2024.. حصاد فلسطين الثقافي غير العادي
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
ثقافيا كانت سنة 2024 ممتلئة بالإنجازات الثقافية، يحدث هذا في كل عام، فهذا ليس غريبا، لكن هذا العام 2024 ذو طابع خاص في لغة وأجواء هذه الثمار الثقافية وشكلها وسياقها، فقد تعرضت فلسطين وما زالت تتعرض، لأخطر مرحلة في وجودها، فقد توحش الغزاة الصهاينة، داخل المكان الفلسطيني، حتى انتهكوا قلبه وجسده، وحطموا عظامه لكنهم لن يهزموه، بشهادة رفض الاعتراف بأي واقع لا يتطابق مع الحق الفلسطيني وعدل الله، الوعي الفلسطيني ما زال مشعا يضج بالثوابت والإصرار على الصمود، تلونت إنجازات البلاد الفلسطينية، بسمات تعكس الوجع الفلسطيني الكبير الذي يعصف بمختلف نواحي الحياة، والذي أنتج، تعطلا لمرافق الحياة من مؤسسات ووزارات، وبطالة مرعبة، وحواجز احتلالية على الطرق تهين الفلسطيني وتذله وتلغي يومه، ليست عاديا هذه الإنجازات فهي ابنة الدم والإبادة في غزة، وحفيدة الحصار والمستقبل المجهول في الضفة الغربية.
ثقافيا توهجت فلسطين مع توهج الجرح الفلسطيني، فقد صدرت العديد من الكتب والدراسات في الحقول كافة، في الرواية وعلم الاجتماع والقصة القصيرة والشعر والنقد، كما عُرضت مسرحيات كثيرة وأفلام سينمائية، في أكثر من محافظة وأقيمت عديد من الورشات الفنية في الرسم والكتابة، وعروض موسيقية، وأمسيات أدبية لنقاش كتب ومجموعات قصصية ودواوين شعر وروايات، كما صدرت أغان كثيرة من أكثر من فنان فلسطيني، في الداخل وفي الضفة وحتى في غزة.
لكن كل هذه الإنجازات المهمة داخل هذا العام المنصرم لم تكن عادية، بمعنى لم تكن بتلك المساحات المعتادة من المسحة الفلسفية والأدبية، والرفاهية في اللغة، والشطح في الرؤية واللعب في التقنيات والرقص مع المعاني، والمجاز، هذا لا يعني أنها كانت ناقصة فرح وحب، وأنها سوداوية ومحبطة، وفارغة من كل الفرح والحب في هذه الأعمال، لكنه الفرح البطل واليائس والمنزوي والخائف، هو الحب المتوتر الحذر، حب بلا ألوان، بلا أصوات، بلا اتساع معاني، بلا طيران بعيدا عن الأرض والحقيقة والدم والخيمة.
مركز خليل السكاكيني الثقافي وهو من المراكز الثقافية المهمة في رام الله - فلسطين، نظّم العام المنصرم عددا من المحاضرات والورشات والأمسيات الفكرية المختلفة التي اتسمت بسمات الجرح الفلسطيني الواسع، من أهم هذه الفعاليات: (شهادات من تجارب الاعتقال والتعذيب في عصر الإبادة، وليد دقة ضد دولة العرق، من غرفة الغاز الى ثلاجة الحداثة، ومعرض ملصقات من أجل غزة، و قراءات باسل الأعرج. وغيرها من فعاليات حاولت أن تقارب فكريا وثقافيا هذه المرحلة الجحيمية الدموية في حياة شعب فلسطين).
من إصدارات غزة تحت الإبادة (تمثل الزلزال اللغوي) والتي قبل أقل من شهرين فقط، كتابان مهمان، كتبا تحت وفوق الدم، (تغريدة النورس الأخيرة) للكاتب القصصي المعروف عمر حمش، الذي يعيش في خيمة مع أسرته الكبيرة، بعيدا عن بيته المدمر ومكتبته الجريحة وكتاب (الحرب التي لا تنتهي) للشاعر المختلف الذي ما زال محاصرا في مخيم المغازي، ناصر رباح، أعرف لغة القاص عمر حمش التي تعلمت منها وأحببتها ونهبتها في أيام صباي الثقافي، أعرف طريقته في السرد وفضاءه الجمالي. في كتابه الجديد، الذي صدر عن وزارة الثقافة الفلسطينية نرى بوضوح حجم الهزة في اللغة وتفكك الحبكة وانهيار المجاز، وطريقة السرد، في هذه التجربة الجديدة التي كتبت تحت النار:
كأنها جدتي
( ليست هي، بل هي.
تظهر وقت الحرب بكفها رغيف نحيفة بيضاء غزا وجنتيها نمش قليل.
ظهرت وأنا كنت اثنين طفلا وشيخا تشاجرا.
هي، لا ليست هي.
وتشير بثقة، ويقف لها كل عابر، وتنثني تهوي أو ظهرها ينزلق.
وتصير رقم 6 بالضبط كما كانت تفعل جدتي، وهي تحدّق، مادة بيدها الرغيف.
خذه أو أعطني أشتري غموسا.
وكلانا نصيح: هي.
وقت الحرب نبكي اثنين، طفل َفراش خلا من دفء حكاياتها.
وشيخا يروغ من رغيفها الذي بلا غموس.)
كذلك كتاب ناصر رباح، الذي أتخيل لغته الآن وقد خرجت من تحت الأنقاض بنصف ذاكرة، وبشعر فوضوي مغبر، وبكثير من الجمال الجديد، برضوض بالغة بحرف الضاد، حزينة وساخرة، مقاتلة بيأس، تسأل بغضب، وتجيب دون إجابة، وتتذكر بحسرة:
الطاعون
(منذ عام لم أسمع أغنية في الشارع،
لم يرقص أحد في حفلة عرس،
لم يأتِ باص المدرسة ولم يذهب،
وأحد لم يشتر وردة لأحد.
منذ عام نوزع كعكة الحرب الكريهة،
لم ننس طفلاً ولم ننس أي حديقة، لا كتاباً ولا أمنية.
في النهار نمرن أعيننا السباحة في الدم، فلا تبتل،
وأن تخطئ في عد أطرافنا الناقصة،
نمرنها في الليل كي تضيء الأسى،
وأن تشعل النار في خشب الانتظار.
منذ عام لم يحدث شيء،
ولم يكف عن الحدوث شيء،
تعال وافتح عينيك على آخرها أيها الموت،
نحن الضحيةِ الأبدية المستحيلة،
تبكي بصمت نعم، وتصرخ حتى تشق ثوب السماء
نحن الضحية التي جرحها مئذنة،
والتي دمها خلفها في الطريق إلى الجلجلة.
والتي غير كل الضحايا لا ترى قاتل أبنائها؛
لا تراه في الدموع،
لا تراه في القصيدة،
لا تراه.. لا تراه..
لا أحد يمكنه رؤية الطاعون).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لا تراه
إقرأ أيضاً:
«الهلال الأحمر الفلسطيني» يثمن جهود مصر في دعم الفلسطينيين منذ بداية الحرب على غزة
ثمنت المتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني نيبال فرسخ، الجهود العظيمة التي تبذلها مصر في دعم الفلسطينيين في قطاع غزة والتخفيف من معاناتهم، مشيرة إلى أن مصر تلعب دورا محوريا في توفير المساعدات ولم تتوقف منذ بداية الحرب.
وقالت نيبال فرسخ في مداخلة هاتفية مع قناة النيل للأخبار اليوم الثلاثاء إن الهلال الأحمر المصري والفلسطيني تعاونا في إيصال المساعدات وإنشاء أحد مراكز إيواء النازحين في بداية أيام الحرب، محملة إسرائيل مسؤولية عرقلة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وأشارت إلى التنسيق المتواصل منذ اندلاع الحرب بين الهلال الأحمر المصري والفلسطيني من أجل تنظيم عملية استقبال المساعدات ولكن كان هناك تغيير في آلية استلامها من خلال ما فرضه الاحتلال الإسرائيلي، ولم تدخل المساعدات منذ 5 أشهر ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية.
ووجهت فرسخ نداء للعالم بضرورة ممارسة الضغط الدولي باتجاه فتح كل المعابر المؤدية إلى قطاع غزة.. مؤكدة أن الأوضاع الإنسانية على الأرض متردية وبحاجة إلى جهود حقيقية.
وشددت على ضرورة إدخال المساعدات بكميات كافية دون قيود، ووقف إطلاق نار شامل ودائم حتى تتوفر الظروف الآمنة التي تمكن طواقم الإغاثة من القيام بعملها.
وعلى صعيد متصل، أكدت الدكتورة آمال إمام، المدير التنفيذي للهلال الأحمر المصري، أن الدولة المصرية لعبت دورا محوريا في تذليل العقبات أمام تحرك المساعدات داخل مصر، وأيضا في تسهيل دخولها من الخارج إلى الداخل، إلا أن التحديات الرئيسية ما تزال متمثلة داخل الأراضي الفلسطينية، نتيجة للظروف الأمنية التي تعرقل وصول المساعدات إلى مستحقيها بسهولة.
وأوضحت آمال إمام في مداخلة هاتفية لقناة اكسترا نيوز، أن الهلال الأحمر يواصل جهوده الإنسانية المتواصلة منذ اندلاع الأزمة في غزة، مشيرة إلى أن قافلة "زاد العزة" التي انطلقت يوم الأحد الماضي بتنسيق مصري لا تزال مستمرة في إيصال أطنان من المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية التي يحتاجها قطاع غزة بشدة.
وأشارت إلى أن المجتمع الدولي الإنساني، منذ اندلاع الأزمة، يطالب بممرات إنسانية مؤمنة، لأن إيصال المساعدات يتطلب بيئة آمنة لضمان وصولها إلى من يحتاجها، وهو ما يعد حتى الآن العقبة الأكبر التي نواجهها في الميدان.
وشددت على أن حجم المعاناة داخل غزة، من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، يفوق ما يمكن للمساعدات الإنسانية وحدها أن تعالجه، قائلة من غير المنطقي أن يعيش أكثر من مليوني إنسان لما يقارب العامين فقط على المساعدات.. هناك احتياجات أساسية لا تقتصر على الغذاء، بل تشمل أيضا الماء، الدواء، الإيواء، والحماية.
وأشارت إلى أن مصر، ومن خلال الهلال الأحمر ومؤسسات الدولة، تواصل جهودها العظيمة منذ اليوم الأول للأزمة، مؤكدة أن طول أمد المعاناة، واتساع رقعة الدمار، يجعل من الصعب تلبية الاحتياجات عبر المساعدات فقط، في ظل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من عمليات مدمرة لم تبقِ شيئا على حاله.
اقرأ أيضاًالهلال الأحمر الفلسطيني: أطفال غزة يدفعون الثمن الأكبر من العدوان بفقدان حياتهم
الهلال الأحمر الفلسطيني يناشد المجتمع الدولي بالضغط لإدخال المساعدات لغزة دون شروط
الهلال الأحمر الفلسطيني: الأوضاع الصحية في غزة كارثية والمجاعة واقع حقيقي