الجميل الفاضل

ما القصة؟

فالناس صرعي من هول الذل!!

اصطفت “البستلات”، و”الجكوك”، وصغيرات الأواني، من كل صنف ولون، تزح زحا، نحو دنان مطاهي، تسمي “التكايا”، ملأ بعضها عدسا، وشيئا من “بليلة” في آخر، هو إدام بلا خبز، لا يكفي وجبة واحدة لأسرة صغيرة، ينتظره المصطفون لساعات طوال، رغم غياب الخبز، الذي ثمنه شاعر المنافي محمود درويش بقوله:

“إنا نحب الورد لكنا نحب الخبز أكثر.

ونحب عطر الورد لكن السنابل منه أطهر”.

علي أية حال، يظل الناس هنا صرعي، وماهم بصرعي، زائغة عيونهم في ذهول، من هول ذل، يحلق فوق رؤوسهم المطرقات، كأنما حط عليها طير، بفعل حرب قيل لهم: أنها ما شبت إلا لأجل “الكرامة”، كرامتهم.

أنها كرامة، يزعم “البلابسة” الأشرار، أن هذه الحرب ستمنحها للناس بيمينها القوية، “فتكا” و”متكا”، قبل أن يتفاجأ الجميع بأن “الجوع” قادر بصفوف طعامه المهينة، أن يسلبها لهم، بين غمضة عين عن شر الحرب، وإنتباهتها علي صوت جوع، يصدر من غور سحيق، من كل جوف خاوي.

هذا بالطبع في الحضر، حيث “غرف الطوارئ” ذات التكايا، فما بالك بجوع من الدرجة الرابعة أو الخامسة، يبحث لإيجاد مخرج منه، مجلس الأمن الدولي اليوم الإثنين، جوع أضطر الناس في معسكرات النزوح بدارفور، لمشاركة الحيوان نوع غذائه، وفي قري وبوادي أخري يأكل الآن أهلها أوراق الشجر.

لتبقي حقيقة واحدة هي: أن من لا يملك قوته، لا يملك كرامته، ولا قراره، وإن إمتلك السلاح.

والي أين سيركض هذا الشبح القادم؟

لجان دولية تقرع ناقوس الخطر!!

تقطع لجنة دولية أن خمسة علي الأقل من مناطق السودان، تقع الآن بالفعل في نطاق المجاعة، التي تقول ذات اللجنة أنها ستتمدد خلال شهر مايو المقبل، لتشمل (17) منطقة أخري، مالم تتخذ تدابير فورية لتقديم الغذاء الكافي، بصورة عاجلة ومستدامة لسكانها.

وكيف تحل بالناس المسغبة؟

يقولون: إستمرار الحرب يوسع رقعة المجاعة!!

يعد إستمرار الحرب لنحو واحد وعشرين شهرا، وإتساع نطاقها المحتمل في ظل تصاعد حالة الإستقطاب الإثني والمناطقي الحاد، وإرتفاع وتيرة خطاب الكراهية العنصري بين المكونات السودانية، التي باتت تعاني تهتكا وتمزقا متناميا يوما بعد يوم، في نسيجها الإجتماعي، وبشكل شبه ممنهج، نتيجة للسياسات التي كرست لواقع الإنقسام، من خلال إجراءات الإستبدال الجزئي للعملة ببعض مناطق البلاد، وحرمان عشرات آلاف الطلاب من حق الجلوس لإمتحانات الشهادة السودانية، الأمر الذي أنتج غبنا لا يخفي، ربما رشح هو الحرب لدخول مناطق لم تدخلها من قبل، كرد فعل يأتي علي كل ذلك، فضلا عن شبهة إستهداف الطيران الحربي، لما يعرف بمناطق حواضن الدعم السريع، إضافة لما ينظر اليه كشكل من أشكال العقاب التعسفي الجماعي، المطبق جزافا بمناطق سيطرة الجيش، علي المشكوك في تعاونهم مع العدو، تحت طائلة ما عرف بقانون “الوجوه الغريبة”.

عليه فإن تقارير المنظمات الدولية تشير الي أن دخول العمليات العسكرية الي مناطق الإنتاج الزراعي قد أدي في ولايتي الجزيرة وسنار، لحرمان المزارعين من حصاد محاصيلهم الغذائية، وبالتالي فإن خروج مناطق أخري من دائرة الإنتاج بدخول العمليات الحربية إليها، سيؤدي لإطلالة شبح المجاعة علي مزيد من السكان، في مناطق أخري بالبلاد، تقدرهم المنظمات بنحو خمس وعشرين مليونا.

لكن “المجاعة”، لما ينكرون وجودها؟

فهناك ما ينبغي أن يحذره “أشقي ثمود” السودان؟!

عرف السودان دائما المجاعات تأتي في زمن الديكتاتوريات والعهود الشمولية، وكعادتها تذهب مثل هذه الأنظمة والدول البوليسية لإحاطة كافة أمورها بالسرية والكتمان، خشية من أعين الصحافة الفضولة، ومن الأنوف الطويلة، لوكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المعنية، بالحروب، والأمراض، والمجاعات، وبكل ما يتصل بحقوق الإنسان، تلك المنظمات التي تمهد بالضرورة لتدخلات ما يسمي بالمجتمع الدولي، الذي هو شر غائب ينتظر في عرف مثل هذه الحكومات، الحريصة علي ستر عوراتها الكثيرة والكبيرة، وعلي الإستفراد بشعوبها المغلوبة علي أمرها بعيدا عن تطفل ورقابة الآخرين.

ويقول التاريخ في السودان: أن مثل هذه الأنظمة، لا تعلن في العادة عن بلادها مناطق كوارث، أو طؤاري، مهما كان سوء الوضع، والأحوال، والمنقلب.

لكن تاريخ هذه البلاد نفسه يقول أيضا: أن كل المجاعات التي حلت بالسودان لم تذهب إلا ومعها في رحلة إيابها، ذات النظام المكابر، الذي رفض الإعتراف بها أول مرة، أو تلكأ علي الأقل في أن يعينه المجتمع الدولي عليها.

إذن فليتعظ ويحذر رئيس الأمر الواقع، الذي إعتبر أن هذه المجاعة “محض افتراء”، ووزير إعلامه الذي وصفها تقليلا من شأنها كقدر كبير، بأنها مجرد “شظف عيش”.

فإن الحكمة الإلهية ظلت تقضي في تاريخ السودان، بمثلما قضت علي إمرأة حميرية، رمي بها جوع هرة، لم تطعمها، ولم تتركها، لتأكل من خشاش الأرض، في النار.

لكن تري الي أي جحيم سيقذف جوع ملايين وشيك، يطارد شبحه بسرعة البرق، أطفالا صغارا، ونساءا ضعافا، وشيوخا أكل عليهم الدهر وشرب، من سمر البشر، “أصل البشرية” الأول، بشقي، إنبعث فيهم كإنبعاث “أشقي ثمود”، إذ كان في هذه المدينة أيضا، في آخر عهد “إخواني” مندثر، تسعة رهط يفسدون في الأرض، ولا يصلحون، “فنادوا صاحبهم فتعاطى، فعقر”، ليشقي هو أهل هذه الديار بحرب، أجري الله علي لسانه أن أسماها، “حربا عبثية”، رغم أنها فضلا عن عبثيتها تلك، هي حرب من نوع لا يبقي ولا يذر، تبعها جوع كافر، سيحيل من فرط جنوحه لامحالة، حياة كافة السودانيين الي كدر، إذ هو جوع ترافق لحكمة يعلمها الله وحده، بأمراض شتي سرت بينهم كسريان النار في هَشِيمِ مُحْتَظِرِ.

 

الوسومالجميل الفاضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجميل الفاضل

إقرأ أيضاً:

بين الفقد والحياة المؤقتة.. يومان داخل معسكر “العفاض” بالدبة

منتدى الإعلام السوداني

مآب الميرغني

الدبة، 3 ديسمبر 2025، (جُبراكة نيوز) – بدت الحياة اليومية للنازحين بـ (العفاض) معلقة بين محاولة التأقلم لواقع النزوح، وبين ثقل الفقد الذي يحمله كل شخص جاء من مدينة الفاشر. المشهد العام يُظهر حركة مستمرة للنازحين بين المساكن المؤقتة ونقاط توزيع المياه والطعام داخل المعسكر الذي أوجدته الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن خلف هذه الحركة تختبئ قصصاً موجعة تشكل ملامح أكبر كارثة إنسانية تشهدها دارفور منذ عقود. “ملاحظة”: الأسماء المذكورة مستعارة لدواعٍ أمنية”.

منذ اشتداد العمليات العسكرية بشمال دارفور ظل مواطنوها يتنقلون بين المدن المختلفة بحثا عن السلام والاستقرار، فكانت محلية الدبة بالولاية الشمالية واحدة من المدن التي استقبلت آلاف الفارين من شمال دارفور منذ مايو الماضي حتى سقوط مدينة الفاشر في قبضة قوات الدعم السريع أواخر أكتوبر الماضي.

يتحدث أحد المقيمين بالعفاض لـ”جبراكة نيوز” عن حالهم بالمخيم الجديد، قال إن عدد الحمامات المتاحة بالمخيم 3 فقط، مع بدء إنشاء حمامات إضافية ما زالت تحت التشييد. هذا النقص يدفع الكثيرين لقضاء حوائجهم في العراء، وهو من أسوأ المشكلات الصحية في المخيم حاليًا، فالأماكن التي تُستخدم الآن لقضاء الحاجة قد تتحول خلال أيام إلى مواقع لنصب خيام جديدة في حال وصول موجات نازحين إضافية.

تعتمد الأسر على الحطب فقط للطبخ، وعلى الرغم من صعوبة الظروف، تتناقص حاجة النساء للطبخ بسبب تشغيل “التكايا” على مدار 24 ساعة، حيث تقدم وجبات منتظمة تشمل “الأرز واللحم، العصيدة، أطباق مطبوخة، وحتى الفواكه”.

بالمقابل لذلك، يتكدس البلح بكميات كبيرة لدرجة أن النازحين يزهدون أحيانًا في صفوف المساعدات إذا علموا أن التوزيع يشمل البلح فقط.

توزَّع “حقائب كرامة” للنساء والفتيات في سن الإنجاب، إضافةً إلى هدايا خاصة للأطفال تُوزّع في الساحات، في محاولة لبث روح الطمأنية وسط أجواء النزوح الصعبة.

المنظمات الإنسانية والخيرية تنصب خيامها في أنحاء متفرقة من المخيم، وتعمل على مدار الساعة بشكل منظم وواضح عبر لافتاتها المرفوعة، مع تقديم خدمات متنوعة للنازحين.

وقد تم حفر بئرين جديدين للمياه، مع مد خراطيش المياه داخل المخيم، وبدأت المياه تتدفق بصورة جيدة. لا سيما أن المخيم يشهد حركة لافتة لوفود منظمات محلية ودولية، إضافة إلى جهات خيرية ومسؤولين حكوميين.

تتناوب الأصوات في أنحاء المعسكر بين الزغاريد والبكاء، أخبار العثور على مفقود في مكان آمن تُقابل بالفرح، بينما أخبار الوفيات أو اكتشاف مفقودون متوفون تُغطّي المكان بالحزن. في خضم هذه الأحداث تتواصل حياة يومية بسيطة، مثل اجتماعات النساء حول “لمّة الجبنة”، رغم كل الظروف المحيطة.

عامان من التنقل والفقد

أسماء عمر، هي إحدى النساء النازحات من الفاشر، حي المصانع، جلست بالقرب من مأواها المصنوع من المشمعات، وكانت أوائل من بادروا إلى الحديث، تروي قصة نزوح طويل امتد لأكثر من عامين، عاشته بين الخوف والتنقل المستمر وانعدام الأمان. تمثل أسماء عمر عينة لآلاف النساء. وتقول لـ”جبراكة نيوز” إنها كانت تقيم قرب ارتكازات قوات الدعم السريع، ما أجبرها على الخروج من منزلها مبكرًا جدًا، والتوجه غربًا نحو أسرة والدتها.

طوال عام كامل، عاشت تنقّلًا متواصلًا “من منطقة إلى أخرى”، بلا أمان ولا استقرار ولا عمل، كما تصف، وخلال الحرب فقدت عدد من أقاربها: شقيقها الأكبر قتل في الاشتباكات، وابن شقيقتها قتل في حادث المسيرة الليلية الشهيرة في “أولاد الريف”، التي راح ضحيتها نحو 35 من النساء والأطفال والشباب. تقول إن تلك الأحداث كانت من أسوأ ما عاشه الناس في الفاشر خلال الحرب.

