توصلت الفصائل الفلسطينية المقاومة مع حكومة الكيان الغاصب، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، على أن يسري هذا الاتفاق من يوم الأحد 19يناير 2025م وخلال الفترة الرخوة التي تمتد من يوم الأربعاء تاريخ إعلان التوصل لاتفاق إلى يوم الأحد فترة تقرب من خمسة أيام، وخلال هذه الفترة سوف تكثف إسرائيل من عملياتها العسكرية في قطاع غزة وقد ظهر ذلك جليا خلال معطيات الواقع رغم حرص الوسطاء – الذي يبدون رغبتهم في وقف إطلاق النار بدءا من صباح يوم الخميس 16يناير – إلا أن إسرائيل لن تستجيب لهذا النداء لأنها تدرك مرارة الهزيمة أمام الصمود الأسطوري لغزة ولذلك سيكون هناك توحش غير مسبوق في ممارسة القتل والتدمير .
لم تكن المعركة في غزة متكافئة بين حركة حماس وفصائل المقاومة وبين الكيان من حيث القدرات والعتاد ومن حيث التقنيات الحديثة لكن يظل الإيمان بالحرية وبالحق وبالكرامة هو العتاد القادر على تحقيق معادلة الوجود في الجغرافيا، فالكثير من الكتاب والمحللين السياسيين يتحدثون عن فشل الكيان الغاصب في تحقيق أهدافه المعلنة وأبرز تلك الأهداف القضاء على حماس وحركة المقاومة الإسلامية، وقالوا إنه ليس هناك من راية بيضاء رفعت رغم الدمار الواسع والقتل والتوحش والحصار والجوع على مدى أكثر من خمسة عشر شهرا من بدء العدوان على قطاع غزة .
القنوات الفضائية العربية تتحدث عن ضغوط ترامب على رئيس الوزراء الصهيوني للوصول إلى هذا الاتفاق ويغفلون العوامل المساعدة التي ساهمت في تعزيز الصمود وعملت على قلب معادلة الحرب ومنها الدور اليمني الذي كان عاملا مهما في تحقيق القدر الكافي من القناعات بضرورة وقف العدوان على غزة ومثل هذا التوجه ليس أكثر من تهرب من وخز الضمير للأنظمة العربية التي كانت من القاعدين، وفي موقع المراقب الصامت الذي لم يواجه مسؤوليته الأخلاقية والقومية والدينية، كما يفرض عليه الضمير الأخلاقي الإيماني .
لم يكن العدوان عابرا بل ترك آثارا كبيرة، ولم يكن الصمود الأسطوري لفصائل المقاومة نصرا كاملا بل أكد على القوة الكبرى للإيمان بالأرض وبالحرية وبالكرامة وبقدرتها على تغيير معادلة الوجود والانتصار، وقد قال صمود غزة معاني كبرى للعالم، ولعل أفصح عبارة قالها أن الحق والحرية والكرامة معاني تمثل قوة قاهرة لا يمكن هزيمتها بالترسانة العسكرية ولا بالإلغاء والفناء والدمار، ولذلك سيذهب النظام الدولي إلى تغيير سياسته تجاه القضية الفلسطينية، وقد بدأت مؤشرات ذلك من خلال تصريحات ترامب وفريقه الذين يؤكدون على فكرة السلام باعتبار أن تجربة الحرب لم تكن مجدية في تحقيق الأهداف، وستعود فكرة مشروع إبراهام إلى الواجهة خلال الفترة القادمة، ونحن نسمع اليوم عن التطبيع مع المملكة العربية السعودية لما تمثله المملكة من رمزية دينية ذات أثر في تغيير القناعات عند الشعوب العربية والإسلامية، ومثل ذلك سيحد بشكل أو بآخر من أثر قوة الإيمان بالقضية الفلسطينية في نفوس الشعوب، مما يساعد إسرائيل على تفكيك النظم وفرض ثنائية الهيمنة والخضوع على المنطقة العربية وقد تتحول إسرائيل بمثل ذلك إلى دولة مركزية تتحكم بالمسارات وتمارس سياسات الغطرسة .
الخارطة السياسية اليوم حدث فيها تغيير عميق، فالتمدد في الجولان وفرض واقع جديد في لبنان، وخروج فصائل المقاومة من المعادلة السياسية في مستقبل غزة، كما يدل الواقع من خلال بنود الاتفاق، وخروج سوريا من خط المقاومة واضطراب أحوالها حاضرا ومستقبلا، وحركة التطبيع التي يجري الترويج لها إحياء لمشروع إبراهام، كل تلك المتغيرات سوف تترك أثارا واضحة على مسار القضية الفلسطينية وغالب الظن أن ملامسة جوهر القضايا والاعتراف بالحق وتوفير الحرية وحفظ الكرامة هي المعيار الذي سوف تتحدد على مضامينه ملامح المستقبل في قطاع غزة وفي فلسطين وفي المنطقة العربية كلها .
