في مثل ذلك اليوم عام 1856، أصدرت الدولة العثمانية ما عرف بـ “فرمان الإصلاحات” أو “خط همايوني”، وهو مرسوم مهم يحمل تأثيرًا بالغًا على تاريخ الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر. تم إصدار هذا الفرمان تحت حكم السلطان عبد المجيد الأول، وكان بمثابة استجابة للتحديات الداخلية والخارجية التي واجهتها الإمبراطورية العثمانية في تلك الفترة.

أسباب الإصلاحات

في ظل تهديدات القوى الأوروبية، كانت الدولة العثمانية بحاجة ملحة إلى إعادة هيكلة النظام الإداري والقانوني لتحسين قدرتها على المنافسة. كما كان هناك رغبة في التخفيف من مشاعر التمرد داخل بعض الأقاليم، خاصة بعد سلسلة من الثورات التي قامت بها الأقليات المسيحية في الدولة. كما كانت القوى الغربية، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، تضغط على الدولة العثمانية من أجل إجراء إصلاحات تعزز من حقوق الأقليات وتحد من نفوذ النظام السلطاني التقليدي.

محتوى الإصلاحات

تضمنت إصلاحات خط همايوني العديد من البنود التي تهدف إلى تحديث نظام الدولة العثمانية وضمان حقوق مواطنيها. من أهم النقاط التي تضمنها:

1. المساواة أمام القانون: تم تأكيد حق جميع المواطنين العثمانيين في التمتع بالمساواة أمام القانون بغض النظر عن الدين أو الطائفة، مما كان خطوة هامة نحو تقليل التفرقة بين المسلمين والمسيحيين.

2. حرية الدين والمعتقد: كان الخطاب يشمل ضمان حرية الدين والمعتقد لجميع الأفراد داخل الدولة العثمانية، وهي خطوة كان لها تأثير كبير على الأقليات المسيحية في الإمبراطورية.

3. إصلاح النظام العسكري: شملت الإصلاحات تحسين وتحديث الجيش العثماني على النمط الغربي لضمان قدرته على مواجهة التهديدات الخارجية.

4. الإصلاحات الإدارية والقضائية: تم إنشاء محاكم مدنية جديدة، وكان الهدف هو تطوير النظام القضائي بحيث يكون أكثر عدلاً وأقل تأثراً بالتحيزات الطائفية.

ردود الفعل والتحديات

في حين رحب البعض بالإصلاحات باعتبارها خطوة ضرورية نحو الحداثة، فإن هناك من اعتبرها تهديدًا للنفوذ التقليدي للنظام العثماني. واجهت السلطات مقاومة شديدة من بعض القوى التقليدية، مثل رجال الدين وأمراء الأقاليم الذين شعروا أن هذه الإصلاحات ستؤثر على سلطاتهم.

كما أن القوى الأوروبية التي كانت تدفع نحو الإصلاحات لم تكن دائمًا متعاطفة مع تطبيقها، حيث كان لديهم أجنداتهم الخاصة في الشرق الأوسط.

التأثيرات طويلة المدى

على الرغم من أن العديد من هذه الإصلاحات لم تُنفَّذ بالكامل أو تعثرت في تطبيقها، إلا أن “خط همايوني” كان بداية لسلسلة من الإصلاحات التي تواصلت طوال القرن التاسع عشر، وكان له تأثير في تحديث العديد من جوانب الدولة العثمانية، بما في ذلك الإدارة والتعليم. كما أنه ساهم في تحفيز حركات الإصلاح داخل الإمبراطورية العثمانية التي استمرت حتى نهاية القرن.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: بريطانيا الدولة العثمانية الإمبراطورية العثمانية السلطان العثماني المزيد الدولة العثمانیة

إقرأ أيضاً:

ماذا تبقى من الدولة الفلسطينية ليتم الاعتراف بها؟

يتواصل التوجه الرسمي العالمي من دول كبرى للاعتراف بفلسطين بشكل رسمي خلال جلسات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المقرر انطلاقها في 9 أيلول/ سبتمبر 2025، مع التأكيد على تواصل دعمها لتسوية فلسطينية-إسرائيلية على مبدأ حل الدولتين.

ويأتي قرار بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا المشروط والمرتقب للاعتراف بفلسطين، بعدما اعترفت كل من أيرلندا والنرويج وإسبانيا وسلوفينيا وأرمينيا، إضافة إلى الباهاماس وجامايكا وترينيداد وتوباغو، بفلسطين خلال عام 2024.

وطُرح مفهوم حل الدولتين لأول مرة بشكل رسمي في خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947، المعروفة بالقرار 181، والذي أوصى بإنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية مع وضع دولي خاص لمدينة القدس، وهو ما تبنّته مختلف مبادرات السلام منذ ذلك الحين.

ورغم الإجماع الدولي على هذا التوجه، وتمسك السلطة الفلسطينية به، وتحديث حركة حماس لوثيقة المبادئ والسياسات العامة الخاصة بها للقبول بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، عملت "إسرائيل" على رفض العديد من الجوانب الجوهرية لهذا الحل، وخلقت واقعًا على الأرض يجعل من الصعب أو المستحيل إقامة هذه الدولة.