مخيم العفاض للنازحين

 

في ديسمبر 2024، قررت الخروج من الفاشر رغم عدم توفر أي وسيلة نقل، إذ كانت حركة العربات ممنوعة تمامًا، خرجت سيرًا على الأقدام حاملة طفلها الرضيع، وتركت والدها خلفها، وتصف الطريق بأنه كان مليئًا بالسرقات والتفتيش، وأن مرورها قرب الارتكازات كان يعرّضها لخطر النهب والسرقة “التشفيش”، على حد وصفها. وتضيف: “كنت أمشي بملابسي بس، الله الحافظ، لو لقوني ممكن يشيلوا كل حاجة.”

تقول إنها كانت تخفي هويتها بالكامل خوفًا من الاشتباه بأي صلة عسكرية أو وظيفية، لأن ذلك كان كافيًا للاعتقال.

وتشهد بأنها رأت تعذيبًا قاسيًا لكبار السن في الشارع أمام المارة، بعد أن عبرت عدة مناطق، وصلت إلى مدينة مليط، ومنها إلى مدينة الدبّة، موضحة أن تكلفة السفر إلى العائلة الواحدة كانت بين 800 إلى 900 ألف (نحو 250 دولاراً)، ما اضطرها إلى الرحيل وحدها، وترك أسرتها مؤقتًا. بعد شهرين، خرجت والدتها مع أبناء أختها للحاق بها، لكن والدتها توفيت في الطريق بسبب التعب والمشقة.

تقول بحرقة: “ده أكتر شيء موجع، كل ما أتذكر الحرب، أتذكر إنو فقدت أمي وشقيقي وولد أختي، كما فقدت زوج أختها، ليصبح المشهد كما وصفته الموت الجماعي.”

وصلت إلى الدبّة ثم إلى المخيم لاحقًا، ولحقت بها أسرتها المتبقية وزوجها بعد فترة، وتضيف إن الخدمات الأساسية موجودة، لكن الإحساس الأكبر هو فقدان الوطن: “أصعب شيء إنك تطلع من بلدك، شعور لا يوصف، ما عارفون الحرب حتنتهي ولا لا، ولو رجعنا ما معروف نستقبل كيف، الحرب لعينة.” وتختم بالدعاء أن يقف نزيف الحرب.

عمليات التسجيل والوصول

عبد الرؤوف أحمد تحدث لـ”جبراكة نيوز” عن تسجيلهم في منطقة حوش مليط داخل مدينة الدبة، ثم تم حصرهم في مجموعات محددة قبل ترحيلهم إلى المخيم، وبقوا فيها.

إلى حين الانتهاء من نصب خيامهم داخل المخيم. وبعد دخولهم خيامهم الجديدة قال إنه تحصل على (سرير، مستلزمات شخصية، دفايات، ملابس متنوعة بما فيها ملابس الأطفال)، وذكر أن هذه التوزيعات تشمل كل الأسر فور استقرارهم في خيامهم، وذكر أن الجهات الخيرية تقدم الخدمات الأولية باستمرار.

وأفادت إحدى النازحات داخل المخيم أن هنالك ملاحم تعمل على تقديم اللحوم المطبوخة للنازحين، كمية اللحوم تختلف من يوم لآخر حسب عدد الذبائح المتوفرة؛ أحيانًا تكفي لزيادة تصل إلى كيلو للفرد، وأحيانًا تكون الكمية محدودة تبعًا لعدد الوافدين الجدد.

المخيم كبير، ويمتد على مساحة واسعة، ما يجعل بعض الأسر البعيدة عن مواقع التكايا وخيام التوزيع غير قادرة على سماع النداءات أو معرفة أن هناك مساعدات تُوزّع. رغم ذلك، تحاول بعض العربات التابعة للجهات الخيرية اختراق العمق والوصول إلى أبعد الخيام لتوزيع المساعدات.

بالرغم من الاتساع الكبير للمخيم، فإن التكايا تقدم الوجبات بشكل منتظم، وكل شخص يستطيع الحصول على نصيبه بمجرد أن يأتي بصحنه أو كيسه، ويقف في الصف المخصص، لكن لأن الإعلان لا يصل للجميع، لا يحضر النازحين كلهم في الوقت المناسب.

تُقدّم التكايا “ما لذّ وطاب” من الوجبات، وهو أمر يُحدث فرقًا كبيرًا للنازحين الذين خرجوا من مناطق عانوا فيها من الجوع لفترات طويلة، الكثير من الناس عبّروا عن رضاهم الشديد عن مستوى الوجبات وجودتها، ووصفوها بأنها تلبي احتياجاتهم بصورة ممتازة.

الهجمات تدفع الآلاف للنزوح

شهادات من ناجين وصلوا حديثًا من الفاشر إلى معسكر العفاض، ذكرت أن العمليات العسكرية بدأت يوم 26 أكتوبر 2025 منذ الصباح الباكر بتدوين مكثف استخدمت فيه جميع أنواع الراجمات، بما لا يقل عن 56–57 راجمة، الهدف كان الضغط على القوات الدفاعية في مؤخرة المدينة وتأمين مواقع استراتيجية.

وأوضحت أن المشاركة كانت ضخمة، حوالي 2300 عربة بعضها عربات قتالية حديثة مزودة بتقنيات متطورة، أدى ذلك إلى تقهقر القوات المدافعة نحو غرب المدينة، بالقرب من المدفعية والمستشفى السعودي، وشهدت الطرقات وجود ما بين 3000–4000 جثة، بين قتيل ومصاب، لم يُترك أي مواطن أو مريض أو عسكري دون تهديد أو تصفية، وبدأت موجات نزوح جماعية “أفواجًا أفواجًا”.

الطرق الرئيسية للخروج، الطريق المؤدي إلى مدينة طويلة والآخر إلى منطقة قرني. حدثت مطاردات مكثفة وإطلاق نار كثيف على الفارين من القوات المنسحبة.

بين الفاشر و“حلة الشيخ”، شوهدت حوالي 6000–7000 جثة ملقاة على الطريق. مناطق قرني، حلة حسين الشيخ، أم مراحيك، وحلة أم جدول شهدت تبادلاً كثيفاً للنيران بين القوات المشتركة والمهاجمين.

اضطر الشاهد – الذي فضل حجب اسمه – ومجموعته لقضاء أسبوع في “حلة الشيخ” بسبب الخطر وعمليات القتل المستمرة، تم نقل حوالي 8–10 براويت (عربات يدوية) تحتوي على مرضى مصابين ومزمنين عبر قرى مختلفة وصولاً إلى قرني. من قرني إلى زقر، ثم أرباب، ومليط. باستخدام الحمير للتنقل عبر مسافات طويلة.

عند بوابات مليط، يقول الشاهد لـ”جبراكة نيوز” كان التفتيش دقيقًا، وفرضت غرامات بين 500–600 ألف جنيه، بهدف الاعتقال أو الإذلال. حيث تم اعتقال حوالي 3000 شاب، تعرضوا للجلد، والتعذيب، وصب الماء البارد على رؤوسهم، وبعض المعتقلين أعيدوا بعد التعذيب، والبعض الآخر نُقل إلى الجبال. بعد سلسلة طويلة من الهروب والمطاردات، تمكنت المجموعة من الوصول إلى بر الأمان، حاملين المرضى على البراويت.

الدبّة… بداية أمان، رغم الفقد

يحكي معاوية الجاك من حي مكراك في الفاشر قصة خروجه المضني من المدينة، الذي بدأ في نهاية شهر أغسطس الماضي، بعد أن أصبح الخوف هو السلاح الأقوى الذي يلاحق المدنيين في كل ركن.

يقول معاوية لـ”جبراكة نيوز” إن سبب خروجه لم يكن القصف المباشر، بل الخوف نفسه وإلحاح من حوله بأن يغادر قبل أن يفقد حياته.

خرج معاوية سيرًا على الأقدام مع عمته، حتى وصلا إلى قرني. في الطريق، أوقفتهما أكثر من عشرة ارتكازات مسلحة، تمت فيها مصادرة هواتفهما، وكل ما لديهما من مال، ولم يُترك لهما سوى الملابس التي يرتديانها. يقول: “ما خلّوا لينا حاجة، لا قروش لا تلفونات. واصلنا بس بالحيلة.”

في قرني، وجدتهم مجموعة نقلتهم بعرباتها إلى حرس الشيخ مقابل 600 ألف جنيه للفرد، ثم بدأت المرحلة الأصعب نحو الدبّة: تفتيش متكرر، عدم توفر الماء، وانعدام تام للطعام، حتى اضطروا للنوم في الشوارع والصحراء لـ 5 أيام كاملة.

يقول معاوية: “عانينا شديد، خمسة أيام في العراء لحد ما وصلنا الدبّة.”

