مؤمن الجندي يكتب: مقادير صناعة الأسطورة
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
كانت الأساطير دائمًا مزيجًا عجيبًا بين الموهبة الفطرية والعمل الجاد، وبين الصدفة والفرصة.. في كل مجال يبرز القليلون ممن يملكون مفاتيح الدخول إلى عالم الخلود بمجالهم، أما كرة القدم بتعقيدها وجمالها، لا تختلف عن هذا السياق، حيث تكون صناعة الأسطورة مغامرة شاقة تبدأ بحلم صغير، لكنها قد تنتهي بتوهج يضيء ويسكن القلوب.
في أحد الأحياء المتواضعة، كان هناك طفل يحمل بين قدميه كرة بلاستيكية، تتقاذفها أقدامه وكأنها قطعة من قلبه.. كان حلمه بسيطًا وواضحًا أن يصبح يومًا ما نجمًا يردد اسمه الملايين! لكن هذا الحلم، رغم جماله، كان مجرد شرارة، فالأحلام وحدها لا تصنع الأساطير؛ إنها البداية فقط.
صناعة الأسطورة أشبه بطبخة سحرية تحتاج إلى مقادير دقيقة لا يمكن الاستغناء عن أي منها، أول تلك المقادير هو الشغف، ذاك الذي يجعل اللاعب يستيقظ في الصباح ليجري نحو الملعب، حتى وإن كان الطقس قاسيًا أو الظروف صعبة! الشغف هو من يجعل الكرة ليست مجرد أداة، بل امتدادًا للروح.
ثم يأتي الإيمان، ذاك الصوت الداخلي الذي يخبرك بأنك قادر، حتى عندما يقول الجميع إنك لست كذلك.. اللاعب الأسطوري لا يهرب من الانتقادات أو الإخفاقات، بل يحولها إلى وقود يشعل طاقته.
ولا ننسى العمل الجاد، في كل أسطورة تُروى، هناك ساعات لا تُحصى من التمارين الشاقة، أوقات يقضيها اللاعب في صقل موهبته بعيدًا عن أعين الجماهير، تلك اللحظات، رغم وحدتها، هي التي تميز الأساطير عن الموهوبين العابرين.
أهم مقادير “طبخة” الأسطورةوأهم ما في الطبخة هو القدرة على استثمار الفرصة.. كرة القدم، كما الحياة، لا تمنح الفرص إلا لمن هم مستعدون! لحظة واحدة كفيلة بتغيير مسيرة لاعب من لاعب عادي إلى نجم خالد، شريطة أن يكون مستعدًا لها بعقلٍ يقظ وقلب شجاع، ومواقف يكون هو بطلها بما يحبه الناس ويقدرونه!
في عالم كرة القدم المصرية، يأتي اسم إمام عاشور كواحد من أبرز الأسماء التي عاشت تجربة التحول من لاعب موهوب إلى نجم متوهج -في الفترة الأخيرة-، فبداياته مع الزمالك كانت واعدة، لكنه كأي لاعب شاب، مر بفترات من الصعود والهبوط.. كان إمام عاشور نموذجًا للاعب الذي يملك الشرارة، لكنه من وجهة نظري حتى الآن مُقصر في حق موهبته وبسبب بعض الأفعال أعتقد أنه سيضيع فرصة "طبخة الأسطورة" خاصة إذا ما أحرقتها النار.
في كل ملعب، هناك آلاف اللاعبين يحملون أحلامًا مشابهة، لكن قلة فقط هم من يعرفون سر الطبخة السحرية.. الأسطورة ليست موهبة فقط، ولا مجرد قصة نجاح. إنها مزيج من شغف لا ينطفئ، وإيمان راسخ، وعمل لا يعرف الكلل، وقبل كل ذلك عقلية مختلفة مواكبة لـ "الطبخة".
لأي شخص بشكل عام يطارد حلمه لا تخف من الفشل، ولا تهرب من الألم.. كن مستعدًا للحظة التي تختارك! في النهاية، "الأسطورة" من يقف على قمة المجد، ليس لأنه لم يسقط أبدًا، بل لأنه نهض في كل مرة وسار نحو حلمه حتى النهاية.
للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: امام عاشور الأهلي الزمالك الكرة المصرية الأسطورة مؤمن الجندی یکتب
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: مثل شجرة سقطت في غابة
مثل شجرة سقطت وسط غابة ولم يسمع أحد بسقوطها فهل نقول إنها سقطت..!! وهذا تساؤل يشيع ثقافياً بصفته الافتراضية عن الصوت الذي يحدث حقيقة ولكنه لا يصل إلى سمع أحد، وبما أنه حدث عملياً، فهل عدم سماعه يخرجه عن معنى المتحقق أي لم يحدث، وقد حضرت المقولة عندي حين غردت بتغريدة حبرتها بعناية لكنها لم تحظَ بأي رد فعلٍ، لا اتفاقاً ولا اعتراضاً ولا تعليقاً ولا تدويراً ولا تفضيلاً، فوجدت نفسي دون تفكير أندفع لحذف التغريدة رغم قناعتي بمنطقها وسلامتها الأخلاقية والمعرفية، ولكنها أضحت عندي مثل شجرة سقطت في غابة ولم يسمع أحدٌ دويها فهي إذن لم تكن!!. وكل فعل أو قول لا يحدث أي تفاعل فهو بحكم العدم، فهل أعدمت تغريدتي لهذا السبب، وهل منصة (إكس) غابةٌ تستطيع كتم أي صوت وتعتقل رحلته حتى لا يمكننا سماعه أم أني صرت أطلب رضا الناس أو أصبحت هشاً أمام التجاهل، فانتقمت من كلمة كشفت لي هشاشتي، أم أن الوضع أرقى من ذلك وأنني شجاعٌ لدرجة الاعتراف بسخافة تصرفي ضد تغريدة لا ذنب لها غير أنها لم تستثر أي صوتٍ وكأنها لا تستحق ألفاظها بما أنها معنى لم يتصنع في أذهان الآخرين ولم يلفت نظر ولا سمع أحد.
ولا شك أن هناك أشياء للنسيان ولا ترقى للتذكر ولن يبكي عليها أحد، وكل ما يدخل للنسيان ولا يملك القابلية للخروج منه فهو إذن غير موجود، والنسيان الإيجابي لا يحدث إلا لموجود يتمرد على البقاء مكشوفاً فيتدثر بالنسيان بانتظار ذهن ما ليلتقطه ويخرجه من غيابة الجب أو مغارة السجن، وإذا خرج حينها ملك خزائن الأرض كما كانت قصة سيدنا يوسف عليه السلام الذي كان لابد أن يمر بتجربة النسيان ليخرج سيداً على من رموه في البئر.
وفي النهاية أعجب من نفسي إذ تذكرني بالقول عن شجرة الغابة التي حضرت لتشرح لي حقيقة سفك دم تغريدتي ولكن الذاكرة ذاتها تبخل عليَّ بمعرفة سر صنيعي الذي ليس من طبعي ولا من سلوكي، فهل تمارس الذاكرة محوها الخاص فتبقي لنا شيئاً وتطمس أشياء، ومن ثم تضعنا في حرج بين وبين، وهذه لعبة لا تتم برغبة منَّا وإنما فقط نقع فيها ونظل نخجل منها في حالات العلاقات العامة وفي حالة العلم والمعرفة.
هي إذن لعبة التذكر والنسيان وتبادل أدوارهما علينا ونحن دوماً مادة هذه اللعبة وفضاؤها المفتوح. تماماً كحال الشجرة التي ربما كانت تحاول لفت نظرنا إليها لكنها أخطأت نظرنا ومسامعنا معاً فخرجت من الوجود الفعلي والوجود الذهني كذلك، وكذا هي حال المحو حين يقتل الفكرة واللفظ معاً، وتبقى حسرة الروح التي لا تتجسد في جسم يسمح لها بأن تتحرك وتفعل.
أما تغريدتي تلك فستظل الموؤودة التي من غير ذنب قُتلت. وحالها كحال الشجرة الضائعة بين السقوط والعدم التي هي جملة ثقافية تغري الباحثين، ولكنها جملةٌ تائهة فهي منسوبة لجورج بيركلي ولكنها ليست موجودةً في أي كتاب من كتبه، وكأن الجملة مخترعٌ ثقافي انتسبت تعسفاً لشخص لم يقلها، وإن كانت تشبه أفكاره، ولذا فهي مثل تغريدة لم يسمع بها أحد فحذفها صاحبها بما إنها لم تدخل فضاء الإدراك.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض