منصات التواصل الاجتماعي تمتثل لمطالب أوروبا بالحد من خطاب الكراهية
تاريخ النشر: 21st, January 2025 GMT
وافقت منصات التواصل الاجتماعي الكبرى على بذل المزيد من الجهود لمعالجة خطاب الكراهية عبر الإنترنت، وفقاً لتوجيهات المفوضية الأوروبية الرامية للحد من المحتوى غير القانوني.
وقالت المفوضية الأوروبية في بيان: «وافقت منصات كبرى مثل «ميتا» و«إكس» و«يوتيوب» على بذل المزيد من الجهود بموجب مسودة محدثة سيتم دمجها في قواعد التكنولوجيا الخاصة بالاتحاد الأوروبي».
وأضافت أن منصات أخرى مثل «لينكد إن» و«إنستغرام» و«سناب شات» و«تيك توك» وافقت هي الأخرى على تلك المسودة التي تم إنشاؤها في مايو 2016، بموجب قانون الخدمات الرقمية الذي يهدف لمكافحة المحتوى غير القانوني والضار على منصاتها.
وقالت هينا فيركونين، مفوضة التكنولوجيا بالاتحاد الأوروبي: «لا يوجد مكان في أوروبا للكراهية غير القانونية، سواء عبر الاتصال بالإنترنت أو غيره، ونرحب دائماً بالتزام أصحاب المصلحة بمسودة سلوك معززة بموجب قانون الخدمات الرقمية».
وبموجب مسودة القانون المحدثة، تعهدت الشركات بالسماح للكيانات غير الربحية أو العامة ذات الخبرة في خطاب الكراهية غير القانوني بمراقبة كيفية إشعارات خطاب الكراهية، وتقييم ما لا يقل عن ثلثي هذه الإشعارات الواردة في غضون 24 ساعة.
وستتخذ الشركات ذاتها تدابير مثل استخدام أدوات الكشف التلقائي للحد من خطاب الكراهية على منصاتها، وتقديم معلومات حول دور أنظمة التوصية والمدى الخوارزمي للمحتوى غير القانوني قبل إزالته.
البيان
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: خطاب الکراهیة غیر القانونی
إقرأ أيضاً:
الأكاذيب المُمأسسة وتواطؤ النخب: لماذا تحتاج تل أبيب إلى صمت العرب كي تستمر الحرب؟
لم يكن الصوت الذي خرج من قلب غزة مجرد بيان عسكري تقليدي، ولا هو خطبة من خلف الكاميرا وحسب. كان زلزلة في ضمير أمة، صرخة بحجم المجازر، ومساءلة تفضح نُخبًا اعتادت أن تضع رؤوسها في الرمل، وأن تُدير ظهورها لشعب يُذبح منذ ما يقارب العامين. أبوعبيدة، الملثم الذي تكلّم باسم الصامتين، لم يطلب دعمًا، بل قدّم شهادة حيّة من تحت الركام، من خنادق المقاومة، ومن جراح الأطفال، ليقول للعالم: لسنا مهزومين، بل أنتم الهاربون من المعركة.
في زمن يتآمر فيه القريب قبل البعيد، وتتواطأ فيه الأنظمة قبل الأعداء، كان لا بد لهذا الصوت أن يخرج من غبار المعركة، ليفضح مجازر الاحتلال، ويصرخ في وجه الخذلان العربي، ويقرع أبواب الضمائر التي طال نومها. لم يوجّه أبو عبيدة نداءه للمحتل فحسب، بل بعث رسالة نارية إلى شعوب الأمة: من الذي يخذل غزة؟ من الذي باع القدس؟ من الذي صمت عندما كانت الدبابات تدوس المستشفيات، وتقصف الخيام والمدارس؟ هل التطبيع دينكم الجديد؟
في هذا المقال، نحلّل خطاب أبو عبيدة بوصفه حدثًا سياسيًا وأخلاقيًا، يكشف البنية التحتية للعجز العربي، والازدواجية الغربية، ويطرح رؤية بديلة لصراع يُراد له أن ينتهي عند شروط القتلة، لا عند مطالب الحرية.
أولًا: عنف الدولة الحديثة وتناقضات المجتمع الدولي
كما قلنا سابقا، لا يمكن فصل السياسات الدولية عن بنيتها الطبقية والاستعمارية. والمجتمع الدولي الذي تغنّى طويلًا بالقانون والعدالة، ينكشف الآن تمامًا. لا أحد يطالب بوقف العدوان، لا أحد يعاقب القاتل، بل على العكس، يقدم له السلاح والدعم الدبلوماسي.
