1 حددت قيادة الجيش المناطق والقواعد العسكرية التي ينبغي الدفاع عنها حتى النهاية في العاصمة الخرطوم. بناءً على وقائع الأحداث، قُرر التخلي عن بعض الحاميات البعيدة، خصوصًا تلك التي تقع في مناطق تعتبر معاقل للعدو ويتفوق فيها عسكريًا. بالنسبة للمناطق التي لا يستطيع الجيش الدفاع عنها أو إيصال خطوط الإمداد إليها، فقد انسحب منها أو أخلاها، مثل (نيالا، الجنية.

. الخ). والملاحظ أن هذه الانسحابات تمت بتخطيط دقيق، دون خسائر تُذكر، حيث تم سحب الجنود والآليات والأسلحة إلى مناطق آمنة. ومعلوم أن الانسحابات العسكرية هي قرارات معقدة تُتخذ في سياقات عسكرية متعددة. قد تكون الأسباب وراء الانسحابات ناتجة عن مزيج من العوامل اللوجستية والعسكرية مثل إعادة التمركز وإعادة الانتشار وبعضها يتم بسبب توازن القوى لتجنب خسائر أكبر في مواقع ضعيفة. وبعضها تم لأسباب لوجستية مثل نقص الذخيرة، الطعام، الوقود، أو الإمدادات الطبية وتعطل خطوط الامداد.
2
اعتمد الجيش في المرتكز الثالث نظرية معروفة في حرب المدن، تعطي الأولوية لإضعاف العدو بدلًا من التمسك بالأرض. إذا تم إضعاف العدو بشكل كبير من حيث القوات أو الموارد أو المعنويات، تصبح السيطرة على الأرض أسهل وأقل تكلفة. يمكن لقوة عسكرية أن تستعيد الأراضي إذا كان العدو ضعيفًا، لكن السيطرة على الأرض بينما العدو لا يزال قويًا قد تؤدي إلى حرب استنزاف طويلة ومكلفة. كما تركز هذه النظرية على استنزاف العدو اقتصاديًا وعسكريًا، مما يجعله غير قادر على الاستمرار في القتال.
كان الناس يتعجبون من عدم انزعاج القوات المسلحة من سيطرة المتمردين على مساحات واسعة من الأرض دون رد فعل مناسب. ويرجع ذلك إلى سببين:
الأول هو عدم جاهزية الجيش بسبب نقص القوات، السلاح، والذخائر.
والثاني هو تبني نظرية عدم أهمية الأرض في حرب المدن.
ماذا فعل الجيش في البداية؟ بدأ بتأسيس تشكيلات عسكرية ضرورية لحرب المدن من خلال إنشاء فرق صغيرة سريعة الحركة، مسلحة بأسلحة خفيفة، قادرة على إحداث خسائر في العدو دون خوض حرب شاملة. كانت مهمتها الأساسية هي إضعاف العدو واستنزافه.
ومن هنا تأسست قوات العمل الخاص، التي أحدثت في وقت وجيز فرقًا هائلًا في مجريات الحرب داخل الخرطوم. سجلت هذه القوات نجاحًا باهرًا في أم درمان، ثم عُممت الفكرة على باقي مناطق الخرطوم. ساهمت هذه الاستراتيجية بشكل كبير في إضعاف العدو، حيث رأينا كيف تدهورت أوضاع المتمردين نتيجة مطاردات فرق العمل الخاص المستمرة. شهدنا التدهور الكبير للمتمردين في أم درمان بعد تحرير الإذاعة، والآن تكاد تكون قوات العمل الخاص قد نظفت أم درمان بالكامل، باستثناء بعض الجيوب في سوق ليبيا ومنطقة الصالحة. وبذلك، ومع الإضعاف المستمر للعدو، عندما قرر الجيش شن هجوم كبير، لم يستطع المتمردون الصمود.
3
في المرتكز الرابع، ركز الجيش على إحباط أحد أهم تكتيكات المتمردين، وهو تكتيك (الفزع). وقد ساعد غباء المتمردين على نجاح الجيش في هذا المرتكز، حيث اعتقد المتمردون أن السيطرة على الأرض ستمنحهم فرصًا أكبر لاستلام السلطة، فانتشروا في مساحات واسعة دون خطوط إمداد كافية أو قوات مناسبة، معتمدين على تكتيك (الفزع).
ولكن هذا التكتيك كان مقتلهم لاحقًا، حيث تمكن الجيش من تقطيع أوصال قواتهم، وتحويلهم إلى جزر معزولة. أصبحت أغلب قوات المتمردين محاصرة في المناطق التي تواجدت فيها، مما سهل القضاء عليها.
4
أهم منعطف في حرب الكرامة يمكن تاريخه بخروج الرئيس البرهان من القيادة.
كيف؟ أولًا، أعطى خروج الرئيس من القيادة العامة معنويات عالية للجيش والشعب، إذ إن وجود رئيس الدولة في حالة حصار كان سيعرقل كثيرًا من أعمال الحكومة ويمنح العدو دفعة نفسية. ثم إن حصار الرئيس من شأنه أن يعمم سمعة غير حميدة، فإذا كان رئيس الدولة في حصار والجيش غير قادر على تحريره فكيف سيحرر البلد.؟، ساهم خروج الرئيس في رفع المعنويات. ثانيًا، بعد خروجه، بدأ العمل فعليًا على بناء جيش جديد في ثلاثة أبعاد:
سد النقص في قوات المشاة عبر استنفار الشعب لدعم القوات المسلحة.
تزويد الجيش بأسلحة حديثة، إضافة للأسلحة، والذخائر، تناسب حروب المدن لم تكن متوفرة للجيش.
توفير الموارد اللازمة لإدارة حرب قد تطول.
سياسيًا ساهم خروج الرئيس في توضيح طبيعة الحرب للعالم الخارجي، خاصة للرؤساء الذين تم تزويدهم بمعلومات مزورة وصفت الحرب بأنها نزاع بين جنرالين، بينما هي في الحقيقة تمرد على الشرعية. أكد الرئيس شرعيته كرئيس للدولة، مما أحبط ادعاءات المتمردين وحلفائهم.
5
كانت نتيجة ذلك تعزيز الدعم الشعبي للجيش وتطوير نوعي في قدراته، مما ساهم في نجاح المرتكز الخامس، وهو تحديث الجيش باستجلاب أحدث تكنولوجيا في حروب المدن، مع توفير إمداد مستمر بالسلاح والذخائر. مما أسهم بشكل كبير في نجاح المرتكز الخامس.
نواصل

