سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟! “المجاعة”، محض افتراء، أم مجرد شظف عيش؟!
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
الجميل الفاضل
ما القصة؟
فالناس صرعي من هول الذل!!
اصطفت “البستلات”، و”الجكوك”، وصغيرات الأواني، من كل صنف ولون، تزح زحا، نحو دنان مطاهي، تسمي “التكايا”، ملأ بعضها عدسا، وشيئا من “بليلة” في آخر، هو إدام بلا خبز، لا يكفي وجبة واحدة لأسرة صغيرة، ينتظره المصطفون لساعات طوال، رغم غياب الخبز، الذي ثمنه شاعر المنافي محمود درويش بقوله:
“إنا نحب الورد لكنا نحب الخبز أكثر.
ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر”.
علي أية حال، يظل الناس هنا صرعي، وماهم بصرعي، زائغة عيونهم في ذهول، من هول ذل، يحلق فوق رؤوسهم المطرقات، كأنما حط عليها طير، بفعل حرب قيل لهم: أنها ما شبت إلا لأجل “الكرامة”، كرامتهم.
أنها كرامة، يزعم “البلابسة” الأشرار، أن هذه الحرب ستمنحها للناس بيمينها القوية، “فتكا” و”متكا”، قبل أن يتفاجأ الجميع بأن “الجوع” قادر بصفوف طعامه المهينة، أن يسلبها لهم، بين غمضة عين عن شر الحرب، وإنتباهتها علي صوت جوع، يصدر من غور سحيق، من كل جوف خاوي.
هذا بالطبع في الحضر، حيث “غرف الطوارئ” ذات التكايا، فما بالك بجوع من الدرجة الرابعة أو الخامسة، يبحث لإيجاد مخرج منه، مجلس الأمن الدولي اليوم الإثنين، جوع أضطر الناس في معسكرات النزوح بدارفور، لمشاركة الحيوان نوع غذائه، وفي قري وبوادي أخري يأكل الآن أهلها أوراق الشجر.
لتبقي حقيقة واحدة هي: أن من لا يملك قوته، لا يملك كرامته، ولا قراره، وإن إمتلك السلاح.
والي أين سيركض هذا الشبح القادم؟
لجان دولية تقرع ناقوس الخطر!!
تقطع لجنة دولية أن خمسة علي الأقل من مناطق السودان، تقع الآن بالفعل في نطاق المجاعة، التي تقول ذات اللجنة أنها ستتمدد خلال شهر مايو المقبل، لتشمل (17) منطقة أخري، مالم تتخذ تدابير فورية لتقديم الغذاء الكافي، بصورة عاجلة ومستدامة لسكانها.
وكيف تحل بالناس المسغبة؟
يقولون: إستمرار الحرب يوسع رقعة المجاعة!!
يعد إستمرار الحرب لنحو واحد وعشرين شهرا، وإتساع نطاقها المحتمل في ظل تصاعد حالة الإستقطاب الإثني والمناطقي الحاد، وإرتفاع وتيرة خطاب الكراهية العنصري بين المكونات السودانية، التي باتت تعاني تهتكا وتمزقا متناميا يوما بعد يوم، في نسيجها الإجتماعي، وبشكل شبه ممنهج، نتيجة للسياسات التي كرست لواقع الإنقسام، من خلال إجراءات الإستبدال الجزئي للعملة ببعض مناطق البلاد، وحرمان عشرات آلاف الطلاب من حق الجلوس لإمتحانات الشهادة السودانية، الأمر الذي أنتج غبنا لا يخفي، ربما رشح هو الحرب لدخول مناطق لم تدخلها من قبل، كرد فعل يأتي علي كل ذلك، فضلا عن شبهة إستهداف الطيران الحربي، لما يعرف بمناطق حواضن الدعم السريع، إضافة لما ينظر اليه كشكل من أشكال العقاب التعسفي الجماعي، المطبق جزافا بمناطق سيطرة الجيش، علي المشكوك في تعاونهم مع العدو، تحت طائلة ما عرف بقانون “الوجوه الغريبة”.
عليه فإن تقارير المنظمات الدولية تشير الي أن دخول العمليات العسكرية الي مناطق الإنتاج الزراعي قد أدي في ولايتي الجزيرة وسنار، لحرمان المزارعين من حصاد محاصيلهم الغذائية، وبالتالي فإن خروج مناطق أخري من دائرة الإنتاج بدخول العمليات الحربية إليها، سيؤدي لإطلالة شبح المجاعة علي مزيد من السكان، في مناطق أخري بالبلاد، تقدرهم المنظمات بنحو خمس وعشرين مليونا.
لكن “المجاعة”، لما ينكرون وجودها؟
فهناك ما ينبغي أن يحذره “أشقي ثمود” السودان؟!