الولايات المتحدة، زعيمة «العالم الحر»، تحوّلت إلى المورد الرسمي للذخائر التي تُمزق أجساد أطفال غزة. والبنتاغون لا يخفي فخره في «الوفاء بالتزامات الشحنات بينما يُدفن أطفال غزة تحت الركام. أما أوروبا التي طالما تغنّت «بقيمها»، فهي اليوم شريكة في الحصار، في الرقابة، وفي تبييض صورة الاحتلال، رغم الإدانات الشكلية التي لا تُطعم جائعًا، ولا توقف مجزرة.
خطاب أبو عبيدة، في لحظته الفاصلة، هاجم هذا الإجماع الدولي المنحاز، وأعاد رسم حدود المعركة لا كصراع حدود، بل كمعركة بقاء بين مشروع استعمار إبادي، وحركة تحرر تُقاتل لأجل الحياة.
ثانيًا: بين المقاومة والعزلة… من كسر الطوق إلى استنهاض الضمير
في زمن تطبيعي تُغلق فيه المعابر وتُفتح فيه السفارات، تصبح كل رصاصة مقاومة، وكل كلمة تُقال من قلب غزة، فعلًا تحرريًا بحد ذاته.
خطاب أبو عبيدة كان ترجمة لهذا التمرّد الرمزي والفعلي. فالرجل لم يعلن فقط عن عملية نوعية في الميدان، بل قدّم سردية بديلة عن معنى النصر والهزيمة، عن معنى الاستنزاف. لقد أراد للاحتلال أن يتآكل من الداخل، وأن تُزرع الهزيمة في نفس الجندي لا في خارطة العمليات العسكرية فحسب.
في هذا المعنى، فإن خطاب أبو عبيدة لا يُقاس فقط بمضمونه العسكري، بل بإمكاناته الرمزية في تحريك وعي الأمة. ففي كل مفردة نارية، كانت هناك دعوة لإعادة إنتاج الوعي المقاوم، لكسر الطوق المعرفي والإعلامي الذي فرضته النخب المطبّعة.
كما وضع الخطاب «إسرائيل» في مأزق داخلي عميق. فإعلان فشل المفاوضات، وكشف تنصل الاحتلال من الاتفاقات، أعاد توجيه السهام نحو حكومة نتنياهو. فهذا الأخير الذي يتبجّح «بالنصر الوشيك» يجد نفسه اليوم عالقًا بين الفشل العسكري، والسخط الشعبي، والضغط من عائلات الأسرى، وأزمة داخل معسكره الحاكم.
ثالثًا: تواطؤ النخب وتحوّل الصمت إلى شراكة في الجريمة
الجزء الأكثر جذرية في خطاب أبو عبيدة لم يكن موجّهًا للاحتلال، بل للأمة. للأنظمة. للنخب. للفلاسفة والمثقفين والدعاة، أولئك الذين انتحروا معنويًا بصمتهم.
شهيد الأمة سماحة السيد حسن نصر الله طالما تحدث عن «وظيفة المثقف في عصر الهيمنة»، وها نحن نراها في أوضح تجلياتها. مثقف السلطة، هو الذي يصمت عند المجازر، أو يتحدث عن «تعقيدات الوضع»، أو يدعو للهدوء «تفاديًا للتصعيد». هذه نخب خانت وظيفتها، وتحوّلت إلى أداة تبرير، وإلى واجهة تجميل لجريمة تُبثّ على الهواء.
إن التواطؤ ليس فقط خيانة سياسية، بل جريمة أخلاقية. وهذا ما قاله أبو عبيدة بصراحة: «رقاب قادة الأمة ونخبها مثقلة بدماء الأبرياء ممن خذلوا بصمتهم».
الخذلان، في خطاب أبو عبيدة، ليس مجرد غياب الدعم، بل هو اختيار واعٍ للوقوف في الجهة الخاطئة من التاريخ. الأمة كلها مطالبة بكسر الصمت، فالصمت لم يعد حيادًا، بل اصطفافًا ضمنيًا مع القاتل.
