ما يُريده السوريون وما يُريده الآخرون، ومنهم نحن في لبنان، تبقى مسائل خلافية، لا تقف عند الحدود الجغرافية. حتى قول أحمد الشرع إن الحكم الجديد سيقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، سبق أن قاله كل المسؤولين الذين تعاقبوا على مواقع الحكم في سوريا. الفكرة لا تتعلّق بالنيّات، بل بالحقائق التي تمنع سوريا من أن تكون حيادية في لبنان.
المشكلة الآن تكمن في أن المسؤولين السوريين الجُدد (سيبقى تعريفهم على هذا النحو، حتى يتحوّلوا إلى سلطة بديلة) لا يملكون تصوّراً خاصاً للعلاقات مع محيط سوريا. هم يعرفون، ويتصرّفون، على أساس أن تركيا هي الطرف الوحيد المجاور الذي يمكنه أن يسرح ويمرح في مدن سوريا، وأنها صاحبة الكلمة الفصل في ملفات كثيرة. ولا توجد أيّ إشارة بأنّ حلفاء تركيا الذين أسقطوا نظام البعث يسيرون في طريق الانفصال عن شبكة الأمان التركية، بل على العكس، فإن المقدّمات حول مسار بناء السلطة الجديدة تشير إلى حاجة هذه المجموعة السورية إلى كلّ أشكال الدعم، من إعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية وقوات الشرطة، إلى الإطار القانوني الذي سينظّم عمل المحافظات والعمل البلدي في كلّ سوريا. وإلى جانب ذلك، ثمّة حاجة سورية هائلة لمساهمة تركيا في ورشة إعادة بناء الدولة، من بنى تحتية، ومن نظام اقتصادي، ومن سياسات مالية ونقدية. ولن تقبل تركيا بأن يكون هناك معبر غيرها لوصول أيّ نوع من أشكال الدعم للسوريين، سواء كانوا على شكل أفراد أو جماعات أو على صعيد الدولة.
بهذا المعنى، يمكن تقدير تموضع سوريا الجديد. وإذا كان من غير المتوقع أن يصدر عن الحكام الجدد أيّ كلام عن سعي لعلاقات مع إسرائيل، فإنه سيكون من الصعب أيضاً توقع مواقف معادية لإسرائيل، أو متضامنة بقوة مع المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وبالطبع، سيكون من السذاجة تصوّر خطوات من جانب الحكم لمواجهة توسع الاحتلال الإسرائيلي في جنوب سوريا، علماً أن هذا التوسع لم يتوقف، وهناك مؤشرات إلى احتمال أن يتّجه أيضاً صوب غرب سوريا، وتحديداً باتجاه الحدود مع الأردن والعراق، باعتبار أن العدوّ يعتبرها مصدر خطر على أمنه.
الناتج الأول بين أيدينا، هو أن سوريا باتت خارج دائرة التماس في الصراع العربي - الإسرائيلي، ومن يطلب منا، من السوريين أنفسهم، مواطنين كانوا أو مسؤولين، عدم إحراجه بإثارة الموضوع، فعلى هؤلاء تذكّر أن العداء لإسرائيل كان وسيبقى المؤشر على الاستقلال الفعلي لدول الطوق. ومن يرفض هذا المنطق، ليس عليه سوى النظر إلى أحوال لبنان ومصر والأردن.
كذلك، تواجه سوريا، ومعها نحن، استحقاقاً داهماً يتعلق بموقعها في اهتمامات الإدارة الأميركية الجديدة. صحيح أن دونالد ترامب قال كلاماً فهمه البعض على أنه «لامبالاة» بالحدث السوري، إلا أن التصرف العملي للإدارة الجديدة لن يتوقف بالضرورة عند ما قاله الرئيس المنتخب. فمصالح الدنيا كلها موجودة الآن في سوريا. ولا أحد قادر على حسم الوجهة الأميركية وما إذا كان يوجد في دفتر طلبات واشنطن من الحكم الجديد خطوات معيّنة تخصّ لبنان، ولا سيّما أن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل لا تكتفيان بإقفال طرق الإمداد العسكرية للمقاومة في لبنان، بل تريدان ما هو أكثر من ذلك. والخطورة ستطلّ برأسها إن فكّر الأميركيون بدور سوري جديد في لبنان، وخصوصاً أن الحرب الأخيرة أظهرت للأميركيين أنه يصعب العثور في لبنان على قوة قادرة على تحمّل مواجهة مباشرة مع حزب الله.
