لننتظر بـ«وثيقتنا» بلوغ النهر فنعبره سوياً
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
لننتظر بـ«وثيقتنا» بلوغ النهر فنعبره سوياً
محمد لطيف
العنوان مقتبس من العبارة الأثيرة لصديقنا ياسر عرمان (فلننتظر بلوغ النهر حتى نعبره) وهي كناية عن ضرورة التريث وعدم استباق الأحداث وتعجل النتائج.. فلم أجد عبارة ابلغ منها تعبر عن ما افكر فيه.. وما اريد قوله.. وقد عدت للكتابة وظني أنها الأفضل في شرح ما أرمي اليه.
ثم جاءت أحداث نيروبي.. بدءاً من اللقاء التأسيسي وإعلان تحالف السودان التأسيسي ثم صدورميثاق السودان التأسيسي ثم مشروع الدستور الانتقالي.. فكان جلياً أن جهداً قد بذل في الوثيقتين مما أهلهما للإجابة على كثير من الأسئلة العالقة في الفضاء السوداني.. وبتجاوز تحفظات عليها هنا وهناك تظل الوثيقتان من افضل ما أنتج مؤخراً.. يكفي الاختراق الذي حققته في علاقة الدين بالدولة.. ويكفي ما احتشدتا به من حقوق ظلت محل تطلعات وأحلام السودانيين.. ويكفي الحسم البائن في مسألة الحقوق لدرجة ترهق القاريء للإحاطة بها ولكنها في المقابل تسبغ عليه راحة نفسية وهو يتصور أن هذه الحقوق أصبحت واقعاً يمشي بين الناس مشمولاً بنصوص تلزم الدولة.. قبل غيرها.. بالسهر على هذه الحقوق والوفاء بها.. ولكن..!
وآه من لكن.. ونعود لما بدأنا به.. حكاية الحكومة.. ويجب الاعتراف بأن أكبر معضلة واجهت القوى المدنية وقادت إلى تشظيها كانت هي مشروع الحكومة هذه.. وبدأ التشظي من أكبر جبهة مدنية تشكلت بعد الحرب ونعني بالطبع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).. التى ناقشت مشروع الحكومة هذه.. فانتهى الأمر.. كما يعلم الجميع.. إلى موقفين.. الأول يتمسك بطروحات (تقدم) القائمة على الحياد بين طرفي الحرب والانحياز فقط لمصلحة السودان وشعبه.. والثاني يرى أن منازعة الشرعية وإنهاء الحرب وحماية المدنيين الخ يحتاج إلى حكومة..!
السؤال الذي أريد طرحه الآن.. ترى كيف كانت ستمضي الأمور داخل (تقدم).. على سبيل المثال.. لو أن الذي طرح للنقاش كان هو الميثاق التأسيسي ومشروع الدستور الانتقالي؟ الإجابة دون ما جهد هي أن مفاصلة لم تكن لتقع.. ولوجدت الوثيقتان فرصة حوار أفضل وأعمق حولها لتثمر بعد ذلك إجماعاً أكبر وقاعدة أوسع.. ولكن الذي حدث أن أصحاب نظرية الحكومة الموازية قد اختاروا وضع العربة أمام الحصان ففقدوا حلفاء طبيعيين كانوا الأقرب إليهم.. وكان يمكن أن يكونوا جزءاً من هذا الذي يجري الآن.. ولكن بشكل مختلف بالطبع.
حسناً.. ما الذي يمكن فعله الآن؟ أعتقد ومعي كثيرون أن الوثائق الصادرة عن تحالف السودان التأسيسي تصلح على الأقل كأساس لحوار شامل.. صحيح أنها حققت اختراقات جوهرية في مخاطبة قضايا ظلت عالقة.. ولكن الصحيح أيضاً أن ثمة تحفظات على عدد من النصوص ربما أبرزها ضمانات وحدة السودان والصبغة العسكرية البائنة.. ولكن هذا وذاك لن يغير من حقيقة أن كل المكونات السودانية.. من سياسية واجتماعية ستجد فيها شيئاً مما تطلب.. وحيث أن الوثيقتان تعترفان بثورة ديسمبر بوضوح وتنشدان سوداناً جديداً.. فما الذي يمنع العودة بهذه الوثائق إلى منصة التأسيس..؟ ونعني بها قوى الثورة.. ومعها كل القوى المدنية التي ترفض الحرب وترفض بالضرورة أي حل عسكري.. لا في الحرب ولا في الفضاء السياسي؟
وقبل أن ننتظر إجابة على هذا السؤال.. نطرح السؤال الأهم وهو هل ستقبل هذه القوى المدنية أن تكون جزءاً من الحوار حول هذه الوثائق ؟.. في تقديري الإجابة على هذا السؤال هو أن أمرين سيحولا دون ذلك:-
الأول:- موضوع الحكومة المطروح تشكيلها من قبل تحالف السودان التأسيسي صاحب الحق السياسي والملكية الفكرية في هذه الوثائق.