رابعًا: الإسلام الوظيفي وتدجين الوعي الجماعي
ما الذي جعل أمة تعد ربع سكان الأرض عاجزة؟ لماذا استطاعت شعوب صغيرة أن تُسقط طغاة بينما تنام أمة بكاملها على مذابح غزة؟
هنا يكمن الدور الكارثي للفكر السلفي الوهابي، الذي جرى تصنيعه سياسيًا وتصديره ثقافيًا خلال نصف قرن، ليقوم بمهمة وحيدة: تدجين الشعوب وتجريم المقاومة.
كما قال سابقًا المفكر إدوار سعيد، فإن الوهابية ليست ظاهرة دينية بل ظاهرة سياسية. وقد تحوّلت إلى أداة السلطة لشرعنة القهر، ومهاجمة الفكر التقدمي، وتكفير كل تحرك يرفض الاستبداد.
في هذا السياق، يبدو خطاب أبو عبيدة صرخة تحرر ديني أيضًا، لا سياسي فقط. فالإسلام الذي ينتمي إليه أبو عبيدة هو إسلام الفعل المقاوم، لا طقوس الخضوع، إسلام الأرض والكرامة، لا التحريم الأجوف لكل ما يهدد الطغاة.
خامسًا: من الجولاني إلى الجواسيس: حين تُوظّف المقاومة لخدمة المستعمر
حين أشار أبو عبيدة إلى العملاء، لم يكن يطلق تهديدًا أمنيًا فقط، بل يُسلّط الضوء على اختراق بنيوي في النسيج الوطني. الاحتلال لا يعيش بدون أدواته الداخلية، وكل منظومة استعمار تحتاج خونة.
لكن الجاسوس ليس فقط ذلك الذي يبيع المعلومة، بل من يبرر للمحتل، من يُعيد إنتاج أدواته داخل منظومتنا الثقافية والسياسية.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى نموذج «الجولاني» في شمال سوريا. فقد تحوّل من أمير لجماعة مصنفة على «قوائم الإرهاب» إلى حاكم مدعوم دوليًا. هذا التحول، برعاية أمريكية وبتنفيذ تركي، يُجسد بالضبط ما قصده إدوار سعيد بـ»إعادة تدوير الإسلام السياسي في خدمة المشروع الإمبريالي».
المطلوب اليوم هو قطع الطريق على إعادة إنتاج «الإسلام الوظيفي» داخل فلسطين، وتجفيف منابع الخيانة، وخلق بيئة وعي وطني تُحصّن المشروع المقاوم من الداخل.
سادسًا: رسائل ما بعد الخطاب – نحو انتفاضة شاملة ضد الهيمنة
خطاب أبو عبيدة ليس مجرد استعراض قوة، بل وثيقة سياسية. ومن يقرأها بعين إدوار سعيد يرى فيها محاولة لتفكيك البنية الكولونيالية التي ما زالت تهيمن على المنطقة: من الاحتلال المباشر، إلى النخب التابعة، مرورًا بالإعلام المُدار والاقتصاد التابع، وصولًا إلى التطبيع الثقافي والديني مع فكرة الهزيمة.
إن هذا الخطاب، بقوته الرمزية، يجب أن يتحوّل إلى نقطة انطلاق لحراك شعبي وثقافي وسياسي، يُعيد بناء مشروع الأمة من تحت، لا من فوق، من داخل الوعي الشعبي، لا عبر مؤتمرات القمم الميتة.
ولعلّ أهم ما يمكن البناء عليه، هو الحركة العالمية المتعاظمة التي تقف مع فلسطين، والتي أثبتت أن الرأي العام الغربي أكثر تقدمًا في كثير من الأحيان من الرأي العام العربي المقموع.
بين زمن المذلة ونهج الكرامة
لم يكن خطاب أبو عبيدة مجرد حدث عابر، بل محطة فاصلة في تاريخ خطاب المقاومة. لقد قدّم ما يشبه لائحة اتهام أخلاقية بحق عالم يرقص على جراح غزة، ونخبٍ باعت آخر ما تبقى من شرفها مقابل بقائها في بلاط السلطان.
وهو بذلك لا يعلن فقط عن استراتيجية عسكرية، بل يدعو إلى نهج كرامة، إلى إسلام مقاوم، إلى مشروع تحرر شامل، ضد كل أشكال الاحتلال: الصهيوني، والعربي، والديني المزوّر.
إما أن نُعيد إنتاج أمتنا على قاعدة الحرية، أو نواصل الغرق في مستنقع الذلّ، إلى أن يصير الصمت خيانة رسمية، والعار زيًّا قوميًا.
كاتب فلسطيني