عرف السودان دائما المجاعات تأتي في زمن الديكتاتوريات والعهود الشمولية، وكعادتها تذهب مثل هذه الأنظمة والدول البوليسية لإحاطة كافة أمورها بالسرية والكتمان، خشية من أعين الصحافة الفضولة، ومن الأنوف الطويلة، لوكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المعنية، بالحروب، والأمراض، والمجاعات، وبكل ما يتصل بحقوق الإنسان، تلك المنظمات التي تمهد بالضرورة لتدخلات ما يسمي بالمجتمع الدولي، الذي هو شر غائب ينتظر في عرف مثل هذه الحكومات، الحريصة علي ستر عوراتها الكثيرة والكبيرة، وعلي الإستفراد بشعوبها المغلوبة علي أمرها بعيدا عن تطفل ورقابة الآخرين.
ويقول التاريخ في السودان: أن مثل هذه الأنظمة، لا تعلن في العادة عن بلادها مناطق كوارث، أو طؤاري، مهما كان سوء الوضع، والأحوال، والمنقلب.
لكن تاريخ هذه البلاد نفسه يقول أيضا: أن كل المجاعات التي حلت بالسودان لم تذهب إلا ومعها في رحلة إيابها، ذات النظام المكابر، الذي رفض الإعتراف بها أول مرة، أو تلكأ علي الأقل في أن يعينه المجتمع الدولي عليها.
إذن فليتعظ ويحذر رئيس الأمر الواقع، الذي إعتبر أن هذه المجاعة “محض افتراء”، ووزير إعلامه الذي وصفها تقليلا من شأنها كقدر كبير، بأنها مجرد “شظف عيش”.
فإن الحكمة الإلهية ظلت تقضي في تاريخ السودان، بمثلما قضت علي إمرأة حميرية، رمي بها جوع هرة، لم تطعمها، ولم تتركها، لتأكل من خشاش الأرض، في النار.
لكن تري الي أي جحيم سيقذف جوع ملايين وشيك، يطارد شبحه بسرعة البرق، أطفالا صغارا، ونساءا ضعافا، وشيوخا أكل عليهم الدهر وشرب، من سمر البشر، “أصل البشرية” الأول، بشقي، إنبعث فيهم كإنبعاث “أشقي ثمود”، إذ كان في هذه المدينة أيضا، في آخر عهد “إخواني” مندثر، تسعة رهط يفسدون في الأرض، ولا يصلحون، “فنادوا صاحبهم فتعاطى، فعقر”، ليشقي هو أهل هذه الديار بحرب، أجري الله علي لسانه أن أسماها، “حربا عبثية”، رغم أنها فضلا عن عبثيتها تلك، هي حرب من نوع لا يبقي ولا يذر، تبعها جوع كافر، سيحيل من فرط جنوحه لامحالة، حياة كافة السودانيين الي كدر، إذ هو جوع ترافق لحكمة يعلمها الله وحده، بأمراض شتي سرت بينهم كسريان النار في هَشِيمِ مُحْتَظِرِ.
الوسومالجميل الفاضل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجميل الفاضل
إقرأ أيضاً:
ابراهيم جابر: قطع العلاقات مع “الامارات” مستمر حتى (….)
*عضـــو مجلس السيــادة الفريق مهندس إبراهيــــم جابــر مساعد القـــائد العام لـ”الكـــرامة”????
*لاتوجد مفاوضات.. والجيــــش حقق المطلوب من “جــــدة”..*
*توافق تام حول “كــــامل إدريـــــس”.. وهذه أبــرز المـــــهام العاجلــــــــة (……)*
*إلغاء الإشراف السيادي على الوزارات “إجراء صحيــــــح”..*
*قطــــــع العـــــلاقات مع “الإمــــــارات” مستمر حتى (……)*
*سيتم حســــــم الميليشيا وطــردها من كـــــــردفان ودارفــــــور..*
*اتخذنا تحوطات وإجراءات لتأمين المرافــــــــق الاستـــــراتيجية..*
*لقـــــــاءات ممتازة اجريناها في “بغــــــداد” ورؤية الحكــــــومة وجدت القبـــــــول..*
*حـــوار : محمــــد جمال قنــــدول*-الكرامة
تمر الأمة والدولة السودانية بمنعطفٍ خطير، وذلك بسبب تمرد ميليشيا الدعم السريع الإرهابية المدعومة “إماراتيًا”، وما ارتكبته من فظائع وانتهاكات غير مسبوقة بحق السودانيين.. وتدير الدولة الى جانب الحرب ملفات شائكة ومعقدة سياسبا واقتصاديا ودبلوماسيا فى ميادين مواجهة اخرى..
“الكرامة” استنطقت عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق مهندس إبراهيم جابر إبراهيم مساعد القائد العام للقوات المسلحة حول التطورات الراهنة فى ميدان الحرب والسياسة واخرها مشاركته في القمة العربية الأخيرة بالعاصمة العراقية “بغداد”، وكواليس لقاءاته التي تمت على هامش القمة، وما يُثار حول العودة لمفاوضات “جدة”، والعلاقات مع دولة العدوان وغيرها من ملفات، فإلى مضابط الحوار.
كيف تقيمـــــون مشاركتكم في القمة العربية بـ”بغــــداد”؟ وما الرسائل التي حرصتم على إيصالها باسم الســــودان؟
تقييم المشاركة في القمة ظهر من خلال دعم القمة لكل ما تقدم به السودان وورد في بيان “قمة بغداد” الفقرة (22). وكذلك اللقاءات الجانبية التي حدثت نتائجها في جانبنا، وكذلك تأييد وقبول تعيين رئيس الوزراء من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، واعتماد خارطة الطريق التي تقدمت بها حكومة السودان.
هل ترون أنّ “القمة العربية” ستقدم دعمًــــا عمليًــــا للسودان، أم أنها اكتفت بالتضامن اللفظي؟
نعم.. سوف تقدم الدعم في سبيل تحسين الأمن الغذائي العربي.
ما أبرز نتائج اللقاءات التي أجريتموها على هامش القمة مع الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وعدد من المسؤولين العرب والدوليين؟ وهل سمعتم التزامات واضحة تجاه دعم السودان؟
نعم.. كانت لقـــــــاءات ممتــــــازة، أوضحنا فيها رؤية حكومة السودان ووجدنا فيها قبــــــولًا.
ما تعليقكم على سحب إشــــراف أعضــــــاء مجلس السيــــــادة على الوزرات؟
هذا هو الإجراء الصحيح حتى يتمكن رئيس الوزراء من قيادة الدولة دون تدخل.
تم الإعلان عن اختيار الدكتور كامـــــل إدريـــس رئيسًا للوزراء بكامل الصلاحيات، ما الذي تنتظرونه في هذه المرحلة المفصلية؟
قيادة السودان ونهضته وسلامته، والعمل على ترسيخ معايير العدل، والمساواة، والحوكمة الشفافة.
ما هي أبرز المهـــــام العاجلــــــة التي يجب أن يبدأ بها؟ وهل هناك توافـــــقٌ حقيـــــــقي حول اختيـــــاره؟
ترتيب البيت السوداني وتحقيق احلام السودانيين، وكان هنالك توافــــــقٌ كامــــــل في اختيـــــــاره.
هل هنالك مفاوضــــــات حاليــــــًا؟ وإن كانت هنالك مفاوضات ما طبيعتها؟
لا توجــــــد أي مفاوضــــــات.
هل هنالك “نيــــــة” لعودة الوفد الحكومي إلى “منبر جدة”؟ وما هي الضمانات التي تبحثون عنها للعودة؟
القـــــــوات المسلحــــــــــة حققت المطلــــــــــوب.
هنالك حديث عن قرب حسم الميليشيا المتمردة في إقليــــــــم كردفــــــان ودارفـــــور، إلى أي مدى هذا الطرح واقعي من وجهة نظركم العسكرية؟
سوف يتم حسمهم وطردهم كما حدث في سنـــــار، والجزيـــــرة، والخرطــــــوم…. إلــــــــخ.
هل من بشـــــريات يمكن أن تُزف للمواطن الســــــوداني بشــــأن الأوضاع الاقتصادية؟
نعم.. الكثيـــــــر والشعب السوداني يستحق الأكثـــــر.
ما الرســـــــــــالة التي تودون توجيهها للشعب السوداني في هذا التوقيت الدقيــــــق؟
مُبـــــــــارك للشعـــــب الســــــوداني الانتصارات.
متى ستنتقل الحكـــــومة الاتحادية للخرطـــــوم؟
هنالك وزراء الآن في الخرطـــــوم، وآخرين يعملون في مدن أخرى، وقريبًـــــا يكتمل انتقال الحكـــــومة بعد تجهيز المقــــــرات الحكومية.
الميليشيا استهدفت محطات كهرباء ومرافق خدمية، هل هنالك تحـــــوطات لتفادي هذه السينــــــاريوهات؟
نعم.. هنالك تحــــــوطات وإجــــــراءات اتخذت لتأمين المرافــــــق الاستـــــراتيجية.
بعد قطــــع العلاقات مع “الإمــــــارات”، ثم ماذا بعد ذلك؟
إلى أن يتم وقف الدعــــــــــم.