استغلال للموقف الأمريكي.. روسيا تقترب من الحكومة السورية الجديدة لتعزيز نفوذها
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
بدأت روسيا بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية والاقتصادية في سوريا، حيث تسعى إلى تعزيز مصالحها العسكرية والحفاظ على قواعدها الاستراتيجية في البلاد، وذلك بعد أكثر من عقد من الصراع.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا أعده بينوا فوكون وتوماس غروف قالا فيه إن روسيا تبحث مع حكام سوريا الجدد عن صفقة يسمح لهم فيها بالحفاظ على قواعدهم العسكرية في سوريا.
وقالا إن غياب الوضوح من إدارة دونالد ترامب فيما يتعلق بدمشق، ترك فراغا سمح لموسكو لاستغلاله. وقبل أيام من سقوط نظام بشار الأسد، وصفت روسيا مقاتلي المعارضة الذين كانوا يتقدمون نحو دمشق بالإرهابيين. ولكن موسكو ترى فرصة بعد وصولهم إلى السلطة وتوسيع علاقاتها الإقتصادية والحفاظ في الوقت نفسه على مصالحها العسكرية في البلد.
وأشارت الصحيفة أن هذا التقارب مفاجئ، وبخاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعب دورا فعالا في الحفاظ على نظام الأسد خلال الحرب الأهلية التي استمرت لعقد من الزمان. كما مكنته القواعد التي بنتها روسيا على طول ساحل سوريا من نشر قواته في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، فضلا عن ضرب أهداف المعارضة، بما فيها المواقع التي كان يديرها حكام سوريا الجدد، هيئة تحرير الشام.
ولكن مع عدم تأكد حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من موقف إدارة ترامب بشأن سوريا، فإنهم يماطلون في تقديم الإحتياجات الطارئة للحكومة الجديدة. وهذا يوفر فرصة غير متوقعة لروسيا ليس فقط للحفاظ على وجودها بل وتعزيزه.
وفي واحدة من الإشارات الملموسة عن التقارب بين الطرفين، سلمت روسيا في الشهر الماضي ما يعادل 23 مليون دولار بالعملة السورية بأسعار رسمية إلى البنك المركزي في دمشق.
وقال مسؤولون سوريون وأوروبيون إن موسكو صكت الأوراق النقدية لدعم الاقتصاد السوري الذي يحتاج للنقد عندما رفضت معظم البلدان الأخرى تقديم المال، خوفا من العقوبات.
وقال هؤلاء الأشخاص إن ضخ الأموال جاء في الوقت الذي امتنعت فيه قطر والسعودية عن تقديم ملايين الدولارات من المساعدات المالية التي ناقشتا تقديمها للنظام الجديد. وقالوا إن هاتين الدولتين تنتظران توضيحا من واشنطن بشأن ما إذا كانت العقوبات الأمريكية ضد الجهاديين السابقين الذين يتولون السلطة الآن سترفع.
وتشير الصحيفة إلى أن الحكومة السورية والسعودية التعليق على ما ورد في التقرير، كما ولم يستجب الكرملين لطلب التعليق. ولكن روسيا التي تعاني من نظام عقوبات قاس فرضته أوروبا والولايات المتحدة عقابا لها على غزو أوكرانيا، ليست لديها مثل هذه المخاوف. ونقلت عن آنا بورشفسكايا، الزميلة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني قولها إن "ميزة روسيا في التفاوض مع سوريا هي أنها لا تعيقها أي مخاوف أخلاقية في التعامل مع سوريا ويمكنها تنفيذ القرارات دون الحاجة إلى الإجماع". وأضافت أن "السؤال الرئيسي هو كيف سيموضع الغرب نفسه ويتعامل مع سوريا لتقليل أسباب الاعتماد على روسيا".
وتظل الجائزة الكبرى لروسيا من هذا التعاون هي الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا، والتي توسعت بشكل كبير في حين تواجه انتكاسات في الحرب في أوكرانيا.
وتضيف الصحيفة أن المفاوضات الخاصة تطرقت إلى عدد من المواضيع، بما فيها مليارات الدولارات نقدا واستثمارات في حقول النفط والموانئ واحتمال تقديم موسكو اعتذارا للشعب السوري على ضرب المدنيين وحتى طلب رسمي من دمشق لترحيل الأسد.
ولكن الجانب الروسي، رفض مناقشة طلب تسليم الأسد، حسب مسؤولين أوروبيين وسوريين أحيطوا بالمحادثات. وبالمقارنة لم تقدم إدارة ترامب خطة للتعامل مع النظام الجديد، على حد قول الدبلوماسي الأمريكي السابق، ديفيد شينكر الذي علق قائلا إن "غياب التوافق الأمريكي بشأن سوريا يعقد من محاولاتها لمعارضة عودة روسيا".
ومن شأن أي اتفاق شامل بين روسيا وسوريا، أن يعيد العديد من الروابط التي رسخت العلاقة بين البلدين. ففي عهد الأسد، كانت سوريا واحدة من أكثر الدول المتعاونة مع روسيا ولاء. وكانت موسكو من بين أكبر الشركاء التجاريين لسوريا.
وفي ذلك الوقت، كانت الشركات الروسية لديها مليارات الدولارات من الاستثمارات، والتي شملت ضخ النفط من الحقول السورية ومعالجة الغاز الطبيعي للتصدير.
وبدأت المفاوضات في كانون الثاني/يناير عندما وصل ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، وألكسندر لافرينتييف، مبعوثها إلى سوريا. وكانت نيتهما التفاوض على مستقبل قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس، لكن المحادثات سرعان ما توسعت لتشمل علاقات اقتصادية أوسع، وفقا لأشخاص مطلعين على المفاوضات.
واكتسب العلاقات الحذرة بين روسيا وقادة سوريا الجدد، زخما بعد اتصال الرئيس بوتين مع أحمد الشرع الذي أصبح رئيسا لسوريا. وناقشا في المكالمة العلاقات السياسية والإقتصادية والتجارية، بما فيها استعداد روسيا "لتحسين الوضع الإجتماعي – الإقتصادي في سوريا"، كما ورد في بيان الكرملين عن فحوى المكالمة. وأرسلت روسيا طائرة محملة بالأوراق المالية بعد أيام قليلة. ومن جهتها، فسوريا مدفوعة بتنويع تحالفاتها وأبعد من تركيا، والتي لعبت دورا مهما في دعم المعارضين وجماعة هيئة تحرير الشام. كما وأرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رجال أعمال ومسؤولين إلى دمشق بعد أيام من سقوط الأسد ونشر جيشه في أجزاء من شمال سوريا.
وكانت دمشق حذرة في تأطير مفاوضاتها مع روسيا وأنها محاولة للحصول على تعويض عن المعاناة والدمار الذي أحدثته القوات الروسية خلال حملات القصف الشرسة التي شنتها لدعم نظام الأسد.
وقال المفاوضون السوريون إن الحكومة الجديدة تريد إعادة الأموال التي نقلها النظام السابق إلى روسيا، بحسب الأشخاص.
وفي الفترة بين عامي 2018 و2019، أرسل البنك المركزي السوري ما يقرب من 250 مليون دولارا إلى بنك حكومي في موسكو، وفقا لسجلات الجمارك.
كما اشترى أفراد عائلة الأسد الذين بنوا ثرواتهم من الاحتكارات التجارية والعمولات شققا بقيمة تزيد عن 40 مليون دولارا في ناطحات سحاب فاخرة في روسيا، وفقا لتقرير صادر عام 2019 عن مجموعة مكافحة الفساد غلوبال ويتنس.
وبعد المكالمة بين بوتين والشرع، أعلنت الرئاسة السورية بأن بوتين دعا وزير خارجيتها إلى موسكو. وأضافت دمشق إن بوتين قال أيضا إن روسيا مستعدة لمناقشة شروط الاتفاقيات الموقعة بين روسيا وسوريا الأسد، وهو مطلب رئيسي للحكومة السورية الجديدة، وفقا لأشخاص مطلعين على المحادثات. وتشمل هذه العقود مرحلة جديدة في بناء ميناء طرطوس، الذي تم تعليقه وتطوير امتيازات الغاز الطبيعي البحرية العملاقة، ومناجم الفوسفات وحقول الهيدروكربون في منطقة تدمر، فضلا عن بناء مصنع للأسمدة في حمص، وسط سوريا.
