أعد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات دراسة عن الأوضاع الحالية في السودان عقب إندلاع الحرب بين الحيش و قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومنها إنتقلت إلى ولايات أخرى في كردفان و دافور، وحملت الدراسة عنوان الأزمة السودانية… الوضع الميداني والعامل الخارجي ومستقبل الصراع

الخرطوم ــ التغيير

بعد مرور نحو أربعة أشهر على اندلاع القتال بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، ما زالت الأزمة السودانية تراوح مكانها.

وكانت الأزمة قد بدأت في 15  أبريل 2023، عندما هاجمت قوات الدعم السريع مقرّ القيادة العامة للقوات المسلحة ومواقع حيوية أخرى داخل العاصمة، الخرطوم، في محاولة منها للسيطرة على السلطة. وشكّل ذلك الهجوم بداية مواجهة عسكرية بين الطرفين امتدت لتشمل مناطق في دارفور وأجزاء من كردفان.

 

الوضع الميداني وتغيّر أهداف قوات الدعم السريع تمثّل هدف ميليشيا الدعم السريع، الرئيس، في بداية القتال، في حسم الصراع سريعًا مع الجيش واستلام السلطة، من خلال سعيها إلى السيطرة على القصر الجمهوري، ومباني الإذاعة والتلفزيون، ومطاري الخرطوم ومروي، ومرافق حكومية أخرى، إضافة إلى مقرّ القيادة العامة للقوات المسلحة. وتحرّكت قوات الدعم السريع في دارفور، التي تُعد معقلًا رئيسًا من معاقلها، وخزّانًا بشريًا لها، وقد نشأت فيها في أثناء مواجهة الحركات المسلّحة الأخرى في حرب دارفور (2002-2011)، واتُّهمت قوات الدعم السريع (الجنجويد سابقًا) حينئذ بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد السكان المدنيين. ودارت معارك أيضًا بين “الدعم السريع” والقوات المسلحة في مدن الفاشر ونيالا والجنينة وزالنجي. ويقتسم الطرفان حاليًا السيطرة في كل هذه المدن، عدا الجنينة التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع مع مليشيا محلية متحالفة معها.

بعد مرور أربعة أشهر من القتال واتّضاح صعوبة استيلاء “الدعم السريع” على السلطة، أصبح هدفها الحفاظ على مكتسباتها وتحسين وضعها التفاوضي، من خلال استخدام قدرتها على الحركة السريعة في شنّ هجمات متزامنة على مرافق عسكرية، في محاولة لاستنزاف القوات المسلحة وتشتيت جهودها، فضلًا عن توجّهها إلى احتلال بيوت المواطنين والمستشفيات والمرافق الحكومية، مثل محطّات المياه والكهرباء ومصفاة البترول. وتزامن مع هذه التكتيكات الجديدة نهبٌ وحرقٌ لممتلكاتٍ عامة وخاصة، وارتكاب انتهاكاتٍ جسيمة ضد المدنيين، بما في ذلك الاغتصاب والتهجير القسري. وقد جعل احتلالُ بيوت المواطنين ونهبها والتحصّن فيها مواجهةَ قوات الدعم السريع داخل العاصمة أمرًا صعبًا.

تتركّز المعارك حاليًا في مدن العاصمة الثلاث: الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري، مع هجمات متقطّعة على مدن الأبيض وأم روابة في كردفان. وتدور في العاصمة حرب مدن يستخدم فيها الجيش الطيران لقصف مواقع “الدعم السريع”، بما في ذلك بعض المرافق العامة التي استولت عليها، مع إجراء عمليات تمشيط لأحياء في مدينتي أم درمان والخرطوم. أما “الدعم السريع” فتستخدم المرافق العامة، خصوصا المستشفيات، ومنازل المواطنين، ملاذات من هجمات سلاح الطيران والمدفعية التابعة للجيش. وتعتمد “الدعم السريع”، على نحو رئيس، على القنّاصة في تأمين السيطرة على معظم الجسور التي تربط المدن الثلاث، مع استخدام مسيّرات تستهدف بها مواقع عسكرية تابعة للجيش. ويبدو أن انتشار قوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث أخذ يشكّل عبئًا عليها؛ بسبب صعوبة تأمين خطوط الإمداد، وتوفير الوقود والذخيرة. وقد لوحظ انخفاضٌ في فعالية الهجمات التي تشنّها “الدعم السريع” في الفترة الأخيرة مقارنةً بالهجمات التي كانت تشنّها في أسابيع الحرب الأولى؛ إذ تكتفي حاليًا بشنّ هجمات باستخدام المسيّرات أو القصف الصاروخي ضد مواقع القوات المسلحة.
وتسعى قوات الدعم السريع للإبقاء على خطوط إمدادها من خارج السودان مفتوحة، خصوصا من ليبيا وأفريقيا الوسطى وأوغندا. وقد نقلت وسائل إعلام أميركية، استنادًا إلى مصادر ميدانية وتحليلات لصور أقمار اصطناعية، إرسال اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومجموعة فاغنر الروسية المنتشرة في ليبيا وفي أفريقيا الوسطى إمدادات أسلحة إلى قوات الدعم السريع؛ إذ جرت متابعة طائراتٍ تغادر قاعدة الخادم التي يسيطر عليها اللواء حفتر شرق ليبيا إلى مطار حميميم في سورية، حيث تملك روسيا وجودًا عسكريًا كبيرًا، ثم تعود إلى قاعدة الخادم، ومن بعد ذلك إلى مكان معزول في مطار في منطقة الجفرة، وسط ليبيا. وفي إثر ذلك، يجري توصيلها إلى قوات الدعم السريع داخل السودان. وبحسب المصادر نفسها، فإن صواريخ “أرض – جو” التي استخدمتها قوات الدعم السريع في بداية المواجهات مع الجيش أرسلها حفتر. وقد دفع هذا الأمر القوات المسلحة السودانية إلى السيطرة على قاعدة الشفرليت التابعة ل”الدعم السريع” على الحدود السودانية الليبية لوقف إمدادات السلاح القادمة من ليبيا. وتشير تقارير أخرى إلى وجود مسار إمداد ثانٍ عبر أفريقيا الوسطى إلى دارفور، خصوصا أن “الدعم السريع” تسيطر على معبر أم دافوق بين السودان وأفريقيا الوسطى، ويشير ذلك إلى أهمية العامل الخارجي في الصراع الدائر حاليًا في السودان.

التأثير الخارجي

يتفاوت التفاعل الخارجي مع الحرب في السودان، الإقليمي خصوصا، بين محاولة وقف القتال ومنع انتشار الفوضى عبر الحدود، وصولًا إلى الدعمين، السياسي والعسكري غير المعلن لأحد أطراف الأزمة. وتُعد الإمارات أبرز الأطراف الإقليمية المتدخلة في السودان؛ فهي ترتبط بعلاقات وثيقة مع مليشيا الدعم السريع التي توظف جزءًا منها في حرب اليمن. وللإمارات مصالح متنوّعة في السودان، بما في ذلك اهتمامها بمناجم الذهب، وبناء ميناء أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر لتوطيد سيطرتها على موانئ المنطقة الممتدة من القرن الأفريقي إلى البحر الأحمر. ورغم أن الحكومة السودانية لم تذكر الإمارات صراحة، فإنها اتهمت دولًا أجنبية بمساندة الدعم السريع. وكانت القوات المسلحة قد وجدت أسلحة عسكرية إماراتية في حوزة تلك القوات، عندما استولت على بعض معسكراتها. وقد ذكر موقع غرجون Gerjon لرصد حركة الطيران أنه توجد رحلات طائرات من الإمارات عبر عنتيبي في أوغندا إلى أفريقيا الوسطى وتشاد بلغت، في الفترة 16  مايو – 30 يونيو 2023، نحو 28 رحلة، وأن حركة الطيران هذه قد وصلت في ذروتها إلى أربع رحلات يوميًا؛ ما يشير إلى تزويد الإمارات “الدعم السريع” بعتاد عسكري عبر مجموعة فاغنر الموجودة في أفريقيا الوسطى. وكشفت مصادر أميركية، أخيرًا، نقلًا عن مسؤولين أوغنديين، أنهم عثروا على صناديق ذخيرة وبنادق هجومية قادمة من الإمارات، كانت مدرجةً في بيان الطائرة على أنها مواد غذائية وإمدادات طبّية مرسلة إلى السودان.

 

مصالح إمارتية

ثمّة مصالح إماراتية اقتصادية وجيوسياسية وأخرى متعلقة بالنفوذ داخل السودان عن طريق “الدعم السريع” من ناحية. وتلتقي الإمارات مع ادّعاءات تنظيمات سياسية محلية وقوات الدعم السريع في وجود قوى إسلامية داخل القوات المسلحة من ناحية أخرى. وهذه القوى كانت سببًا لرفْض اتفاق الإطار وبدْء الحرب. ولكن ليس في وسع أيٍّ من هذه القوى إنكار ثلاثة معطيات أساسية: إن النظام القديم (الإسلامي) هو الذي أتى بمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، واعتمد عليه، وعزّز قواته عدةً وعددًا. إن حميدتي أراد الوصول إلى السلطة، وكان مستعدًا في سبيل ذلك لأنْ يظهر متحالفًا مع قوى مدنية. إن قواته ترتكب جرائم ضد المدنيين السودانيين بلغت من الفظاعة أنْ نفَّرت الشعب السوداني، بما في ذلك الأغلبية المتضرّرة من النظام السابق والمناهضة له، منه ومن قواته.
ربما تعلّم الجيش السوداني درسًا من الاعتماد على قوة مسلحة من خارجه ولا تأتمر بأوامر قيادته ولديها مصادر تمويلها المستقلة. لقد بلغ تعزيز قوة مليشيا الدعم السريع مبلغًا جعل بعضهم يدّعي أنه لم يعد للجيش سلاح مشاة غيرها.
اضطلعت المملكة العربية السعودية بدور مهم في العملية السياسية في أثناء الفترة الانتقالية، على نحو أحادي، أو في إطار الرباعية إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات، وهي المجموعة التي تشكّلت لترتيب المرحلة الانتقالية بعد خلاف العسكريين والمدنيين عقب انقلاب أكتوبر 2021. وقد برز ذلك عبر “منبر جدّة”؛ إذ استضافت السعودية، بمشاركة الولايات المتحدة، عدة جولات من المفاوضات بين الطرفين المتحاربيْن في السودان. ورغم أن السعودية والإمارات من أعضاء الرباعية، فإنّ لديهما رؤيتين ومسارين مختلفين في التعامل مع الوضع السوداني، ففي حين تؤيد الإمارات “الدعم السريع”، تُعد السعودية أقرب في مواقفها من الموقف المصري غير الفاعل؛ ولكنه موقف منحاز، عمومًا، إلى الجيش. وتتباين الرؤى أيضًا حيال الوضع في شرق السودان، من خلال تأثير ما يدور فيه في الأمن الوطني السعودي، ومن باب المنافسة الاقتصادية؛ إذ تهدف الإمارات إلى بناء ميناء أبو عمامة على البحر الأحمر، بينما تعمل السعودية على أن يكون البحر الأحمر مركزًا لنشاطها الاقتصادي وفقًا لرؤية 2030.
ومع أن مصر تُعد الأكثر قربًا من السودان بحكم التاريخ والجغرافيا، فإن دورها فيه بات هامشيًا على نحو واضح؛ إذ جرى استبعادها من عضوية الرباعية، ومن أيّ دورٍ في مفاوضات جدّة. وتحظى مصر بعلاقة قوية مع الفريق عبد الفتاح البرهان والقوات المسلحة السودانية منذ انتفاضة  ديسمبر 2018، فقد نُظّمت مناورات عسكرية مشتركة عديدة؛ أبرزها مناورات “نسور النيل” التي كانت تُدار من قاعدة مروي الجوية في شمال السودان. وكانت قوات الدعم السريع قد اعتقلت جنودًا مصريين عندما احتلّت مطار مروي، وأطلقت سراحهم لاحقًا. وبرز الدور المصري جليًا في اللقاء الذي نظّم في القاهرة بعنوان “الحوار السوداني”، في  فبراير 2023، وشاركت فيه قوى سياسية مختلفة، وقاطعه المجلس المركزي للحرية والتغيير. وتعزّز الدور المصري من خلال الاجتماع الذي نظّمته القاهرة على مستوى القمة لدول جوار السودان في تموز/ يوليو الماضي، رفض فيه المجتمعون التدخّل الخارجي في السودان، وأكدوا أن ما يجري فيه شأن داخلي لا ينبغي تأجيجه من الخارج. ومن ناحية أخرى، عقد فصيل المجلس المركزي للحرية والتغيير اجتماعًا في القاهرة، في 24 – 25 يوليو 2023؛ إذ اعتبر ذلك بمنزلة وصلٍ لما انقطع بين المجلس والسلطات المصرية بعد مقاطعة الفصيل الحوار السوداني الذي عقد في القاهرة، في  فبراير 2023.

الموقف التشادي

أما تشاد فقد أعلنت، في الأيام الأولى للقتال، عن إغلاق حدودها مع السودان لمنع انتقال الحرب إليها، ولمنع وصول إمدادات للدعم السريع عبر أراضيها. لكن هذا الموقف قد يتغيّر بعد زيارة الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي الإمارات في 13  يونيو 2023؛ إذ قدّمت الأخيرة قرضًا يبلغ مليارًا ونصف مليار دولار لتشاد، ومنحتها معدّات عسكرية، وفتحت مكتبًا لتنسيق المساعدات الخارجية في منطقة أم جرس على الحدود السودانية – التشادية. واستضافت تشاد، في 6  أغسطس 2023، الاجتماع الأول للآلية الوزارية لـ “جوار السودان” تنفيذًا لقمة القاهرة، وهدف الاجتماع إلى اقتراح سُبل الخروج من الأزمنة السودانية الراهنة.
وقد برز دور إقليمي آخر من خلال الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD)، إذ شكّلت الهيئة لجنة رباعية لمناقشة الأوضاع في السودان برئاسة الرئيس الكيني وليام روتو. وقاطع الوفد السوداني اجتماعات اللجنة، لأن الحكومة السودانية تتهم رئيس اللجنة روتو بإنشاء علاقات وطيدة مع قائد قوات الدعم السريع حميدتي. وقد زار روتو، عندما كان نائبًا للرئيس، السودان زيارةً سرّية في فبراير 2020، ومن ذلك زيارته مواقع لإنتاج الذهب؛ ما يشير إلى ارتباطاته الاقتصادية بقوات الدعم السريع التي تسيطر على مواقع إنتاج الذهب في السودان. وفي اجتماع اللجنة الرباعية، في 10  يوليو 2023، قررت أن تطلب من قمّة “القوة الاحتياطية لشرق أفريقيا” الانعقاد؛ من أجل النظر في إمكانية نشر القوة الاحتياطية في السودان، لحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية. وفي مؤتمر صحافي عقب اجتماع الرباعية، شكّك كل من الرئيس الكيني، روتو، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في شرعية القيادة السودانية، فقد صرّح روتو بأن هناك حاجة إلى تشكيل قيادة سودانية جديدة، وقال أحمد إنه يوجد فراغ في قيادة الدولة، وطالب بفرض حظرٍ جوي، وبسحب المدفعية الثقيلة. وقد رفضت الحكومة السودانية هذه التصريحات؛ ما جعل دور الهيئة الحكومية للتنمية، في حل الأزمة، محدودًا.
جاءت مواقف القوى الدولية الغربية المؤثرة في السودان، خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا، مركّزة على وقف الحرب، والعمل من خلال منبر جدّة للتفاوض الذي كانت تديره الولايات المتحدة مع السعودية، ومن خلال الضغط على المنظمات الإقليمية؛ مثل الهيئة الحكومية للتنمية، والاتحاد الإفريقي، من أجل وقف الحرب، وفرض عقوباتٍ على شركات من الطرفين. أما روسيا، فقد أعلنت أنها مع مؤسّسات الحكم الشرعي بعد زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار لها.

آفاق الصراع وسيناريوهاته

مع أن اتجاه سير المعارك يشير إلى أن القوات المسلحة باتت في موقع أقوى، فإن المواجهة قد تتطوّر وفق أحد السيناريوهين التاليين:
• الحرب الطويلة: يتمثّل هذا السيناريو في استمرار المعارك حتى يجري دحر قوات الدعم السريع نهائيًا في مدن العاصمة، ومدن دارفور الكبرى. ويدعم هذا السيناريو مجموعة من ضباط القوات المسلحة، تشاركهم في ذلك قوى سياسية ترى في وجود “الدعم السريع”، مهما ضعُف، تهديدًا مباشرًا للجيش والدولة السودانية. لكن تكلفة هذا السيناريو الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كبيرة، ويصعب تحمّلها في الظروف الحالية.
• الحل السياسي: يتمثّل هذا السيناريو في التوصّل، من خلال الضغوط الخارجية على قيادة الجيش، إلى حلٍّ يضمن وجودًا سياسيًا وعسكريًا ما لقوات الدعم السريع؛ إلى جانب الجيش أو كجزء منه. ولكن تحقيق هذا السيناريو يواجه تحدّيات أهمها رفض عدد من قادة الجيش هذا الحل، ووجود تيار شعبي رافض مكافأة الدعم السريع، بعد أن قام أفرادها بجرائم قتل واغتصاب، ونهب لمنازل المواطنين وممتلكاتهم.
في كل الأحوال، سوف يعتمد خروج السودان من أزمته الراهنة موحدًا، واستعادة الدولة شرعيتها وسيادتها، على رفض وجود أي قوةٍ منظمة أخرى توازي قوتها أو تنافسها (مليشيا، أو فصيل مسلح مدعوم من الخارج)، وقد تبلور إجماع بين قوى سودانية وإقليمية ودولية وازنة على هذا المبدأ، وعلى ضرورة نقل السلطة إلى مؤسّسات مدنية متفق عليها ثم منتخبة ديمقراطيًا. ومن دون ذلك، سيكون أي حلٍّ يجري التوصل إليه مؤقتًا قابلًا للانهيار في أيّ لحظةٍ تتغيّر فيها موازين القوى.

الوسومالجيش الحرب الخرطوم الدعم السريع السودان دارفور

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الحرب الخرطوم الدعم السريع السودان دارفور

إقرأ أيضاً:

دور أوروبا السريّ في مساعدة الدعم السريع

كان السودان يقف على حافة أزمة طويلة قبل أن تندلع الحرب علنا في أبريل/نيسان 2023. فقد خلفت عقود من الحكم الاستبدادي تحت قيادة عمر البشير اقتصادا هشا، وقوات أمنية مجزأة، وهياكل شبه عسكرية متجذرة.

وبعد الانقلاب الذي أطاح بالبشير عام 2019، فشل الترتيب الانتقالي الهش بين المدنيين والعسكريين في توحيد الفصائل المتنافسة. وتصاعد عدم الاستقرار السياسي والتمردات المحلية والتنافس المستعر بين القوات المسلحة السودانية (SAF)، وقوات الدعم السريع (RSF)- النسخة الجديدة لقوات الدفاع الشعبي، وهي المليشيا المدعومة حكوميا والمعروفة باسم الجنجويد التي ارتكبت جرائم حرب في دارفور مطلع الألفية – إلى صراع شامل.

وبحلول منتصف 2023، كان السودان قد انقسم فعليا إلى مناطق متنازع عليها، فيما تحولت مراكز حضرية رئيسية مثل الخرطوم وأم درمان إلى ساحات قتال، ونزح ملايين المدنيين داخليا أو فروا عبر الحدود كلاجئين.

وعلى الرغم من البعد الجغرافي، لعب الاتحاد الأوروبي دورا مؤثرا في هذه التطورات. فعلى مدى قرابة عقد، انتهج إستراتيجية لـ "تدويل" إدارة الهجرة، موجها مساعدات وتدريبا ومعدات إلى دول أفريقية بدعوى الحد من الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا.

وفي السودان، خلقت هذه المقاربة عواقب غير مقصودة ومدمرة، لم يحاسَب الاتحاد الأوروبي عليها حتى الآن. فالأموال التي وُصفت بأنها مخصصة لـ "إدارة الهجرة" و"بناء القدرات" تداخلت مع تدفقات سلاح غامضة، ورقابة ضعيفة.

وقد تكون الأموال والمعدات الأوروبية- التي كان يُفترض أن تسهم في استقرار السكان وفرض سيطرة حدودية للحد من الهجرة- قد عززت إمكانات نفس الجهات التي ترتكب جرائم الحرب اليوم في السودان.

واصلت الحكومات الأوروبية وخاصة البريطانية إصدار تراخيص جديدة لمصدري الأسلحة، رغم معرفتها أن معدات منها وصلت إلى قوات الدعم السريع

تمويل أوروبي بمئات الملايين

بين عامي 2014 و2018، ضخ الاتحاد الأوروبي أكثر من 200 مليون يورو (232 مليون دولار تقريبا) في السودان عبر "صندوق الطوارئ الأوروبي لأفريقيا" (EUTF) ومبادرة "الإدارة الأفضل للهجرة" (BMM).

إعلان

وقد هدفت هذه البرامج رسميا إلى تعزيز السيطرة على الهجرة وأمن الحدود ومكافحة الاتجار بالبشر. لكنها في الواقع رسخت التعاون بين الاتحاد الأوروبي وهياكل الأمن السودانية، بما في ذلك وحدات اندمجت لاحقا في قوات الدعم السريع.

وفي وقت مبكر من عام 2017، نشر مشروع "إيناف" (Enough Project)- وهو منظمة معنية بالنزاعات والفساد وحقوق الإنسان- تقريرا بعنوان "مراقبة حدود من الجحيم" يحذر من أن:

"أخطر ما في الشراكة الأوروبية الجديدة مع السودان هو أن قوات الدعم السريع- إحدى أكثر الجماعات شبه العسكرية انتهاكا في البلاد- قد تستفيد من التمويل الأوروبي".

وبعد ذلك بعامين، اضطر الاتحاد الأوروبي إلى تعليق عدة أنشطة متعلقة بالتحكم في الهجرة في السودان؛ بسبب مخاوف من إمكانية "تحويل الموارد لأغراض قمعية"، وفق وثيقة رسمية أوروبية نقلتها دويتشه فيله.

ومع ذلك، جاء في نشرة معلومات بعنوان "ما الذي يفعله الاتحاد الأوروبي فعليا في السودان"، نُشرت على موقع الاتحاد عام 2018 ما يلي:

"الاتحاد الأوروبي لا يقدم أي دعم مالي لحكومة السودان.. قوات الدعم السريع لا تستفيد بصورة مباشرة أو غير مباشرة من التمويل الأوروبي".

هذه التناقضات تطرح سؤالا جوهريا: إذا كان الاتحاد الأوروبي يعلم بمخاطر التحويل، فلماذا استمر في ضخ مئات الملايين في سياق من الواضح أن الرقابة فيه ضعيفة على استخدام التدريب والمعدات والأموال؟

والأسوأ من ذلك، أن دور الاتحاد الأوروبي لم يقتصر على توفير التمويل الذي يمكن إساءة استخدامه، بل شمل أيضا- وإن بطرق غير مباشرة- توفير الأسلحة.

أسلحة أوروبية في ساحات السودان

مع تعمق الصراع، بدأ المحققون بالعثور على أسلحة وذخائر أجنبية- بعضها أوروبي المنشأ- تنتشر بين قوات الدعم السريع. وقد كشفت صور موثوقة وتحليل المصادر المفتوحة وتتبع الأرقام التسلسلية وجود أنظمة تصنيع أوروبي في ساحات القتال.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2024، نشرت منظمة العفو الدولية تحقيقا يُظهر أن ناقلات الجند المدرعة "نمر عجبان" كانت مجهزة بأنظمة دفاعية من تصنيع شركة غاليكس الفرنسية. وقد تحققت المنظمة من الصور ومقاطع الفيديو من مواقع سودانية متعددة، وخلصت إلى أن نشر هذه الأنظمة في دارفور سيُعد خرقا لحظر الأسلحة الأممي المفروض على الإقليم منذ سنوات طويلة.

وفي أبريل/نيسان، ربط تحقيق أجرته فرانس 24 ووكالة رويترز قذائف هاون عيار 81 ملم- عُثر عليها في قافلة تابعة لقوات الدعم السريع في شمال دارفور- بدولة بلغاريا. وقد طابقت العلامات الموجودة على الذخيرة قذائف صنعتها شركة بلغارية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، ذكرت صحيفة الغارديان أن معدات عسكرية بريطانية- بما في ذلك أنظمة استهداف أسلحة خفيفة ومحركات مدرعات- استخدمتها قوات الدعم السريع في السودان.

وعند جمع كل هذه المعطيات، يتبين نمط واضح: أسلحة أوروبية الصنع، أُعيد توجيهها لاحقا إلى ساحة الحرب في السودان، رغم الحظر والضمانات. وهناك دولة إقليمية -تنفي أي دور في الصراع- وثقت تقارير عديدة استخدامها كمنصة وسيطة لإعادة تصدير الأسلحة. ومع ذلك، يظل على موردي السلاح الأوروبيين، المقيدين باتفاقات المستخدم النهائي وأطر الرقابة على التصدير، مسؤولية ضمان الالتزام.

إعلان

وبحسب اللوائح البريطانية والأوروبية، يتعين على الحكومات رفض أو إلغاء التراخيص حينما يكون هناك خطر واضح من تحويل الأسلحة إلى مناطق صراع أو جهات منتهِكة. وبالتالي، يتطلب استخدام الأسلحة الأوروبية في السودان إعادة تقييم صارمة لآليات المتابعة بعد الشحن وطرق إنفاذها.

