البنك الأوروبي: توقعات النمو تتباطأ مجددا نتيجة الصراعات وضعف الطلب
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
قال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية -في تقرير نصف سنوي أصدره اليوم الخميس- إن النمو الاقتصادي في الدول التي يغطيها تباطأ مجددا بفعل ضعف الطلب الخارجي وتأثير الصراعات.
ويمثل خفض توقعات البنك للنمو 0.3% إلى 3.2% عام 2025 المرة الثالثة على التوالي التي يغير فيها البنك التوقعات الاقتصادية لمنطقته بالخفض، وتشمل أوروبا الناشئة وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا.
وحذر البنك من أن حالة الغموض المحيطة بالرسوم الجمركية والحروب التجارية وتراجع القدرة التنافسية الأوروبية و"عائدات السلام" المتضائلة تلقي بظلالها على آفاق المستقبل.
وقالت كبيرة خبراء الاقتصاد في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، بياتا جافورشيك "نرى زخما ضعيفا للنمو العالمي".
تأثير تباطؤ ألمانياوأضافت أنه في حين أن حالة الضبابية بشأن قواعد التجارة قد يكون لها في حد ذاتها "تأثير ضار كبير" على التجارة والاستثمار والإنتاج، فإن تباطؤ النمو في ألمانيا سيكون له تبعات مباشرة أكثر تأثيرا على اقتصادات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مقارنة مع الرسوم الجمركية.
وأضافت أن ثمة دلائل بالفعل على انخفاض الطلب، على سبيل المثال من جانب شركات صناعة السيارات الألمانية على خدمات تكنولوجيا المعلومات الرومانية.
إعلانوقالت جافورشيك "ما يهم بلداننا هو هذا الفارق المستمر الذي نشأ بين أوروبا وأوروبا المتقدمة والولايات المتحدة".
وأشارت إلى البيانات التي تظهر أن الشركات الأوروبية تتخلف عن نظيراتها في الصين والولايات المتحدة في الإنفاق على الأبحاث والتطوير.
"عائدات السلام"وقد يؤدي تراجع "عائدات السلام" إلى استنزاف هذا النوع من الاستثمار مع ضخ الدول المزيد من الأموال في الإنفاق الدفاعي على حساب الاستثمارات الأخرى.
وأوضحت قائلة "نشهد هذا التآكل في عائدات السلام، وخاصة في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، مما يؤدي إلى تهميش الإنفاق الاجتماعي وتنحية الإنفاق المؤدي إلى الاستثمار في النمو طويل الأجل".
وزاد الإنفاق الدفاعي بمقدار المثل تقريبا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في مناطق البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على مدى العقد الماضي، من حوالي 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى نحو 3.5% عام 2023، مع زيادات كبيرة في أوكرانيا وبولندا وإستونيا وكذلك في لبنان وأرمينيا وقرغيزستان.
وقالت جافورشيك إن قدرة الإنفاق الدفاعي على تعزيز النمو الاقتصادي تتوقف على ما إذا كان سيعود بالنفع على الصناعة المحلية أم سيركز على الواردات.
لكنها أضافت أن النسخة الأوروبية من وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة الأميركية، المعنية بتطوير تقنيات جديدة للجيش، قد تساعد في هذا المجال.
وأضافت "إذا شرع الاتحاد الأوروبي في هذا النهج القائم على المهمة الدفاعية مع ضخ استثمارات كبيرة في البحث والتطوير.. فإن الآثار المترتبة على جهود البحث والتطوير على الاستخدام المدني يمكن أن تعزز القدرة التنافسية والابتكار في أوروبا".
وتابعت "من الممكن أن يخفف ذلك من بعض التحديات المرتبطة بتخلف أوروبا عن الولايات المتحدة في مجال الابتكار".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات البنک الأوروبی لإعادة الإعمار والتنمیة
إقرأ أيضاً:
ترامب يفجّر حرب الصُلب مجددا برفع التعريفات إلى 50%
في عرض انتخابي مزدحم بالدلالات السياسية والاقتصادية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من منشأة "إيرفين ووركس" التابعة لشركة "يو إس ستيل" قرب بيتسبرغ عن رفع الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم إلى 50%، بعد أن كانت 25%.
وقال ترامب أمام جمهور من العمال "لن ينجح أحد بعد الآن في تجاوز السياج" في إشارة إلى أن رفع التعرفة سيمنع المنافسين الأجانب من تقويض صناعة الصلب الأميركية.
ووفق تقرير لبلومبيرغ، فإن الهدف المباشر للقرار هو تأمين صفقة شراكة مع شركة نيبون ستيل اليابانية، ومنحها ميزة تنافسية مشروطة بالالتزام باستثمارات ضخمة داخل الولايات المتحدة.