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: نجاح ا

إقرأ أيضاً:

نبضات غامضة من نجم يشبه الشمس.. هل هي إشارة من حضارة فضائية؟

قبل أكثر من 60 عاما، بدأت الجذور العلمية الجادة للبحث عن حياة ذكية خارج كوكب الأرض عبر مشروع "أوزما"، الذي أسسه عالم الفلك الشهير فرانك درايك.

كان الهدف من المشروع هو رصد إشارات راديوية مستمرة أو ذات ترددات محددة قد تشير إلى وجود حضارات فضائية متقدمة، فقد افترض درايك أن مثل هذه الحضارات قد تستخدم موجات الراديو لتبادل المعلومات، لذا تم استخدام التلسكوب لرصد الإشارات القادمة من نجوم شبيهة بالشمس.

ورغم أن مشروع "أوزما" لم يُسفر عن رصد إشارات مؤكدة من حضارات ذكية، إلا أنه وضع الأسس لتقنيات البحث الحديثة التي لا تزال تتطور حتى يومنا هذا.

أحد المراصد من مشروع أوزما (سيتي) من الراديو إلى الضوء

اليوم، وبعد عقود من التطور التقني، يعلن عالم ناسا المخضرم ريتشارد ستانتون عن اكتشاف مثير باستخدام تقنية أكثر حداثة تعرف بـ"رصد النبضات الضوئية السريعة"، فبدلا من البحث عن موجات الراديو، ركزت هذه التقنية على التقاط ومضات ليزرية فائقة السرعة قد تمثل إشارات من حضارات متقدمة.

وبفضل هذه التقنية، تمكن ستانتون من رصد نبضات ضوئية غامضة من نجمين قريبين نسبيا، مشيرا إلى أن هذه النبضات ربما تكون وسيلة أكثر فاعلية ودقة للتواصل بين الحضارات الذكية، ما أعاد فتح الباب أمام فرضية وجود إشارات فضائية من حضارات متقدمة.

وفي دراسة حديثة نشرت في دورية "أكتا أسترونوتيكا"، وصف ستانتون تفاصيل اكتشافه، الذي جاء نتيجة مسح طويل شمل أكثر من 1300 نجم شبيه بالشمس باستخدام تقنية رصد النبضات الضوئية.

إعلان

وكانت النتيجة اللافتة هي رصد نبضتين ضوئيتين متطابقتين بفاصل زمني 4.4 ثوان صدرتا من النجم " إتش دي 89389″، الذي يقع على بعد نحو 100 سنة ضوئية في كوكبة الدب الأكبر.

