(في مناسبة إعلان تمازج حلفها مع الدعم السريع أعيد نشر مقال عنها كتبته في مارس الماضي في سياق دعوتي لفصل السلاح عن السياسة)
ما كاد خاطر السودانيين المروع بنذر المواجهة بين القوات المسلحة و”الدعم السريع” يهدأ بلقاء الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة والفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد “قوات الدعم السريع”، أخيراً، حتى هرج السلاح في الخرطوم بين قوات الشرطة وحركة “الجبهة الثالثة” (تمازج من حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا في أكتوبر/ تشرين الأول 2020).
ففي 12 مارس 2023 الجاري بلغ ضابط شرطة من قوة مكافحة سرقة السيارات أن اللواء حسين جقود أحد قادة “تمازج”، اعترضه أثناء قيامه بواجبه في التحقق من قانونية ترخيص السيارة التي كان يقودها وهدده بالقتل، فتم القبض عليه وحرر له بلاغاً بالاعتراض والتهديد. وبلغ شرطي آخر بعد ذلك عن القبض على فرد من “تمازج” يحمل سلاحاً غير مرخص، ثم بلغ شرطي ثالث باعتراض خمسة من الحركة له أثناء أداء واجبه الرسمي.
وبعد القبض على أولئك الأفراد من “تمازج” قامت جماعة مؤلفة من 50 من عناصرها بالارتكاز على نحو 10 سيارات “صالون” و”بكاسي” في موضع شرق قسم الشرطة، وشرعوا في تهديد القوة الموجودة هناك مطالبين بالإفراج عن المقبوض عليهم. ودخل اللواء أحمد قجة، وهو أحد قادة “تمازج” ببزته العسكرية، وتوعد بإطلاق القائد جقود عنوة، فأخرجوه ليحرض القوة المرتكزة للإحاطة بمبنى القسم.
واتخذت الشرطة إجراءات تسليح أفرادها وتأمين الحراسات وتمركزت جماعة منهم بأعلى مبنى القسم. ولدى تبليغ القسم رئاسة الشرطة عن أوضاعه، جاء مدير المباحث ووقف على إجراءات الإفراج على المضبوطين لتهدئة الوضع. وأخذت “قوة تمازج” أفرادها المفرج عنهم بين الصيحات وإطلاق الأعيرة النارية في دلالة على الانتصار. ونوه بيان الشرطة بحكمة قيادة القسم والشرطة لكبحهم جماح الاستفزازات.
ووقعت هذه المواجهة في سياق أرق قديم للشرطة صرحت به مصادر فيها لـ”صوت الهامش” في يونيو (حزيران) 2021 بأن سيارات تمازج تتحرك بلوحات مخالفة لقوانين المرور، ويعتدي عناصرها على أفراد الشرطة عند توقيفهم بسبب تلك المخالفات، كما أن واقعة القسم هي الثانية بين الشرطة و”تمازج”. ففي سبتمبر (أيلول) 2021 تعرضت القوات المشتركة من الشرطة والقوات المسلحة والدعم السريع لإطلاق نار من متفلتين من “تمازج” بمجمع اللجنة الأولمبية بناحية سوبا جنوب الخرطوم خلال إزالتها لظواهر سالبة وأوكار جريمة.
وظهرت “تمازج” في المشهد السياسي والعسكري بعد توقيع سلام جوبا في أكتوبر 2020. وتراها حركات مسلحة مشهودة في الساحة مع ذلك صنيعة الاستخبارات العسكرية السودانية لإرباك مساعي السلام بإغراقها بكل من هب ودب، والتربح من انفلاته وتعدياته في المدن لإلصاق سوء السمعة بالحركات المسلحة.
فلا تعلم هذه الحركات، بحسب قولها، عن “تمازج” وماهيتها قبل الآن. فالعميد حامد حجر عضو فريق الترتيبات الأمنية عن “حركة العدل والمساواة” صرح بأنها “صنيعة للاستخبارات العسكرية من أفراد كانوا في ميليشيات الدفاع الشعبي لنظام الإنقاذ المحلولة”، وقال إن صناعتها تمت أمام ناظريهم في مسرحية مشهودة في فندق بمدينة جوبا خلال مفاوضات السلام.
