توسيع العدوان على جنين ومخيمها، على طريقة جرائم الإبادة في غزة، عشية وصول بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة، والتصريحات التي سبقت تلك الزيارة من الرئيس ترامب عن تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، أو تكرار بتسلئيل سموتريتش الدعوة للسيطرة على الضفة "يهودا والسامرة" ودعوته جعل نموذج جباليا في مخيمات الضفة.
فالأحداث على الأرض تقطع الشك باليقين بأن الإدارة الأمريكية الجديدة في ولاية ترامب الثانية تمنح إسرائيل مزيدا من الصلف والغرور، صحيح أن ترامب أعلن أكثر من مرة أنه يريد رؤية وقف لإطلاق النار في المنطقة، لكنه يؤيد بالمضمون الخطط الإسرائيلية للإبادة الجماعية والتهجير والاستيطان والضم، كما أن أركان إدارته ملتزمون حتى العظم بالصيغ الإسرائيلية التي يقترحها اليمين الفاشي في إسرائيل للقضاء على المقاومة الفلسطينية وطمس حقوق الشعب الفلسطيني، وحصر كل ذلك بمسألة تنشيط التطبيع العربي مع إسرائيل.
لا يكفي التعبير عن الأسى والحزن والتفجع، من مشاهد الدمار الشامل في غزة، وتلك المستنسخة في مدن ومخيمات الضفة الفلسطينية وأحياء القدس العربية، فحالة الحصار والعدوان والعزل الكامل في جنين وطولكرم ونابلس والخليل بكل ما تحمله من انعكاسات خطيرة اقتصادية واجتماعية وسياسية مع إجراءات وحشية وإجرامية وعقاب جماعي للشعب الفلسطيني، كل ذلك لم يدفع السلطة الفلسطينية لفعل شيء يذكر في سجل تصديها للعدوان الإسرائيلي الواسع والشامل، على الرغم من وضوح أهداف وخطط العدوان الإسرائيلي للضم والاستيطان والتهجير والتهويد، والأهم قتل مشروع "السلام" المنشود بالتذلل الأبدي للإدارة الأمريكية لفعلٍ لن ولم يحصل، ولا يكفي التعبير عن رفض خطط التهجير التي يدعمها دونالد ترامب ويحث فيها كلا من مصر والأردن للقبول بها، فالموقف الخفيض في القاهرة وعمان، لا يعبر عن مواجهة حقيقية لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية والدفع لصد الموقف الأمريكي.
لغة التحذير والوعيد التي تُطلق عربيا بين الحين والآخر، من تداعيات تحصل على الأرض فعليا، وتعيد كل الرواية العربية والفلسطينية عن السلام إلى نقطة الصفر، وللتعبير المباشر عن بدء مرحلة بالغة الخطورة على القضية الفلسطينية أرضا وشعبا، عبر دفع عواصم عربية للقبول والتعاطي بمرونة أكبر مع الصيغ الإسرائيلية الأمريكية للتطبيع والسلام، ومن منطلق الحرص على هاجس إسرائيل الأمني، يتفاعل البعض العربي مع تلك الهواجس من باب القضاء على المقاومة وفرض حالة استسلام جماعي على الشعب الفلسطيني من خلال القوة الإسرائيلية، كمدخل لتسوية عربية إسرائيلية حسب رؤية اليمين الصهيوني الفاشي، وهي خطط قديمة حديثة ثبت فشلها منذ زمن بعيد في الشارع الفلسطيني.
إذا تركنا البيت الفلسطيني نصف المهدم، وانتقلنا إلى الوطن العربي الكبير، سنجد أن التسليم الحتمي بقدر الهمجية الصهيونية والتعاطي معها بحبك المكائد ضد القضية المركزية للعرب، والتخلي عن نقاط قوة يعتد بها كسلاح المقاطعة الذي يجب أن يُدفع به كأضعف الأسلحة بوجه احتلال استعماري استيطاني؛ مخاطره واضحة على الأمن القومي العربي، لكن حتى هذه الورقة تتبخر بسرعة غريبة من أيدي صناع القرار العربي والفلسطيني الذين يؤمنون بالشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، نفس الكلام يصح على دول غربية صديقة لفلسطين كانت مواقفها أعلى وسباقة من بعض العرب، ودعت لمعاقبة إسرائيل ومحاكمة قادتها عن جرائم الإبادة واتخذت قرارات المقاطعة لها، لكن تبخيس قيمة بعض الإنجازات وإدارة الظهر لها والتعامل بعدم جدية مع المخاطر الكبيرة يدفع إسرائيل للاستمرار بالعدوان وارتكاب الجرائم
وقف إطلاق النار في غزة، واستباحة الضفة وتدمير مخيم جنين، ليس مفتاحا للفرج والتفاؤل، ومن هذه الحقيقة يمكننا القول إن مخطط التهجير في غزة، والتخطيط له في الضفة، يجمع الأوهام التي تآمرت مع الالتباس والغموض بترك المواقف الجريئة والواضحة لتدفيع الاحتلال الثمن. والفلسطينيون لم يطلبوا يوما من النظام العربي تسيير قوافل عسكره لمؤازرتهم وقت العدوان، بل تفعيل أدوات القوة الذاتية والمصلحة الوطنية التي يظن البعض أنها في مأمن تحت شعار "نحن أولا"، فملامح الخطة الأمريكية الإسرائيلية باتت شبه واضحة فهي إما تحقيق خطة التهجير الجماعي، أو تحقيق ضم الضفة والمستوطنات الكبرى وفرض كيان سلطوي فلسطيني خاضع كما هو الحال للقوانين الإسرائيلية، ولو دقق المسؤول الفلسطيني والعربي بأمانة في مقولات اليمين الصهيوني من نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وقوانينه، وحلل خطط العدوان، أو تلقف خطاب ترامب على الطريقة الكولومبية، لن يجد خلفها ما هو مغرٍ بل منطقا من توليفة عجيبة من رغبات فاشية عنصرية استعلائية على الفلسطينيين والعرب.
الفلسطينيون والعرب أمام سؤال: على ماذا سيتم التفاوض مع دونالد ترامب وحكومة نتانياهو؟ وما هي القضايا التي سيجري النقاش حولها بعد تطبيق إسرائيل حرفيا لمقولة شامير عن جرجرة الفلسطينيين والعرب لعشرات السنين في خندق التفاوض؟ إذا كانت إسرائيل قد حسمت أمرها عمليا ونظريا تجاه القدس والمستوطنات والضم والسيادة على الأرض والحدود وارتكاب الجرائم في غزة؟
لم تترك إسرائيل للفلسطينيين شيئا للتفاوض عليه، وبدعم من الولايات المتحدة تضغط على الجميع وعلى المجتمع الدولي للقبول بهذه المهزلة، والانصياع لنتائجها بدءا منذ أوسلو، ولم ينقطع مع سلطة تدين المقاومة وتستجدي أي إدارة أمريكية لاستخدام نفوذها، سلطة تقف عاجزة مسلوبة الإرادة أمام غول الاستيطان وتصاعد العدوان وتدمير مخيم جنين، وتجعل من شرطتها وأجهزتها أداة لقمع شعب متمرد ومنتفض بوجه المحتل.
أخيرا، بدون التعويل على العامل الذاتي الفلسطيني، لا يمكن تصليب المواقف العربية والدولية المناصرة لعدالة فلسطين، وبدون تقويم هذه الحالة، سيعود نتنياهو من واشنطن وبجعبته كثير من المفاجئات، وسيكثر زوار البيت الأبيض من عواصم عربية وبالعكس، لبحث خطط لا علاقة لها بحقوق الشعب الفلسطيني، فهل سيُخرج لنا البيت الفلسطيني مفاجأته المضادة؟ على الأقل استعادة عافية وجرأة ووطنية، وصلابة ووحدة مصير، والاستفادة من دروس العدو في الوحدة، واستخلاص العبر من كل هذه المهزلة لأن المرحلة لم تعد تحتمل هذا التشرذم والتناقض المفتعل، بعدما سئم الشعب الفلسطيني كل الأعمال والمحاولات غير المجدية التي لا تراعي حقوقه وتطلعاته في التحرر من الاحتلال.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الضفة إسرائيل الفلسطينية إسرائيل فلسطين غزة الضفة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی فی غزة
إقرأ أيضاً:
ضياء رشوان يدعو لعدم الانسياق وراء الحملات التي تستهدف دور مصر المحوري في دعم الشعب الفلسطيني
قال الكاتب الصحفي ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات إن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي كان أول من رفض علنا، منذ 10 أكتوبر 2023، أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، معتبرا أن هذا التهجير يعد تصفية للقضية الفلسطينية.
وأكد رشوان - في مداخلة هاتفية مع قناة إكسترا نيوز مساء الإثنين - أن ما قاله الرئيس السيسي اليوم، وما تفعله الدولة المصرية تجاه القضية الفلسطينية، يمثل حائط الصد الحقيقي أمام كل حملات التشويه التي تستهدف دور مصر التاريخي.
وأضاف أن مصر التزمت منذ بدء الحرب بثلاثة أهداف رئيسية، تتمثل في وقف الحرب، وإدخال المساعدات، والإفراج عن الرهائن، وهو ما عبر عنه الرئيس السيسي بشكل متكرر وعلني.
وأكد أن الأصوات التي تهاجم مصر لا تسعى للوصول إلى الحقيقة، بل تهدف إلى التحريض وخلق وقائع مختلقة لتشويه صورة الدولة المصرية، رغم أن الواقع على الأرض وما تفعله مصر أمام العالم كله يكذب هذه الادعاءات.
كما أكد رشوان أن الدولة المصرية ثابتة في موقفها، وأنها لا تتلقى توجيهات أو تهديدات من أحد، بل تعمل وفقا لمبادئها ومصالحها القومية، داعيا إلى عدم الانسياق وراء الحملات المشبوهة التي تستهدف دور مصر المحوري في دعم الشعب الفلسطيني.
ا د م/ م م ر