ومع ذلك، واصلت الحكومات الأوروبية وخاصة البريطانية إصدار تراخيص جديدة لمصدري الأسلحة، رغم معرفتها أن معدات منها وصلت إلى قوات الدعم السريع.

جنوب أفريقيا ليست استثناء

ليست الدول الأوروبية وحدها من تفشل في ضمان عدم تحويل أسلحتها إلى مناطق حرب مشمولة بالحظر.

فبلدي، جنوب أفريقيا، واجه انتقادات بشأن ضعف الرقابة على شحنات الأسلحة الخاصة به أيضا. ففي منتصف العقد 2010، خضعت "اللجنة الوطنية للرقابة على الأسلحة التقليدية" (NCACC) لتدقيق دولي ومحلي بعد تقارير تفيد باستخدام أسلحة وذخائر جنوب أفريقية في اليمن.

نتيجة لذلك، في عام 2019، أخرت اللجنة أو علقت الموافقات على التصدير، خصوصا للأصناف "الأشد فتكا"، وسط نزاعات حول بنود التفتيش المحدثة ومخاوف حقوق الإنسان.

وطالبت السلطات الجنوب أفريقية بمنحها حق الوصول إلى منشآت في دول الاستيراد لضمان الالتزام بشروط "المستخدم النهائي"- وهو ما رفضه عدد من الدول المنخرطة في النزاع. وبحلول 2022، تمت الموافقة على شحنات كانت معلقة سابقا بعد إعادة التفاوض على شروطها.

واليوم، تشير أدلة إلى احتمال تحويل أسلحة جنوب أفريقية إلى السودان أيضا. إذ قال محققون ومحللون مفتوحو المصدر إنهم حددوا ذخائر تتوافق مع التصنيع الجنوب أفريقي في مناطق سودانية.

تُظهر هذه الحالة أن الالتزام السياسي وحده لا يكفي لضمان حسن تنفيذ اتفاقات المستخدم النهائي؛ فالتطبيق صعب لكنه ضروري وأساسي ضمن جهود بناء السلام.

ما المطلوب الآن؟

إذا أرادت الحكومات الديمقراطية استعادة مصداقيتها، فعليها أن تجعل مراقبة المستخدم النهائي ملزمة وقابلة للإنفاذ، لا مجرد إجراء بيروقراطي.

على كلٍ من اللجنة الوطنية للرقابة على الأسلحة في بريتوريا (NCACC) وسلطات الرقابة على الصادرات في بروكسل وصوفيا وباريس ولندن، أن تنشر تدقيقات شفافة لتراخيص الماضي، وأن تحقق في حالات التحويل الموثوقة، وأن تعلق الموافقات الجديدة حيثما لا يزال الخطر قائما.

وفي الوقت نفسه، يجب على الاتحاد الأوروبي ضمان ألا يُعاد توظيف تمويل إدارة الهجرة من قبل جهات مسلحة. فبدون هذه الإجراءات، ستظل سياسة الهجرة الأوروبية والتجارة الدفاعية لجنوب أفريقيا واقعتين في تناقض مأساوي: مبادرات تدعي حماية الأمن، لكنها تزرع انعدام الأمن.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أطباء السودان: وثقنا اغتصاب الدعم السريع لـ19 امرأة من الفاشر
  • السودان.. الجيش يقصف شرياناً حيوياً للمساعدات و«الدعم السريع» يدعو للتحرك فوراً
  • خارجية السودان: 79 قتيلاً بهجوم للدعم السريع في جنوب كردفان
  • الخارجية السودانية: الدعم السريع ارتكب مذبحة أسفرت عن مقتل 79 مدنياً
  • الحرب ومعارك السياسة يطيحان بالجامعات السودانية من التصنيف العالمي
  • الدعم السريع يقصف المناطق الشرقية لمدينة الأبيض السودانية
  • بعد تعثر جهود وقف إطلاق النار .. أمريكا تدرس فرض عقوبات أوسع على الجيش السوداني و الدعم السريع
  • بعد عثر جهود وقف إطلاق النار .. أمريكا تدرس فرض عقوبات أوسع على الجيش السوداني و الدعم السريع
  • دور أوروبا السريّ في مساعدة الدعم السريع
  • أطباء: «الدعم السريع» تحتجز أكثر من 100 أسرة ببابنوسة في ظروف خطرة