إبراهيم عثمان يكتب: حتى لا نظلم “تقدم”
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
*اشتكى القيادي بـ”تقدم” شريف محمد عثمان القيادي من تشويه مواقفهم في هذه الحرب، وتصويرها وكأنها منحازة للدعم السريع، وهي شكوى مستمرة منذ بداية الحرب، ولا تكاد تغيب من ألسنة قيادات “تقدم”، وهم محقون في مبدأ رفض التشويه، وفي المطالبة بأن يكون الحكم على مواقفهم مبنياً على الحقائق كما هي، لا الادعاءات كما يصنعها خصومهم، وفي المطالبة بأن يقوم رصد الحقائق على الدقة، وتحري الإنصاف لا العشوائية وتحري الإدانة.
*التزاماً بهذه المطالبة المشروعة يمكن رصد عدد من الحقائق الرئيسية* :
١/ *إشعال الحرب* :
* اتفقت تقدم مع الدعم السريع على أنه برئ من إشعالها، وعلى أنه بريء من الانقلاب والتمرد، وعلى استبعاد حصار مطار مروي من قضية إشعال الحرب، وعلى رفض رواية الجيش بخصوص الرصاصات الأولى في الخرطوم واعتماد رواية الدعم السريع.
٢/ *الغرض من إشعال الحرب* :
* اتفقت مع الدعم السريع في أول جملة في ديباجة “إعلان أديس أبابا” على براءته من الغرض الذي يمكن أن يدفعه لإشعال الحرب، فالحرب “كما اتفقا”: ( هي آخر حلقة من سلسلة المحاولات الفاشلة لقطع الطريق على مسار ثورة ديسمبر المجيدة).
٣/ *الموقف من الديمقراطية:*
* تتفق “تقدم” مع الدعم السريع في أنه ملتزم بها وعلى أن الجيش غير ملتزم بها، أو على الأقل التزامه بها محل شك.
٤/ *الموقف من الداعمين* :
* يتفق قادة “تقدم” والدعم السريع على إدانة أي دعم الجيش، وعلى إدانة الاستجابة لاستنفاره، وعلى مهاجمة داعميه ووصفهم بأنهم يمثلون، معه، “معسكر الحرب”، وعلى عدم استخدام أي كلمات حادة أو وصف قدحي للدعم السريع وداعميه من الداخل والخارج .
* ويتفقان على إدانة مقاومة المواطنين للدعم السريع إذا هجم عليهم في أحيائهم وقراهم وبيوتهم.
٥/ *الحكم على المواقف من “إعلان جدة”*:
* تدعم “تقدم” موقف الدعم السريع من “إعلان جدة”، وتجد له الأعذار في عدم تنفيذه.
* اتفقت مع الدعم السريع على تجنب ذكره صراحةً أو الإشارة إليه في إعلان أديس أبابا.
* اتهمت الحكومة والجيش بالتعنت والمزايدة في قضية المنازل، وبرأت الدعم السريع من التعنت.
* تبرع بعض قادتها للدعم السريع بتبريرات لاحتلال البيوت، وبشروط لإخلائها، لم يقل بها هو نفسه.
٦/ *الحكم على المواقف من قضية السلام* :
* تتفق “تقدم” مع الدعم السريع على إيمانه بالسلام وسعيه الجاد له، وعلى تعنت الجيش.
* ويتفقان على شروط التفاوض، وعلى رفض شروط الحكومة، وعلى أن يضمن التفاوض دور رئيسي للدعم السريع في “تصميم العملية السياسية”، وعلى أن يتضمن أي اتفاق عقوبات متفاوتة لداعمي الجيش، كل حسب قوة دعمه.
٧/ *الجرائم* :
* تطالب “تقدم” باستبعاد القضايا الست أعلاه، وقضايا تفصيلية أخرى، عند الحكم بانحيازها أو عدم انحيازها. وتقول إن الحكم يجب أن ينبني “فقط” على إداناتها للجرائم، وتقول إن الطرفين يرتكبان الجرائم، وإنها تدينهما، وبهذا يثبت عدم انحيازها.
* تضع “تقدم” الطيران الحربي كمقابل رئيسي لجرائم الدعم السريع، وتطالب العالم بحظره، ولم تسجّل لها أي مطالبة بحظر يخص الدعم السريع، ولا حتى للطيران الذي ينقل سلاحه.
* تغيب كلمة الإرهاب في أحاديث قادة “تقدم” عن الدعم السريع، وتحضر كلمة الإرهاب، أحياناً، في أحاديثهم عن الجيش، وتتفق مع الدعم السريع في رفض تصنيفه كجماعة إرهابية.
* يطالب قادتها المواطنين بترك الغبائن الناتجة إجرام الدعم السريع، وتشارك بفعالية في حملات الدعم السريع الإعلامية التي تهدف إلى توجيه الغبائن إلى الجيش وداعميه .
٨/ *موقف الدعم السريع* :
* يبدي الدعم السريع رضاه عن “تقدم”، ويتعامل معها كحليف له، ويشترط قيادتها للعملية السياسية.
*وهكذا يتضح أن الحقائق الصلبة غير المشوهة ليست في مصلحة “تقدم”، وأن رصدها والوعي بدلالاتها يضر بدعوى حيادها، وأن التشويه الحقيقي يكون بتجاهل هذه الحقائق الصلبة غير القابلة للدحض لا برصدها والحكم عليها، وأنها تثبت انحياز “تقدم” للدعم السريع. أما محاولة إثبات عدم الانحياز بعامل وحيد هو إدانة الجرائم هي محاولة فاشلة تقوم على استغباء الناس، فلا “تقدم” ولا غيرها يملكون رفاهية عدم إدانة جرائم الدعم السريع، فهي إدانات إلزامية، ومع ذلك تضعفها “تقدم” بحيل كثيرة .*
إبراهيم عثمان
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع على مع الدعم السریع للدعم السریع السریع فی وعلى أن
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: كهرباء السودان .. من قري إلى كلاناييب
بالقراءة للتحولات السياسية التي يشهدها السودان، تبرز الكهرباء كركيزة سيادية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمصير الدولة وأمنها الوطني. وتأتي زيارة رئيس الوزراء د. كامل إدريس إلى محطة “كلاناييب” لتعبّر عن رؤية واضحة بأن بناء المستقبل لا يبدأ إلا من بوابة الطاقة. هذه الزيارة تشكل إعلانًا عن إرادة سياسية جديدة تضع الطاقة في صميم مشروعات إعادة البناء الوطني، حيث يلتقي السياسي بالتنموي.
في هذا المقال، نستعرض تاريخ محطتي “قري” و”كلاناييب”، ونُبرز أهمية هذه الزيارة في ضوء الرؤية المستقبلية لقطاع الطاقة في السودان.
تعود جذور مشروع “قري” و”كلاناييب” إلى ديسمبر 2016، حين وقّعت وزارة الموارد المائية والري والكهرباء اتفاقًا مع شركة “سيمنز” الألمانية لإنشاء محطتين لتوليد الكهرباء في قري وبورتسودان بقدرة إجمالية بلغت 950 ميغاواط، مع خطة مستقبلية لزيادتها إلى 1270 ميغاواط باستخدام نظام الدورة المركبة. وقد حضرنا آنذاك توقيع هذا الاتفاق، وشاركنا في مناقشة خطة التطوير التي اعتمدت منطقة “قري الصناعية” كموقع استراتيجي للصناعات التحويلية.
بدأ تركيب الوحدات في العام التالي، لكن الاضطرابات السياسية وسقوط نظام الرئيس السابق في 2019 أثّرت سلبًا على التنفيذ، فتأخرت مراحل التشغيل، ودخل المشروع في حالة من الجمود الإداري .
لقد مثّل التعاقد مع “سيمنز” خطوة نوعية في سياسات الطاقة بالسودان . فاختيار موقعي قري وبورتسودان لم يكن عشوائيًا، إذ تحظى قري بقربها من مصفاة الخرطوم ومنطقتها الصناعية، بينما تُعد بورتسودان المنفذ البحري الرئيسي للبلاد. هذا التوزيع يعكس رؤية متوازنة لإيصال الطاقة إلى المركز والأطراف معًا، في ظل تنامٍ مستمر للمطالب بتحقيق العدالة التنموية.
