عربي21:
2025-12-02@03:43:20 GMT

حملة ترامب ضد البحث العلمي هي فرصة للعرب

تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT

ربّ ضارة نافعة، فحين يشن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حملة شرسة لتقليص الإنفاق على البحث العلمي، ما يؤدّي إلى إبطاء تطوّره وإلى إضعاف المؤسسات التي تقوم به، تصبح الولايات المتحدة أقل جاذبية للعلماء، وتنفتح أمام العالم العربي فرص جديدة لإنشاء مراكز أبحاث متطوّرة، بمستويات عالية لا تقل عن نظيراتها الأمريكية والأوروبية والشرق آسيوية، تجتذب إليها طاقات علمية، بعضها من ضحايا حملة ترامب لإخضاع البحث العلمي لأجندته ولسياساته الرأسمالية المتوحّشة.

طفرة علمية عربية هي أمر ممكن، لأن الرأسمال العلمي العربي موجود، هناك رأس وهناك مال، والمطلوب الجمع بين الاثنين وإنهاء حالة الجفاء والقطيعة بينهما، التي هي من أهم أسباب التخلّف النسبي للبحث العلمي في العالم العربي. مراكز بحثية متطوّرة يمكنها أن تستقطب طاقات علمية عربية وغير عربية وتساهم في النهوض في إنتاج ونشر المعرفة العلمية والابتكار التكنولوجي واستخداماته.

حملة ترامب ضد البحث

أوكل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الملياردر أيلون ماسك وزارة «كفاءة الحكومة»، ومهمها زيادة النجاعة وخفض الإنفاق الحكومي ووقف ما يسمى «التبذير» وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وإغلاق مؤسسات كاملة «فائضة عن الحاجة». وكالثور الهائج بدأ ماسك مهمته محاولا إثبات أنه ينجح في تقليص الصرف الفيدرالي بالمليارات، مدعيا أن بإمكانه توفير 2 تريليون دولار سنويا. وانقضت حملة ترامب – ماسك على واحدة من أهم مؤسسات دعم البحث البيوميديكالي في العالم وهي «المؤسسة الوطنية للصحة ـ إن.آي.إيتش»، التي وصلت ميزانية الدعم التي أنفقتها العام الماضي إلى 32 مليار دولار. وادّعى ماسك أن المؤسسات البحثية تقتطع 60% من منحها لصالحها، ولا يبقى للبحث نفسه، وفق الادعاء، سوى 40% المبلغ الذي منحته «المؤسسة الوطنية للصحة». وبناء عليه أصدر قرارا بأن يكون سقف الاقتطاع لصالح «المصاريف العامة غير المباشرة» لأي بحث لا يتجاوز نسبة 15%.

ويعني ذلك «توفير» ما يقارب 4-5 مليارات دولار سنويا. لقد قررت محكمة فيدرالية تجميد القرار، لكنّها لم تلغه، ومن المؤكّد أن إدارة ترامب لن ترفع يدها وستحاول بشتّى الطرق خفض الإنفاق الحكومي على البحث العلمي. ويأتي ذلك ضمن ثلاثة سياقات:
*الأوّل، هو اعتماد سياسية ليبرتارية – يمينية تهدف إلى تقليص التدخل الحكومي في الحركة الاقتصادية والإبقاء عليه في الحد الأدنى، وهذا ينسحب على كل المجالات، بما فيها البحث العلمي، ويدفع باتجاه الاتكاء أكثر على تمويل القطاع الخاص للأبحاث العلمية، بالأخص في مجالات الطب والصيدلة والحوسبة والزراعة والصناعة. المشكلة الكبرى هي أن ما يحكم القطاع الخاص هو مبدأ الربح، وعليه فإن تراجع مشاركة الحكومة يزيد من انحسار البحث العلمي العام، الذي لا يدر أرباحا مباشرة، لكن على أساسه يجري تطوير تكنولوجيات وبضائع.

*الثاني، شرعت إدارة ترامب في تغيير «سياسة البحث العلمي»، واستبدالها بسلم أولويات جديد يشمل تقليصا حادا في أبحاث البيئة والجندر والتطعيمات (وزير الصحة الأمريكي الجديد يعارض التطعيم من حيث المبدأ) ونقل ميزانيات إلى تطوير الحواسيب الحكومية وتقنيات الليزر الحربية. الإدارة لا تقول صراحة بأنها تهدف إلى خفض الإنفاق على البحوث الصحية والطبية، لكنّها تفعل ذلك.

الانقلاب الدراماتيكي في سياسات البحث العلمي في الولايات المتحدة، يتسبب في هزات ارتدادية محلية وعالمية. ويبدو أن عشرات الآلاف من العاملين في هذا المجال سيفقدون عملهم *الثالث، يسعى ترامب إلى فرض «الترامبيزم» والأجندة اليمينية المحافظة على الجامعات، من خلال التهديد بقطع الميزانيات عنها وفرض عقوبات عليها. فالجامعات التي «تساهلت» برأيه مع الاحتجاجات ضد حرب الإبادة الإسرائيلية في غزّة يجب أن تعاقب. وكذلك بدأت إدارة ترامب بقطع الدعم عن مؤسسات تعليمية تلزم بالتطعيم المضاد لكورونا، وكذلك بحجب الميزانيات عن تلك التي تعتمد سياسة «التنوّع والعدالة والاندماج»، التي تفتح المجال أمام الفئات المستضعفة للحصول على تعليم جامعي. ويدعي ترامب أن هذا يأتي على حساب «الرجال البيض والكفاءة».

ما المشكلة؟

تحصل مراكز الأبحاث الأمريكية على ميزانيات حكومية فيدرالية للبحوث في مجالات العلوم الأساسية، وتقوم الشركات بالاستثمار في مشاريع التطوير والابتكار لإنتاج تكنولوجيا وسلع جديدة. القرار بفرض تقليص على «الصرف غير المباشر» في المؤسسات البحثية في الجامعات والمستشفيات، يؤدّي في أحسن الأحوال إلى إبطاء تطور ابتكار علاجات جديدة للأمراض. لكن المشكلة أكبر بكثير، فميزانية البحث غير المباشرة تغطّي نفقات المؤسسة على تنفيذ البحث من مختبرات وأجهزة وصيانة وإدارة ورواتب وغيرها. تقليص نسبة هذه الميزانية إلى 15% فقط سيضعف قدرة بعض المؤسسات البحثية، خاصة الصغيرة منها، على القيام بالأبحاث، وقد يؤدّي إلى تسريح آلاف الباحثين، وإلى وقف مشاريع بحثية وحتى إغلاق قسم من المؤسسات بالكامل. من الناحية العملية، وفي مجال العلاج الدوائي، تؤدّي سياسة ترامب إلى حجب تطوير أعداد كبيرة من الأدوية والتقنيات الطبية، وبالتالي تسبب ضررا مباشرا للملايين من البشر في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم كافة. القطاع الخاص لا يحل المشكلة لأنّه معني، بطبيعته، بالمراحل الأخيرة من المسيرة البحثية، التي تنصب على ابتكار الأدوية وتدر الأرباح. كما أن القطاع الخاص لا يتعامل «مجانا» مع ما يسمّى «الأدوية اليتيمة»، لأنها غير مربحة، ومنها مضادات حيوية فعّالة ضد بكتيريا «عنيدة»، لكنّ استعمالها محصور بالحالات المستعصية، القليلة نسبيا، وبالتالي مبيعات أدويتها محدودة وغير مغرية لشركات الأدوية. انحسار مشاركة الحكومات وتوسيع دور القطاع الخاص في مجال البحث العلمي عموما، وفي مجال الصحة على وجه الخصوص، يزيد من خضوع عملية تطوير المجال الصحي لمعادلات الربح، ما يؤدي إلى أضرار كبرى لصحة الأفراد والمجتمع.

الفرصة العربية

الانقلاب الدراماتيكي في سياسات البحث العلمي في الولايات المتحدة، يتسبب في هزات ارتدادية محلية وعالمية. ويبدو أن عشرات الآلاف من العاملين في هذا المجال من باحثين وفنيين سيفقدون عملهم. وعبّر عدد من مديري المستشفيات والجامعات عن خشيتهم من حالة «عدم اليقين» بالمستقبل التشغيلي في أقسام البحث في مؤسساتهم. ويدفع هذا التطوّر إلى تبريد حمّى هجرة الأدمغة، فمن كان يغريه الانتقال «بدماغه» إلى الولايات المتحدة، سوف يتردد كثيرا، كما من المتوقّع أن يشعر الباحث الأجنبي بعدم الاطمئنان البحثي والوظيفي، ما قد يدفعه للتفكير في العودة إلى بلده الأصلي أو إلى موقع جديد آخر. هذه الحالة هي فرصة ذهبية للعالم العربي للقيام بحملة واسعة لتطوير البحث العلمي، واجتذاب علماء عرب مهاجرين ووقف هجرة الأدمغة، وإنشاء مراكز أبحاث متطوّرة جديدة ورفع مستوى المراكز القائمة. لقد أقيمت في الدول العربية مؤسسات بحثية رائدة ومهمّة مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في السعودية، و»مؤسسة قطر»، و «المركز الوطني للبحث العلمي» في المغرب، و»المركز القومي للبحوث» في مصر. ولكن هذا «الوجود» البحثي العربي غير كاف بالمرة، ليس قياسا بالعالم فحسب، بل بميزان القدرات والطاقات العربية، من حيث الموارد المالية والبشرية.

