أولا: صمود أبناء قطاع غزة:
على الرغم من الدمار وعدد الشهداء، حتى لم يبق بيت إلا وفيه شهيد أو جريج، أو شهداء وجرحى، أو بيت مدمّر، إلا أنهم ما زالوا بصلابة الفولاذ ورقة الياسمين؛ مما يطرح سؤالا مركزيا قادحا: ما الذي منح هؤلاء البشر هذه القوة الخارقة والصبر العظيم؟ وعلى الرغم من استشهاد غالبية قادة الصف الأول من حركة المقاومة، إلا أنه لم يحدث أي بلبلة أو فراغ قيادي، بل ارتفعت وتيرة التصدي للعدو، بعد استشهاد يحيى السنوار وإخوانه.
أليست هي العقيدة؟ والتمسك بالمبادئ التي تفرض على أصحابها رفض الاستسلام والخنوع والهوان؟!
إن الصمود الأسطوري لأهل غزة سيكتبه التاريخ، وستتناقله الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسيكون الشرارة التي ستمكن الفلسطينيين من تحرير أرضهم ومقدساتهم.
ثانيا: التواطؤ العربي:
الصمود الأسطوري لأهل غزة سيكتبه التاريخ، وستتناقله الأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وسيكون الشرارة التي ستمكن الفلسطينيين من تحرير أرضهم ومقدساتهم
على الرغم من التخلي والخذلان والتواطؤ، بل والمشاركة في العدوان من قبل الحكومات العربية الأكثر تأثيرا، وخصوصا دول الطوق، وبعض دول الخليج، إلا أن ذلك لم يفت في عضد المقاومة، ولم يضعفها، ولم يشكل هاجس قلق أو خوف، وظلت غزة على أهبة الاستعداد لما هو أبعد مما كان. وباءت محاولات بعض أجهزة الأمن العربية في تحريض الغزيين على مقاومتهم بالفشل الذريع، حين التفت الجماهير الغزية حول المقاومة بعد توقف العدوان الإجرامي؛ بما يؤكد بأن شعب غزة وشعب فلسطين ليسوا صيدا سهلا، وبأن كل فلسطيني مقاوم أو مشروع مقاوم طفلا كان أو شيخا أور رجلا أو امرأة.
ثالثا: موقف الشعوب العربية:
كان موقف الشعوب العربية، خلافا لمواقف حكوماتها المرتهنة، عظيما، ويؤشر على الشجاعة والوعي الكبيرين، وعلى الإصرار والتحدي لكل محاولات التخويف والتخذيل والتهديد من قبل هذه الحكومات التي خانت شعبها وقيمه ومبادئه؛ مما أشعل جذوة وعيهم بما يحيق بالمنطقة من مخاطر. وقد تحدت الشعوب حكوماتها وبشاعة التعامل الأمني معها، غير عابئة بالنتائج، فتم اعتقال عدد من الناشطين في الأردن على سبيل المثال لا الحصر. وفي حين كانت شاحنات الخضار والمواد الغذائية وربما الأسلحة، تمر عبر الأردن أو منها باتجاه الكيان المحتل، كان الشعب الأردني في قمة غضبه ورفضه ووجعه لما يحدث في قطاع غزة.. وفي المغرب كان التعاطف والرفض لسياسات الحكومة فوق التصور، وكذلك في الجزائر وتونس ولبنان واليمن.
إن من أكثر ما يفتح كوة من الأمل وسط الحزن العميق والجرح الغائر، ما وصلت إليه الشعوب العربية من وعي استثنائي، لم نعهده من قبل، وهنا لا أتحدث عن الحراك الشعبي في حد ذاته، بقدر ما يعنيه هذا الحراك الذي واكب المعركة منذ اليوم الأول حتى آخر يوم، من حالة الوعي بما يدور في المنطقة، علنا تارة وفي الكواليس أخرى من مؤامرات ومشروعات لبسط الهيمنة على المنطقة العربية، مما يؤشر على صلابة وتحد من قبل الشعوب، فلو تعرضت الأردن، مثلا، لأي خطر، فإن مئات الآلاف من أبناء الشعب سيتصدون بشجاعة مفرطة للمعتدي، بما يشبه صمود أهل غزة، فنحن والأردنيون من منبت واحد، ودم واحد، وموقف واحد، وتاريخ واحد، ومبدأ واحد.