يقوم حل الدولتين المقترح على مجموعة من الأسس والمبادئ التي تهدف إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني من خلال إقامة دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب، وفيها يلي أبرز هذه الأسس التي عملت "إسرائيل" على ضمان عدم تحقيقها.
الحدود
تتمثل الحدود بإقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل حرب 1967، وتشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، بينما تكون المدينة ككل عاصمة مشتركة، مع إمكانية تبادل محدود في الأراضي بالاتفاق بين الطرفين.


وطوال سنوات، تطور الموقف الإسرائيلي إلى رفض رسمي وفعلي للانسحاب الكامل إلى حدود 1967، مع اعتبار الضفة الغربية "أرضًا متنازعًا عليها" وليست "محتلة"، مع إقرار الكنيست في تموز/ يوليو 2025، قرارًا غير ملزم يدعو إلى ضم رسمي للضفة، مؤكدًا أن المستوطنات المترامية الأطراف جزء لا يتجزأ من "أرض إسرائيل".

واعتبرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، خاصة منذ حكم نتنياهو، أن حدود 1967 غير قابلة للدفاع، وترفض العودة إليها.

وجرى خلال ذلك توسيع المستوطنات بشكل واسع، خاصة في مناطق "سي"، وبناء جدار الفصل العنصري الذي يبتلع أراضي فلسطينية خلف خطوط 1967، وضم فعلي لأراضٍ عبر البنية التحتية، الطرق الالتفافية، والسيطرة الأمنية.

وتُقسَّم الضفة الغربية بموجب اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995 إلى ثلاث مناطق، ضمن سياسة فرضها الاحتلال الإسرائيلي لتفتيت السيطرة الفلسطينية.

وتشكّل المنطقة "أيه" نحو 18 بالمئة من الضفة وتخضع إداريًا وأمنيًا للسلطة الفلسطينية، بينما تخضع المنطقة "بي" التي تمثل حوالي 21 بالمئة، لسيطرة إدارية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، أما المنطقة "سي"، التي تبلغ نسبتها أكثر من 60 بالمئة، فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية كاملة لـ"إسرائيل"، وتضم معظم المستوطنات، وتُعد الشريان الحيوي للموارد والمساحات المفتوحة.

وتم الاتفاق على أن هذا التقسيم سيكون مؤقتًا لخمس سنوات، وخلالها تُستأنف مفاوضات "الوضع النهائي" بشأن قضايا كبرى مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه، وكان يُفترض أن يتم نقل المزيد من الأراضي إلى السلطة الفلسطينية تدريجيًا، ولكن ذلك لم يحدث بسبب تعثّر المفاوضات وتوسع الاستيطان.

وقد تحولت هذه التقسيمات عمليًا إلى نظام فصل عنصري، حيث يُقيَّد الفلسطينيون في جيوب معزولة غير متصلة، مع تضييق كبير على البناء والتنقل، مقابل حرية شبه مطلقة للمستوطنين في التنقل والتوسع داخل المناطق نفسها.

ويُحظر على الفلسطينيين البناء في المنطقة "سي" دون تصاريح نادرًا ما تُمنح، ما أدى إلى تهجير قسري وهدم جماعي للمنازل والمنشآت الأساسية.

ويتعرض قطاع غزة منذ عام 2007 لحصار شديد تصاعد خلال السنوات الماضية، وهو ما تطور في أربع مناسبات إلى حروب مختلفة، وصولًا إلى حرب الإبادة المستمرة التي دمرت معظم أنحاء القطاع مع احتلال أجزاء كبيرة منه، مع استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وصولًا إلى المجاعة الشاملة.

القدس
يطرح مقترح حل الدولتين تقسيم القدس إلى جزئي يكون الغرب لـ"إسرائيل" والشرق لفلسطين، مع عمل نظام خاص لإدارة الأماكن المقدسة بضمانات دولية.


ويعتبر الاحتلال القدس حاليًا "العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل"، بموجب قانون أساس أقره الكنيست، ويرفض بشكل قاطع تقاسم السيادة عليها أو الاعتراف بجزئها الشرقي كعاصمة لفلسطين.

ويعمل الاحتلال على تهويد القدس وسحب الهويات من الفلسطينيين وهدم المنازل ودعم الجمعيات الاستيطانية مثل "عطيرت كوهانيم"، مع إنشاء مشاريع ضخمة لتغيير الطابع الديموغرافي مثل "القطار الخفيف"، وحديقة "الطور الوطنية".

رغم أن الموقف الدولي الرسمي هو حل الدولتين مع تقاسم السيادة على مدينة القدس، تتوجه العديد من الدول حول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، للاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" ونقل سفارتها إليها، دون اعتراف مماثل بفلسطين.

اللاجئون وحق العودة
وبحسب الحل المتفق عليه لقضية اللاجئين استنادًا إلى القرار الأممي 194، فإن قضية اللاجئين من المفترض أن تشمل العودة إلى الدولة الفلسطينية والتعويض والتوطين في دول أخرى أو في حدود 1948 بموافقة إسرائيلية محدودة.

