بعلامة النصر، وأعلام فلسطين، أُطلقت الزغاريد فى مشهد مهيب وكأنه يوم الزحف. قرب حاجز «نتساريم» فى قطاع غزة، بدأت رحلة عودة النازحين إلى ديارهم أو أطلالها، فى شمال قطاع غزة بعد 15 شهراً من الحرب، ووجَّه العائدون الشكر لمصر على جهودها المضنية فى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

«نجية»: شاهدون على دعم مصر

وبعد 48 ساعة من الانتظار عادت عائلة أبودرويش لبيتها فى قطاع غزة، مؤكدة معاناتها طوال 15 شهراً من الحرب على غزة، وأنها فقدت 12 من أفرادها، حسب نجية أبودرويش التى قالت: «شُفنا ويلات الحرب والإهانات والتهجير، انتقلنا من مكان إلى آخر وراحت أهالينا، تعبنا واتبهدلنا وشُفنا اللى ما حد شافه، لكن الحمد لله رجعنا إلى ديارنا فى غزة حتى لو كانت ركاماً، ونشكر مصر على جهودها».

وعلى أنغام أغنية «شدوا بعضكم يا أهل فلسطينى شدوا بعضكم.. إيدينا وحدة يا ستى والله إيدينا وحدة»، عادت «نجية» وما تبقى من أسرتها، ورغم أنها قطعت مسافات طويلة على الكرسى المتحرك، فإنها ظهرت والفرحة تكسو وجهها رغم الألم الساكن بداخلها بعد فقدان أفراد من أسرتها، بحسب حديثها لـ«الوطن»: «فرحانين بعودتنا، كنا حالفين لنرجع لأرضنا وبيوتنا حتى لو كانت عبارة عن ركام، شُفنا كل أنواع المعاناة، لكن فى النهاية نحمد الله على عودتنا إلى ديارنا فى غزة».

«نجية»، البالغة من العمر 67 عاماً، وجّهت الشكر لمصر والمصريين على دعمهم لصمود الشعب الفلسطينى، وقالت: «مرضنا واللى شُفناه ما حد شافه، لكن طوال الوقت كنا بنقول مصر هى الخلاص، دايماً على مدار الحروب اللى فاتت كانت الداعم القوى اللى بنستمد قوتنا من وجوده، هيك نؤمن بأرضنا وبمحبة الشعب المصرى لينا، لما سمعنا إن مصر توسطت لوقف الحرب قلنا وعهد الله راح نرجع قريباً، والحمد لله لولاها ما كنا عشنا هيك اللحظات الحلوة».

«الدهشان»: راح نبنى ونعمر بيوتنا من جديد

وسيراً على الأقدام وبعد انتظار 48 ساعة، شدت عائلة «الدهشان» رحالها إلى ديارها، حسب عطية الدهشان البالغ من العمر 33 عاماً، وقال: «ما حد راح يحس باللى فينا، عندنا فرحة ممزوجة بالحزن والألم، لكن هيك الفرحة اليوم كبيرة لأنها بعد حرب شرسة استمرت 15 شهراً، وكأنها 50 ألف سنة، لكن الحمد لله على عودتنا».

أسرة الدهشان فقدت 22 شخصاً منها، عاد 7 أفراد إلى قطاع غزة، وقال: «عدنا بعد انتظار 15 شهراً من الحرب وتدمير أراضينا، لكن الحمد لله على عودتنا، ورغم أن فرحتنا منقوصة، لكن نحمد الله على العودة، راح نبنى ونعمر بيوتنا من جديد، وشكراً لمصر وأهلها ودعمها، سواء لأفراد عائلاتنا الموجودين فى مصر، أو دعمنا هون خلال الأيام الصعبة».

«فتحى»: ما راح ننسى جميل المصريين

المصور الفلسطينى، مجدى فتحى، وثّق مشاهد عودة الفلسطينيين إلى ديارهم: «اليوم يوم عيد، ما راح عمرى بشوف هذا الزحف من الناس الراغبين فى عودتهم إلى ركام منازلهم، مشاهد يشيب لها الرأس، انتظر الآلاف من الناس على محور نتساريم لساعات طويلة دون أكل ولا ماء، منتظرين لحظات انسحاب قوات الاحتلال وعودتهم إلى ديارهم حتى لو كانت ركاماً، وثقنا هاد المشاهد بعدساتنا، كما وثقنا اللحظات الصعبة واللى دفع تمنها زملاءنا».

«فتحى» كغيره من الصحفيين الصامدين، وقف صامداً وسط الحرب، موثقاً لكافة جرائم الاحتلال، وتجولت عدسته يميناً ويساراً، شرقاً وغرباً، ليوثق معاناة الشعب الفلسطينى، ومعها لحظات الفرحة، ودعم مصر، وأضاف: «كنا شاهدين على دعم مصر لصمود أهالينا، موقفها الثابت المحترم سيظل عالقاً فى أذهاننا ما حيينا، شكراً لمصر قيادة وشعباً».

لم يكن المصور الفلسطينى وحده هو من وثّق لحظات عبور الفلسطينيين للعودة إلى ديارهم، بل كان مهند الخطيب ضمن الزملاء الصامدين على المحور المنتظرين لتوثيق تلك اللحظات المفرحة، وقال: «رصدنا فرحة الفلسطينيين بعودتهم إلى ديارهم فى شمال غزة، الناس كانت بتبكى من الفرحة، ما توقعوا العودة بعد 15 شهراً من الحرب، لكن الحمد لله عشنا هذه اللحظات مع أهالينا، ورصدنا فرحتهم وشكرهم لدور مصر المهم فى دعمهم طوال هذه الفترة، لن ننسى أبداً ما فعلته مصر قيادة وشعباً تجاه القضية الفلسطينية والأهالى».

«الجيوسى»: شكرا لموقف مصر فى رفض تهجيرنا

أما محمد الجيوسى، أحد العائدين إلى غزة بعد انتظار ساعات طويلة، حيث قطع مسافات طويلة فى طريق العودة إلى شمال غزة، فقد أضاف: «والله فرحتنا كبيرة بالعودة إلى ديارنا، ورغم إننا شُفنا ويلات الحرب وعشناها لحظة بلحظة، لكن يظل الحنين للوطن والعودة إلى ركام المنازل أفضل شىء ممكن نتحصل عليه، حتى لو فقدنا ذوينا، والحمد لله، وشكراً لموقف مصر فى رفض تهجيرنا، بنقول للاحتلال ما راح نترك أرضنا ولا ديارنا، حتى لو دمرتوها مليون مرة، راح نبنى ونعّمر وما راح ننسى جميل مصر».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: القضية الفلسطينية غزة تصفية القضية الفلسطينية وزارة الخارجية لکن الحمد لله إلى دیارهم قطاع غزة من الحرب لله على ما راح حتى لو

إقرأ أيضاً:

رحيل الفصول

في الظهيرة كانت الشمس تتوارى خلف أغصان السنديانة العملاقة، وقفت تلك الطفلة ذات الأعوام الستة تحت ظلال الشجرة بفستانها القطني الأبيض وشعرها الأحمر المموّج، حافية القدمين، تتهادى مع نسمات الهواء المنعشة، من بين أناملها الصغيرة التي تحركها برشاقة وكأنها تعزف على قيثارة سحرية، تخرج قطع من الغيوم ترتفع وتحلق في السماء وترتفع معها الطفلة فتبدو كأنها كوكب دريّ، ترسم بأناملها قططًا... سلاحف ونجومًا عديدة بين الغيوم، ثم تعود للهبوط على أرض البستان بلطف وسكينة تزينها ابتسامتها الساحرة، طفلة جذابة تسلب عقل كل من تقع عيناه عليها برقّتها وحذقها تتسلل إلى القلوب.

انتهى فصل الخريف ومن قبله الصيف، وعندما آن موعد الشتاء قرر أن يغيب هذا العام، لكن الربيع أبدى استياءه وامتعاضه من الأمر، الربيع ذو أطباع هادئة ومشاعر مرهفة لم يُعرف عنه إظهار القسوة أو الغضب، دائمًا يكون مصدرًا للحنان واللطف والجمال، لكن قسوة الشتاء وأنانيته لم تدعا للربيع مجالًا ليتعامل مع الشتاء بلطف ولين.

أحضرت التقويم السنوي اقتطعت منه بضع أوراق كانت تمثل أيام الشتاء القارسة، ظننت أن الأمر في غاية السهولة، تتطاير بضع أوراق من التقويم فتتطاير معها أيام من السنة كلها ليختفي فصل كامل ويصبح عامنا بلا شتاء.

لكن السنة أبت أن تمضي دون شتاء رفضت أن تجعل الأمر يعبر دون ترفيه عن نفسها بمعركة بين الفصول، أرسل الربيع جيشًا للقتال مكوّنًا من الورود المتنوعة والعصافير المختلفة ليجبر الشتاء على العودة والانضمام لفصول السنة الأربعة مجددًا، بالمقابل جهز الشتاء حراسه من زخات المطر الباردة وقطع الجليد اللامعة ليدافع بهم عن نفسه ضد جيش الربيع، اتقدت الحرب بينهما واستمرت لأيام وأسابيع طويلة حتى أصيب الجيشان كلاهما بالتعب والإرهاق، بعد مضي خمسة أسابيع توقفت الحرب وكانت خسائر الفصلين فادحة، حينها نصّب الخريف الحكيم نفسه قاضيًا في ساحة المعركة لينهي الأمر ويحافظ على ما تبقى من أرواح، أصدر قرارًا لكل من الربيع والشتاء أنه لابد أن يستبعدا من فصول السنة عقابًا لهما هذا العام بل ويجب عليهما إصلاح الأضرار التي خلفتها الحرب بينهما، قدم الربيع اعتراضه وأبدى حزنه واحتجاجه لشعوره بالظلم فلم يكن خطؤه منذ البداية، لقد أجبره الشتاء على التخلي عن صفاته اللطيفة التي طالما عُرف بها، لكن كلماته تبعثرت مع نسمات الهواء.