الثاني:- ما أشرنا إليها من صبغة عسكرية وتحديداً قوات الدعم السريع كمكون رئيسي في هذا التحالف.
عطفاً على سؤالنا الأول حول إمكانية العودة إلى منصة التأسيس ثمة سؤال نوجهه لتحالف السودان التأسيسي.. ما هي إمكانية الفصل بين تشكيل حكومة موازية كما هو مطروح الآن وبين الوثائق الصادرة عن التحالف وذلك سعياً لتوسيع قاعدتها السياسية والشعبية وتحويلها إلى وثائق قومية معبرة عن كل السودانيين حقيقةً لا مجازاً؟
أما في موضوع وجود الدعم السريع في التحالف التأسيسي فهذه يحسمها طبيعة الدور الذي يلعبه الدعم السريع في كل وضع.. فالذين يرفضون قيام حكومة أخرى في ظل استمرار الحرب يرون الأمر تحالفاً مع بندقية الدعم السريع.. مما يطيل من أمد الحرب وبالتالي معاناة المواطن.. أما في حال تراجع التحالف التأسيسي عن مشروع الحكومة مع المضي في توسيع قاعدة المواثيق الصادرة عنه فيصبح وجود الدعم السريع هنا.. مع تأكيده الدائم على التفاوض كسبيل لإنهاء الحرب.. دعماً لجهود بناء جبهة عريضة تؤمن بوحدة السودان وتملك بحجمها وثقلها الدفع نحو إنهاء الحرب وإحلال السلام.. ليس هذا فحسب.. بل بهذا التوصيف فإن ما ينطبق على الدعم السريع يمكن أن ينطبق على القوات المسلحة أيضاً.
الوسومالجيش الدعم السريع السودان القوات المسلحة القوى المدنية تحالف السودان التأسيسي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم كينيا محمد لطيف نيروبي ياسر عرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان القوات المسلحة القوى المدنية تحالف السودان التأسيسي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم كينيا محمد لطيف نيروبي ياسر عرمان القوى المدنیة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
ليد الشيخ الذي لا يكتب عن الحرب
اللا الكتابة عن الحرب لا تعني ذلك أننا سنكتب عن الحياة العادية، هذا شاعر فلسطيني مخادع فاحذروا طريقته الذكية في صياغة عبارته الشعرية ولا تثقوا في صوره، فهي مقلوبة، دون أدنى قدرة على اكتشاف ذلك، أما محاكمته أو مساءاته في محكمة الجمال الشعري فلن تجدوا لها من يدافع عنها سوى مشروعه الشعري الذي بدؤه ب: ( حيث لا شجر) حين أدخلنا في غابة من المعاني دون أن يضع لخطواتنا هوامش للتوضيح أو دليلا سياحيا. في كتابه الشعري الجديد (لا أكتب عن الحرب) الصادر حديثا عن دار الأهلية بعمان يضعنا الشيخ في مهب صواريخ قاتلة دون أن يكتب عنها ودون أن نسمع صوتها، في الأفق الشعبي للذائقة العربية غالبا تحيل العناوين الى المعنى، فيهرع القراء الضحلون الى الكتاب ليبحثوا عما يطابق العنوان، ويغرقوا في المكرر والمتوقع والدراما السطحيةـ، في هذا الكتاب يضع وليد الشيخ عنوانا لافتا (لا أكتب عن الحرب،) رفضا لغباء التطابق، وتجريبا جماليا لمغامرة قلب للصيغة، واستدراجا لقراء يختارهم هو مناسبين لعمقه و ممتلئين بالافق الذوقي الحيوي، والباحثين عن معان جديدة لا تكتب بسهولة. لا يهرب وليد من الكتابة عن الحرب، سأما أو خوفا او منعا لتكرار واجترار معان سبق وأن حرثت طيلة تاريخ الدم الفلسطيني، هو لا يكتب عنها ليكتب عنها، ليراها من بعيد، ليستكشف أبعادها الخفية.
يقول: في قصيدة حقيبة فشل على الكتب:
خرجت من البيت بحقيبة فشل فادح على الكتف.
درت بها في الغرفة
جلست قربي على مقعد الجامعة
حملتها في المواصلات العامة
وفي المظاهرة التي ذهبت اليها وأنا أظن ان المبادئ القديمة التي ولدت في نهاية القرن التاسع عشر،
بمقدروها أن تحرر مدنا بائسة وفلاحين.
أعرف أن هذا كله محض هراء أبيض.
كي أبرر لنفسي
رفوف النسيان التي رفضتها.
الكتابة (في حمى حرب طاحنة، تهدد فينا الهوية الوطنية والكرامة، الشخصية والعامة وحقوق الحياة الطبيعية،) عن حياتنا لعادية و عن طفولتنا ورغباتنا،عن الجنون الشخصي وتفاهتنا،عن التفاصيل التي لا تهم أحدا، هذه الكتابة تحتاج قراءة خاصة ، وقارىء مختلف، لا يبحث عن السهل والجاهز، خارج من مدرسة التطابق، قارىء يحب أن يتوه ويقفز ويهبط، لحثا وراء شظايا المعاني، هذه الكتابة هي التي تخلد وتبقى، وهي غير منسحبة من معركة البقاء، كما تبدو من قشرتها وهي أيضا ممتلئة بدلالات واحالات وعمق غير عادي، وليد الشيخ هو رائد مدرسة اللاتطابق، وهو بارع في التنويع فيها، والذهاب المستمر الى طفولته وذكرياته دون أن يسقط البلاغة والدراما ذات الرنين والرقص على الاوجاع واسنجداء دموع الكون. كتابة وليد ليست دموعية، لا تشبه كتابة أحد، فيها ما وراء البلادن وما تحت الجرح، تسبق هذه الكتابة وقوع الجرح، تسبقه وتقف على التلة تنتظره لكنها لا تشاركه الجنازات واللطم، ولا تنحني أيضا لعرس صاخب في الطريق.
يقول في قصيدة : كان لابد أن يكون الحوار ناقصا.
أن الحرب التي جاءت من النافذة تدركين الآنليلة أمس،والخيول التي صهلت على سبيل الوعيدوالمرأة التي هبت مثل زوبعةٍ، لتلم أشياءها وملابسها وترمي على رأسها شالاً كالحاًبلون السماء قبل الحربوالكلمات كلها، البذيئة والمهذبة، التي تساقطت كضحايا زلزالولم تعد تصلح حتى كجملة معترضةأولاد المرأة التي وضعت على رأسها الشال الكالحأيضاً، خرجوا مثل ظباء جريحة.
تمثل مدرسة وليد الشيخ في الكتابة رغبة الشاعر الفلسطيني المعاصر في مقاومة العبء الجمالي الذي تفرضه عليه حروب بلاده، كثيرون بدؤوا يكتبون مثل وليد، في الشعر غالبا.( لا أكتب عن الحرب.) تجربة شعرية متميزة تحتاج تدريسا في جامعة وورشات كثيرة لمناقشة حق الشاعر الفلسطيني في الرقص الفردي بعيدا عن رقصة الدم المستمرة في بلاده. وحق الشاعر في الإجابة بطريقته على كل الساخطين، من مدرسة التطابق بين المعنى والعنوان.
عن الشاعر
وليد الشيخ : شاعر فلسطيني مواليد "مخيم الدهيشة" في بيت لحم عام 1968.
صدر له في الشعر: "حيث لا شجر" (1999)، و"الضحك متروك على المصاطب" (2003)، و"أن تكون صغيراً ولا تصدق ذلك" (2007)، و"أندم كل مرة" (2015)، و"شجار في السابعة صباحاً" (2017)، و" أمر بسيط للغاية "2021.
كما صدر له في الرواية: "العجوز يفكر بأشياء صغيرة" 2021، يعيش في رام الله, يعمل في المجال الحقوقي بإحدى المؤسسات القانونية في رام الله.