رابعا: موقف شعوب العالم:
كان مفاجئا للجميع موقف شعوب العالم من محرقة غزة النازية؛ وقد تفوقت الشعوب الحرة على الشعوب العربية في انتصارها للحق الفلسطيني، بما يشبه الانقلاب العالمي على الصمت، بعد انكشاف الغطرسة الصهيونية وجرائم الحرب، من قتل للأطفال والنساء والمدنيين بشكل عام، بلا رحمة، والتي رافقها افتخار الجنود والضباط بقتل الأطفال، وبقر بطون الحوامل، وتحريض وزراء وسياسيين من الصف الأول على قتل الأطفال والنساء من خلال القصف العشوائي الذي اعتمد سياسة الأرض المحروقة.
خامسا: سلاح الكيان المحتل وسلاح المقاومة:
لم يكن عتاد العدو إسرائيليا صرفا، بل كان معتمدا بشكل كبير على السلاح الأمريكي والغربي بعامة، فقد شاركت أمريكا مباشرة أو بشكل غير مباشر بطائراتها وقذائفها وأقمارها الصناعية وقبتها الحديدية، وكل أدوات التدمير الممنهج، بينما كان سلاح المقاومة، صواريخها وعبواتها وبنادقها، محلي الصنع، ومع ذلك لم تنفد ذخيرتها، ولم تتوقف مقاومتها، لكن لو توقف دعم الغرب للكيان فلربما هزم شر هزيمة، وكان بالإمكان ملاحقة فلوله.. فقد أصبح من الواضح أن تخلي الغرب عن قوات الاحتلال، ربما يعني سقوطه كما حدث في المشهد السوري، وهو ليس حلما متخيلا، بل حسابات بسيطة ومدركة بقليل من التفكير الاستراتيجي.
أصبح من الواضح أن تخلي الغرب عن قوات الاحتلال، ربما يعني سقوطه كما حدث في المشهد السوري، وهو ليس حلما متخيلا، بل حسابات بسيطة ومدركة بقليل من التفكير الاستراتيجي
سادسا: زلزال 7 أكتوبر:
لقد هز هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الكيان المحتل في المستويين العسكري والسياسي، وأرعبه وأشعره بخطورة قوة المقاومة وإبداعها في التخطيط، وإمكانية إلحاق الهزيمة بجيشه، وتحقيق النصر في لاحق الأيام، وما كان من إجرامه في غزة لا يخرج عن سببين اثنين؛ الأول: الانتقام من المقاومة وشعب غزة الذي فرح وهلل لاجتياح المقاومة مناطق في غلاف غزة، وأسر عدد كبير من الصهاينة. والثاني: الخوف من المستقبل الذي يحمل إرهاصات انتصار كبير للمقاومة، وطرد اليهود من فلسطين، فحاول بإجرامه القضاء على غزة بما فيها ومن فيها، ليتقي ما سيكون بعد فترة من الزمن، لا سيما مع إرهاصات الثمانين عاما التي لم تتجاوزها كل ممالك اليهود عبر التاريخ.
سابعا: الشهيد يحيى السنوار
لقد ملأ الخونة الدنيا ضجيجا؛ مدعين أن يحيى السنوار وبقية القادة، يختبئون في الأنفاق، بينما يتركون الشعب للموت، لكن حين استشهد السنوار في وضح النهار وهو يحمل سلاحه ويقاتل، ثم حين تم الكشف عن عدد من القادة الشهداء؛ خرست الألسنة عن ادعاءاتها، لكنها لم تخرس عن تشويه المقاومة وخذلانها ومحاولة إلصاق تهمة الهزيمة بها..!
ثامنا: المشهد المتفجر في الضفة الغربية:
يعاقب نتنياهو وعصابته أهل الضفة الغربية الصامدة؛ انتقاما لهزيمته في غزة، فقد استشهد عدد كبير من المقاومين الأبطال، وتم تدمير بيوت ومساجد وبنى تحتية وتهجير للسكان، وإجرام ما بعده إجرام، فلأول مرة منذ 1967 يستخدم جيش الاحتلال الطائرات لقصف مدن الضفة وقراها، ولم يفعل ذلك حتى في الانتفاضتين الأولى والثانية. لكن المقاومة في الضفة أثبتت جدارة وقوة وصلابة استثنائية، وهي على الرغم من القمع الإجرامي، تواجهه بكل وسيلة ممكنة، متحدية المستحيل، وماضية في مقارعته غير آبهة بالموت أو الأسر..
تاسعا: السيسي وتهجير أبناء القطاع:
وفيما أعلنت دوائر إعلامية في الولايات المتحدة بأن اتصالا هاتفيا تم بين ترامب والسيسي، وأشارت إلى أنهما بحثا مسألة تهجير أبناء غزة، لم تذكر وسائل الإعلام المصرية شيئا من ذلك. وفي حين ادعت وسائل الإعلام المصرية أن السيسي تلقى مكالمة من ترامب، أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية بأن ترامب هو الذي تلقى اتصالا من السيسي.. وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: لماذا لم يتم الكشف عن فحوى المحادثة الهاتفية؟ ولماذا تم إخفاء الجزئية الخاصة بالتهجير؟! نحن نعرف الإجابة جيدا، وأنتم تعرفون، فلننتظر الفضائح بالجملة، لكن هناك ثابت واحد، وهو أن أبناء غزة لن يغادروها أحياء مهما حاول ترامب وغيره بإذن الله..!!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة الاحتلال ترامب تهجير المصرية مصر احتلال مقاومة غزة تهجير مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعوب العربیة على الرغم من من قبل
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة يفضح شبكات التواطؤ .. خطاب يحاكم الأنظمة ويستنفر الشعوب
الثورة نت /تقرير: جميل القشم
جاء خطاب قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في توقيت مفصلي، ليُعيد ترتيب الوعي العام تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة، ويكشف بدقة أوجه التورط العربي في دعم الكيان الصهيوني، وحمل رسائل مكثفة في الإتجاهات السياسية والدينية والثقافية، مؤكدًا أن الموقف من العدوان لا ينفصل عن موقع الأمة بين معسكر الخيانة وخط الجهاد.
تجلّت في الخطاب مقاربة قرآنية واعية، ربطت بين خيانة الداخل وجريمة الخارج، ووضعت الشعوب أمام مسؤولية نهوض لا تحتمل التأجيل، كما أسس الخطاب لرؤية استراتيجية تُبقي خيار المقاومة في مركز الفعل، وتُسقط كل المبررات التي تتنافى مع مقتضى الكرامة والانتماء.
افتتح السيد القائد خطابه بتوصيف بالغ الدقة للمرحلة، حيث تتكشف وجوه الخيانة من بوابات الاقتصاد والسلاح والسياسة، وتتقاطع مصالح بعض الأنظمة العربية مع المشروع الصهيوني، وقدّم سردًا صريحًا للخطايا التي ترتكب باسم العجز، بينما هي في حقيقتها امتثال طوعي لمشيئة واشنطن وتل أبيب، يتم تسويقها على أنها خيارات سياسية.
سلّط قائد الثورة الضوء على وقائع مريرة تجري في كواليس العلاقة بين بعض العواصم العربية والعدو الإسرائيلي، من تموين الطائرات الحربية، إلى توفير الممرات التجارية، وصولًا إلى الاستمرار في استقبال الوفود الصهيونية تحت مسميات التطبيع والانفتاح، ما جعل من هذه العواصم أدوات مباشرة في دعم آلة القتل والإبادة.
في مقاربة واعية، انتقل قائد الثورة إلى تحميل الشعوب مسؤولية كبرى، مشيرًا إلى أن زمام المبادرة ما يزال بأيديها، وفرص التأثير قائمة، ما دام الوعي حاضرًا، والإرادة الشعبية غير مقيّدة، وقدّم قراءة عميقة في دور الجماهير كقوة ضاغطة، مؤكدًا أن تغييبها ليس قدرًا، بل نتيجة تضليل إعلامي ومناهج خنوع سادت لعقود.
امتد التحليل إلى المساجد والمؤسسات التعليمية والمنابر الإعلامية، التي تم إخضاعها لتكون أدوات تزييف وتهدئة، بدلاً من أن تكون جبهات تعبئة واستنهاض، واعتبر صمت تلك المؤسسات، رغم حجم المجازر، تعبيرًا فاضحًا عن الانفصال عن قضايا الأمة، وانسحابًا مريبًا من واجب النصرة.
خص خطاب السيد القائد الأزهر الشريف بنقد مباشر، على خلفية تراجعه السريع بعد إصدار بيان أولي، في مشهد كشف عن اختلال القيم في بعض أعرق المؤسسات الدينية، وعدم أهليتها للقيادة المعنوية في مرحلة حساسة كهذه، وجاء هذا النقد مقرونًا بدعوة للإصلاح، لا للتجريح، في سياق إعادة توجيه البوصلة الأخلاقية.
برز في خطاب السيد القائد تحذير حاسم من العواقب الإلهية لموقف التخاذل، مستشهدًا بآيات من القرآن الكريم تستدعي الخوف من العاقبة، وتنذر بعذاب واقع على المتقاعسين، في الدنيا قبل الآخرة، وهذا التذكير لا يحمل طابع الوعظ فقط، بل يوظف كأداة لتحريك الضمير الجمعي وإعادة التموضع الأخلاقي في ميدان المواجهة.
وجه دعوة صريحة لإعادة فهم الجهاد، كمسؤولية شاملة لمقاومة المشروع الصهيوني، سياسيًا وثقافيًا وإعلاميًا، باعتباره مشروع يهدف إلى تفكيك الأمة، وتذويب هويتها، ونهب مقدراتها، والتحكّم بمسارها الحضاري تحت عباءة التطبيع والتعاون.
وفي لفتة استراتيجية، أبرز قائد الثورة في خطابه المسيرات الشعبية في اليمن وسائر البلدان الداعمة، واعتبرها علامات على حيوية الأمة رغم كل محاولات التركيع، وأشار إلى موقف الرئيس الكولومبي كمثال على الشجاعة السياسية، ليُقارن بينه وبين الصمت العربي، في تقريع غير مباشر للعواصم الغارقة في الوهم والمساومة.
احتفى القائد بثبات غزة، واعتبرها درسًا مفتوحًا في الصبر والمقاومة والشرف، مؤكدًا أن هذا الصمود هو الحجة الكبرى على كل المتخاذلين، وأن غزة بدمها تفضح كل من خذلها، كما عدّ إسكات صوت المقاومة وتشويه صورة المجاهدين من أخطر المظاهر، التي تمارسها بعض الأنظمة، في استجابة مفضوحة للمشروع الصهيوني.
ركّز الخطاب على الترابط الوثيق بين التواطؤ السياسي والدعم الاقتصادي، موضحًا أن التجارة والنفط وخطوط العبور الجوي والبحري تمثل أدوات تمويل مباشر للعدو، كاشفًا عن شبكة مصالح وعلاقات تُدار بعناية بين بعض الأنظمة والكيان الصهيوني، بما يحول الموقف المتخاذل إلى مشروع متكامل يخدم الاحتلال من بوابات متعددة.
تفردت لغة الخطاب بجمعها بين النبرة الإيمانية الصارمة، والقراءة السياسية الدقيقة، فكانت كل فقرة فيه تحمل تحريضًا على الوعي، ودفعًا نحو الفعل، وفضحًا ناعمًا للمواقف المخزية التي تتدّثر بالتبرير والتهرب، وقدّم من خلاله مشروعًا تعبويًا شاملًا يبدأ من الوعي وينتهي بالموقف.
أراد قائد الثورة أن يُعيد تعريف العلاقة بين الأمة والقدس، بين الشعوب والمقدسات، بين الشعارات والمواقف، بين القرآن والواقع، ونجح في ذلك حين ربط الخذلان بالاختلال التربوي، والموقف السياسي بالانحدار الأخلاقي، وصمت الأنظمة بغياب الوازع الإيماني.
انتهى الخطاب بإطلاق نداء مفتوح نحو محور المقاومة، ودعوة إلى رص الصفوف، والتفاف الشعوب حول جبهات الصمود، كما أعاد تأكيد الوقوف الكامل إلى جانب الشعب الفلسطيني، سياسيًا وميدانيًا، كجزء من معركة الشرف العربي والإسلامي.
قدم قائد الثورة خارطة مواقف لا تقبل التذبذب، وأغلق الباب أمام الحياد، واضعًا كل طرف أمام مسؤوليته، إما أن يكون في جبهة النصرة، أو يُحسب على جبهة الخذلان، دون تجميل أو تزويق، فالمعادلة اليوم واضحة، والميدان لا يحتمل اللون الرمادي.
في مجمله، يعد خطاب السيد القائد وثيقة موقف ترسّخ وضوح الاتجاه، وترسم ملامح المرحلة بمعايير قرآنية وقيمية صارمة، إذ قدم الخطاب رؤية شاملة تنحاز للحق، وتضع الجميع في مواضعهم الحقيقية، وتُحمّل كل طرف تبعات اختياره ومسؤولية صوته، مستعيدًا للمشهد بُعده الديني والتاريخي والسياسي بجرأة واتزان.
سبأ