وتبرأت الاستخبارات العسكرية من تهمة صنع تمازج، وقالت إن ما يذاع عنها صادر ممن يريد إحداث شروخ في الجسد العسكري، وأضافت أنها تقدم الدعم للحركات المسلحة من غير تفضيل بينها.
ونفى رضوان جدو القيادي بـ”تمازج” اتهامهم بأنهم صنيعة الاستخبارات وتجارتهم في سوق السيارات غير المقنن وبيع الرتب العسكرية. وقال إنها ليست سوى “مكايد واتهامات باطلة توجه للحركة من قبل أعداء السلام”، واعترف مع ذلك بانفلات بعض عناصرهم على رغم الأمر العام لهم بالانضباط.
وقال الأمين العام لـ”تمازج” ياسر محمد حسن إن حركتهم معروفة لحركات الكفاح المسلح إلا من مكر عن غرض، فهي إحدى فصائل “الحركة الشعبية لتحرير السودان” (جون قرنق) عند خط التماس مع جنوب السودان عند ولايات سنار والنيل الأبيض وكردفان ودارفور، وأنها خرجت لرفع التهميش عن أهل الحدود، ومن هنا كان اسمها “تمازج” لوجودها على الشريط الحدودي بين السودانين، أو ما تسميه هي “شريط الموارد، مثل النفط والصمغ العربي والسمسم. وكثيراً ما لوحت حيال استبعادها في تنفيذ اتفاق جوبا، كما سيرد، أنها ستضطر إلى “تتريس” هذا الشريط وحجب موارده عن بقية السودان. وقال أمين الحركة العام إن “الحركة الشعبية بعد الانفصال فكت الارتباط بقوات الجبهة الثالثة التي كان مقرها آنذاك بمنطقة راجا القريبة من حدود السودان”، وهذا مفاد قولها إنها “تناسلت” عن الحركة الشعبية.
ولم يتعرف عمر أبو روف القيادي بالحركة الشعبية – شمال على “تمازج” كفصيل في حركتهم. وقال “لا علم لي بانتماء قيادات تمازج للحركة الشعبية الأم. إذا كانوا ينتمون إلى الحركة الشعبية عليهم أن يثبتوا تبعيتهم إلى أي منطقة أو أي قائد”.
ولكن هناك من الحركة الشعبية من وجد سبباً للانتساب لـ”تمازج”، إذ لمح قيادي من “الحركة الشعبية” إلى أن “(تمازج) مأوى لسواقط الحركة الشعبية انتهزوا سانحة التفاوض في جوبا لحجز مقعد في الاتفاق ومنافعه”. وقال قيادي في العدل والمساواة “إن تمازج كانت في طرف رياك مشار نائب رئيس جمهورية جنوب السودان في صراعه الدموي ضد سلفا كير رئيس دولة الجنوب في عام 2013”.
“تمازج” الآن هي الطريدة من عملية السلام من جانب أطرافه الأخرى. فبدا توقيعها على اتفاقية سلام جوبا كأن لم يكن. فلم تنل حظاً من قسمة الوظائف في حكومة دارفور التي قام عليها مني أركو مناوي زعيم جيش تحرير السودان. وعادت الحكومة إلى سحب دعوتها لها لاجتماع لجنة ترتيبات دمج قوات أطراف السلام في القوات المسلحة في الفاشر في أكتوبر 2022 بعد تبليغ القصر الجمهوري لهم بحضوره، وزاد الطين بلة قرار مجلس الأمن والدفاع بإخلاء المدن من قوات “تمازج” مرة واحدة.
أما حميدتي فلم يشقق القول عن “تمازج”، فسأل في لقاء تلفزيوني في أغسطس (آب) 2022 عمن وراء تسليح تلك القوة التي تملك أسلحة لا تتوافر إلا عند الحكومة، وكانت قد جاءت إلى مواجهة سوبا المذكورة أعلاه بأسلحة ثقيلة ومضادات طائرات. واتهم حميدتي “تمازج” بالتورط في الصراعات القبلية في غرب دارفور خلال الأعوام الثلاثة الماضية ليعلن القبض على أعضاء مكتبها في الولاية وترحيلهم إلى سجون نائية.
أما “تمازج” فشكت لطوب الأرض من فرط إهمالها في نيل مستحقاتها في ما تحقق من تنفيذ اتفاق جوبا. فقالت إنهم دخلوا الاتفاق 14 حركة مسلحة ومطلبية، نالت ست منها حظوظها من الاتفاق، بينما استبعدت الثماني الأخرى تماماً. وأضافت أن اتفاق جوبا محروس بوسطاء وشهود. ولن تتجرأ الحكومة على مصادرة سلاحها لأن في ذلك خرق للاتفاق ويؤذن بالحرب، ولفتت إلى أن عناصرها صبرت على جحود الحكومة وأطراف السلام الأخرى، ولكن للصبر حدوداً. وبدا على “تمازج” ملمح تفاؤل بأن حظهم ربما تغير للأحسن بالمصفوفة المحدثة لتنفيذ الترتيبات الأمنية التي صدرت عن ورشة جوبا لتقييم تنفيذ اتفاق جوبا قبل أسبوعين.
وما يحير هو نبذ حميدتي وحركات الكفاح المسلح لـ”تمازج” من فوق منصة أخلاقية قد لا يرقون مراقيها هم أنفسهم، فالدمامة واحدة في هرج السلاح الذي خيم لعقود في السودان، والاختلاف في الحظوظ منه اختلاف مقدار، لا نوع. فلم يستغرق قوميو جنوب السودان الذين أخذتهم العزة بالسلاح لتحرير بلادهم من المركز الشمالي سوى سنوات ثلاث ليجدوا أنفسهم يسددون نصل السلاح لصدور واحدهم الآخر في محرقة 2013، بل تقاتلوا قبل ذلك في عام 1991 خلال فتنة الحركة الشعبية بين شيعة جون قرنق وشيعة ريك مشار حرباً وصفت بأنها مما لم يرتكبه الجيش القومي “العدو” منذ عام 1955. وسمى الجنوبيون تلك الحرب بـ”حروب المتعلمين”، نظراً إلى درجة توحشها الكبيرة.
وحين يسأل حميدتي “من أين لتمازج هذا السلاح الكثير المتطور؟”، فهو نسي نفسه، إذ إن أسلحته من مضادات دبابات وطائرات ومدافع، مما يعد هرجاً بالسلاح، لا تملكاً في دولة حديثة، ناهيك بتواتر الأنباء في مايو (أيار) 2022 عن حصول “الدعم السريع” على منظومة تجسس من نوع “بريداتور” لاختراق الهواتف الذكية من شبكة إسرائيلية مصنعة. ولو صح سؤال “تمازج” عن مصدر سلاحها صح بالمثل سؤال حميدتي، ولكن السؤال هنا من حكم القوي على الضعيف.
أما حركات دارفور فلا وجه لها أن ترمي “تمازج” بالضعة الأخلاقية لأنها من صلب استخبارات السودان العسكرية، فإذا كانت إيجارة البندقية مطعناً في خلق الجماعة، فهذه الحركات بالغة في هذه الإيجارة باصطفافها في الحرب الأهلية في ليبيا وجنوب السودان بشهادة خبراء مجلس الأمن الدولي، ناهيك بغزو “حركة العدل والمساواة” للعاصمة الخرطوم في مايو 2008 محرشة من تشاد. فكان هجومها على الخرطوم بمثابة رد معجل على هجوم جبهة معارضة تشادية مدعومة بنظام الإنقاذ في فبراير (شباط) 2008 على أنجامينا حتى احتلال القصر الجمهوري.
ربما كانت “تمازج” في ضعة الخلق السياسي الذي ترميه بها الحركات المسلحة، ولن تكون مع ذلك مهما قلنا عن سوئها سوى وجه دميم من وجوه فجور السلاح ضارب الأطناب في السودان.