عند وصوله إلى حوش مليط بالدبّة، وجد معاوية استقبالًا كريمًا، وطعامًا، ماء، ملابس، وسكنًا. لكن خلف هذا الاستقرار المؤقت، حمل معاوية مآسي ثقيلة، زوجته توفيت قبل سقوط سوق الفاشر بأيام، فقد اثنين من أطفاله خلال الحرب. شقيقه مفقود من سوق الفاشر، وشقيقه الآخر خرج نحو مليط، ثم انقطعت أخباره حتى اليوم.

في 11 سبتمبر، تم نقله مع آخرين إلى معسكر العفّاض. ورغم تحسن الوضع من ناحية الغذاء والماء والسكن، إلا أن أكبر مشكلة يعاني منها معاوية وسكان المعسكر هي عدم توفر الحمّامات.

يشرح قائلًا: “الصباح نمشي بدري بعد داك ما بنقدر نمشي طوال اليوم، الرجال والنساء والأطفال كلهم في نفس المساحة، والحمّامات قليلة والناس محتاجة للطهارة عشان الصلاة.” ويؤكد أن الجهة القائمة على المعسكر تعمل على إنشاء حمّامات إضافية، لكنه يأمل أن تكتمل سريعًا؛ لأنها “أهم حاجة الآن”.

يختم معاوية حديثه شاكرًا كل من قدم الدعم للنازحين: “ما قصروا معانا في الموية ولا الأكل ولا السكن، لكن مطلوب منكم تساعدونا في الحمّامات لأنها ضرورية.” ثم يضيف: “وربنا يجمع المفقودين ويرحم الشهداء ويحفظ الباقين.”

وبين قصص أسماء ومعاوية وغيرهم من نازحي الفاشر، تمتد آلاف الحكايات المشابهة داخل معسكر العفاض، جميعها تشترك في وجع واحد (الفقد، والهرب من الموت، والبحث عن مساحة صغيرة للنجاة). ومع استمرار توافد النازحين يوميًا، يظل السؤال الأكبر معلقًا: متى تنتهي الحرب، ومتى يعود هؤلاء الناس إلى بيوتهم التي تركوها خلفهم؟

ينشر منتدى الإعلام السوداني والأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (جبراكة نيوز) لتعكس الواقع الذي يعيشه نازحو مدينة الفاشر في معسكرهم الجديد بالولاية الشمالية: معسكر العفاض. في هذا المعسكر تتشكل الحياة الجديدة، وتختلط المشاعر وتتداخل: الفرح بالنجاة مع الحزن على من قتل أو ظل مفقودا. السلامة مع فقدان مسقط الرأس والجيران والحياة المألوفة. كل هذا مع السؤال الأكبر: متى تنتهي الحرب، ومتى يعود هؤلاء الناس إلى بيوتهم التي تركوها خلفهم؟

الوسومالدبة النازحون السودانيون الولاية الشمالية حرب الجيش والدعم السريع معسكر العفاض منتدى الإعلام السوداني

مقالات مشابهة

  • زي رئيسية الاتحاد الاردني لكرة القدم وفوتوشوب قناة المملكة ؟ مجرد سؤال
  • “الغارديان”: أزمتان تهددان وزير الحرب الأمريكي “المتهور”
  • السعودية الأولى وروسيا الثالثة بمجموعة “العشرين” في رخص الكهرباء
  • المبعوث الأميركي: اتفاق لإنهاء حرب أوكرانيا “قريب جدًا”
  • شاهد بالفيديو.. العروس “ريماز ميرغني” تنصف الفنانة هدى عربي بعد الهجوم الذي تعرضت له من صديقتها المقربة الفنانة أفراح عصام
  • “سد مارب”.. الإعجاز الهندسي الذي يثبت عظمة الهوية اليمنية في القرآن والتاريخ
  • بين الفقد والحياة المؤقتة.. يومان داخل معسكر “العفاض” بالدبة
  • شاهد الفيديو الذي أشعل الحرب بين المطربتين هدى عربي وأفراح عصام في زفاف “ريماز” والجمهور يلوم السلطانة: (مطاعنات قونات)
  • الإعلام الإسرائيلي بعد مقتل أبو شباب: “حماس” اخترقت مناطق سيطرتنا
  • أسر بلا طعام ولا شراب.. أرقام وشهادات تظهر تفاقم المجاعة في السودان