ليبيا – تعد الأزمة الليبية واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا على الساحة الإقليمية والدولية، حيث تشهد البلاد حالةً من الانقسام السياسي والمؤسسي منذ سنوات، فضلاً عن تشابك المصالح الاقتصادية والأمنية الداخلية والخارجية.

في ظل هذه الأجواء، يبرز دور المبعوثين الأمميين بوصفهم منسِّقين أساسيين للجهود الدولية الرامية إلى إعادة الاستقرار وتوحيد المؤسسات في ليبيا ، وبعد تعيين المبعوثة الغانيّة حنا تيته اليوم رسميًا لقيادة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بعد ان توافق عليها مجلس الأمن ، فإنّ جملةً من التحدّيات والمهام الصعبة ستواجهها على عدة مستويات.

الخلفية السياسية لحنا تيته ودورها الأممي

شغلت حنا تيته منصب وزيرة الخارجية في غانا بين عامي 2013 و2017، وتمتّعت بخبرة طويلة في العمل الدبلوماسي والسياسي على المستويين الإقليمي والدولي و ساهمت تجربتها في التعامل مع ملفات متعددة، لا سيما في إفريقيا، في صقل قدراتها في إدارة الأزمات والتفاوض.

دور أممي سابق

عملت تيته في مناصب أممية رفيعة، من بينها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى الاتحاد الإفريقي، إضافة إلى تكليفها بعدد من المهمات المتعلقة بالسلم والأمن في القارة الإفريقية. هذه الخبرات تشكل رصيدًا هامًا يجب أن يُمكِّنها من فهم ديناميات الأزمات الإفريقية وطُرق معالجتها.

التحديات السياسية والأمنية في ليبيا

الانقسام السياسي والمؤسسي

لا تزال ليبيا تعاني من انقسام سياسي بين سلطتين تنفيذيتين متنافستين في الشرق والغرب، إلى جانب مؤسسات عسكرية وأمنية متعددة الولاءات في المنطقة الغربية مقابل القوات المسلحة التابعة للقيادة العامة التي تبسط الأمن في الشرق والجنوب وتمثّل إعادة توحيد المؤسسات وعلى رأسها الجيش تحت قيادة مهنية أولوية كبرى لأي مبعوث أممي.

انتشار الجماعات المسلحة

تشكّل المجموعات المسلحة المتعددة وذات الارتباطات القبلية أو المناطقية، تحديًا أمنيًا كبيرًا ، إذ يصعّب ذلك استتباب الأمن وفرض سلطة الدولة في المناطق التي تنتشر بها تلك المجموعات كما يجعل أي اتفاق سياسي هشًّا ما لم يترافق مع ترتيبات أمنية ناجعة لنزع السلاح وإعادة دمج المقاتلين.

التدخلات الخارجية وتشابك المصالح

تتداخل عدة أطراف إقليمية ودولية في المشهد الليبي، سواء عبر دعم أطراف محلية بالسلاح أو تمويلها ماديًا وسياسيًا. هذا التشابك يضيف طبقةً أخرى من التعقيد أمام أي تسوية سياسية، إذ على المبعوثة الأممية العمل بحذر لإرساء صيغة تسمح بتوافق الليبيين أولاً، وتحدّ من التدخلات الخارجية.

الملف الاقتصادي والمعيشي

أما اقتصاديًا ، يعاني المواطن الليبي من تدهور الظروف المعيشية، وغياب جودة الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم في العديد من المناطق ، كما أن تقاسم عوائد النفط بشكل عادل يزيد من حدّة الخلافات في ظل تمسك كل السلطات الحاكمة في طرابلس بالمركزية المالية ، لذا سيكون تحقيق قدر من الاستقرار الاقتصادي ومعالجة مشكلات الحياة اليومية للمواطنين، ركيزةً لتعزيز الثقة في العملية السياسية.

 مهام المبعوثة الأممية المنتظرة

يتطلع الليبيون والمجتمع الدولي إلى إجراء انتخابات وطنية، لكنّ نجاح هذه الانتخابات يتطلب اتفاقًا واضحًا على القوانين الانتخابية والقاعدة الدستورية المؤقتة أو الدائمة، إضافة إلى ضمان بيئة آمنة للمرشحين والناخبين وسيكون على المبعوثة الأممية أن تتبوأ دورًا بارزًا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف، ودعم لجان الحوار السياسي للوصول إلى توافق حول الأسس القانونية والدستورية للانتخابات وتوحيد الحكومة.

تعزيز الحوار الوطني والمصالحة

من أكبر التحديات في ليبيا ضعف الثقة بين مختلف الأطراف والمكونات لذى تحتاج البلاد إلى عملية مصالحة وطنية شاملة تضمن حقوق جميع الأطراف ويمكن لحنا تيته إذا تلمست الطريق الصحيح ، أن تستفيد من خبرتها في العمل الأفريقي المشترك لتعزيز مصالحة مستندة إلى العدالة الانتقالية وجبر الضرر، بما يمهد لتعايش سلمي بين مختلف الأطراف والمناطق.

التنسيق مع القوى الإقليمية والدولية

على المبعوثة الأممية العمل على تخفيف حدة الاستقطاب الدولي من خلال جمع الأطراف الإقليمية الداعمة لمختلف الفصائل الليبية على طاولة حوار. فالاتفاق على ضمانات مشتركة أو “تفاهمات” دولية من شأنه أن ينعكس إيجابًا على استقرار الأوضاع في ليبيا ويقلّل من تدفق السلاح والمرتزقة.

إصلاح وتوحيد المؤسسات الأمنية

يعتبر توحيد الجيش الليبي وجهاز الشرطة، وتطوير قدرات الأجهزة الأمنية، أحد المفاتيح الأساسية لاستتباب الأمن لذى سيكون على البعثة الأممية أن تلعب دورًا في طرح آليات لجمع السلاح على غرار كوسوفو ورواندا وضمان دمج العناصر غير النظامية في مؤسسات الدولة أو إعادة تأهيلهم مدنيًا، والعمل على تشكيل قيادة موحَّدة يمكنها تأمين البلاد ومحاربة الإرهاب.

آفاق النجاح ومعوقات الطريق

سيعتمد نجاح أي مبعوث أممي بشكل كبير على مدى استعداد الأطراف الليبية الرئيسة للانخراط في عملية سياسية حقيقة، وتقديم تنازلات متبادلة مدعومة بدعم شعبي حقيقي لانهاء هذه الازمة التي طال أمدها ، فإذا استمر التعنت وتقديم المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية، ستتعرقل جهود المصالحة والانتخابات.

الدعم الدولي المنسَّق

تحتاج المبعوثة الأممية إلى دعم قوي ومُوحَّد من مجلس الأمن، بما يضمن لها صلاحيات واضحة، ويحمي أي اتفاق يتم التوصل إليه من محاولات العرقلة. كما أنّ وجود توافق بين الدول الفاعلة في الشأن الليبي (إقليميًا ودوليًا) سيعزّز حظوظ النجاح.

المرونة وسرعة الاستجابة

المشهد الليبي سريع التغيّر، حيث تتبدّل التحالفات وتظهر قوى جديدة على الأرض. يتطلب ذلك مرونة عالية في التعاطي ومهارة في إدارة النزاعات، إضافة إلى اعتماد سياسات تفاعلية تُلبّي الاحتياجات الملحّة للسكان، بهدف بناء ثقة حقيقية في أي عملية برعاية أممية.

هل تنجح ؟ 

وبتولي حنا تيته رسميًا ملف البعثة الأممية إلى ليبياستجد نفسها أمام مهمة شاقة تتطلب توازنًا دقيقًا بين تطلعات الشارع الليبي وضرورة إنهاء الانقسام، وبين المصالح الإقليمية والدولية المتداخلة.

تمتلك تيته رصيدًا من الخبرة الدبلوماسية والاطلاع الواسع على أزمات إفريقيا، ما قد يمكّنها من ابتكار مقاربات جديدة تدفع نحو حل سياسي شامل. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه المهمة مرهونًا أساسًا بمدى تفهمها للملف وأهمه الجانب إذ أن الازمة أمنية بالدرجة الأولى قبل أن تكون سياسية  وكذلك تعاون الأطراف الليبية واستعدادها لتقديم المصلحة الوطنية، إضافةً إلى التزام المجتمع الدولي بدعم ليبيا في هذا المنعطف الحاسم.

فهل تنجح تيته فيما فشل فيه سلفها أم سيكون مصيرها نفس مصيرهم ؟

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: المبعوثة الأممیة فی لیبیا

إقرأ أيضاً:

الاتفاق على رئيس البرلمان ينتظر المصادقة على نتائج الانتخابات

11 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: أوضح تحالف “العزم”، أن المفاوضات ما تزال أولية والاتفاق على رئيس البرلمان ينتظر المصادقة على نتائج الانتخابات.

وقال عضو تحالف “العزم”، صلاح الدليمي، في تصريح للصحيفة الرسمية، إن “التحالف يدعم كل خطوة تصبُّ في مصلحة المكون السني وتسهم في تعزيز مسار الوفاق الوطني مع بقية المكونات”.

وأوضح، أن “مشاركة التحالف في (المجلس السياسي الوطني) جاءت انسجاماً مع هذا المبدأ، ولتحقيق وحدة المسار السياسي باعتباره ممثلاً لمناطق العرب السنة وحامياً لحقوقهم السياسية”.

وأضاف الدليمي، أن “المشاركة لم تكن عشوائية، بل استندت إلى محددات واضحة تقوم على اعتماد سياسة عقلانية تجمع ولا تفرق، وتتجاوز الخلافات الشخصية بين بعض قادة الأحزاب سواء داخل المجلس أو خارجه، وهو ما منح وفد التحالف مساحة إيجابية في سياق المفاوضات الجارية”.

وأشار، إلى أن “الجهود تتركز حالياً على التوافق بشأن منصب رئيس البرلمان، باعتباره أعلى سلطة سياسية تمثل العرب السنة”، مؤكداً أن “هذا المنصب يعدُّ استحقاقاً للمكون السني ولا يمكن أن يكون حكراً على حزب دون آخر”.

وشدد على ضرورة أن “تتوفر في المرشح صفات القيادي من الصف الأول، وأن يحظى بقبول واسع داخل المكون وخارجه، نظراً لحساسية المرحلة المقبلة وما تتطلبه من تفعيل لدور البرلمان وامتلاك قرار قوي”.
وأكد، أن “تحالف عزم يمتلك القدرة على تقديم شخصيات مؤهلة لتسلّم رئاسة البرلمان إذا طُلب منه ذلك، لما يمتلكه من قيادات قادرة على إدارة الملفات بما يخدم الصالح العام وبنهج سياسي متزن بعيداً عن الخطابات المتشنجة، وبما يضمن قبولاً واسعاً داخل المكون السني وكذلك لدى المكونين الشيعي والكردي”.

وأكد، أن “الأمور ما تزال في إطار التفاوض، ولم يصدر حتى اللحظة أي اتفاق نهائي بشأن منصب رئيس البرلمان، إذ ينتظر الجميع المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات حتى يمكن الشروع في مفاوضات جدّية تُسمّي الأمور بمسمياتها”.

وأشار، إلى أن “ما يجري حالياً هو تفاهمات عامة وتشكيل إطار أولي للمرحلة التفاوضية الحقيقية التي ستبدأ فور تثبيت النتائج رسمياً”.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • صدام عالمي ينتظر بطل إفريقيا.. مباراة بيراميدز وفلامنجو في كأس الإنتركونتيننتال 2025
  • طريق بهادة| جرح مفتوح في قلب القناطر الخيرية ينتظر الإنقاذ.. فيديو
  • المباراة الوداعية و4 نجوم يدعمونه..ماذا ينتظر محمد صلاح في قلعة آنفيلد
  • حمدان بن محمد: على خطى محمد بن راشد تعلمنا أن المستقبل لا ينتظر بل يُصنع اليوم
  • ماذا ينتظر الأقصى خلال عيد الأنوار اليهودي الوشيك؟
  • الأهلي يضع شرطا لرحيل أفشة إلى بنغازي الليبي
  • العاصفة بايرون تصل بلاد الشام.. ماذا ينتظر لبنان؟
  • البعثة الأممية والسفارة الأمريكية تبحثان تقدم خارطة الطريق السياسية في ليبيا
  • الاتفاق على رئيس البرلمان ينتظر المصادقة على نتائج الانتخابات
  • جابر: ينتظر وصول 18 ألف وافد الى لبنان بدءا من منتصف الشهر الحالي