كتب الوزير السابق جوزف الهاشم في" الجمهورية": يحقُّ لي، أنْ أتوجّه بصرخةِ رفضٍ وشجبٍ لأيِّ انحراف عن المسلكيّات الشيعيّة الراقية، وليس لأحدٍ أن يتّهمني بالخصومة أو بالتجنّي.مثلما اعتبرَ أنّ المسيحي الذي يعيش الإسلام حضارة وروحاً وحركة يحقّ له أنْ يبحث القضايا الإسلامية التي يمتلك عناصرها المعرفية... .
الشيعة التي رفعنا لواءَها على حدِّ اللسان والقلم، هي الشيعة التي تغنّى بها: جبران خليل جبران، وأمين نخله، ومخايل نعيمه، وأمين الريحاني، وجرجي زيدان، وبولس سلامه، وسعيد عقل، وفؤاد إفرام البستاني إلى سائر الأدباء والشعراء المحدثين من المسيحيّين اللبنانيّين؟
الشيعة التي نعرفها وتعرفنا ويعرفها العالم الحرّ، هي شيعة الفضائل والمفاخر والعفّة والورع والعدالة والصفح والتسامح. هي شيعة التسامي الروحاني والإنساني... هي شيعة المقاومة الصارمة في وجه الظلم. هي شيعة القي مالأخلاقية والوطنية والوحدة اللبنانية. هي شيعة المنائر الفكرية والعلمية وأصحاب المقامات الجلائل في جبل عامل...
تأكيداً لما أعلنته حركة أمل فإنّ تهديد السلم الأهلي وزعزعة الوحدة اللبنانية،وعرقلة نهوض الدولة - عدا عن كونها تعرّض مرحلة المعافاة للخطر - فهي العْجلُ الذهبي الذي يطمح إليه العدو الإسرائيلي للإنقضاض على لبنان.
الطائفة الشيعية الكريمة غنّية بتاريخ عريق وتراثٍ إنساني مجيد، وهي اليوم تمتلك من الطاقات والقدرات والحوافز ما يجعلها بارزة في نشاطها الوطني للمساهمة في إعلاء شأنها وشأن لبنان.
من هنا، وفي مناسبة تشييع السيدَين الشهيدَين، ومن خلال استلهامهما، يتعيّنُ على المرجعيات الشيعية وقيادة «حزب الله » تحديد المنطلقات المتوافقة مع التطوّرات الداخلية المرتبكة والتحوّلات الجذرية في المنطقة.
ولنكن كلّنا مقاومة، ولتكُنْ قراراتنا الوطنية من وحي سماء لبنان.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الشیعة التی
إقرأ أيضاً:
السؤال الذي ينقذك حين لا ينقذك أحد
هناك لحظة يا صديقي يتوقف فيها الإنسان أمام نفسه كما لو أنه يراها لأول مرة؛ لحظة لا تعود فيها الإجابات القديمة قادرة على تهدئة القلق الذي يتحرك تحت الجلد. في تلك اللحظة لا نبحث عن يقين جديد بقدر ما نبحث عن مساحة نتنفس فيها، مساحة تقول لنا إن الضياع ليس خطيئة، وإن السؤال ليس علامة ضعف بل بداية فهم أعمق لما يحدث داخلنا.
وما يجعل السؤال خلاصًا في أوقات كهذه هو أنه يوقظ شيئًا في أعماقنا كان نائمًا لسنوات طويلة. عزيزي القارئ، المجتمع يحب الإجابات لأنها تمنح شعورًا بالبقاء في منطقة آمنة، لكن الفلسفة – ذلك الفن القديم الذي يعلّمنا كيف ننظر للعالم – تخبرنا أن السؤال هو الخطوة الأولى للخروج من الظلام. السؤال حركة، والروح التي تتحرك تبدأ في التعافي مهما كان الألم الذي تحمله.
والحقيقة أن أغلب أسئلتنا ليست موجهة إلى العالم، بل إلينا نحن. نحن نسأل كي نفهم ما الذي جرحنا، وما الذي لم نعد قادرين على احتماله، ولماذا فقدت أشياء كثيرة قيمتها في أعيننا دون أن نفهم السبب. السؤال هنا لا يهدد استقرارنا بل يكشف هشاشته، يزيل الطبقات التي غطينا بها خوفنا، ويجعلنا نرى الحقيقة كما هي لا كما تعلمنا أن نقولها.
يا صديقي، السؤال ليس محاولة للهرب من الواقع، بل جرأة على مواجهته. لأن الإنسان حين يصبح أسيرًا لإجابات لم يخترها بنفسه، يعيش كأن حياته مُدارة من بعيد، بينما السؤال يعيد إليه مركزه، يعيد إليه صوته الذي نسيه وسط الضجيج. والسؤال الجيد لا يقدم خلاصًا سريعًا، لكنه يفتح بابًا كان مغلقًا في الداخل، بابًا لو فُتح تتغيّر طريقة رؤيتك لكل شيء.
ولأن الفلسفة بطبيعتها لا تفرض عليك طريقًا بل تكشف لك طرقًا جديدة، فإن السؤال الفلسفي يمنحك مساحة تُعيد فيها ترتيب فوضاك الداخلية. قد لا تجد جوابًا فورًا، وقد يظل السؤال معلقًا وسط الحياة مثل علامة استفهام كبيرة، لكنه رغم ذلك يمنحك قوة؛ قوة أن تعترف بأنك تبحث، وأنك لست متفرجًا على وجودك بل مشاركًا فيه.
عزيزي القارئ، نحن لا ننجو بالإجابات السهلة، ولا بالطرق التي سار فيها الجميع قبلنا. نحن ننجو حين نمتلك شجاعة أن نسأل: ماذا يحدث لي؟ ولماذا؟ وإلى أين أمضي؟ وهذه الأسئلة ليست دليل ضياع… بل دليل حياة. فالمياه الراكدة قد تبدو هادئة، لكنها بلا نبض. أما السؤال فهو الموج الذي يحرك الروح، يزعج سكونها، لكنه يوقظها في الوقت نفسه.
وفي النهاية، حين يصبح السؤال خلاصًا، فهذا يعني أنك بدأت ترى نفسك بصدق، وأن الرحلة الحقيقية قد بدأت. لا تخف من السؤال يا صديقي، لأن السؤال – وحده – يعرف الطريق إلى الباب الذي تنتظره روحك منذ زمن طويل.
كاتب في السرديات الثقافية وقضايا الشرق الأوسط
[email protected]