وحيدة كنت أسير على رمال الشاطئ الزهرية، لبرهة ظننت أن الشمس تغرق في مياه المحيط، كل شيء حولي كان يصطبغ بلون أحمر ياقوتي، أمعنت النظر في تلك الشمس التي تعلقت بأطراف الماء وكأنها تخشى أن تنطفئ، القمر يطل من خلف غيمة صغيرة على استحياء، بانتظار مغيب الشمس، عندما طال بقاء الشمس أرسل القمر بعض حراسه من النجوم ليختطفوا الشمس ويخبئوها في غرفة بلورية تقفل بمفتاح فضي صُنع من شعاع القمر، لا تستطيع الفرار منها حتى يحين موعد الصبح فتُطلَق سراحها، كل يوم وكل ليلة.

كل ما حولي مضحك مبكٍ، الشمس والقمر، الصباح والمساء، فصول السنة، والأغراب من هذا وذاك تلك الأرانب التي يزرعها والدي في حديقة المنزل، فتنتج أشجارًا من زهور أرنبية، تتفتح في الظهيرة وتذبل عند حلول المساء، هذه البذور كان قد ابتاعها من إحدى رحلاته إلى دولة تقع في أقاصي الشرق، بداية لم يكن أحد منا يصدق أن البذور حقيقية، لم يؤمن بحقيقتها سوى أبي، إلى أن نبتت بعضها صدفة في ليلة جميلة ماطرة، سرّ أبي بها وكان يعتني بها حتى أصبح يمتلك مزرعة هائلة من هذه الأشجار، من عجائب قريتنا الدافئة أن كل ما هو غير قابل للحدوث في سائر بقاع الأرض الشاسعة يمكن حدوثه فيها، فقط عليك أن تتحلى باليسير من الصبر وفيض من الإيمان.

بين حبات الرمال الزجاجية وجدت عصفورًا يختبئ من معركة الفصول، يختبئ ظنًا منه بأن الحرب ما زالت قائمة، مددت له يدي ليشعر بالأمان واحتضنته بحب وفرح عميقين عندما علم أن المعركة انتهت وإن السلام عاد ليعم أرجاء المدينة، يرتجف جسده النحيل بقوة، لمح في عينيه الذعر، تتوسع حدقة عينيه أشعر بها ترغب في أن تلتهم كل ما في الكون من طمأنينة، بوجه فقد بريقه، وجسد أصفر باهت، كيف لي أن أزرع الطمأنينة في وجدان هذا الصغير؟

بجوار المدفأة جلست أرتشف كوبًا من الشوكولاتة الساخنة، وأنا أستمع إلى مقطوعة موسيقية كلاسيكية، أتأمل لوحة بدأت برسمها منذ بضعة أيام، لوحة لفتى يحمل كرة زرقاء بيمينه، وفي كفه الأيسر ومضة أمل تشتعل وكأنها نجم سماوي سقط ليستقر في راحة يده، ابتسامته تشرق بالسعادة، ومن حوله في اللوحة تتطاير عصافير ملونة فهذه حمراء وتلك بنفسجية وهنالك في زاوية اللوحة يحدق بي عصفور أصفر صغير، عصفوري الذي وجدته بين طيات الرمال، وكأنه يأبى أن يفارقني فتوارى في لوحتي لكن حُسنه كان واضحًا بين الجمع، فرّ من اللوحة وحلّق عالياً ليقطف بعضًا من الغيوم الناعسة والتي كانت تنساب من بين أنامل الطفلة البهية أحضرها لي... طلب مني أن أتذوقها، ذابت في فمي وكأنها حلوى قطنية طعمها يشبه ندى الصباح... بل إنه أشبه بطعم الغد... ذلك الغد الذي نترقب قدومه حاملًا معه غائبًا وعد ذات يوم بالعودة لكنه نسي في غمرة الحياة أن يعود.

خاتمة..

خلف النافذة المغلقة هنالك من ينتظر.

مقالات مشابهة

  • في الطريق إلى غزة يطهر الغرب نفسه
  • روسيا وأوكرانيا تتبادلان 390 أسيرا في أكبر عملية تبادل في الحرب
  • رحيل الفصول
  • مرة كدة ومرة كدة
  • أولمرت: يجب سحب الجيش الإسرائيلي من غزة وإنهاء الحرب
  • في ليلة مصرية بامتياز.. ميريام فارس: الروح الحلوة عند المصريين ما بتتغير
  • استشهاد 16,503 أطفال في غزة منذ بدء الحرب
  • الضهيب: هذا الإنجاز التاريخي لم يكن ليتحقق لولا تضحيات أبطالنا في ميادين القتال
  • أوروبا تحذر إسرائيل من تجويع الفلسطينيين بعد 20 شهرا من الحرب
  • قنبلة من الحرب العالمية تتسبب بإخلاء مدرسة ألمانية