موشكا..أسطرة الحكايات وتمثيلها
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
حضرتُ مسرحية موشكا فـي افتتاحية مهرجان المسرح العربي الذي تجري عروضه حاليا فـي مسقط، وهذه المرة الثانية لمشاهدتي المسرحية فالمرة الأولى كانت فـي بغداد فـي أكتوبر 2023، ولم أتمكن من مشاهدة المسرحية أثناء عرضها فـي مهرجان ظفار الدولي للمسرح، ولا فـي مهرجان القاهرة المسرحي ولا فـي الشارقة عندما عُرضت لأول مرة فـي مهرجان المسرح الصحراوي.
ثم يأتي السؤال الأصعب عن رضا الكاتب عن العرض؟ وفـي كل مرة أحجم عن الإجابة لعدة أسباب منها أن العمل الأدبي حين يتحول إلى عمل فني مجسد يخرج من دائرة التقييم الأدبية إلى مجال آخر لا يمتلك صاحب النص الروائي أدواته.
ولكن يبقى الشعور بالزهو والفرح عند سماع ثناء القارئ للعمل الأدبي أو إعجاب المشاهد بالعرض المسرحي مبعث الفخر بالنجاح والإحساس بقيمة الكتابة وقدرتها على الخلق والإبداع.
ثم يأتي سؤال ذاتي عن النجاح فـي أسطرة الحكاية المتعلقة باللبان؟ وهل موشكا كانت فـي الحقيقة حكاية أم أسطورة متخيلة؟ ولكي أكون منصفا أقر بأن الرواية أخرجت لفظة موشكا ومعناها من بطون الكتب التاريخية إلى الساحة الأدبية، إذ ذُكرت فـي كتاب « الطواف حول البحر الإريتيري» لمؤلف مغمور لم يتم ذكر اسمه، وبقيت هناك حتى حملتها البطلة موشكا.
بعد صدور الرواية اقترنت موشكا باللبان الذي لا يُذكر إلا كمنتج مادي مجرد من عنصره الثقافـي اللامادي، ولكن بالتخييل استحضرت الرواية شجون العمال وهمومهم فـي حقول اللبان التي يُطلق عليها «منازل» أثناء عمليات «التوقيع» و«الكشط» والجمع وهي عمليات الحصاد التي تتم فـي شهور الصيف فـي ظروف قاسية يصعب تحملها.
تداولت لفظة موشكا فـي الأوساط الثقافـية ثم عبرت كصاحبها «البيربيلوس» اليوناني المجهول إلى المجال التجاري وتم تداولها كعلامة تجارية وعناوين لكيانات ثقافـية. أما عن الأسطورة المتخيلة فلا وجود لها فـي الميثولوجيا الظفارية، ولكن الكتابة الأدبية وتحديدا الرواية تستطيع اختلاق ميثولوجيا جديدة فـي حالة كان الكاتب واقعا تحت تأثير الثقافات المسكونة بالحكايات الأسطورية وأبعادها ووظيفتها فـي تقريب الأجيال ونقل المعارف الإنسانية التي تحملها الثقافة الشفوية.
الآن وبعد أن ذاعت موشكا الرواية والمسرحية أرى أن تتوقف عن التمثيل على المسرح حفاظا على وهج الأسطورة وقيمتها الثقافـية لأن التكرار يفقد الأشياء قيمتها، إضافة إلى شعور كاتب الرواية بعدم التقدير فـي المشاركات التي تُعرض فـيها مسرحية موشكا والتي كان آخرها الحضور لمهرجان المسرح العربي، والتي مثلت المسرحية سلطنة عمان فـي المهرجان بعد حفل الافتتاح، إذ لم توجه دعوة لكاتب النص لحضور المسرح إلا بعد توجيه من المسؤولين - مشكورين- فـي وزارة الثقافة والرياضة والشباب لمنظمي المهرجان بتسهيل النقل والإقامة للكاتب، الأمر الذي جعله يفكر فـي الاعتذار لكاتب النص المسرحي عن تمثيل النص مستقبلا.
فإذا كان التساهل فـي الحقوق المادية يُفهم على أنه تنازل عن الحقوق المعنوية فقد آن الأوان لإيقاف التعاون مالم يكن تعاونا منصفا للطرفـين.