وقال ترامب إن الشراكة الجديدة ستجلب استثمارات بقيمة 14 مليار دولار خلال 14 شهرا، منها:
2.2 مليار دولار مخصصة لتوسيع الإنتاج في منشآت "مون فالي" في بنسلفانيا. 7 مليارات دولار لتحديث الأفران ومرافق الإنتاج وبناء مصانع جديدة في إنديانا ومينيسوتا وألاباما وأركنساس. 5 مليارات دولار لإنشاء خطوط جديدة لإنتاج الصلب عالي الجودة المخصص للقطاعين الدفاعي والسيارات.وتأتي هذه الصفقة بعد جدل استمر أكثر من عام، منذ أعلنت شركة نيبون في ديسمبر/كانون الأول 2023 نيتها الاستحواذ الكامل على "يو إس ستيل" مقابل 15 مليار دولار، وهو ما قوبل برفض شديد من إدارة جو بايدن ثم لاحقًا من ترامب نفسه أثناء حملته الانتخابية.
إعلانلكن ترامب أعاد فتح باب التفاوض، بشرط إعادة صياغة الصفقة كشراكة تُبقي السيطرة النهائية في يد الأميركيين.
وذكرت بلومبيرغ أن الاتفاق الجديد تضمن ما وصفه السيناتور الجمهوري ديفيد ماكورماك بأنه "سهم ذهبي" يسمح للحكومة الأميركية بالتحكم في التعيينات في مجلس إدارة الشركة ومنع أي تخفيض في الإنتاج.
ومن بين الشروط:
أن يكون الرئيس التنفيذي أميركي الجنسية. أن يتشكل مجلس الإدارة بأغلبية أميركية. منح الحكومة الأميركية حق الفيتو على أي تغييرات إستراتيجية. الالتزام بعدم تسريح العمال لمدة 10 سنوات على الأقل. الحفاظ على الطاقة الإنتاجية الكاملة في أفران الصهر.ويُشرف على الصفقة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة "سي إف آي يو إس" (CFIUS) وهي لجنة أمنية تعمل بسرية وتراجع كل عمليات الاستحواذ الأجنبية ذات الطابع الحساس.
وسارعت المفوضية الأوروبية إلى التعبير عن غضبها من القرار الأميركي، وذكرت في بيان رسمي نقلته رويترز أن "رفع الرسوم الجمركية من 25% إلى 50% يشكل تهديدًا إضافيًا للاستقرار الاقتصادي العالمي".
وأشارت المتحدثة باسم المفوضية إلى أن القرار "يُقوّض المحادثات الجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لحل النزاعات التجارية عبر التفاوض" مضيفة أن المفوضية "أنهت مشاوراتها بشأن إجراءات مضادة".
ومن المتوقع أن تبدأ العقوبات الأوروبية الجديدة في 14 يوليو/تموز المقبل، وربما قبل ذلك إذا تصاعد التوتر، وتشمل هذه العقوبات:
فرض رسوم انتقامية على الصادرات الأميركية من السيارات والمنتجات الزراعية. إعادة تفعيل نزاعات في منظمة التجارة العالمية. تقييد استيراد معدات الطاقة الأميركية والتكنولوجيا العسكرية. عودة حرب الصينوفي تصعيد متوازٍ، اتهم ترامب بكين بخرق الاتفاق التجاري الذي تم التوصل إليه في جنيف مطلع مايو/أيار، قائلاً "الصين لم تلتزم.. إنها تلعب بنا منذ سنوات".
وفي توضيح لاحق، قال ممثل التجارة الأميركي جيمسون غرير إن بكين "لم تُزل الحواجز غير الجمركية كما وعدت" متهمًا إياها بتعطيل دخول الشركات الأميركية إلى السوق الصينية.
وردت وزارة التجارة الصينية عبر بيان دبلوماسي حذر، قالت فيه إن "الولايات المتحدة تواصل فرض قيود تمييزية على المنتجات والشركات الصينية" ودعت واشنطن إلى "احترام التزاماتها والابتعاد عن التصعيد".
ووفق الجمعية العالمية للصلب، فإن الصين تنتج أكثر من 50% من الصلب العالمي، مما يمنحها تأثيرًا كبيرًا على الأسعار العالمية. وقد تعني أي مواجهة جديدة بهذا القطاع ارتفاعًا كبيرًا في تكلفة البنية التحتية عالمًيا، خصوصًا في الأسواق الناشئة.
الأسواق ترتجف.. أرباح محلية ومخاوف عالمية
ورغم الحذر الدولي، استجابت الأسواق الأميركية بحماسة، فبحسب بلومبيرغ:
ارتفعت أسهم "كليفلاند-كليفس" بنسبة 15.3% خلال ساعات ما بعد التداول. ارتفعت أسهم "ستيل دايناميكس" و"نوكور" بنسبة تفوق 5%. عاد الاهتمام بمؤشرات قطاع الصلب الأميركي في بورصة نيويورك بعد شهور من الركود.لكن في المقابل، حذّرت شركات البناء من تداعيات سلبية على قطاع الإسكان والبنية التحتية، حيث تعتمد الولايات المتحدة على استيراد 17% من احتياجاتها من الصلب من كندا والبرازيل والمكسيك.