دعا ستانتون إلى توسيع نطاق البحث باستخدام شبكة من التلسكوبات المتزامنة موزعة على مسافات كبيرة (مختبرات نوير) 4 ألغاز محيرة

ما جعل هذه النبضات لغزا علميا محيرا هو مجموعة من الخصائص الفريدة التي يصعب تفسيرها:

أولا: تغير سطوع النجم بسرعة مذهلة، إذ يزداد بشكل مفاجئ، ثم يخفت إشعاعه، ثم يعود إلى حالته الطبيعية، كل ذلك خلال 0.2 ثانية فقط، وهذا التغير السريع جدا يستحيل أن يكون نتيجة ضوضاء عشوائية أو اضطرابات جوية، وقد تساءل الباحثون: "كيف يمكن لنجم يبلغ قطره أكثر من مليون كيلومتر أن يختفي جزئيا خلال عشر الثانية؟". ثانيا: تكرار نبضتين متطابقتين، ففي 3 مناسبات منفصلة، تم رصد نبضتين متشابهتين للغاية يفصل بينهما فاصل زمني يتراوح بين 1.2 إلى 4.4 ثانية، والأغرب أن مثل هذه النبضات لم ترصد إطلاقا خلال أكثر من 1500 ساعة من الرصد لنجوم شبيهة. ثالثا: تطابق البنية الدقيقة، فتفاصيل النبضة الأولى تكررت بشكل شبه مطابق في النبضة الثانية، في نمط يصعب تفسيره من خلال أي آلية طبيعية معروفة. رابعا: لا يوجد أثر لأجسام متحركة، فباستخدام أجهزة تصوير واستشعار دقيقة، لم يتم رصد أي أقمار صناعية، طائرات، شهب أو حتى طيور في الخلفية يمكن أن تفسر هذه الومضات، وهذا يُسقط معظم الفرضيات الاعتيادية.

ولم يتوقف ستانتون عند الاكتشاف الجديد، بل عاد إلى تحليل بيانات أرشيفية، ووجد إشارتين ضوئيتين مماثلتين من نجم آخر شبيه بالشمس هو "إتش دي 217014″، والمعروف أيضا باسم " 51 بيغاسي"، وهذا النجم مشهور بكونه أول نجم اكتشف يدور حوله كوكب خارج المجموعة الشمسية، وذلك عام 1995.

والغريب أن هذه النبضات رصدت سابقا، لكن تم رفضها آنذاك باعتبارها ناتجة عن مرور طيور أمام التلسكوب، أما الآن، فتحليل ستانتون الحديث استبعد هذه الفرضية تماما، ما يزيد من احتمال أن ما رصد قد يكون بالفعل ظاهرة غير مفهومة حتى الآن.

إعلان فرضيات متعددة

وفي دراسته، استعرض ستانتون عددا من الفرضيات البديلة، مثل "تأثيرات الغلاف الجوي للأرض"، "انكسار الضوء بسبب أجسام داخل النظام الشمسي"، "موجات الجاذبية"، و"ظواهر طبيعية غير معروفة"، لكن أيا من هذه الفرضيات لم يتمكن من تفسير الظاهرة بالكامل.

أما الاحتمال الأكثر إثارة للجدل، فهو أن هذه النبضات قد تكون إشارات من حضارة فضائية ذكية، خاصة أن مصدر التذبذب يبدو قريبا نسبيا من الأرض، وربما داخل نظامنا الشمسي ذاته.

وبناء على ما توصل إليه، دعا ستانتون إلى توسيع نطاق البحث باستخدام شبكة من التلسكوبات المتزامنة موزعة على مسافات كبيرة، وسيساعد ذلك في تحديد اتجاه النبضات، وسرعتها، وحجمها، وبعدها بدقة.

ويؤمن ستانتون أن هذه الخطوة قد تكون نقطة تحول في تاريخ البحث عن الحياة الذكية خارج كوكب الأرض.

مقالات مشابهة

  • الكرامة تتلاشى في عدن… ووزيرة سابقة تطلق نداء استغاثة للعالم
  • في لقاء جمع العليمي والعرادة بالسفير الأمريكي.. الرئيس يدعو لاستثمار اللحظة وتوجيه هزيمة حاسمة للحوثيين وتجريدهم من الأرض والمال والسلاح
  • نبضات غامضة من نجم يشبه الشمس.. هل هي إشارة من حضارة فضائية؟
  • نهاية العام .. العراق يدشن أول محطة كهرباء بسعة 250 ميغاواط باستخدام الطاقة الشمسية
  • عادل الباز يكتب: اقتصاديًّا.. كيف نردّ على عدوان الإمارات؟ (3)
  • أمريكي يسرق مدفعا أثريا لسداد دينه
  • الجيش السوداني يعلن تطهير الخرطوم من المتمردين
  • هدمتم الجدران… فهل هدمتم الكرامة أيضاً؟
  • طريقة شحن كارت الكهرباء بالموبايل في ثوان
  • عادل الباز يكتب: كيف نرد على عدوان الإمارات؟ (2)