في تحول خاطف.. كيف اختفت رموز نظام الأسد من أسواق دمشق وحلّت محلها ألوان الثورة؟
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
دمشق- في أسواق العاصمة السورية العتيقة، حيث الأزقة الضيقة التي تعج بالتاريخ، والمحال التجارية القديمة التي شهدت تعاقب الأزمنة والأنظمة، وقع تحول غير متوقع، لم يكن في الحسبان في يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، فقد سقط نظام الأسد الذي استولى على السلطة إثر انقلاب عسكري سنة 1971.
على مدى عقود، اعتادت الأسواق المحيطة بالجامع الأموي في دمشق أن تعرض التحف والشرقيات المزخرفة والتذكارات، ومنها ما يحمل صور ألوان العلم السوري وصور الرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده حافظ، بل حتى رموز حلفائهم.
لكن فجأة ومع الساعات الأولى لإعلان سقوط النظام، اختفت هذه المنتجات تماما في غضون ساعات، وكأن الأسواق قررت طي صفحة الماضي.
حلّت أعلام الثورة السورية مكان صور الأسد، واستبدلت الخرائط التي كانت تحمل ألوان علم النظام بألوان جديدة تعبّر عن سوريا مختلفة.
نور الدين اللحام، كان من بين التجار الذين تبنوا هذا التحول بشكل كامل. في واجهة متجره، اختفت صور الأسد، وظهرت الأساور والخرائط المزينة بعلم الثورة الأخضر.
بابتسامة واثقة، تحدث عن هذه التغييرات قائلا "هذه خريطة سوريا، وليست خريطة النظام. منذ سنوات، كنا نطبعها بألوان العلم القديم، والآن أصبحنا نطبعها بالعلم الجديد. بعض الأعلام كانت مجرد ملصقات، فقمنا باستبدالها، أما المنتجات المطبوعة التي لا يمكن تغييرها، فقد أتلفناها".
وبشأن ما إذا كان قد تكبد خسائر مالية، نفى اللحام ذلك، معتبرا أن ما تحقق أكبر من أي خسارة مادية، "لم نخسر شيئا! كسبنا وطنا! ماذا تعني خسارة بضاعة، مقارنة بأناس خسروا أرواحهم، أو منازلهم، أو أعمالهم؟ هذه المبالغ لا تساوي شيئا أمام ما عاشه السوريون".
في السوق نفسه، يعمل شاب فضّل عدم ذكر اسمه، لكنه لم يخفِ ارتياحه للتخلص من المقتنيات التي كانت تُفرض عليهم في السابق. ووفقا لما ذكره، لم يكن بيع صور الأسد وأعلام النظام خيارا، بل كان أمرا مفروضا عليهم تحت رقابة أمنية.
"في السابق، كان الجميع مجبرين على بيع هذه المقتنيات، سواء أعجبتهم أم لا. لم يكن الأمر اختيارا، فالأمن كان يراقبنا، وكثير من المشترين لم يكونوا يحبونها، لكنهم كانوا يشترونها كنوع من النفاق الاجتماعي، أو كهدايا ورشاوي للضباط والمسؤولين لتسيير مصالحهم".
وبعد التغيير الذي شهدته البلاد، تم التخلص من هذه المقتنيات، "فبعد التحرير، رميت ما لا يمكن تعديله منها. أما بعض المنتجات التي تحمل رموزا قابلة للتعديل، فقد أرسلناها إلى الورشات لإعادة صبغها، بحيث تتناسب مع العلم الجديد".
أما عن الخسائر المالية، فقد رأى أن التخلص من إرث القمع كان أهم من أي خسارة مادية. "نعم، قد نكون خسرنا بعض المال، لكن هناك من خسروا منازلهم وعائلاتهم. خسارتنا ليست شيئا يُذكر مقارنة بذلك".
عدنان، صاحب ورشة تصنيع ومحل تجاري ملاصق لسور الجامع الأموي، وصف كيف كانت دمشق تعيش تحت رقابة أمنية مشددة، حيث كان التجار مراقبين بشكل دائم، حتى في ما يتعلق بالبضائع التي يبيعونها.