وقد صرّح أحد المقاولين الكبار في تكساس لموقع "كونستركشن دايف" بأنه إذا استمرت هذه الرسوم "فسنرى تباطؤًا في المشاريع العامة والخاصة.. وستتحول أي زيادة في أسعار الصلب إلى عبء على المستهلك".
وكان ترامب، قبل أشهر قليلة فقط، من أشد المعارضين للصفقة المقترحة بين "يو إس ستيل" و"نيبون ستيل" واعتبرها دليلاً على ما وصفه بـ"تفريط الإدارات السابقة في السيادة الاقتصادية الأميركية". وقد كرر حينها أنه لن يسمح أبدًا لشركة يابانية بـ"السيطرة على صرح صناعي تأسس في قلب بنسلفانيا".
لكن المشهد تغيّر جذريًا في بيتسبرغ، ومن على منصة انتخابية تحمل شعارات "الصلب الأميركي" و"الوظائف الأميركية" أعاد ترامب تقديم الصفقة نفسها تحت مسمى جديد "استثمار أجنبي تحت رقابة وطنية" موضحًا أن الاتفاقية المعدّلة تعطي الحكومة الأميركية سلطة فعلية في التعيينات والإنتاج، وتمنحها ما سمّاه "السيطرة الفعلية على زمام الأمور".
إعلانوقال خلال زيارته "الصفقة أصبحت أفضل وأفضل مع كل جولة تفاوض. اليابانيون يضعون المال، لكن الأميركيين من يرسمون القواعد". وأضاف بنبرة تأكيدية "هذه ليست صفقة بيع، بل شراكة مشروطة، تحت إشراف الحكومة الأميركية، وبمكاسب فورية للعمال".
ويعكس هذا التحوّل في موقف ترامب حسابًا دقيقًا بين الاقتصاد والسياسة، إذ سعى إلى إعادة تأطير الرواية السياسية المحيطة بالصفقة، لتتماشى مع حملته الانتخابية التي ترتكز على فكرة "إعادة التصنيع" و"القيادة الاقتصادية من الداخل" بحسب مراقبين.
وبدلًا من التراجع أو التبرير، قدّم نفسه كمفاوض صلب انتزع التزامات من شريك أجنبي لصالح العمّال المحليين، واضعًا الصفقة ضمن مشروعه الأوسع لـ"إعادة بناء العمود الفقري الصناعي لأميركا".
ورغم التصفيق والهتافات، فإن بعض العمال عبّروا عن تحفظهم، حيث قال جوجو بورجيس عامل صلب وعمدة مدينة واشنطن في بنسلفانيا، لـ"بي بي سي" بأنه ليس مؤيدًا لترامب "وصوتّي ظلّ للديمقراطيين لعقدين، لكن إن كانت هذه السياسات ستعيد التوازن للصناعة، فلن أعارضها". وأضاف "عشنا طفرة مؤقتة بعد رسوم 2018.. نأمل أن تكون هذه الصفقة أكثر ديمومة".
ربح انتخابي أم مغامرة إستراتيجية؟وتُجسّد قرارات ترامب في ملف الصلب مزيجًا من البراغماتية السياسية والنزعة الحمائية، فهو يوظّف هذا الملف لتعزيز موقعه الانتخابي في ولايات صناعية محورية مثل بنسلفانيا وأوهايو، مستخدمًا خطابًا قوميًّا يتعهد فيه بإعادة أمجاد الصناعة الأميركية.
لكن اقتصاديين ومحللين حذّروا من أن هذه السياسات قد تحمل تداعيات عكسية واسعة، منها:
اشتعال حروب تجارية: حيث ذكرت وكالة رويترز أن المفوضية الأوروبية عبّرت عن "أسف شديد" إزاء قرار رفع الرسوم، وهددت بإجراءات انتقامية تبدأ في 14 يوليو/تموز، مما ينذر بجولة جديدة من التوتر التجاري بين ضفتي الأطلسي. ارتفاع تكاليف الإنتاج داخل أميركا: وفق تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ إيكونوميكس، فإن رفع الرسوم على الصلب سيزيد تكلفة مشاريع البناء والبنية التحتية بنسبة قد تصل إلى 12%، نتيجة الاعتماد على واردات تشكّل 17% من إجمالي استهلاك الصلب في البلاد. انكماش في الصادرات الأميركية: أشارت غرفة التجارة الأميركية إلى أن الرسوم المتبادلة قد تهدد نحو 1.2 مليون وظيفة في الصناعات التصديرية، لا سيما إذا ردت دول مثل كندا والصين والاتحاد الأوروبي بإجراءات مقابلة. إعلانووفق مجلة ذي إيكونوميست، فإن هذه السياسات "قد تمنح ترامب دعمًا لحظيًّا في ولايات التصنيع، لكنها تُقوّض النظام التجاري العالمي، وتخلف مناخًا من الشك يصعب احتواؤه لاحقًا".