كل ما سبق يعيدنا الى المربع الأول. إذ إن الموقف من إسرائيل لا يشكّل عنواناً ثانوياً، ولا يمكن تجاهله، حتى ولو أراد ذلك سوريون بحجّة انشغالهم بأمورهم الداخلية، أو حتى إن تذرّع البعض بأن البلاد ليست مستعدة لتحمّل الكلفة الباهظة لمواجهة إسرائيل. والتحدّي قائم، لأنّ العدوّ نفسه لا يبدو مردوعاً كفاية، وقد يقوم بمزيد من الأعمال العدائية ضد سوريا ولبنان، وربما يقوم هذه المرة بالاعتداء على لبنان مستخدماً الأراضي السورية، وهنا مصدر القلق الأكبر. إذ إن الحكم الجديد في دمشق تعهّد للعالم بأن لا تكون سوريا مصدر تهديد لأيّ دولة في العالم، بما في ذلك إسرائيل، لكنه لم يقل لنا كيف سيتصرّف إذا استخدمت إسرائيل سوريا مصدراً لتهديد الآخرين!
الأخبار اللبنانية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان الشرع سوريا سوريا لبنان الشرع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی لبنان
إقرأ أيضاً:
البيت الأبيض: نراقب خطوات سوريا نحو التطبيع مع إسرائيل بعد رفع العقوبات
أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في بيان رسمي، تنفيذ الأمر الرئاسي الصادر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي ينص على رفع العقوبات المفروضة على سوريا، واصفة القرار بأنه "تاريخي"، في خطوة مفاجئة أحدثت ردود فعل متباينة على الساحة الدولية.
وكشفت الوزارة عن حذف 518 فردًا وكيانًا من القائمة المحظورة، في إطار تنفيذ هذا القرار، ما يُعد تحولًا كبيرًا في سياسة الولايات المتحدة تجاه النظام السوري بعد سنوات من العزلة والعقوبات الاقتصادية.
ترامب يلتقي نتنياهو في البيت الأبيض الأسبوع المقبل عاجل- واشنطن تبدأ إلغاء العقوبات عن سوريا وتفرض أخرى على رموز النظام السابق البيت الأبيض: التطبيع مع إسرائيل ضمن أولوياتنا في التعامل مع سورياوفي أول تعليق من البيت الأبيض عقب القرار، أكدت الإدارة الأمريكية أن رفع العقوبات لا يعني تفويضًا مطلقًا، بل هو مشروط بالتزام سوريا بجملة من الأولويات الاستراتيجية الأمريكية، في مقدمتها:
التعاون في منع عودة تنظيم داعش الإرهابي.استلام مراكز احتجاز عناصر التنظيم.التقدم في خطوات التطبيع مع إسرائيل.التحرك بفاعلية ضد الجماعات الإرهابية.حل ملف الإرهابيين الأجانب.وشدد البيان على أن الولايات المتحدة ستراقب عن كثب سلوك سوريا خلال المرحلة المقبلة، مؤكدة أن واشنطن ترغب في نجاح سوريا، لكن "ليس على حساب المصالح الأمريكية"، حسب وصف المسؤولين الأمريكيين.
رسائل أمريكية مشروطة: لا دعم مجاني دون التزامات واضحةالقرار الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا يُمثل نقلة سياسية تحمل أبعادًا إقليمية ودولية حساسة، خصوصًا في ظل الجدل القائم حول مسألة التطبيع العربي مع إسرائيل، وما قد يمثله ذلك من إعادة تموضع لبعض الأنظمة في المنطقة ضمن رؤية أمريكية موسعة لاستقرار الشرق الأوسط.
ويأتي الموقف الأمريكي الجديد في وقت يُتوقع فيه تصاعد الضغوط الدولية على النظام السوري لتقديم تنازلات سياسية، سواء فيما يخص العلاقة مع إسرائيل أو في ما يتعلق بملف اللاجئين، والإرهاب، وإعادة الإعمار.
ترامب يربط رفع العقوبات بأهداف أمريكية محددة
وأكدت مصادر في البيت الأبيض أن الرئيس ترامب يعتبر هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية ستُبقي على أدوات المتابعة والمحاسبة، حال عدم تحقيق تقدم ملموس من قبل النظام السوري.
ويُذكر أن العقوبات التي تم رفعها كانت تشمل شخصيات سياسية واقتصادية بارزة، فضلًا عن شركات ومؤسسات سورية وأجنبية على صلة بالنظام السوري أو تُتهم بدعمه ماليًا وتقنيًا.