دقت ساعة إخلاء كل يد غير القوات المسلحة من السلاح لتحتكر الحكومة امتلاكه كما هو الأصل في الدولة الحديثة. جاء وقت وضع السلاح أوزاره في السياسة. فخاطر الأمة مروع. وكان عبدالوهاب الأفندي قد قال مرة: إننا لربما لم نعطِ مطلب فصل السلاح عن السياسة ما أعطيناه لفصل الدين عن السياسة.
عبد الله علي إبراهيم
عبد الله علي ابراهيم
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القوات المسلحة الحرکة الشعبیة الدعم السریع جنوب السودان
إقرأ أيضاً:
من أين يستمد هؤلاء جرأتهم على الإساءة إلى الإسلام في تركيا؟
أوقفت قوات الأمن التركية في مدينة إسطنبول، مساء الاثنين، صحفيين في مجلة "ليمان" الساخرة، بسبب رسم كاريكاتوري يسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والنبي موسى عليه السلام. وجاء توقيف رسام ذاك الكاريكاتير ورئيس تحرير المجلة ومدير تحريرها بناء على طلب النيابة العامة التي فتحت تحقيقا فيه بتهمة الإساءة إلى القيم الدينية، وسط مظاهرات شعبية واسعة خرجت للاحتجاج على الكاريكاتير الذي نشرته المجلة الساخرة، وللمطالبة بإغلاق المجلة ومعاقبة القائمين عليها.
الأوساط السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى الجماعات الإسلامية، استنكرت ما قامت به المجلة، مؤكدة أن الإساءة إلى القيم والرموز الدينية لا تدخل ضمن حرية التعبير. وذكر رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، أن السلطات الأمنية والقضائية تحركت فورا بخصوص الجريمة، وصادرت المجلة، وبدأت الإجراءات اللازمة، قائلا: "واجبنا الأساسي هو حماية ذكرى نبينا الحبيب وإرثه الثمين الذي أنار دربنا وملأ قلوبنا بالرحمة". كما صرح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن مرتكبي جريمة الإساءة لنبينا صلى الله عليه وسلم سيُحاسبون حتما أمام العدالة، مشددا على أنهم سيواصلون بحزم مكافحة كل العقليات التي تحاول إثارة الكراهية والعداء للإسلام والمسلمين في الداخل والخارج.
كثير من المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري لا يتفقون مع ما جاء في بيان المجلة وما ذكر رئيس الحزب حول معنى الكاريكاتير، بل يرون أن الرسام يسخر من النبيين الكريمين، عليهما الصلاة والسلام، إلا أنهم في ذات الوقت يدافعون عن تلك الإساءة بدعوى حرية التعبير
مجلة ليمان أصدرت بيانا ادَّعت فيه بأن رسام الكاريكاتير لم يرسم النبي صلى الله عليه وسلم، بل رسم طفلا فلسطينيا قتل في قطاع غزة في قصف إسرائيلي. إلا أنها في ذات البيان ذكرت مجلة شارلي إيبدو وشبَّهت الانتقادات الموجهة إلى المجلة التركية كتلك التي وجّهت إلى المجلة الفرنسية بسبب نشرها رسوما مسيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وإضافة إلى هذا التناقض، سِجِلّ المجلة يشهد أن ما ذكرته في البيان حول وجود سوء تفاهم ليس صحيحا، لأن أعدادها السابقة مليئة بالرسوم المسيئة إلى الإسلام والمسلمين. كما أن الرسام الذي رسم ذاك الكاريكاتير آراؤه ضد الإسلام والمسلمين والقضية الفلسطينية معروفة ومسجلة في منشوراته بمواقع التواصل الاجتماعي، وأنه وصف حركة حماس في إحدى تغريداته بـ"تنظيم إرهابي"، ووصف الإسلام في أخرى بــ"أكبر خازوق أكله الأتراك".