"في دمشق، كنا نعيش وكأننا في فرع أمن. المحل الذي لا يضع علم النظام أو صورة الأسد، كان صاحبه عرضة للمساءلة، وقد يُتهم بأنه معارض! أعرف صديقا اعتُقل فقط لأنه شوهد وهو يشاهد قناة "الجزيرة". بعد خروجه من السجن، صار يشاهد قنوات الأطفال فقط!".
وتحدث عن الأيام الأخيرة للنظام، عندما كان إعلامه يروّج لاستعادة المدن التي خسرها، وكان الناس مجبرين على تصديق هذه الرواية أو على الأقل التظاهر بتصديقها.
"حتى عندما تحررت حلب، كنا نظن أن النظام سيستعيدها، فقد كان يروج لذلك في إعلامه، وكنا نصدقه. في يوم سقوط النظام، كنتُ مع مجموعة من الشباب، نتابع الأخبار خلسة عبر القنوات العربية، بينما كان أحدنا يراقب باب المحل، خوفا من أن يدخل عنصر أمني ويكشف أمرنا".
في اليوم التالي لسقوط النظام، بدأ عدنان إجراء عمليات "تكويع" لبعض المنتجات، حيث تم تحويلها إلى شيء جديد يتناسب مع التغيير، "أحضرت أقلام تلوين، وبدأت ألون الميداليات والخرائط بنفسي. بسبب انقطاع الكهرباء، اضطررنا إلى تأجيل بعض الأعمال، لكن بعد أسبوع، كنا قد أعددنا نماذج جديدة تماما، وبدأنا بطباعتها في الورشة. كل شيء تغيّر بسرعة".
لكن بعض المنتجات لم يكن بالإمكان تعديلها، فكان الخيار الوحيد هو التخلص منها نهائيا، "الأساور، وصحون النحاس، والفناجين التي كانت تحمل رموز النظام، لم يكن بالإمكان إصلاحها. لذلك، أتلفناها. كانت خسارة مالية، لكنها لم تكن شيئا مقارنة بحرية أن نعيش بدون خوف".
وعند مقارنة ما سبق بما تعيشه البلاد حاليا، قال عدنان "في السابق، كنا نعيش تحت رحمة أشخاص يأتون إلى المحال، يتحدثون إلينا بعنجهية وكأنهم أسياد البلاد، يفرضون علينا دفع الرشاوي، ويهددوننا بلا سبب. أما اليوم، فالوضع مختلف تماما. لا أحد يأتي ليبتزنا، لا أحد يُجبرنا على شيء. عناصر الإدارة الجديدة يتميزون بالعزة والأنفة، ولا يقبلون حتى أن نبالغ في شكرهم".
ما حدث في أسواق دمشق القديمة لم يكن مجرد تغيير في المقتنيات المعروضة، بل كان انعكاسا لتحوّل أعمق في البلاد بأسرها على ما يبدو، ولم يكن الأمر مجرد استبدال أعلامٍ أو صور، بل هو إعلان بأن سوريا الجديدة لا تشبه الماضي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أسواق دمشق لم یکن
إقرأ أيضاً:
ما هي أنظمة الدفاع الجوي التي تمتلكها تركيا؟
أنقرة (زمان التركية) – أدت الهجمات الصاروخية المتبادلة بين إسرائيل وإيران إلى تسليط الضوء مرة أخرى على أهمية أنظمة الدفاع الجوي. وفي هذا السياق، تبرز تركيا بأنظمتها محلية الصنع.
بعد دخول الطائرات الحربية الإسرائيلية المجال الجوي الإيراني بسهولة، يبرز مرة أخرى مدى أهمية الدفاع الجوي. فكيف تحمي تركيا مجالها الجوي؟
مع عدم تمكنها من الحصول على منظومة باتريوت من الولايات المتحدة، قامت تركيا بتأمين دفاعها الجوي على ارتفاعات عالية بشكل مؤقت بواسطة منظومات S-400 روسية الصنع، بينما تعمل على بناء شبكة دفاع جوي متعددة الطبقات بأنظمة محلية الصنع. في هذا الإطار، يُعد مشروع “القبة الفولاذية” الذي يضم أنظمة SIPER، HİSAR-A+، HİSAR-O+، KORKUT، SUNGUR، وأنظمة الحرب الإلكترونية، أحد الركائز الأساسية لرؤية تركيا الدفاعية.
