لجريدة عمان:
2025-05-20@02:26:29 GMT

عندما تموت جارة .. تموت أمّ!

تاريخ النشر: 26th, January 2025 GMT

عندما تلقيتُ نبأ وفاة جارتنا، شعرتُ وكأنّ يدًا خفـية امتدّت فانتزعت قطعة من لوحة الطفولة، اللوحة التي يشعُّ وهجها من مكان غامض، اللوحة التي بدأت معالمها بالتشرذم بمرور عجلة الزمن فوقها، فامّحاء الجارات -بطريقة أو بأخرى- يُفتت وجه القرية ويقوّضُ بصمتها فـي أرواحنا.

كُنّا نفتحُ أعيننا على وقع أقدامهن فـي مطابخنا، وبينما نعركُ أعيننا نعي أنّ أمنا ذهبت إلى المستشفى، فلا يبدو وجود جاراتنا طارئًا أو مُختالًا، فهن يعتنين بحيواناتنا ويُعن منها المواليد الصغيرة، يُمشطن شعورنا، يُكحلننا دون تعجب منا أو شعور بالتطفل من قبلهن.

نسمعُ رنين الأساور فـي أيديهن، وهن يدخلن ويخرجن، مُحملات بالفواكه والتمر والقهوة، وفـي أيام أُخر يحدثُ أن تترك إحداهن فـي ثلاجة البيت كيس لحم أو دجاجة مذبوحة دون أن تُحدث ضجيجًا، وإذا مررنا بالقرب من مزارعهن يتركن فاكهة أو عقد ياسمين فـي أيدينا أو على أعناقنا.

قد تبدو الجملة التي صدرتُ بها المقال كعنوان، مبالغًا فـيها، «عندما تموت جارة تموت أمّ»، وقد لا يفهم أبناء اليوم مغزاها، وهم يعيشون فـي جزر فرديتهم التي تكبحُ روح الجماعة التي لطالما تغذينا من أوردتها.

ومن المؤكد أيضا أنّ تلك الحياة لم تكن مثالية على نحو ما، إذ لطالما حلمنا بترك قُرانا، لطالما حلمنا بأن نجوب العالم، لننتزع أنفسنا منها ومن الجارات، لكن النوستالجيا المُعقدة فـي أرواحنا، تجعل تلك الأيام أجمل عهودنا بهذه الحياة!

ولذا فعندما تموتُ الجارة تفقد أمّهاتنا أختًا لهن، ففـي وقت كانت المسافات -لا تُقصرها وسائل التواصل الحديثة كما هو الحال اليوم- اكتسب وجود الجارات معنى آخر غير الذي نعرفه الآن.. فلو كنت تعيش وسط «جارات» كما هو حالنا فـي ثمانينيات القرن الماضي أو قبل ذلك، فأنت ستشعر دوما بأنّك مُحاط بالأمهات، أمهات يفرحن بك ويغضبن منك، يُوبخنك ويُحببنك ويشاركن فـي تربيتك. بينما يندر أن نجد ذلك بين أوساط الأجيال الجديدة التي تُعيد تشييد قُراها على نحو «مُخترق» وغير مألوف، استجابة لتداعيات أو دعايات العصرنة المُتسارعة.

فـي نقطة البدء، كبرنا على أيدي الجارات، كن يمررن أيديهن الشابة ثمّ ما لبثت أن صارت - تلك الأيدي- مُجعدة، ويبدو لي على نحو فلسفـي، بأنّ شيخوخة الجارات هي شيخوخة الأمكنة والأزمنة، فنحنُ لا نفقدُ الجارة، بل نفقدُ نمط عيش كامل، نمطًا لطالما أردتُ توثيقه.. لا أعني عبر التصوير، وإنّما عبر امتلاك القدرة على حفظ حرارة الإيماءات والضحكات، الأصوات، الكلمات، الثياب والزركشات، اللواسي التي تُخفـي أكثر مما تُبدي، زينتهن، الطعام الذي يخص كل واحدة منهن، الرائحة التي تنبعثُ من أجسادهن.. كل تلك الأشياء التي تضج بمعانيها.

الفكرة الأكثر وجعًا هي ذلك الإحساس باليُتْم. موت الجارات يُتمٌ من نوع لن يفهمه إلا من جرّب العيش بصحبة جوهرهن النادر.

لطالما شعرتُ أنّي شُجيرة صغيرة فـي قريتي وأنّ جاراتنا أشجار كبيرة يُظللنا، ولم أكن أظن -فـي رحلة النمو تلك- أن كل شجرة تسقط فـي غابة قريتنا، هي سبب لانكشافنا السخي على الضوء والنور والهواء. فبعد أن قدمن لنا الحماية الكافـية، بعد أن تجذرنا وتطاولنا، هاهنّ يغادرن، ليتركن فـي قلوبنا حنينًا أبديًا لأمهات ليس مثلهن أمهات.

من المؤكد أنّ فوتوغرافـيا الألبومات، لن تُعيد ضحكاتهن الممتدة فـي مزارعنا، لن تُعيد البطء الذي تحلين به فـي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهن ينصتن لقصص بعضهن البعض، وهن ينظرن فـي الأعين فلا يغفلن التفاصيل. فمن فناجين قهوتهن تنمو المؤازرة النادرة، الأيدي التي تتماسك بصلابة فـي آخر اللقاء. الدموع الصافـية. لا أحد يمكنه أن يُعيد تلك الحياة بحلوها ومرها.. لا أحد يمكنه أن يوقف جريان التحول فـي جدول قُرانا الجارف.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

الدعاية النازية في تونس.. عندما تنافست الإمبراطوريات على كسب قلوب المسلمين

الكتاب: تونس في محك الدعاية النازية الألمانية (1945-1939)
الكاتب : مراد المولاهي
الناشر: مخبر تراث، كلية الآداب والفنون والإنسانيات، جامعة منوبة، الطبعة الأولى، تونس  2024.
عدد الصفحات: 533 صفحة


في قلب المعركة العالمية التي هزت القرن العشرين، لم تكن تونس مجرّد مستعمرة نائية غارقة في هامش الجغرافيا السياسية، بل تحوّلت إلى ساحة صراع خفيّ بين جبهات متنازعة تسعى للظفر بولاء شعوب المستعمرات الإسلامية. في هذا السياق المعقد، تأتي دراسة مراد المولاهي في كتابه "تونس في محك الدعاية النازية الألمانية (1939–1945)" لتفتح نافذة على مرحلة قلّما نُقّبت في أعماقها: كيف خاطبت الدعاية النازية الوجدان الإسلامي والعربي في تونس؟ وكيف حاولت برلين، بالتنسيق مع رموز قومية ودينية، أن تصوّر نفسها نصيرًا للقضايا العادلة في وجه الاستعمار الغربي؟ وما الذي جناه التونسيون من هذا التقاطع بين الحروب الدعائية والمصالح الاستعمارية؟

بعين المؤرخ، يعيد الكاتب رسم صورة تونس تحت مجهر الأجهزة الدعائية الألمانية، ويكشف أوجه الصراع بين بورقيبة وخصومه، بين النضال الوطني وضرورات البراغماتية السياسية، وبين وعود المحور وإغراءات الحلفاء. ورغم قيمة الوثائق التي يقدّمها، تبقى التساؤلات حول عمق التحليل وتفكيك البُنى الفكرية للدعاية النازية في حاجة إلى وقفة تأمل.

ـ 1 ـ

نشأت الأجيال الأولى لدولة الاستقلال في تونس على فكرة عبقرية الحبيب بورقيبة ورؤيته الاستشرافية التي يكرسها الإعلام الرسمي. ومما كان يؤثر من مواقفه تحذيره لرفاقه من تبعات الانجرار ، أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى صف دول المحور على حساب دول التحالف. وكان هذا الموقف يقدّم على أنه جريان ضد المنطق العام للأحداث وبه يُفسّر "النبوغ السياسي للمجاهد الأكبر". فالأصل أن تتحالف الحركة الوطنية التي تواجه فرنسا مغتصبة الوطن مع ألمانيا في ظل معاداتها لليهود وفي ظل الدعاية الصهيونية التي تعمل على اغتصاب أرض فلسطين.

كان الوعد بنصرة الإسلام والمسلمين وحمايتهم من الأخطار، الشعار الذي تنافست فيه دول المحور ودول الحلفاء ووظفت في سبيله الآلة الدعائية.ولكن حالما نتخلص من غسل الأدمغة التي تمارسها علينا أجهزة الدولة ومن وقع "التاريخ" الذي يكتبه المنتصرون نكتشف أنّ المسألة ليست بهذه البساطة. وندرك ارتباطاتها المعقّدة بالقضايا الدّاخلية والوضع الإقليمي والدولي. فقد كان الوعد بنصرة الإسلام والمسلمين وحمايتهم من الأخطار، الشعار الذي تنافست فيه دول المحور ودول الحلفاء ووظفت في سبيله الآلة الدعائية.

ـ 2 ـ

مثلت إعادة النظر في علاقة ألمانيا بتونس إبان الحماية الفرنسية، موضوع أطروحة دكتوراه في التاريخ الحديث. فقد درس الباحث مراد المولاهي  ضمن أثره "تونس في محك الدعاية النازية الألمانية (1945-1939)" الدوافع التي كانت تحرك القطبين وحاول أن يبيّن مدى تمكن الدعاية الألمانية من التوفيق بين دوافعها الإستراتيجية المرتبطة بالمرجعية الاستشراقية وسياسة الحرب المقدسة أثناء الحرب العالمية الأولى والمجال الحيوي في الثانية من جهة وبين متطلبات أطماع الحليف الإيطالي الذي يرى أحقيته في بسط حمايته على البلاد التونسية وإصرار الخصم الفرنسي على التمسك بحضوره الاستعماري في الإيالة من جهة ثانية وأن يدرس وقع أثرها في الرأي العام التونسي خلال الحرب العالمية الثانية وتحديدا قبل الهزيمة الفرنسية وما تلاها أثناء الاحتلال الألماني الإيطالي.

ـ 3 ـ

ظهر مفهوم الدعاية في شكلها التقني والإيديولوجي الحديث في القرن العشرين خلال الحربين عن أصل لاتيني بحيث يعني الفعل Propagare تكثير النبات بزرع الأقلام. ثم اكتسب معناه الاصطلاحي الجديد عبر انزياح مجازي. فأفاد نشر المعلومات وبث الأخبار زائفة أو حقيقية، خدمة لمقاصد ومصالح بعينها. ثم مثّل أحد أهم وسائل الحرب النفسية في الحرب العالمية الأولى. فقد استخدمت الدّعاية استخداما مدروسا لأعراض إستراتيجية. وارتبطت بالخداع والمكر والتلاعب بالعقول والمواقف الذي يستهدف الأعداء بقدر ما تستهدف الأصدقاء. وشاعت قناعة بين العسكريين ترى أن الحرب تكسب بالهجوم على العقول قبل الهجوم على قوافل الجنود.

يفسر سيغموند فرويد فاعلية الدّعاية، في شكلها العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، بوجود انفصام بين أفكار المرء الواعية، والمشاعر والرغبات التي لا تتلاءم مع صورته الذاتية فيتم قمعها وكبتها. ومن ثمة كانت تستهدف التلاعب بعقول جمهورها عبر عمليات نفسية ممنهجة. فتخترق الوعي العقلاني للفرد، وتخاطب عواطفه ورغباته المخفية والمكبوتة وتعمل على دفعه لتبني المعتقدات والسلوكيات كانت قد ضبطتها مسبقا.