الحرب لم تنته بعد ولكنها في طور التهيؤ لمرحلة جديدة، ولن تكون غزة ساحتها بل ستذهب إلى قوى التحرر في المنطقة وربما نشهد حربا صلبة مؤقتة أو حربا ناعمة مستمرة حتى تبلغ الاستراتيجيات الدولية أهدافها، فالمتغيرات التي حدثت خلال عام ونصف العام من بدء العدوان على غزة، تركت سؤالا مفتوحا لم تجب عليه الاستراتيجيات حين وضعها الباحثون السياسيون، وهم اليوم في طور التعامل مع تلك الظواهر وفي طور الإجابة عن أسئلتها بما يتفق مع مصالح النظام الدولي الذي يدير صراعا مع قوى التحرر في العالم .
ربما كان القادم من الأيام والأعوام أكثر توحشا وإلغاء مما مضى وأكثر توغلا في تفاصيل الوجود الإنساني للأمم والشعوب لأنه سيعتمد حرب الأفكار وحرب الحياة والتمدن وحرب هدم التطبيقات الثقافية وحرب الهجمة الثقافية، وملامح مثل ذلك بدأت في المجتمعات الغربية وهي في طور التبلور في كل العالم وبما يحقق فردية الفرد، وفردية المصالح المشتركة، والفصل الثقافي والحضاري، وتجزئة الهويات وتهجينها في إطار هوية كونية، حينها تكون مفردات القوة التي أشرنا إليها في السياق قد تلاشت وذابت، فيفقد العالم قدرته على المقاومة لمشاريع العولمة والرأسمالية التي تريد مجتمعات متحررة لا تعترف بالقيمة ولا بالنوع بل تعترف بالربح كقيمة مثلى تحدد علاقة الفرد بالأشياء من حوله .
علينا أن ندرك أن الحرب بدأت ولا بد لنا من الاستعداد لها بما يحقق وجودنا في خارطة العالم ولا بد من بناء القدرات الذهنية والفكرية إلى جانب القدرات العسكرية، ما لم فالأمة مهددة بالانقراض .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إستشهاد 140 فلسطينيا في قطاع غزة .. والأممُ المتحدة تدين إطلاق النار على الباحثين عن الطعام
القاهرة نيويورك "رويترز" "العمانية": قالت سلطات الصحة في غزة اليوم إن ما لا يقل عن 140 شخصا قتلوا في أنحاء قطاع غزة في الساعات الأربع والعشرين المنصرمة، في وقت يقول فيه فلسطينيون إن معاناتهم لم تعد حاضرة في ذاكرة العالم مع انصراف التركيز إلى الحرب الجوية بين إسرائيل وإيران.
وأفادت وزارة الصحة في غزة بأن ما لا يقل عن 40 من هؤلاء الشهداء لاقوا حتفهم نتيجة إطلاق نار وغارات جوية إسرائيلية اليوم. وشملت وقائع القتل هذه أحدث موجة قتل شبه يومي للفلسطينيين الذين يسعون للحصول على المساعدة منذ ثلاثة أسابيع بعد أن رفعت إسرائيل جزئيا الحصار الشامل عن القطاع.
وقال مسعفون إن غارات جوية منفصلة على منازل في مخيم المغازي في وسط قطاع غزة وحي الزيتون في شماله أودت بحياة 21 شخصا على الأقل وسقط أيضا خمسة قتلى آخرين في قصف جوي على مخيم في خان يونس جنوب القطاع.
وأضاف المسعفون أن 14 آخرين قتلوا بنيران إسرائيلية أطلقت على حشود من النازحين ينتظرون شاحنات المساعدات التي جاءت بها الأمم المتحدة على محور صلاح الدين وسط القطاع.
وردا على طلب للتعليق حول واقعة محور صلاح الدين قال الجيش الإسرائيلي إنه على الرغم من التحذيرات المتكررة من أن المنطقة هي منطقة قتال، اقترب أفراد من القوات العاملة في النصيرات بوسط قطاع غزة بطريقة تشكل تهديدا للقوات.
وأضاف أن القوات أطلقت طلقات تحذيرية، مضيفا أنه لم يكن على علم بوقوع مصابين. وفيما يتعلق بالغارات الأخرى، قال إنه "يعمل على تفكيك قدرات حماس العسكرية... ويتخذ الإجراءات الاحترازية الممكنة لتقليل الضرر على المدنيين".
وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة الثلاثاء إن 397 فلسطينيا من بين من حاولوا الوصول للمساعدات الغذائية قتلوا وأصيب ثلاثة آلاف منذ بدء توزيع تلك المساعدات في أواخر الشهر الماضي.
وعبر البعض في قطاع غزة عن قلقهم من احتمال تجاهل أحدث تصعيد في الحرب التي بدأت في أكتوبر 2023 بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) مع تحول التركيز إلى الصراع بين إسرائيل وإيران والذي دخل يومه السادس.
وقال عادل وهو من سكان مدينة غزة "الناس بتندبح في غزة في النهار وفي الليل والانتباه والاهتمام كله انتقل على الحرب بين إيران وإسرائيل، الاهتمام بغزة كتير انحسر ها الأيام".
وأضاف لرويترز عبر تطبيق للتراسل "اللي ما بيموت من القذائف الإسرائيلية بيموت من الجوع. الناس بتخاطر بروحها مشان تجيب أكل وبرضه بيتم قتلهم ودمهم بيغطي أكياس الطحين اللي فكروا إنهم جابوها وعملوا إنجاز".
منسيون
بدأت إسرائيل في توجيه أغلب المساعدات التي تسمح بدخولها إلى منظمة جديدة مدعومة منها ومن الولايات المتحدة وهي مؤسسة غزة الإنسانية التي تدير مواقع قليلة للتوزيع يحرسها جنود إسرائيليون.
وقالت إسرائيل إنها ستواصل السماح بدخول مساعدات لقطاع غزة الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة مع ضمان عدم وصول المساعدات لأيدي حماس. وتنفي حماس الاستيلاء على أي مساعدات وقالت إن إسرائيل تستخدم الجوع سلاحا ضد شعب غزة.
ووصف فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في منشور على موقع إكس اليوم النظام الحالي لتوزيع المساعدات بأنه "مخز ووصمة عار على وعينا الجمعي".
وتقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة قتلت نحو 55 ألف فلسطيني وشردت كل سكان القطاع تقريبا وتسببت في أزمة جوع طاحنة.
وتسبب ذلك في توجيه اتهامات بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب لإسرائيل، وهو ما ترفضه وتنفيه.
ويتابع الفلسطينيون في قطاع غزة عن كثب مجريات تبادل الضربات الجوية بين إسرائيل وإيران التي تدعم حركة حماس منذ فترة طويلة.
وقال شعبان عابد (47 عاما) وهو أب لخمسة من شمال القطاع "إحنا يمكن سعيدين إنه نشوف إسرائيل وهي بتعاني من صورايخ إيران لكن في النهاية كل يوم بتستمر فيه الحرب بيكلفنا أرواح العشرات من الناس الأبرياء في غزة".
وتابع قائلا "إحنا كل إللي بنتمناه إنه يوصلوا لحل شامل ينهي الحرب في غزة كمان، لأنه احنا منسيين اليوم".
إدانة أممية
أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، القصف الإسرائيلي المتعمد للمدنيين في قطاع غزة أثناء محاولتهم الحصول على الطعام مما يسفر عن سقوط عشرات الشهداء والمصابين يوميًا مؤكدًا أن هذا الأمر "غير مقبول". ودعا الأمين العام بإجراء تحقيق فوري ومستقل في جميع التقارير الواردة عن الانتهاكات وإرساء المساءلة، مشيرًا إلى أن الاحتياجات الأساسية للفلسطينيين في غزة هائلة ولا تزال غير ملباة، مشددًا على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية فورا وعلى نطاق واسع ودون عوائق. وأكد على أن التزامات واضحة تقع على عاتق الاحتلال الإسرائيلي بموجب القانون الإنساني الدولي للموافقة على الإغاثة الإنسانية وتسهيلها لجميع المدنيين الذين يحتاجون إليها، مطالبًا بضرورة السماح للأمم المتحدة وجميع الجهات الفاعلة الإنسانية بالعمل بأمان وتحت ظروف الاحترام الكامل للمبادئ الإنسانية. وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، قد أفاد الثلاثاء عن استشهاد أكثر من 60 شخصًا وإصابة أكثر من 280 آخرين، إصابات بعضهم خطيرة، أثناء انتظار المساعدات في خان يونس جنوب قطاع غزة، بينما استشهد يوم الاثنين 338 فلسطينيًا وأصيب أكثر من 2800 آخرين أثناء محاولتهم الوصول إلى الطعام بالقرب من مواقع التوزيع. من جهته قال جوناثان ويتال، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين، إن حادث الإصابات الجماعية اليوم كان جزءًا من نمط مروع حيث يروي الناجون مرارًا وتكرارًا تعرضهم للهجوم أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة.