وفي الوقت الذي رأت فيه “إسرائيل” أن ضربتها الأولى الغادرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي استهدفت فيها قادة أساسيين للحرس الثوري وللجيش الإيراني بالإضافة إلى مروحة الاستهدافات التي طالت مواقع عسكرية ومنشآت علمية ونووية إيرانية، ستكون ضربة حاسمة وستجعل إيران ترضخ وتستسلم، جاءت توقعات الكيان مختلفة بالكامل.

وما يجري اليوم، داخل عمق الكيان وعلى كامل جغرافية فلسطين المحتلة، من استهدافات وتدمير وإصابات كبيرة، يؤكد بما لا يقبل الشك أن إيران لم تستعد المبادرة والتماسك والتوازن في القيادة والسيطرة وحسب، أيضًا فرضت على العدو “الإسرائيلي” مناورة هجومية فعالة ومتقدمة، لا يبدو أنه قادر على مواجهتها أو حتى على استيعابها.
هذه المناورة الهجومية الإيرانية ضد الكيان، يمكن الإشارة إلى أهم عناصرها، وهي:
أولاً- فرضت الوحدات الجو فضائية الإيرانية مناورة استهداف صاروخي باليستي متصاعدة، بشكل فعال، من خلال العناصر الآتية:
1. توسع في جغرافية الاستهداف، حيث تطال الصواريخ والمسيرات الإيرانية مدن الكيان ومناطقها كلها، في فلسطين المحتلة، وبشكل تتزايد فيه أعداد الإصابات على نحو لافت وصادم.
2. تنوع في نماذج الصواريخ الباليستية، وبشكل تتصاعد فيه قدرات وفعالية كل موجة صواريخ عن التي سبقتها، ليأتي في الموجة الأخيرة صاروخ “قاسم سليماني” بميزاته الفعالة، فيكون الصاروخ الأكثر تأثيرًا في عمق الكيان، بسرعته اللافتة وبقدرته على المناورة والتفوق على منظومات الدفاع الجوي “الإسرائيلية”، وبقدرته التدميرية الاستثنائية .
3. تنوع الأهداف، حيث توزعت من استهداف للمواقع العسكرية ولمنظومات الدفاع الجوي وللمطارات إلى استهداف لمراكز القيادات الأساسية للكيان، إلى استهداف مراكز حيوية ذات طابع استراتيجي، مثل الملاجئ والغرف المحصّنة وشركات الكهرباء والطاقة في حيفا وفي غيرها، بالإضافة إلى استهداف مروحة واسعة من الأبراج السكنية الضخمة داخل مدن الكيان، وخاصة في “تل أبيب”.
ثانيًا- برهنت القيادة الإيرانية السياسية والعسكرية، في هذه الحرب أو المواجهة الحساسة والاستثنائية، أنها قد حضّرت نفسها جيدًا لمواجهة كيان الاحتلال، حيث تتصاعد قدرة التدخل الإيراني عسكريّا في الكيان، فتتصاعد معه قدرة التأثير في مستوياته كلها: السياسية والعسكرية والشعبية. ولا يبدو أن القيادة في إيران في صدد التراجع أو التخفيف من مستوى تصاعد فعالية معركتها الهجومية ضد “إسرائيل”. وهذه القيادة، أيضّا، تُظهر وتُبرهن صدقية واضحة وفعلية بالالتزام بوعودها بإدخال قدرات صاروخية أعلى وأشد قدرة كل مرة، ليشكّل هذا الأمر – أي صدقية إدخال القدرات بمستوى متصاعد- عامل ضغط إضافي، يزيد من الضغط الهائل الذي تفرضه صواريخها الفعالة داخل الكيان.
أمام هذه الفعالية، وأمام هذه الصدقية، وأمام هذا الثبات على المستويات كافة، والتي تظهرها إيران اليوم في هذه الحرب ضد ” إسرائيل”، وأمام ما بدأ يرشح من تفككك ومن فقدان للتوازن داخل الكيان، على مستوى القيادة والجبهة الداخلية، جراء الخسائر الضخمة والمؤلمة وغير المتوقعة، لم يعد لـ”إسرائيل” من خيار غير البحث الجدي والسريع عن مخرج مناسب من هذا المستنقع القاتل الذي إوقعها فيه نتنياهو، ليكون المخرج الوحيد المتبقي لها، وقف الحرب والقبول مرغمة بما كانت تشدد إيران عليه وتتمسك به من حقوق طبيعية وثابتة؛ وهي:
أولاً- إنهاء أشكال العقوبات كلها المفروضة عليها، واستعادتها لحقوقها المصادرة من دول خارجية ومؤسسات مالية دولية.
ثانيًا- اعتراف الجميع، وخاصة “إسرائيل”، بحق إيران امتلاك قدرات نووية علمية وتطويرها لأغراض سلمية.
*كاتب لبناني

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

محددات العلاقة بين إيران والمقاومة: قراءة في خطاب ظريف حول الهوية الوطنية للفصائل

12 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: تبرز دلالات تأكيد محمد جواد ظريف أنّ فصائل المقاومة في المنطقة لاسيما في العراق لا تتحرك بوصفها أذرعًا لإيران، بل كقوى محلية تنبع شرعيتها من مواجهة الاحتلال على أراضيها، في موقف يقدّمه وزير الخارجية الإيراني الأسبق بوصفه تفنيدًا لسرديات إقليمية ودولية تربط بين نشاط تلك الفصائل ومصالح طهران المباشرة.

ومن جانب آخر يشرح ظريف، خلال مشاركته في ندوة حول الدبلوماسية في زمن الحرب على هامش معرض العراق الدولي للكتاب في بغداد، أنّ إيران تكبدت أثمانًا سياسية واقتصادية باهظة نتيجة هذا الدعم، مؤكدًا أن ما يُوصف بـوكلاء إيران لم يطلقوا رصاصة واحدة على مدى 45 عامًا لخدمة مصالحها، بل قاتلوا من أجل أراضيهم وحرياتهم، معتبرًا أنّ المقاومة تنشأ بصورة طبيعية من سياقات الاحتلال والقمع، وأن دعم بلاده لها لا يعني احتواءها أو القدرة على إنهائها.

وتشير تصريحات ظريف إلى محاولة إعادة صياغة العلاقة بين طهران والفصائل الإقليمية في إطار مفهوم التكلفة والالتزام، لا الوصاية أو التوجيه، مع تسليط الضوء على ما يراه الوزير الأسبق دورًا ممتدًا لبلاده في دعم القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي يقول إن إيران قدمت لها دعمًا يفوق ما قدمته دول عربية، في إشارة تعكس رغبة طهران في تثبيت سردية المسؤولية الأخلاقية والسياسية تجاه الصراع.

وأيضًا يلفت ظريف، في سياق حديثه عن مستقبل المنطقة، إلى أنّ بلاده لا تبحث عن هيمنة، بل عن “منطقة قوية” تستند إلى دول قادرة على حماية نفسها، من العراق إلى السعودية، مشددًا على أنّ إيران راضية بحدودها وجغرافيتها وتطمح إلى العيش بين محيط من “الأصدقاء والإخوة”، في خطاب يعكس تصورًا لتوازن إقليمي يقوم على الشراكات لا على مراكز النفوذ.

ويواصل الوزير الأسبق استحضار المبادرات الإقليمية التي طرحتها إيران، من بينها مبادرة مودّة للحوار الإسلامي، ومبادرة منارة للتعاون في استخدام الطاقة النووية السلمية، باعتبارهما إطارين لحلحلة الأزمات الممتدة، مع تأكيده أنّ جذر المشكلات يبقى الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيد إنتاج توترات الشرق الأوسط وفق تعبيره.

وعلى صعيد أوسع تتقاطع هذه الرسائل مع نقاشات دبلوماسية وإعلامية عربية عن مآلات الحرب في غزة وتمدد الصراع في الإقليم، إذ تتفاعل على المنصات الرقمية تدوينات تربط بين خطاب ظريف ومحاولات إعادة ضبط صورة إيران إقليميًا، وسط سجالات حول دور طهران وحدود نفوذها، في مشهد يعكس حجم الاستقطاب الذي تفرضه دورة الصراع المتجددة في الشرق الأوسط.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • واشنطن تمنع إسرائيل من شن عملية عسكرية واسعة ضد حزب الله في بيروت
  • «الرد سيكون قاسيا».. أول تعليق لـ ترامب بعد استهداف قوة أمريكية في تدمر السورية
  • واشنطن تعترض شحنة عسكرية صينية لتسليح صواريخ إيران
  • واشنطن تصادر شحنة عسكرية من سفينة صينية متجهة إلى إيران
  • القوات الأميركية تصادر شحنة عسكرية متجهة إلى إيران من الصين
  • واشنطن تعترض شحنة عسكرية صينية متجهة إلى إيران في عملية نادرة
  • أمريكا تصادر سفينة مغادرة من الصين تحمل معدات عسكرية إلى إيران
  • محددات العلاقة بين إيران والمقاومة: قراءة في خطاب ظريف حول الهوية الوطنية للفصائل
  • مستشار ماكرون يحذر إسرائيل.. لبنان يحدد شروطاً لزيارة وزير الخارجية الإيراني!
  • تفاصيل جديدة حول قضية ضابط الاستخبارات الإيراني.. عمل مع CIA قبل مصرعه الغامض