SIPER: حل محلي بعيد المدىوتم تطوير نظام الدفاع الجوي SIPER بالتعاون بين ASELSAN، ROKETSAN، و TÜBİTAK SAGE، ويتميز بمدى يتجاوز 100 كيلومتر. دخل النظام مخزون القوات المسلحة التركية اعتبارًا من عام 2024، ويوفر حماية فعالة ضد التهديدات على ارتفاعات عالية. لا يمثل SIPER إنجازًا تقنيًا فحسب؛ بل يُنظر إليه أيضًا كخطوة استراتيجية تعزز استقلال تركيا في مجال الدفاع.
HİSAR-O+ للمدى المتوسط، HİSAR-A+ للمدى المنخفضويتم تأمين الدفاع الجوي التركي على ارتفاعات متوسطة بواسطة نظام HİSAR-O+ الفعال حتى مسافة 50 كيلومترًا. أما في الدفاع قصير المدى، فيُستخدم نظام HİSAR-A+ للحماية من التهديدات حتى مسافة 15 كيلومترًا، خاصة في حماية الوحدات التكتيكية. تعمل هذه الأنظمة بدقة عالية ضد الطائرات، المروحيات، الصواريخ الجوالة، والطائرات بدون طيار.
KORKUT و SUNGUR: دفاع رشيق في الميدانويُعد KORKUT نظام دفاع جوي فعال يحمي الوحدات البرية من التهديدات على ارتفاعات منخفضة، بمدفع آلي مزدوج عيار 35 ملم بمدى يصل إلى 4 كيلومترات. يعمل هذا النظام بشكل خاص ضد الطائرات بدون طيار والصواريخ الجوالة.
أما SUNGUR فيبرز بخصائص قابليته للنقل. يصل مدى النظام إلى 8 كيلومترات، ويمكن دمجه في المركبات المدرعة أو استخدامه من قبل جندي واحد. وقد بدأت عمليات تسليم SUNGUR إلى القوات المسلحة التركية اعتبارًا من عام 2022.
القبة الفولاذية: هندسة درع متكاملةيهدف مشروع “القبة الفولاذية” التركي إلى دمج جميع عناصر الدفاع الجوي هذه في شبكة مشتركة، مما يتيح للأنظمة المحلية العمل معًا. توفر هندسة النظام حماية متعددة الطبقات ضد التهديدات الجوية، وتعمل بشكل متكامل مع رادارات الإنذار المبكر وطائرات الإنذار والتحكم المبكر المحمولة جواً (HİK). وهكذا، يتم إنشاء شبكة مراقبة واستجابة مستمرة على مستوى البلاد.
KORAL-2: الدرع الخفييُعد KORAL-2 أحد عناصر الدفاع السلبي، ويؤدي مهامًا حاسمة في مجال الحرب الإلكترونية. قادر على تعطيل الرادارات في نطاق ترددي واسع، وخلق انقطاع في الاتصالات، وتضليل أنظمة العدو، يُطلق على KORAL-2 اسم الدرع الخفي لتركيا.
يمنع هذا النظام الطائرات المأهولة وغير المأهولة من تحديد الاتجاه، مما يجعل عناصر العدو غير وظيفية. كما يوفر KORAL إمكانية المناورة الآمنة من خلال إخفاء مواقع العناصر الصديقة.
رؤية الاستقلال الاستراتيجيلا تقتصر هندسة الدفاع الجوي التركية على الدفاع فحسب، بل تشمل أيضًا هدف الاستقلال والردع في الصناعات الدفاعية. فتركيا، التي لا تعتمد فقط على الأنظمة المستوردة، تواصل إنتاج حلول محلية ضد التهديدات الإقليمية باستخدام أنظمة الرادار، الصواريخ، القيادة والتحكم، وأنظمة الحرب الإلكترونية الخاصة بها.
Tags: SIPERSUNGURأردوغانإسرائيلإيرانتركياطائراتمسيراتنظام الدفاع الجوي SIPER