ـ 4 ـ

عولت الدعاية الألمانية الموجهة إلى المسلمين في الحرب العالمية الثانية على الإرث الاستشراقي والقومي الذي اعتمده الألمان أثناء الحرب العالمية الأولى، لمّا وظفوا فكرة الجهاد المقدس وطوّعوا الجامعة الإسلامية لهذا الغرض، وأشركوا أخصائييهم في بلورة نداء الحرب المقدسة والحث على الجهاد. ويقدّم الباحثُ مراد مولاهي المستشرقَ ماكس فون أوبنهايم مثالا على ذلك.. فقد ضبط هذا المسؤول السّامي في قسم الشؤون الشرقية بوزارة الخارجية الألمانية ومهندس السياسة الإسلامية التي توختها ألمانيا طوال الحرب الأولى، خطّة لتحريض المسلمين للثورة في البلدان العربية الخاضعة لأعدائهم ولإعلان الجهاد المقدس تحت راية خليفة الإسلام. وكان ذلك يتم وفق مذكرة قدمها للإمبراطور غليوم الثاني في أكتوبر 1914، برعاية الشيخين صالح الشريف وإسماعيل الصفايحي.

ويرد الباحث نشاط الوطني والنقابي محمد علي الحامي في تونس (1924 ـ 1925) ومطالبة الدستوري الشاذلي خير الله في أشغال مؤتمر رابطة مناهضة الاستعمار والامبريالية المنعقد في بروكسيل (1927) باستقلال بلدان شمال إفريقيا الثلاث وتأسيس جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا من طرف الطالب سالم الشاذلي (1927 ـ 1929) إلى تأثير هذه الدعاية وإلى جهود الأمير شكيب أرسلان باعتباره واجهتها على نحو مّا.

عولت الدعاية الألمانية الموجهة إلى المسلمين في الحرب العالمية الثانية على الإرث الاستشراقي والقومي الذي اعتمده الألمان أثناء الحرب العالمية الأولى، لمّا وظفوا فكرة الجهاد المقدس وطوّعوا الجامعة الإسلامية لهذا الغرض، وأشركوا أخصائييهم في بلورة نداء الحرب المقدسة والحث على الجهاد. ثم أعاد ماكس فون أوبنهايم إحياء أفكاره القديمة حين قدم بتاريخ 25 جويلية 1940 مذكرة إلى وزير الشؤون الخارجية الألماني في سبعة صفحات تحث على تثوير الأقاليم الإسلامية التابعة لبلدان التحالف كان قد تبادل الرأي فيها مع شكيب أرسلان.. واقترح ضمنها إغلاق قناة السويس، وإغلاق صنبور النفط في وجه القوات البحرية البريطانية، وتعطيل خطوط النقل في ميناء حيفا، وحث المسلمين الهنود على التمرّد.

ـ 5 ـ

ثم يعرض الباحث وقع هذه الدعاية الألمانية المنتصرة للسيادة العربية والإسلامية والمناهضة للاستعمار والدعوة إلى معاداة اليهود وأثرها في الرأي العام التونسي الممزق بين التعاطف مع دول المحور في ظل دعاية الطرف الألماني الذي يعرض مساندته لمطالب الحركة الوطنية التونسية وعمل على دفع المجندين التونسيين على التمرّد وحضهم على العصيان والهروب عارضة في نفس الوقت، مراوحا بين الخلفية الإيديولوجية الإسلامية التي يمثلها مفتي فلسطين أمين الحسيني والخلفية الإيديولوجية القومية العربية التي يمثلها الأمير شكيب أرسلان، أو التعاطي مع واقع الحال الذي يهيمن عليه الحلفاء والخضوع للدعاية المضادة من قبل الحلفاء أو تأثرا بمجريات المعركة وتحوّلاتها.

ويقدّر مراد المولاهي أن الإستراتيجية الألمانية التوسعية لم تكن تجعل من العالم الإسلامي هدفا رئيسا. فمخطط هتلر يرى المجال الحيوي للعظمة النازية في الشرق الأوروبي خاصّة إلى حدود سنة 1941. ولكنها سعت منذ إنشاء محور روما – برلين، إلى تعديل تصوراتها للتوفيق بين مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية وإلى مراعاة المطالب الإيطالية التي ترغب في السيطرة على الحوض الغربي من البحر المتوسط.

ـ 6 ـ

ضمن أفق هذا التحالف ستتكثّف دعاية المحور خاصة سنتي 1939 و 1940 عبر راديو باري وراديو طرابلس وراديو برلين وراديو شتوتغارت. وستجعل من شمال إفريقيا جمهورها المستهدف. فكانت ألمانيا تقدّم نفسها باعتبارها الصديق الذي يساند الحركات الوطنية في المغرب الكبير في معركته ضد الحلفاء وتحاول استقطاب القيادات السياسية التونسية لجمعية الشبان المسلمين، وصحيفتي تونس الفتاة و L'Action Nord - Africaine ولجنة المقاومة السرية للحزب الحر الدستوري الجديد. وكان لهذه الدعاية التي يؤمنها كلّ من يونس البحري وتقي الدين الهلالي وعبد الرحمن ياسين وقع إيجابي يتناغم مع صورة الصديق في مخيال الرأي العام التونسي. ومن بين وعودها أنها لن تترك تونس للإيطاليين، الذين يمثلون مصدر احتراز بسبب نواياهم المعلنة تجاه البلاد. ولكن هذه الدّعاية أنتجت ردة فعل المضادة من سلطة الحماية عن طريق راديو تونس (Radio Trans) عمل على تجسيمها المذيع عبد العزيز العروي، وإن تحقّق ذلك بشيء من التأخير.

ـ 7 ـ

بالإضافة إلى الدعاية السمعية، شكلت المجلة العلوم السياسية Zemechrift for Polink الصادرة عن المعهد العالي للعلوم السياسية برلين منصة للنقاش حول الإسلام ومناهضته للاستعمار. واستدعت مقالاتها مفهوم الجهاد لمحاولة تأجيج المقاومة الإسلامية في الإمبراطورية الفرنسية. وكانت تعمل على إعادة تأويل مضامين الإسلام من زاوية تخدم أهدافها السياسية والعسكرية. ويجد الباحث في مختلف التصورات ترسيخا لـ"ـصورة العدو المشترك الألماني - العربي الإسلامي في الإمبراطورية البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية والبلشفية السوفيتية والدين اليهودي" وتثمينا "للقيم المشتركة بين الإسلام والنازية" وهي النظام والزعامة الشخصية والقوة.

ـ 8 ـ

من المنشورات المحفوظة بالأرشيف السياسي لوزارة الشؤون الخارجية الألمانية بمدينة فريبورغ يورد الباحث هذا الخطاب الوجداني والذي يستدعي حقائق عامة بأسلوب مبسط ولهجة عامية والموجّه إلى الأهالي:

"يا مسلمين، المسلم بالصح عمرو ما يضرب على أعداء الإسلام اللي فكو الجوامع للمسلمين وردوهم كنايس اللي اليوم يجيبوا المسلمين باش يموتو والنصارى بيقاو...

يا توانسة ويا مغاربة ودزيرية ما تنساوش باللي الأمير خالد والأمير عبد الكريم وجماعة الحزب الدستوري التونسي فرانسا نفاتهم وعذبتهم على خاطر حبوا يدافعوا على الإسلام وعلى خاوتهم المسلمين.

قالوا الصحابة اللي يدافع على دين غير دينو يوم القيامة ربي يحشره فيه وكي الفرنسيس يقولو لكم باللي الألمان يقتلوكم لو كان تروحو عندهم، راهم يحبوا يخوفوكم ..

ما تسمعوش كلام اللي يقولو لكم باللي الألمان يقتلوكم - ألمانيا عمرها ما خزات بلاد الإسلام ولا واسات حتى حاجة للإسلام، أجيوا عندنا ها هم خاوتهم هنا ما يخصهم من الله خير".

ـ 9 ـ

أمكن لهذه الدعاية أن تستميل بعض قيادات الحركة الوطنية التونسية بالفعل. فنجح كل من الأمير شكيب أرسلان والشيخ أمين الحسيني مفتي القدس، في نسج علاقات وطيدة مع زعامات الحزب الدستوري الجديد الشابة شأن الدكتور الحبيب ثامر والرشيد إدريس وفي دفعهما إلى إعادة نشاط الحزب الحر الدستوري الجديد المنحل منذ 13 أفريل 1938. ولكنها لم تنجح في حسم موقف عامة التونسيين. فقد ظلّ الرأي العام منقسما إلى توجهين کبیرین: أولَ معارضٍ لفرنسا التي تستعمر البلاد لأكثر من 60 سنة وثان لا يرى فائدة من استبدال استعمار بآخر. فلم يجمع بين الاتجاهين غير الموقف من الفاشية الإيطالية وسياستها التوسعية. وإلى هذا الهاجس بالذّات يردّ الباحث ولاء كثير من التونسيين لفرنسا.

