بعد الغارات.. العدوّ يواصل خروقاته وهذا ما فعله في الجنوب
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
يقوم الجيش الاسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، بعملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة في كفركلا ومحيط تلة حمامص. .
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: كفركلا تلة حمامص
إقرأ أيضاً:
أكتوبر، فشل الثورات، والنرجسية المدنية
أكتوبر، فشل الثورات، والنرجسية المدنية:
ما زال جلنا يحتفل ب”ثورة” أكتوبر ١٩٦٤ بكامل المحبة. وهذا مفهوم من ناحية العاطفة والاعتزاز الوطني. وينطبق الأمر علي “ثورتي” أبريل ١٩٨٥ وديسمبر-أبريل ٢٠١٩. ولكن هل بالعاطفة وحدها تحيا الشعوب؟
لا أدعي إطلاع واسع علي أدبيات السياسة السودانية ولكني لا أعتقد بوجود تقييم علمي صارم يتناول سؤال لماذا قادت جميع الثورات إلي أوضاع أسوأ مما تمردت ضده فيما يختص بشأن الاقتصاد والسياسة والعلاقات الخارجية والتماسك الوطني.
تفشل كل ثورة ثم نكتفي بالتغني بمفاتنها وكأن الثورة غاية في حد ذاتها لا وسيلة لمجتمع أفضل. حتي أحتفل بعضنا بثورة أكتوبر ١٩٦٤ ومجمجوا أو سكتوا تماما عن الغزو الأجنبي والمجازر التي تحدث في عام ٢٠٢٥ أو حين تحدثوا قالوا عن “طرفي نزاع” يساوي بين الغزاة الأجانب ومن يدافعون عن وطنهم من مدنيين وعسكر وعلمانيين وإسلاميين.
غياب التقييم النقدي الصارم لأسباب فشل الهبات ضد الحكم العسكري ساهم في إعادة نفس سيناريوهات الفشل المدني بكلفة أكثر فداحة كل مرة.
القول بفشل “الثورات” في تحسين أوضاع الوطن ليس بالضرورة دعوة لهجر الثورة والقبول بالدكتاتوريات الفاسدة ولكنه دعوة للأمانة العلمية والوطنية وعدم بيع أوهام مكلفة لشعب مثخن بالجراح. وهذا بهدف أن تخلق الثورات أوضاعا أفضل.
علي سبيل المثال بدات ثورة أبريل ٢٠١٩ بالشعار الخطأ “تسقط بس” إذ آمن الجميع تقريبا بان كل المطلوب هو إسقاط نظام البشير وسوف تتحسن الظروف بمجرد ذهابه. ولم يكن “تسقط بس” محض شعار فقد كان أيدلوجيا كاملة غسلت الأدمغة حتي وقر في عقل الجميع أن الخلاص ممكن بعد أن سقطت بس بتطبيق نفس برنامج البشير الإقتصادي، والتحالف مع نفس جنجويده وتبني نفس منهج سلامه بالمحاصصة وتقسيم الكعكة مع كل من حمل بندقية مع إضافة درجة غير مسبوقة من انبطاح للخارج .
ثم اعلن قادة الإنتقال إن هذه ثورة حرية لا يهمها الخبز. ثم حدس ما حدس وأنهار الاقتصاد وضاق العيش عما كان عليه أيام البشير واستأسدت الميليشيات وانفرطت وحدة الشارع السياسي حتي إنتهينا بحرب ضروس أحد أسبابها سوء إدارة الفترة الإنتقالية. فهل نعي أن إسقاط الدكتاتور إنما هي وسيلة لمجتمع أفضل وليست بغاية صبيانية ينشلها لصوص الثورات؟
أهم دروس فشل الثورات هو سقوط اسطورة التسطيح المريع التي تقول بان الحكم العسكري هو سبب تخلف السودان لان هذا القول يناقضه أن سجل المدنيين في الحكم لا يقل سوءا عن سجل الحكم العسكري وقد يزيد عليه بالمياعة وعدم الانضباط وغياب وحدة القرار والتوجه. الأزمة السودانية مركبة وأسبابها تطال الجميع من قوي مدنية ونخب عسكرية ولكن اختزالها في حكم العسكر تزوير للتاريخ وسواقة بالخلا في إتجاه خطر.
لم يثبت المدنيين حتي الآن أي أفضلية علي العسكر في الإدارة ولا في الوطنية ولا في أي من مجال المقدرات. وهذا ليس في مديح العسكر وإنما دعوة للقوي المدنية أن تتحسس عوجة رقبة جملها. العسكر كالمدنيين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم أحسنوا وأساءوا كجميع مؤسسات الدولة ومواطنيها ولكن أعداء الوطن والغزاة استثمروا في زرع الفتنة بين الجيش والمواطنين حتي ينكشف الوطن لقمة سائغة للغزاة وأعوانهم من الكرزايات.
ونجح غسيل المخ نجاحا باهرا حتي وقفت الطبقة المتعلمة موقف الحياد في حرب بين الجيش الوطني والغزاة وميليشيات الرعب. وهذا سبق تاريخي يستحق الدخول في موسوعة غينيس إذ لا أعلم عن طبقة سياسية أو متعلمة تعاملت مع غزو يهدف لتفكيك وطنها بكل هذه السلبية والتواطؤ العملي والسكوتي.
الدرس الآخر أن الشارع السوداني قادر على إسقاط أشرس الدكتاتوريات ببسالة وعبقرية الشباب ولكن الشارع عجز عن أن ينتج قيادة منه وبه وله ولذا حصد ثمار الثورات أحزاب وتكنوقراط لا يهمهم وطن وينحصر هدفهم في الأسمى في وراثة الدكتاتوريات تحت شعار الديمقراطية بافتراض أن على الشعب أن يحتفل بان نفس السياسات السابقة يطبقها الآن كادر مدني يتعالى علي عسكر إذ أن في ارتفاع الأسعار على يد الحكم المدني خير وبركة.
سقطت بس ولكن ساءت الأمور في الفترة الإنتقالية ثم طمبجتها الحرب.
غياب التنظيم هو سبب نجاح الثورات في إسقاط الدكتاتوريات وفشلها في التحول الأيجابي لاحقا. هذه نقطة مركزية ومشكلة مزمنة. وحتي يومنا هذا كل الأحزاب والكتاب لا يكفون عن إصدار خرط طريق ورؤي رائعة لانقاذ الوطن ولكن لا أحد يهتم بسؤال ما هي القوى الاجتماعية والحزبية التي ستستلم زمام السلطة لتقود تنفيذ الرؤية حتي لا تعود نفس الجماعات التي أفشلت الثورات السابقة .
ولا يوجد تناول عميق أو جاد عن كيفية تنظيم الجماعة التي ستقود التحول ولا عن طبيعتها. وهذا يفتح الطريق لتسقط بس مرة أخري ولتعود نفس الوجوه الشائهة والخائنة لدفة القيادة ولتكرر ثورتنا ميراث الفشل. التنظيم هو السؤال الغائب.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب