جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-17@19:49:53 GMT

حكاية هوية تتجدد لتعانق المجد

تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT

حكاية هوية تتجدد لتعانق المجد

 

 

 

شهد بنت محمد القطيطية

 

منذ طفولتي، تشبعتُ بحب هذه الأرض، أرض الجبال الراسخة والبحر المتلاطم بلونه اللازوردي، ولم يكن ارتباطي بها مجرد مكان عشت فيه؛ بل هوية تسري في دمي، وكنت أجري في الشوارع، ألعب بين النخيل، وأستنشق عَبير التراب بعد المطر. كبرت وأنا أحمل في داخلي وعًدًا غير معلن: هذه الأرض تسكننا كما نسكنها، وهويتنا ليست مجرد تاريخ نقرأه؛ بل حياة نعيشها ونرويها جيلاً بعد جيل.

لم يكن العُماني يومًا مجرد اسم في كتب التاريخ؛ بل هو أسطورة حية ترُوى عبر الأجيال. في طفولتي، كانت جدتي هي مرشدتي إلى تاريخنا. كل حكاية كانت تأخذني إلى زمن بعيد؛ حيث رجال كأشجار اللبان العتيقة، صامدون أمام البحر والأمواج العاتية، ونساء كالنخيل الممتد في الأرض، ثابتات وجذورهن تغذي تاريخنا. تلك الحكايات لم تكن مجرد كلمات؛ بل كانت جزءًا من هويتنا، تعلمنا أن التاريخ ليس شيئاً بعيًدًا؛ بل هو شيء نعيشه في تفاصيلنا اليومية ونحمله في داخلنا. 

 يمكن رؤية بصمة عُمان واضحة في كل تفاصيل حياتنا.. في القهوة التي تقُدَّم في المجالس، في الزخارف المطرزة على ملابسنا، في رائحة اللبان التي تعبق في الأسواق، وحتى في النخيل التي تمتد جذورها في الأرض كما تمتد هويتنا في قلوبنا. ليست هذه مجرد عادات وتقاليد؛ بل هي انعكاس لهويتنا التي تتجسد في سلوكنا، ملابسنا، وأطعمتنا، وتشكل جزءًا أصيلًا من قصصنا التي ننقلها من جيل إلى جيل.

ومع تغير الزمن، لم تتوقف الحكايات؛ بل وجدت طرقًا جديدة للرواية. اليوم، أرى أبناء جيلي يحملون هذه القصص إلى الإنترنت، يشاركون صور أجدادهم، يكتبون عن الماضي بحب، ويعيدون إحياء التراث العُماني بطرق حديثة. لم يعد الماضي مجرد ذكرى في الكتب؛ بل أصبح محتوى رقميًا يُنشر في منصات التواصل، يتفاعل معه الناس، ويتناقلونه ليبقى حاضرًا في وجداننا. التكنولوجيا لم تضعف ارتباطنا بالهوية؛ بل أعطتنا أدوات جديدة للحفاظ عليها ونقلها للأجيال القادمة. 

مع تطور التقنيات، قد تتغير أساليب روايتنا لقصصنا، لكن جوهر الهوية العُمانية سيبقى. ربما في المستقبل سنروي قصصنا عبر تقنيات الواقع الافتراضي أو الذكاء الاصطناعي، لكن السؤال الحقيقي هو: هل ستؤثر هذه التطورات على ارتباطنا بأرضنا وقيمنا؟ أعتقد أن العُماني سيجد دائمًا طريقته في الحفاظ على هويته، تمامًا كما فعل أسلافه عندما انتقلوا من الحكايات الشفهية إلى التدوين، ومن الرسائل الورقية إلى المحتوى الرقمي.

 جدتي كانت تردد دائمًا: "اللي يعرف أصله ما يضيع حتى في غربته". لم أفهم معنى هذه العبارة تمامًا عندما كنت صغيرة، لكنني اليوم أدركُ كل كلمة فيها. الهوية ليست شيئاً نمتلكه؛ بل شيء نحياه، نتمسك به، ونجدده مع الزمن. عُمان ليست مجرد وطن، إنها جزء منا، نروي قصصها بطرق مختلفة، لكنها دائمًا تعيش فينا، تتجدد معنا، وتبقى نابضة في قلوبنا.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف تقرأ حكاية شعبية.. ملحمة إيبونيا من مدغشقر.. جديد سلسلة آفاق عالمية بقصور الثقافة

صدر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، كتاب "كيف تقرأ حكايات شعبية.. ملحمة إيبونيا من مدغشقر" للكاتب لي هارينج، وترجمة نصر عبد الرحمن، عن سلسلة آفاق عالمية التى تعنى بنشر الأعمال المترجمة إلى اللغة العربية في الأدب والنقد والفكر في مختلف اللغات.

الكتاب قصة شعرية تسرد وقائع ملحمة محكمة من مدغشقر، ملحمة عن القوة والحب، قدمها لي هارينج للعالم. عبر هذا النص المحدث بعناية يلعب "هارينج" دور دليلنا الخبير وشاهد العيان يقدم لنا خلفية تاريخية مفيدة وتفسيرا عميقا، إلا أنه يشجعنا أيضا على الاهتمام بملحمة "إيبونيا" وحدها؛ لأنها تستحق الاهتمام في حد ذاتها، وتعد مثالا ثريا للأدب الملحمي الشفاهي، ومن خلال هذا العرض الرائع لمنتجات مدغشقر الشفاهية، يمكننا -نحن القراء- تقدير قيمة الأدب الشفاهي ودوره في فهم الثقافة البشرية.

يقول لي هارينج في مقدمة الكتاب: إحدى طرق تفسير "إيبونيا" أو ربما إحدى طرق الشروع في قراءتها هي التفكير فيها كحكاية خرافية. إنها سرد خيالي يتضمن مواجهات مع كائنات خارقة وأشخاص يعلمون الغيب، وتتضمن كذلك تعويذات وعناصر سحرية، يجري اختبار قدرة البطل على التحمل، ثم ينجح فى إنقاذ الأميرة بعد التغلب على منافسه، العناصر الأخرى في إيبونيا شائعة كذلك في الحكايات الشعبية، ومن بينها الكائنات السحرية التى تقدم المشورة للبطل كما تفعل الحيوانات والطيور فى القصص الخيالية. وكما هو الحال في معظم القصص الخيالية، ليس لدينا زمن محدد.

وعن منهجه يضيف: كيف يمكن قراءة نص أو فهمه أو تفسيره؟ اكتشفت طريقة للقيام بذلك في مكتبة ما كان يطلق عليه آنذاك جامعة مدغشقر، حين كنت أعمل فيها أستاذا زائرا في الفترة من 1975 إلى 1976 عثرت فوق الرفوف وعلى نحو غير متوقع على عدد كبير من الكتب المنشورة حول الفلكلور في مدغشقر. كانت مكتبة الجامعة والمكتبة الوطنية تتضمن عشرات النصوص التي لم تخضع للتحليل أو تترجم بعد. تحولت تلك النصوص إلى نوع من التحدي، وفي مواجهة العديد من الحكايات والأحجيات، والأمثال الشعبية والمعتقدات والعادات والكثير من الفلكلور. ابتكرت طريقة لقراءة هذه النصوص، قررت أن أقرأ القصائد والقصص وحتى الملاحظات الإثنوغرافية عليها، كما لو كانت نصوصا مسرحية كأنني أسمع أشخاصا يؤدون النصوص بأصواتهم.

ومدغشقر هي رابع أكبر جزيرة في العالم، وتقع في المحيط الهندي على بعد نحو 360 ميلا من موزمبيق على الساحل الشرقي لأفريقيا، استقرت فيها موجات من المهاجرين الإندونيسيين الذين وصلوا إليها عبر المحيط الهندي في الفترة من القرن السادس إلى التاسع الميلادي، تزامنا مع تطور الحضارة السواحيلية في شرق أفريقيا. ولقد أدى التقارب بين الإندونيسيين والأفارقة إلى قيام حضارة ملغاشية مبكرة، أسهمت في تطوير اللغة المستخدمة في كتابة ملحمة "إيبونيا".

الكتاب صدر بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة، ضمن إصدارات الإدارة العامة للنشر برئاسة الكاتب الحسيني عمران، التابعة للإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر د. مسعود شومان، رئيس تحرير السلسلة د. أنور إبراهيم، مدير التحرير جمال المراغي، سكرتير التحرير مها عبد الرازق، الإخراج الفني عبد العليم عبد الفتاح، وتصميم الغلاف وسام سامي.

طباعة شارك قصور الثقافة كتاب مدغشقر ملحمة إيبونيا سلسلة آفاق عالمية اللغة العربية

مقالات مشابهة

  • العرفي: قرارات اللجنة الاستشارية ليست ملزمة مما يضعف من فاعليتها
  • منتخب الشباب يغادر لخوض بطولة العالم في بولندا
  • قفل وحب للأبد .. حكاية شارع العشاق في قرية سياحية بالبحر الأحمر
  • المدينة المفقودة تحت الأهرامات.. خرافة تتجدد ورفض علمي يتصاعد
  • وزير الأوقاف: الطرق الصوفية لها دور وطني في الحفاظ على هوية المجتمع
  • كيف تقرأ حكاية شعبية.. ملحمة إيبونيا من مدغشقر.. جديد سلسلة آفاق عالمية بقصور الثقافة
  • في عيد ميلاده الـ33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد
  • إدارة سجون الاحتلال تلغي جميع زيارات الأسرى التي كانت مقررة اليوم
  • سيمون تحتفل بعيد ميلادها.. زهرة الفن المختلف التي زرعت البهجة وصنعت لنفسها طريقًا لا يُشبه أحدًا
  • باسل لا باسيل.. حكاية اسم وهوية