نجحت فرنسا في استمالة أهم قياديين فاعلين على المستوى السياسي، رغم ما كان بينهما من الصدام، هما الزعيم الحبيب بورقيبة والشيخ عبد العزيز الثعالبي. فقد عبرا صراحة عن وقوف حزبيهما مع الحلفاء.بالمقابل نجحت فرنسا في استمالة أهم قياديين فاعلين على المستوى السياسي، رغم ما كان بينهما من الصدام، هما الزعيم الحبيب بورقيبة والشيخ عبد العزيز الثعالبي. فقد عبرا صراحة عن وقوف حزبيهما مع الحلفاء. ويبرر الباحث هذا الميل ببراغماتية الزعيمين. فيرده إلى ما تضمنه الميثاق الأطلنطي الصادر في 14 أوت 1941 من عزم على إحياء المبادئ التحررية التي أعلنها الرئيس الأمريكي ويلسن نهاية الحرب العالمية الأولى. فقد أعاد الرئيس روزفلت تبنيها وأوقد الأمل في نفوس الكثير من الزعماء.

خلف هذا الموقف انقساما في الحزب الحر الدستوري القديم بين الزعيمين عبد العزيز الثعالبي والشاذلي الخلادي وآخر في الحزب الحر الدستوري الجديد (المنشق أصلا الحزب الحر الدستوري القديم) وقاد الحبيب ثامر  التمرد على موقف الحبيب بورقيبة. ولكنه قرب بالمقابل بين خصمي الأمس. فقد أدى الزعيم الحبيب بورقيبة بعد رجوعه من روما طليقا إلى تونس زيارة مجاملة إلى الشيخ عبد العزيز الثعالبي كان عنوانها لاطمئنان على صحته.

ـ 10 ـ

تضمّن الكتاب العديد من الوثائق التي وردت في شكل ملاحق تشرح أهداف السياسة الخارجية الألمانية وتكشف علاقتها بتونس وشمال إفريقيا عامة. فمنها شهادات لجنرالات من المعسكرين أو لمناضلين تونسيين عايشوا الفترة وصورا لقاصات جرائد مؤرشفة أو نماذج لمنشورات دعائية. وهذا كلّه مهم في عمل المؤرّخ. ولكن ما يثير الاحتراز حول هذا العمل الأكاديمي الذي قدّم في كلية الآداب والفنون والإنسانيات العريقة ونشر برعاية أحد مختبراتها البحثية ويحدّ من إضافته، نزعته الجلية إلى سرد الوقائع وعدم ذهابه بعيدا في تحليل ما يكمن وراءها من الخلفيات العميقة أو في كشف ما يصلها بالظروف التاريخية المختلفة عصرئذ ليجعلنا نفهمها على نحو أفضل.

مقالات مشابهة

  • هذه مقالة رأي لن تغير رأيك
  • الدعاية النازية في تونس.. عندما تنافست الإمبراطوريات على كسب قلوب المسلمين
  • شاهد.. حكم ملاكمة يتعرض لضرب مبرح في الحلبة
  • إصابة شخصين في مشاجرة بأسوان
  • مقتل 10 أشخاص في هجوم انتحاري في العاصمة الصومالية مقديشيو
  • مجلس الوزراء الأردني يوافق على الإطار العام لإنشاء مجلس للتنسيق الأعلى مع سوريا
  •  عندما يهز صاروخ أسس الكيان…
  • عندما تغفل عين الرقيب
  • جيمس: مصير تشيلسي بين يديه!
  • لبنان يشارك في إعمار سوريا؟