صدى البلد:
2025-12-14@14:00:00 GMT

كريمة أبو العينين تكتب: الفن والشعب

تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT

منذ فترة قريبة وجهت لي دعوة لحضور ندوة عن الفن والشعوب.. وبما أني قاصة ولي العديد من المؤلفات فقد لبّيت الدعوة وكلى شغف أن أشاهد وأستمع لأهل العلم والثقافة وهم يتحدثون وينقلون تجاربهم الكبيرة في فن الكتابة والسرد وغيرهما . 

كانت القاعة مكتظة بالرواد ومعظمهم من الشباب ، أما المنصة فكانت مرصوصة بقامات أدبية وفنيةودينية يشار إليهم بالبنان .

. الحوار بدأه مخرج كبير له إرث كبير من الأفلام والمسلسلات ، بدأ حديثه بالتحسر على ما وصل اليه حال الفن وبأنه أصبح مبتذلاً ومن يعملون فيه يتعاملون بمنطق "السبوبة" وتحدث كثيرًا عن الزمن الجميل وقاماته التى كانت تقدم فنًا هادفًا واستطرد بالقول بأن الفن انعكاس للأمة وثقافتها وشعبها واستشهد على ذلك بقول المخرج الهرم "حلمى رفله" الذى رد على انتقاد أحد الصحفيين لأعماله بالقول بأنه يقدم فنًا لشعب يبصق فى الشوارع والطرقات فهل يستوعب القيم الاجتماعية ويرفض أن يلوث شارعه وحارته وبيته لكى يستوعب قيمة ما يقدم له !! والتقط الحوار آخر من المشاركين فى المنصة بالانتقاد وبالتشكيك فى هذا الكلام مؤكدا أن الفن يرقى بالشعوب وأن من يقدمون أعمالا فنية يجب أن يكون هدفهم وطنهم وشعوبهم ويسعون إلى انتشالهم من مفاهيم خاطئة والرقى بهم لا أن ينزلوا معهم إلى مستويات التخلف والعودة إلى الوراء ؛ وبرهن على ذلك بما قدمته السينما المصرية القديمة من قمم فكرية وهالات سينمائية أسهمت فى إذكاء الروح الوطنية ومحاربة المحتل وخروجه من الوطن ، وقال أيضا إن هدف السينما ليس التسلية فقط ولكن لها هدف أرقى وأسمى وهو خلق جيل واع محصن ثقافيًا واحتماعيًا ، وحارب المتحدث بكل العبارات والألفاظ الإسفاف الذى يعيشه الفن حاليًا بكافة فروعه مشددًا على ضرورة محاربة مطربى المهرجانات الذين تسببوا فى إفساد الذوق المصرى وجره إلى القاع وتلقين النشء كلمات مبتذلة وجَرّه إلى الانحضاض والسوقية . 

كلام المتحدث أكدته دكتورة علم الاجتماع التى عرضت على الشاشة نماذج من دراسات وأبحاث وشواهد تؤكد على أهمية أن يكون الفن والعاملين فيه أصحاب قيم ومبادئ وطنية وليس مجرد أشخاص يسعون للشهرة على حساب شعب يؤمن بهم ويعتبرهم قدوة له ويقلدهم فى كل شىء ، وللعجب أنها أكدت أن النشء هم أكثر الفئات تأثراً بالنجوم؛  بل إنهم يرتدون مثلهم ويقصون شعرهم بنفس طريقة النجوم أياً كانوا وكانت طريقتهم فى اللبس والظهور والحديث . 

رجال الدين كان لهم رأى  آخر وهو أن غياب الواعظ وانشغال الوالدين عن أبنائهم جعلهم فريسة سهلة لكل ما يعرض عليهم ، وأيضًا التأثر بالغرب أصبح هو السلاح الأقصى فى محاربة المجتمعات بكل فئاتها ، وأكدوا أن المرحلة تتطلب انتهاج سياسة تربوية دينية تضمن إخراج جيل واع دينيًا وأخلاقيًا وثقافيًا ، بين كل هذه الآراء كان هناك رأى واحد يقول إن الذى نشهده حاليًا من تدهور فنى نتج عنه تدهور أخلاقى ألا و هو وسائل التواصل الاجتماعي تلك الأفعى السامة التى تنشر سمومها بسرعة فائقة فى صلب المجتمع وتفتته وتجعله مجتمعًا هشًا سهل اختراقه وتدميره . كل الآراء كانت مجرد آراء ولا تجد وسيلة للتطبيق شأنها شأن ما ذكره العبقرى عماد حمدى فى أحد الأفلام القديمة التى انتقد فيها ما تقوم به الدولة من حفر الشوارع ثم إعادة رصفها ثم إعادة النبش فيها وهكذا وهكذا بسبب التسيب الوظيفى والنهب الممنهج .

 ما يشهده الفن أنا على قناعة أنه انعكاس لما يعيشه المواطن وما يواجهه من تغييرات وتغيرات جعلته يهرب من الواقع بالعيش مع فن يأخذه من الضغوطات إلى توافه الأمور ويظن أنه يعيش ويتعايش فى ظل تحديات وعالم غربى يصب جام غضبه على المجتمعات الشرقية لنهب خيراتها بطريقة جديدة ليست بحرب مباشرة ومواجهات عسكرية ولكنها حرب بالإنابة تتمثل فى جعل الشباب أكثر ولاء للغرب وأشد نقمة على بلدانهم وحكوماتهم ؛ مع تعزيز مفهوم أن الهروب إلى الغرب هو الملاذ ، والخروج من الجحيم إلى الجنة تلك التى يصورها الإعلام الغربى بأفلامه وعرضه لبيوت نظيفة وشوارع مفعمة بالخضرة والنظام والانتظام. الغرب لا يدخر فرصة لتدمير مجتمعاتنا بكل الطرق وكافة الأساليب ويسير باستراتيجية ممنهجة اتبعها منذ فترة بمفاهيم الديمقراطية والربيع العربى والتشكيك فى قدرة المنطقة على بذل جهود كبيرة لتعزيز فرص نجاح الشباب وأن يعيشوا حياة أفضل وأرقى.. خرجت من هذا اللقاء وأنا أردّد فى الزجاجة سُمٌ قاتل ، سُمٌ قاتل ، سُمٌ قاتل..

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الفن صدى البلد كريمة أبو العينين المزيد

إقرأ أيضاً:

د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا

نعيب زماننا والعيب فينا.. جملة تبدو للوهلة الأولى شكوى عابرة، لكنها في الحقيقة مفتاح لفهم الكثير من الفوضى التي نعيشها. نحن نميل دائمًا لأن نُخرج أنفسنا من دائرة المسؤولية، فنلوم الزمن والناس والظروف، ونتجاهل أن كثيرًا مما نُعاتب عليه الأيام هو في الأصل صدى لقرارات صنعناها نحن، ولمواقف سكتنا عنها، ولوجوه عرفنا زيفها ولم نواجهها.

ومن أكثر ما نشكو منه اليوم هو النفاق… ذلك الوجه الذي يتلوّن كالماء، ينساب في كل اتجاه، ويبحث عن المنافع لا عن المبادئ. نراه في بعض المكاتب، في العلاقات، في المجاملات، وفي المواقف التي تتبدّل بسرعة البرق. نرى من يبتسم اليوم لمن كان بالأمس موضع سخرية، ومن يرفع راية الولاء لمن تولّى فقط لأن "المشهد تغيّر". ونسمع دائمًا ما يشبه المسرحية القديمة: "عاش الملك… مات الملك".

مواقف تتغير لا بدافع فهم جديد، ولا ضوء ظهر، بل بدافع المصلحة الخالصة، التي ما إن تتبدّل حتى يتبدّل معها وجه أصحابها.

والأغرب… أن كثيرًا ممن يمارسون هذا التلوّن هم أوّل من يهاجم النفاق في كلامهم! ينتقدونه في المجالس، ويشجبونه في أحاديثهم، وكأنهم غير معنيين به، وكأن العيب في الزمن نفسه لا فيهم.

لكن…ورغم هذا كله، ورغم ضجيج الوجوه المتعددة، فإن الخير لم يغِب. الخير ما زال موجودًا، يلمع في النفوس التي لم يفسدها التقلّب، وفي القلوب التي ترفض الكذب مهما كان مغريًا، وفي الذين لا يغيرون مبادئهم بتغيّر الناس. الخير ما زال في أمة محمد ﷺ، باقٍ كما وعد الله ورسوله، حتى وإن خفتَ صوته أمام ضوضاء المصالح.

هناك من يختار الثبات، حتى لو سار وحده. هناك من يرفض أن يقف مع "الناس الخطأ" حتى لو كان صفهم أطول. هناك من يعرف أن الحق أحيانًا يحتاج إلى من يحمله، لا إلى من يُصفّق له.

ونحن حين نلوم الزمن، ننسى أن الزمن لا فعل له… الزمن لا يتآمر، ولا يخطط، ولا يتلوّن. الناس هي التي تتغير، والقلوب هي التي تنقلب، والمواقف هي التي تضعف أو تقوى.
وما الزمن إلا مرآة… تعيد لنا ما وضعناه أمامها.

ولو امتلك كل واحد منا شجاعة الاعتراف، لبدأ التغيير من أقرب نقطة: من الداخل. من تلك المساحة التي لا يراها أحد إلا الله والضمير.

حينها نكتشف أن كثيرًا مما نشتكي منه اليوم ليس خطأ الدنيا، بل خطأ التهاون، وخطأ الصمت، وخطأ المجاملة في مواقف كان يجب أن نقول فيها "لا". ونكتشف أيضًا… أن الخير أقوى مما نظن، لكنه فقط أقل صخبًا.

ولأن الصدق لا يعلو صوته، لكنه لا يسقط… يبقى أثره، ويبقى معه وعدٌ جميل بأن الحق لا يضيع ما دام له أهل يحملونه.

وفي النهاية، لا توجد كلمات تختم هذه الحقيقة أجمل من أبيات الإمام الشافعي التي صاغ بها خلاصة الحكمة كلها:

نعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا
وما لزمانِنا عيبٌ سِوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغيرِ ذنبٍ
ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا

طباعة شارك شكوى عابرة الحقيقة الفوضى المسؤولية قرارات

مقالات مشابهة

  • عراقجي: القوات المسلحة والشعب الإيراني على أهبة الاستعداد للدفاع عن الوطن
  • فيديو وصور .. نجوم الفن والرياضة والإعلام يحتفلون بزفاف كريمة كابتن ربيع ياسين
  • الشباب والرياضة بقنا تنفذ مشروع دروب الفنون بمسرح مركز شباب عزبة حامد
  • البابا تواضروس: الهاتف المحمول أنهى عصر «الإنسانية».. والجماهير تصفق لـ«شخصيات فارغة»
  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا
  • «فخ» كأس العرب
  • غدا.. جاليري ضي يحتضن مشاريع تخرج كليات الفنون الجميلة
  • عمرو الليثي: المحتوى التافه على السوشيال ميديا يؤثر سلبًا على سلوك الشباب
  • مرافعة نارية للنيابة العامة في قضية طفل المنشار قاتل صديقه .. فيديو