادث.
وفي أبريل 2016 اعتدى جندي سابق في مشاة البحرية، كان يعمل متعاقدا عسكريا في أوكيناوا، على امرأة تبلغ 20 عاما وقتلها.
والشهر الماضي، زار ضابط كبير في مشاة البحرية حكومة أوكيناوا للاعتذار بعد إدانة جندي من مشاة البحرية بالاعتداء على امرأة.
حقا مخيف
أظهرت استطلاعات الرأي في أوكيناوا على مر السنين أن غالبية السكان ترى أن بقية انحاء اليابان يجب أن تشارك في تحمل مسؤولية استضافة القوات الأمريكية.
ويشير حاكم أوكيناوا ديني تاماكي باستمرار إلى "العبء المفرط" الذي تتحمله الجزيرة، والذي يؤثر على الحياة اليومية للسكان.
لكن جونكو إيراها، رئيسة ائتلاف مجموعات نسائية في أوكيناوا، قالت إن الدعوات المتكررة للسلطات لمنع جرائم الجنود الأميركيين لم تلق آذانا صاغية.
وقالت "المسألة ليست أننا لا نحب الشعب الأمريكي. نحن نقول: رجاء افعلوا شيئا بشأن القواعد".
وعندما عادت أوكيناوا إلى اليابان عام 1972، توقع السكان أن تنتشر القواعد الأمريكية في أنحاء اليابان، وهي أمنية لم تتحقق أبدا كما قالت.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تزايد الاستياء بين سكان أوكيناوا.
في استطلاع رأي أُجري عام 2023، قال قرابة 40 % من المستطلعين في أوكيناوا إن الحركة المناهضة للقاعدة الأميركية عاجزة عن تغيير سياسة طوكيو.
لكن العديد من سكان أوكيناوا يقولون إنهم يعيشون في خوف من جرائم الجنود الأميركيين، بينما لا يزال ضحايا يحاولون تجاوز حزنهم.
كان تاكيماسا كينجو (68 عاما) طالبا في المدرسة الثانوية عندما قُتلت والدته على يد جندي من مشاة البحرية عام 1974 بحجر في منزلهم حيث كانت تدير حانة صغيرة.
وقال كينجو "إنه لأمر مخيف حقا إذا فكرت أن جرائم يمكن أن تحدث في حيّك".
وانضم مؤخرا إلى احتجاج في قاعدة لمشاة البحرية الأمريكية يجري توسيعها لتشمل خليجا منعزلا تعيش فيه أبقار البحر وأنواع محمية أخرى.
ويعتقد كينجو أن أوكيناوا، حيث يُمثل الدخل المرتبط بالقاعدة ما يزيد بقليل على 5 % من اقتصادها، يمكن أن تزدهر بفضل السياحة وحدها، مع تزايد أعداد السياح الذين ينجذبون إلى الخلجان الفيروزية والشعاب المرجانية في المنطقة.
وقال "ينبغي ألا تكون هناك قاعدة في أوكيناوا" مضيفا "لسنا بحاجة إلى منشآت عسكرية جديدة".
ويشعر إيها، الذي دُمرت مدرسته الابتدائية بطائرة أميركية، بحاجة إلى شرح ما حدث للأجيال المقبلة وتحذيرها من إمكان تكراره.
يتذكر إيها أنه في وقت الحادث، الذي أسفر أيضا عن إصابة أكثر من 200 شخص، "ظن الجميع أن حربا أخرى تبدأ".
والآن "تحلق طائرات عسكرية فوق منازلنا يوميا، ونرى مروحيات تقوم بهبوط اضطراري".
ويرى أن "هذا ليس مجرد أمر من الماضي. هذا يمكن أن يتكرر في أي وقت".