ومن المفترض وضع حل عادل ومتفق عليه للقضية، تعلن "إسرائيل" عن رفض قاطع لحق العودة إلى داخل حدود "إسرائيل"، باعتباره "خطرًا وجوديًا" يغير الطابع اليهودي للدولة، وتعتبر الأمر بالنسبة لها من "الثوابت" غير القابلة للتفاوض.

ولم يحصل أي نقاش رسمي إسرائيلي حول تنفيذ القرار 194، مع حملات دولية لتقويض دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وتجفيف دعمها، ما يضعف البنية المؤسسية لقضية اللاجئين.

وفي 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، صدّق الكنيست نهائيًا وبأغلبية كبيرة على قانونين يمنعان "الأونروا" من ممارسة أي أنشطة داخل الأراضي المحتلة وسحب الامتيازات والتسهيلات منها ومنع إجراء أي اتصال رسمي بها.

وتزعم "إسرائيل" أن موظفين لدى "الأونروا" شاركوا في هجوم حركة حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وهو ما نفته الوكالة، وأكدت الأمم المتحدة التزام الأونروا بالحياد، وتتمسك بمواصلة عملها، وترفض الحظر الإسرائيلي.

وتعاظمت حاجة الفلسطينيين إلى الأونروا، أكبر منظمة إنسانية دولية، تحت وطأة حرب إبادة جماعية شنتها إسرائيل بدعم أمريكي على قطاع غزة.

وعملت "إسرائيل" على إلغاء دور الوكالة الأممية الإغاثي في قطاع غزة عبر منعها من استقبال وتوزيع المساعدات، مع تشكيل "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة أمريكيًا والمتهمة بالضلوع في قتل الفلسطينيين بمهمة توزيع المساعدات حصرًا.

السيادة والإجماع
ورغم أن حل الدولتين يتضمن ضرورة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على أراضيها، مع ترتيبات أمنية تمنع استخدام الأرض ضد "إسرائيل"، يطالب الاحتلال بحق الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية الكاملة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، ويرفض أي وجود عسكري فلسطيني مستقل.


وأكد نتنياهو في أكثر من مناسبة أن "أي كيان فلسطيني مستقبلي يجب أن يكون منزوع السلاح بالكامل"، وهو ما يناقض مفهوم السيادة الوطنية.

وتتحكم "إسرائيل" بكل المعابر والحدود، وتفرض حصارًا على قطاع غزة منذ عام 2007، وتمنع الفلسطينيين من السيطرة على أجوائهم أو مياههم الإقليمية. وتتحكم أيضًا في سجل السكان، والنظام الضريبي، وحركة البضائع، ما يجعل الكيان الفلسطيني، في أحسن حالاته، أقرب إلى حكم ذاتي محدود تحت السيادة الإسرائيلية.

ورغم الإجماع العربي والدولي على مبادرة السلام العربية الصادرة عام 2002، التي تقترح تطبيعًا شاملًا مع "إسرائيل" مقابل انسحاب كامل من الأراضي المحتلة، ترفض "إسرائيل" هذه المبادرة ولم تُقدّم أي رد رسمي عليها حتى اليوم.

كذلك، ترفض "إسرائيل" أي محاولات من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو اللجنة الرباعية الدولية لفرض إطار زمني للحل، وتعتبر أي ضغوط دبلوماسية "فرضًا خارجيًا غير مقبول"، ما يضع عملية السلام في حالة شلل دائم.

وأقدمت دول عربية على التطبيع الكامل مع "إسرائيل" ضمن "اتفاقيات أبراهام" دون أي مكتسبات للقضية الفلسطينية، بينما تناقش دول أخرى الإقدام على ذات الخطوة، إلا أن حرب الإبادة المستمرة عقدت هذا التوجه، وسط مطالبات بوقف الحرب وحل حقيقي للقضية الفلسطينية.

مقالات مشابهة

  • "تحالف القوى الفلسطينية" يرفض محاولة عباس فرض انتخابات إقصائية
  • ماذا تبقى من الدولة الفلسطينية ليتم الاعتراف بها؟
  • عناية عز الدين تشكر المعزّين بوفاة والدها
  • مفكر سياسي: ترامب أدخل حالة الفوضى التي حاول من خلالها التحكم بكل مفاصل الدولة
  • قبلان: لا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية التي تحمي لبنان
  • «عمومية القوى» تستعرض تعديلات النظام الأساسي ولائحة الانتخابات
  • عون يمهّد للقرار الحكومي: الاستقرار أو الانهيار وليكن رهانكم على الدولة وحدها
  • “بن شرادة” يحذر من استئثار البعثة الأممية بصناعة السلطة المقبلة دون إشراك القوى وشرائح المجتمع
  • برلماني: التظاهر أمام سفاراتنا محاولة مريبة تستهدف التشكيك في الدور الوطني لمصر
  • عون: لبنان أمام خيارين «الانهيار أو الاستقرار» والجيش هو الضامن الأساسي للأمن