من نيروبي – إعلان وفاة الدولة القديمة
تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT
تأتي رمزية ذهاب السودانيين جنوباً نحو عمقهم الأفريقي، كدلالة واضحة على وصولهم لقناعة راسخة، بأنه لم يعد التمسك بالوجهة الأحادية القديمة يجدي نفعا، وأن الحلول الناجعة للمعضلات الوطنية دائماً مصدرها أفريقي – أديس أبابا ونيفاشا، مع وجوب الاعتراف الصريح، بحقيقة أن أسباب الموت وحريق القنابل يأتينا من العمق الشرق أوسطي، لذا وجدنا ضالتنا في أمنا إفريقيا (ماما آفريكا)، الحضن الموثوق، فلم نر من اثيوبيا وكينيا ويوغندا وافريقيا الوسطى وتشاد، غير الترحاب والأبواب المشرعة، بعكس الشرق الأوسط، الذي زوّد جماعة الإخوان المسلمين بالطيران الحربي، القاصف لرؤوس المدنيين في نيالا والكومة ومليط وام درمان والخرطوم، فالسودان هواه افريقي، لكن صفوة دولة السادس والخمسين كسرت عنق الانتماء، وحاولت أن تستظل تحت ظلال العيدان المعوجة، في محاولات يائسة لإقناع الناس بأن الظلال مستقيمة، في عناد أحمق لسيرورة التفاعل الوجودي للمجتمعات، فكل من يأتي من الحضن الأفريقي صادق، وجاد، يسعى لتحقيق مصالح السودانيين، وليس السحق الوجودي والإبادة الجماعية بحقهم، ومن الرسائل القوية الموجهة إلى كل نخبوي متمركز متحجز العقل، عبر المحاضرة الرائعة التي ألقاها القائد عبد العزيز الحلو، الكاشفة لجوهر الصراع في بلادنا، وتذكيره برؤية السودان الجديد منذ انطلاقة شرارة ثورة الحركة الشعبية، في العام ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين، ألا وهي ظلم المركز للهامش، الطرح المتسبب في حكة وكحة وسعال، للمحسوبين على المنظومة القديمة – أصحاب الامتيازات التاريخية، الذين لديهم رفض مطلق للعدالة الاجتماعية.
إعلان حكومة السلام يعتبر المرحلة الأولى في وضع الأساس، الذي عليه يتم تأسيس بنيان الدولة الجديدة، لذلك يتطلب هذا التأسيس مقدرات فكرية قويّة، تتناسب مع قوة سواعد الأشاوس الذين حملوا البندقية، وأرغموا أنوف سدنة المعبد القديم، وأجبروهم على الخروج من وكر الجريمة صاغرين، ميممين وجوههم شطر الميناء الأول، تاركين خلفهم البصمات الدالة على مواقع حوافر أقدامهم الموثقة لخيباتهم، فبذات قدر فعل الجنود القابضين على الزناد، يجب أن يتحمل الأمانة من استأمنهم الشعب على ميلاد حكومة السلام المترجمة لغضبة الأشاوس الحليمة، وليعلم المؤتمرون أن انفضاض سامرهم لابد وأن تكون خلاصته، وضع الخطوات الراسخة لإنهاء وجود الدولة المركزية القديمة، منظومة المفاهيم الثقافية والسياسية والاجتماعية، التي اقعدت بالبلاد وحرمتها النهضة التنموية المستحقة لسبعة عقود، بعد أن أحرقت كل كروت الابتزاز والتضليل، ابتداءً من إعلان حرب الجهاد ضد الجنوب المسيحي، مروراً بارتكاب جرائم التطهير العرقي بحق سكان دارفور، بحجة أنهم لا يشبهون الملمح الثقافي الاجتماعي المركزي، رغم إسلامهم الذي يتفوقون به على كهنة المركز أنفسهم، لكسائهم بيت الله المقدس ، ثم أخيراً بمشروع طرد (عربان الشتات الأجانب)، الذين لقنوا كتائب المركز العقدية المتطرفة الدرس تلو الآخر، فاجتماع الأحرار بالعاصمة الكينية مثله كمثل الاصطفاف لأداء صلاة الجنازة، وقراءة الفاتحة على روح الفقيدة (دولة السادس والخمسين)، بتاريخها الطويل من الحروب التي قادها جيشها الكسيح ضد السكان – جنوباً وشرقاً وغرباً وشمالاً.
لقد صرخ بقايا فلول النظام البائد والمرتزقة من أمراء حروب دارفور، القابعين على ضفاف البحر الأحمر، والمختبئين خلف المحار والشعب المرجانية خوفاً على مصيرهم المحتوم، ألا وهو سحب بساط السلطة التي اغتصبوها من تحت أقدامهم وهم ينظرون، فقد أضاعوا كل فرص السلام ووقف نزيف الدم، بتعنتهم وحمقهم وسوء نواياهم وجرائمهم المنظمة، واستخفافهم بالآخر وتكبرهم وتجبرهم، حتى أتاهم اليقين، وظنوا ظن السوء بأن الله غافل عما يعمل الظالمون، من حرمان المواطنين حقوقهم المدنية (إًصدار وتجديد الجوازات والبطاقات القومية)، وتشريعهم لما يسمى (قانون الوجوه الغريبة)، في عنصرية بغيضة لم تشهد حتى جنوب إفريقيا مثيل لها، فضلاً عن حرمان طلاب الشهادة السودانية الجلوس للامتحان، وإصدارهم لأحكام الإعدام بحق مواطنات سودانيات صنفهن مساعد قائد الجيش ياسر العطا، بأنهن ينتمين لقبائل أطلق عليها (حواضن المليشيا)، وقد ذكر بصريح العبارة أسماء تلك القبائل، في تبجح سافر لم يسبقه في ذلك حتى اللورد قائد حملة غزو السودان، وهو لا يعلم بأن غالب الشعب قد كفر بعقيدتهم الجهوية القبلية الإثنية الصارخة، وأنه لن تجديهم أحكام الإعدام التي أصدروها بحق فتيات لم يرتكبن جريمة، غير انتمائهن للقبائل المغضوب عليها التي خصها بالذكر، لم يترك فلول النظام البائد والأجراء من مرتزقتهم للسودانيين مجالاً، غير أن تكون لهم حكومة ترعى شئونهم وتقضي حوائجهم، واصبح الأمر فرض عين، لا مناص بعده من الانخراط في أي فعل يؤدي إلى إيجاد منظومة حكومية، تقوم على خدمة الملايين المنتهكة أرواحهم واموالهم وأعراضهم.
إسماعيل عبد الله
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الخارجية الفلسطينية: «إعلان نيويورك» فرصة تاريخية لتجسيد حل الدولتين وتحقيق السلام
رحبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية بإعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين والذي اعتمدته الرئاسة المشتركة السعودية وفرنسا للمؤتمر الدولي، ورؤساء مجموعات العمل.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية وفا عن الخارجية، أن هذا الإعلان يشكل لحظة تاريخية فارقة للاعتراف بدولة فلسطين واحترام حقوق الشعب الفلسطيني وصولا للسلام والأمن والاستقرار، وإنهاء عدوان الاحتلال الإسرائيلي.
وثمنت "الخارجية" التزام الدول باتخاذ خطوات ملموسة ومحددة زمنيا ولا رجعة فيها وفي أسرع وقت ممكن، لتجسيد دولة فلسطين المستقلة، ذات السيادة، والقابلة للحياة وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي لها، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومرجعيات مدريد، بما في ذلك مبدأ الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية، والقائم على إنهاء الاحتلال، وحل جميع القضايا العالقة وقضايا الوضع النهائي، وإنهاء جميع المطالبات، وتحقيق سلام عادل ودائم، وضمان الأمن والسيادة لجميع دول المنطقة، كما تثمن الوزارة الدعم الدولي غير المسبوق الذي عبر عنه المؤتمر لتمكين دولة فلسطين من ممارسة ولايتها السياسية والقانونية على كامل أرض دولة فلسطين بما فيها قطاع غزة.
وشكرت الدول التي عبرت عن مواقفها الواضحة بشأن الاعتراف بدولة فلسطين باعتباره مساهمة في السلام وفي الحفاظ على الحل الوحيد، حل الدولتين.
وشددت، على ضرورة أن تتحمل دول العالم مسؤولياتها في وقف العدوان ضد الشعب الفلسطيني وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة ومنع المجاعة، ووقف إطلاق النار في سائر الأرض الفلسطينية المحتلة، ومنع التهجير القسري.
كما أشادت بالتزام الدول في حشد الدعم السياسي والمالي لتحمل حكومة دولة فلسطين مسؤولياتها في قطاع غزة، وفي سائر الأرض الفلسطينية المحتلة، ودعمهم للخطة العربية الإسلامية في التعافي وإعادة الإعمار لقطاع غزة.
وأكدت الخارجية أن هذا الإعلان وما يرافقه من مخرجات لعمل لجان العمل الثمان يشكل خطة عملية فعالة على المستوى السياسي، والاقتصادي، والقانوني، والأمني، وتنفيذها الجدي ضمن جدول زمني واضح سيدعم أسس السلام، والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
ودعت، الدول المشاركة في المؤتمر وجميع الدول للانضمام إلى الإعلان باعتباره الأداة العملية لبناء زخم دولي لتنفيذ حل الدولتين وبناء مستقبل أفضل من خلال اتخاذ خطوات عملية وفعالة لتحويل الخطابات، والبيانات إلى أفعال والتزامات من الدول، وتحويل هذه الأفعال إلى عدالة تطبق على حقوق الشعب الفلسطيني وبما يقدم ضمانات دولية قوية حاسمة نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
اقرأ أيضاًالخارجية الفلسطينية تدين «مجزرة المجوعين» في رفح.. وتطالب بوقف فوري للإبادة
الخارجية الفلسطينية تُحذر من تداعيات فرض السيطرة الإسرائيلية على الحرم الإبراهيمي بالخليل
الخارجية الفلسطينية تدين تخريب مستوطنين إسرائيليين آبار مياه في رام الله