تبقى الثقافة بمكوناتها الفنية والأدبية عالما غنيا بالتعبير عن هموم وشجون الإنسان، وتمثل ميزة إنسانية عظيمة تتطلب أعلى درجات العناية والتقدير خاصة للأشخاص الفاعلين فـي المجالات المذكورة، فعلى سبيل المثال الكتابة الأدبية جهد مضن لا يقبل صاحبها بالتهميش أو التجاهل.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
رشدي المهدي.. «الشيخ عتمان» الذي غادر الحياة وبقي في الذاكرة
تحلّ ذكرى وفاة الفنان القدير رشدي المهدي، أحد أعمدة الفن المصري الذين لم يسعوا إلى البطولة المطلقة، بل صنعوا المجد من خلف الكواليس، بأداء متقن، وروح هادئة، ووجه محفور في ذاكرة أجيال من المشاهدين.
عشرات الأعمال ترك فيها بصمته، لكن اسمه ارتبط إلى الأبد بـ "الشيخ عتمان" في شمس الزناتي، الدور الذي تحوّل إلى رمز شعبي يتردد صداه حتى اليوم.
النشأة والبداية من الشرقية إلى الفن
وُلد رشدي المهدي في 21 أبريل عام 1928 بمدينة مشتول السوق بمحافظة الشرقية، ونشأ وسط بيئة محافظة.
التحق بكلية الهندسة في جامعة عين شمس، لكنه لم يُكمل دراسته، إذ جذبته أضواء الفن مبكرًا، فقرر أن يخوض رحلته في عالم المسرح والتمثيل، ليتحول إلى أحد الأسماء المحترمة والراسخة في تاريخ الفن المصري.
المسرح بوابة العبور الأولى
بدأ رشدي المهدي حياته الفنية من خشبة المسرح، فانضم إلى فرقة إسماعيل ياسين المسرحية عام 1953، ثم التحق بفرقة رمسيس التي أسسها يوسف وهبي عام 1957.
لاحقًا، شارك في عروض المسرح القومي ومسرح الجيب، وقدّم أعمالًا مسرحية هامة، منها: رابعة العدوية، باب الفتوح، الاستعراض الكبير، كرسي الاعتراف، سهرة مع الحكومة.
تمكن المهدي من إثبات قدراته كممثل متنوع، يجمع بين الحس التراجيدي وخفة الظل في آنٍ واحد.
السينما.. أدوار صغيرة بحضور كبير
رغم أن أدواره السينمائية لم تكن في الصفوف الأولى، فإن حضوره الطاغي جعل من مشاهد قليلة لحظات لا تُنسى. من أبرز أفلامه: شمس الزناتي (1991) في دور الشيخ عتمان، الراقصة والسياسي، المواطن مصري، ناصر 56، جاءنا البيان التالي.
في كل عمل، كان رشدي المهدي يقدم أداءً متوازنًا، مليئًا بالإحساس والتفاصيل، يليق بفنان قدير عاشق لفنه.
التلفزيون نجم خلف الكواليس
برز المهدي أيضًا في الدراما التلفزيونية، فشارك في مسلسلات أثرت الوجدان العربي، أبرزها: رأفت الهجان بدور "فرانس"، خادم الجاسوس المصري، ليالي الحلمية، نصف ربيع الآخر، بوابة الحلواني، دموع في عيون وقحة مع عادل إمام، أهل القمة، ساعة ولد الهدى.
كما جسد شخصيات متنوعة، من الأب الطيب إلى الشيخ الوقور، ومن الصديق الوفي إلى الخادم المخلص.
الإذاعة
لم يقتصر عطاؤه على المسرح والسينما والتلفزيون، بل امتد إلى الإذاعة، حيث قدم أعمالًا درامية ناجحة منها: "عصفور في الفضاء"، "مغامرات حب حب"، تمثيليات عديدة تركت صدى واسعًا في البيوت المصرية والعربية
حياته الخاصة
كان رشدي المهدي فنانًا يفضل الخصوصية، بعيدًا عن ضجيج الإعلام والصحافة. أنجب ابنة واحدة، "أمنية"، التي شاركت في بعض الأعمال الفنية خلال التسعينيات، أبرزها "هوانم جاردن سيتي" و"الفجالة"، قبل أن تعتزل الفن وتبتعد عن الساحة.
رحيله
رحل رشدي المهدي عن عالمنا في 22 يونيو عام 2002، عن عمر ناهز 74 عامًا. وكان آخر أعماله مسلسل "بوابة الحلواني" الجزء الرابع عام 2001، قبل أن يُعرض له مسلسل "الهودج" بعد وفاته.
ورغم رحيله الجسدي، فإن صوته وملامحه لا تزال حاضرة في ذاكرة جمهور لا يزال يبتسم عند سماع جملة: "دمي كله خمرة يا عم الشيخ عتمان".