خلافا لموقف أغلبية المواطنين، دافع رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزل، عن المجلة المعنية، وكرر ما ذكرته المجلة في بيانها، وهاجم منتقديها، مدَّعيا بأن الرسم الكاريكاتيري الذي أثار غضبا شعبيا، ليست فيه إساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الفنان رسم الوضع في قطاع غزة، وأن محمدا الملتحي المرسوم في الكاريكاتير يشير إلى طفل صغير في غزة اسمه محمد. ومن المؤكد أن هذا التفسير الذي تم اختلاقه على عجالة بعد الاحتجاجات الغاضبة، بعيد كل البعد عن ما يشير إليه الرسم الكاريكاتيري بوضوح، وهو حرب بين اليهود والمسلمين، كالحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، وأن النبيين الكريمين محمد وموسى عليهما السلام تم رسمهما على أنهما نبي المسلمين ونبي اليهود، ولا توجد أي إشارة إلى قطاع غزة في أي مكان للكاريكاتير.
كثير من المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري لا يتفقون مع ما جاء في بيان المجلة وما ذكر رئيس الحزب حول معنى الكاريكاتير، بل يرون أن الرسام يسخر من النبيين الكريمين، عليهما الصلاة والسلام، إلا أنهم في ذات الوقت يدافعون عن تلك الإساءة بدعوى حرية التعبير، وأن تركيا علمانية وليست مسلمة، وأن غير المسلمين لا يجب عليهم احترام نبي المسلمين.كان هؤلاء يتمتعون في "تركيا القديمة" بنوع من الحصانة في إساءتهم إلى الإسلام والمسلمين، واستفزاز مشاعر المواطنين المتدينين، تحت مسمى الأعمال الفنية، ولم تتم محاسبتهم على ما يقومون به، بل وكانوا يُشجَّعون على ذلك من قبل القوى العلمانية المتطرفة التي كانت تفرض وصايتها على الإرادة الشعبية. كما خالف رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، ما ذهب إليه أوزل، فقال في تعليقه على الرسم الكاريكاتيري الذي اعتبره مسيئا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وملايين المواطنين، إن حرية التعبير يجب أن لا تتحول إلى وسيلة لنشر الكراهية.
إساءة المجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعادت إلى الأذهان تلك الرسوم المسيئة التي نشرتها مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، والأحداث المتعلقة بها، والنقاشات الساخنة التي دارت حولها، إلا أن جرأة المجلة التركية على ارتكاب هذه الجريمة الشنيعة أكبر بكثير من جرأة المجلة الفرنسية، لأنها تصدر في بلد يشكل المسلمون فيه الأغلبية الساحقة. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "من أين يستمد هؤلاء جرأتهم على الإساءة إلى الإسلام والمسلمين؟".
كان هؤلاء يتمتعون في "تركيا القديمة" بنوع من الحصانة في إساءتهم إلى الإسلام والمسلمين، واستفزاز مشاعر المواطنين المتدينين، تحت مسمى الأعمال الفنية، ولم تتم محاسبتهم على ما يقومون به، بل وكانوا يُشجَّعون على ذلك من قبل القوى العلمانية المتطرفة التي كانت تفرض وصايتها على الإرادة الشعبية. ولذلك، دأبوا على استهداف مبادئ الإسلام ورموزه ومعتقد المجتمع المسلم وقيمه. ولعلهم يواجهون لأول مرة حزما من السلطات الأمنية والقضائية، كما أنهم يرجون أن تقف الدول الغربية إلى جانبهم بحجة الدفاع عن حرية التعبير، وأن يحصلوا على مزيد من التمويل الأجنبي السخي لأعمالهم الرخيصة تحت مسمى دعم تلك الحرية المزعومة؛ لأنهم بتلك الأعمال يخدمون المشاريع التي تستهدف أمن البلاد واستقرارها، وتحاول إثارة الفوضى والحرب الأهلية فيها، وتسعى إلى عرقلة الجهود المبذولة من أجل الوصول إلى هدف "تركيا الخالية من الإرهاب".
x.com/ismail_yasa