وقد عبّرت هذه الرؤية عن جزء من خطة استراتيجية شاملة وضعتها الوزارة منذ عام 2015، وتهدف إلى رفع القدرة المركبة للتوليد الكهربائي إلى 6500 ميغاواط بحلول 2030، من خلال التوسع في المحطات الحرارية، وتعزيز مشاريع الطاقة المتجددة، وتنويع مصادر الطاقة، بما يشمل الغاز الطبيعي، والوقود الأحفوري، والطاقة الشمسية والرياح.
على مدى سنوات، ظلت محطات “قري 1″ و”قري 2” تمثلان الركيزة الأساسية لتغذية العاصمة والمناطق المجاورة، بقدرة إنتاجية بلغت 400 ميغاواط. وكان من المخطط أن تستكمل منظومة “قري 3” بإضافة 450 ميغاواط ضمن مشروع الدورة المركبة، في خطوة استراتيجية لمواجهة العجز المتزايد في الإمداد الكهربائي، الذي وصل إلى نحو 20٪ سنويًا.
أما محطة “كلاناييب” بمدينة بورتسودان، التي زارها مؤخرًا رئيس الوزراء الدكتور كمال إدريس، فهي مشروع مزدوج الأثر؛ إذ إنها لا تكتفي بتوليد الكهرباء بقدرة تصل إلى 500 ميغاواط، بل تُنتج أيضًا 80 مترًا مكعبًا من المياه النقية في الساعة، ما يسهم في تعزيز الأمن المائي في منطقة تعاني من شُح المياه .
وقد أكد إدريس أن المحطة ستكون ضمن أولويات حكومته، مشددًا على التزامه بدعم استكمال المشروع الذي بدأ في 2016 وتوقف لاحقًا بسبب صعوبات تمويلية. إن إحياء هذا المشروع يرمز إلى تحوّل نوعي في السياسات الحكومية، يقوم على استكمال ما بدأ بدلاً من استبداله ، مع الاعتماد على الحلول التقنية ذات الأثر التنموي المتكامل. ومن المتوقع أن تُحدث محطة “كلاناييب” تحولًا جذريًا في خارطة الطاقة لمنطقة البحر الأحمر.
الجدير بالذكر أن تصميم المحطة يرتكز على كفاءة استخدام الوقود من خلال استغلال حرارة العوادم الغازية، بما يربط المشروع بالمعايير البيئية الحديثة، ويدعم أهداف الاستدامة. وتبلغ تكلفة المحطة والخط الناقل لربطها بالشبكة القومية نحو 200 مليون دولار حين ذاك ، مما يعكس استثمارًا كبيرًا في مستقبل الطاقة بشرق السودان، ويعزز موقع بورتسودان كمركز للطاقة والصناعة.
إلى جانب ذلك، تؤكد خطط قطاع الكهرباء على أهمية التحول إلى مصادر منخفضة التكلفة من خلال إدخال الطاقات البديلة والمتجددة “الشمسية، والرياح، وطاقة باطن الأرض”، ورفع كفاءة المحطات القائمة عبر التأهيل والصيانة، خاصة وأن العديد منها تجاوز عمره الافتراضي، فضلاً عن الدمار الذي لحق ببعض المنشآت جراء الحرب، كما هو الحال في أجزاء من محطة بحري الحرارية.
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فقد أصبح قطاع الكهرباء جزءً لا يتجزأ من معادلة السيادة والإعمار في السودان. ورغم التحديات الكبيرة التي يواجهها هذا القطاع، من تمويل وتشريعات وسياسات، إلا أن تخصيص رئيس الوزراء كامل إدريس أولى زياراته الميدانية لمحطة “كلاناييب” — بوصفها انطلاقة فعلية للعمل التنفيذي — يعكس أولوية قصوى لهذا القطاع في مشروع الإصلاح الوطني. فقد باتت الكهرباء مرآة لسيادة الدولة وقدرتها، إذ لا إعمار دون طاقة، ولا دولة دون منظومة كهرباء فعالة.. مع ذلك يبقى السؤال المفتوح: هل تمتلك الحكومة الإرادة والقدرة لتحويل هذه الرؤية الطموحة إلى واقع ملموس يرسم ملامح السودان الجديد؟
دمتم بخير وعافية.
الخميس 12 يونيو 2025م Shglawi55@gmail.com