بعد حصوله على جائزة نوبل، اقترح العالم المصري الكبير المرحوم أحمد زويل، إقامة مركز أبحاث عربي بمستوى عالمي، وقال في مقابلة تلفزيونية: «نحن بحاجة إلى 5 مليارات دولار لإنشاء مثل هذا المركز»، ما اقترحه زويل عمليا، كان إحداث «طفرة» سريعة تختصر المسافات، وليس الركون إلى التطوير التدريجي البطيء. السرعة العادية في التطوّر هي في الواقع رجوع إلى الخلف، لأن العلوم والتكنولوجيا تتطوّر في العالم بتسارع لم يسبق له مثيل. ميزانيات البحث العلمي الحالية في العالم العربي تتراوح بين صفر إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية. هذه نسبة منخفضة تنعكس في مكان منخفض للدول العربية ولجامعاتها في المقاييس العالمية لمستوى البحث العلمي، إضافة إلى ضعف الإنفاق على البحث العلمي تعاني الدول العربية من مشكلة هجرة العقول، ومن قلة التعاون الدولي، ومن البيروقراطية ومن ندرة الربط بين البحث العلمي والصناعة. لقد كان على العالم العربي أن يتلقف اقتراح زويل في حينه، لأنه صحيح في حد ذاته. لكنه أصبح أكثر إلحاحا هذه الأيام في ظل التحديات الحضارية والاجتماعية والتنموية والأمنية الكبرى التي تواجه الوطن العربي. الأمر الجيد هنا أن ما هو مطلوب، ممكن، خاصة مع بروز فرصة لهجرة مضادة للأدمغة. تحويل الممكن إلى موجود بحاجة لإرادة ولقرار: إقامة مراكز أبحاث عربية متطوّرة، تجتذب الباحثين العرب وغير العرب، وتشكّل رافعة للنهوض بالشعوب العربية وبدولها. لو اجتمع العرب على ذلك، لأحدثوا معجزة علمية، وإذا اتفقت مثلا مصر والسعودية وحدهما على ذلك، لأصبح عندنا علم نضاهي به الأمم.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب الولايات المتحدة العربي الولايات المتحدة العرب ترامب مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة العالم العربی البحث العلمی القطاع الخاص حملة ترامب فی العالم

إقرأ أيضاً:

العثور على “زهرة الأشباح” بعد 13 عاما من البحث

29 نونبر، 2025

بغداد/المسلة: بعد ثلاثة عشر عامًا من البحث المتواصل في الغابات المطيرة بجزيرة سومطرة، تمكن عالم الأحياء الإندونيسي سبتـيان “ديكي” أنديكيـتا من العثور على واحدة من أندر الزهور في العالم: “رافليسيا هاسيلتي”، المعروفة بلقب “زهرة الأشباح” بسبب صعوبة رصدها وظهورها المفاجئ ثم اختفائها سريعًا.
وجاء الاكتشاف بعد سنوات طويلة من العمل الميداني الشاق داخل الأدغال الكثيفة التي تشتهر بوجود النمور السومطرية، ما جعل عمليات البحث محفوفة بالمخاطر.
وقد وثق الباحث لحظة العثور على الزهرة في مقطع فيديو مؤثر نشره جامعة أكسفورد، ولاقى انتشارًا واسعًا في الأوساط العلمية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

ويظهر أنديكيـتا في الفيديو جاثيًا على ركبتيه بين أوراق الغابة، والدموع تملأ وجهه بينما يضيء بمصباحه اليدوي على الزهرة النادرة التي كان يحلم برؤيتها منذ أكثر من عقد.

وبدت عليه صدمة ممزوجة بالفرح والإنهاك، بينما وقف زميله لدعمه في تلك اللحظة التاريخية بالنسبة لمسيرته البحثية.

وتُعد “زهرة الأشباح” من أشهر النباتات الطفيلية في العالم، وتشتهر بندرتها وصعوبة تتبعها، إذ تنمو لفترات قصيرة وتختفي تمامًا لسنوات، ما جعل العثور عليها إنجازًا علميًا لافتًا بعد رحلة طويلة من الإصرار والمثابرة، ومعظم المواد المتعلقة بها تتكون من رسوم توضيحية تعود إلى القرن التاسع عشر.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • رئيس الدولة بمناسبة عيد الاتحاد الـ 54: نريد جيلاً متمسكاً بهويته الوطنية وقيمه وفي قلب التطور العلمي والتكنولوجي
  • رينارد: كأس العرب فرصة جيدة للسعودية قبل المشاركة في «المونديال»
  • في اليوم العالمي لمكافحة الإيدز.. ما هي المصاعب التي تواجه المرضى في العالم العربي؟
  • النائب حسين الحاج حسن: حملة التهويل التي تشن على لبنان هي لتخويفنا
  • ترامب: هناك فرصة جيدة للتوصل إلى اتفاق بين موسكو وكييف
  • ملتقى الباحثات العربيات يناقش دعم حضور المرأة في البحث العلمي والابتكار
  • رئيس البرلمان العربي يدين الاعتداءات الإسرائيلية على الجمهورية العربية السورية
  • دول العالم الثالث التي حظر ترامب استقبال المهاجرين منها:
  • مناقشة التعاون في مجال البحث العلمي والاستزراع السمكي في الحديدة
  • العثور على “زهرة الأشباح” بعد 13 عاما من البحث