وفي الواقع، أحيت المحادثات طموحات روسيا الاقتصادية الواسعة والراسخة في سوريا. وتعلق الصحيفة أن الأسد أصبح بطريقة ما خيبة أمل لموسكو. فقبل أسبوع من سقوطه، حاولت إسرائيل التوسط بصفقة مع الرئيس المقبل ترامب. وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن ذلك كان سيسمح لروسيا بمجال للاستثمار في سوريا دون أي عائق، مقابل تهميش الأسد لإيران. وقال هؤلاء الأشخاص إنه عندما رفض فريق ترامب، تخلت عنه موسكو التي سئمت من الأسد. ويبدو أن وسيا لديها بدائل قليلة في أماكن أخرى، فهي تتمتع بإمكانية الوصول إلى القواعد الجوية في ليبيا التي يسيطر عليها أمير الحرب خليفة حفتر. وكانت تتفاوض لإنشاء قاعدة بحرية هناك ولكن بدون نجاح، حسب مسؤولين ليبيين وأوروبيين وأمريكيين.
ولدى روسيا الآن، فرصة لأن تعيد بناء حضورها في سوريا، حيث ستجد دمشق شريكا يمكن أن يواجه تأثير تركيا وإيران، القوتان الرئيستان بالمنطقة. وقال مسؤول سوري مطلع على المحادثات: "رغم الجرائم الروسي في القصف وتسليح النظام السابق، يقول السوريون إنهم يريدون فتح صفحة جديدة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية روسيا سوريا بشار الأسد سوريا امريكا روسيا بشار الأسد الادارة السورية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریا
إقرأ أيضاً:
المنقذ الذي لا يأتي.. هل ما زلنا ننتظر المبعوث الأمريكي في صورة المهدي المنتظر؟
من غزة حتى صنعاء… متى نكفّ عن انتظار الحلول القادمة من وراء البحار؟
في كل أزمة تهز منطقتنا، يطلّ علينا طيف بعيد من وراء المحيط، نُخيّل أنه يحمل المفتاح، بينما يحمل في يده الأخرى دفتر شروطه.
ومع ذلك، ما زال بيننا من يراه خلاصًا لا مفر منه، حتى بعد أن خبرنا ثمن تلك الأبواب التي تُفتح بمفاتيح الغرباء. حين قال الرئيس السادات ذات يوم إن «أوراق اللعبة في الشرق الأوسط 99% منها في يد الأمريكان»، كان العالم يعيش بين قطبين عظيمين في ذروة الحرب الباردة، وكانت واشنطن وموسكو تتقاسمان النفوذ وتتنازعان الخرائط. أما اليوم، وقد انفرد القطب الأمريكي بالقرار لعقود، نجد أنفسنا نتساءل: هل تحولت هذه المقولة إلى عقيدة سياسية في عقول قادتنا ونخبنا؟ وهل أصبحنا، عن وعي أو عن وهم، ننتظر المبعوث الأمريكي في صورة المهدي المنتظر، ليحمل الحل السحري لكل قضايا أوطاننا؟
في خرائط هذا الشرق الممزق، هناك دائمًا قارب بعيد يلوّح من خلف الضباب، يقال إنه يحمل الخلاص. قارب لا يصل أبدًا، لكنه يظل حيًا في خيال المنتظرين، كما لو أن البحر صُمّم لابتلاع الأمل قبل أن يلمس الشاطئ. في غزة، السماء ملبدة بالدخان، والبحر محاصر، والناس يلتفتون إلى الأفق، يراقبون الأشرعة التي لن ترسو، والواقع أن أي ضغط أمريكي في هذه اللحظة، كما في لحظات سابقة، لم يخرج عن حسابات ضمان أمن إسرائيل، لا عن حماية المدنيين.
في سوريا، صارت المدن أنقاضًا، وأزقتها قصائد مكسورة تبحث عمّن يعيد إليها نبضها، لكن من وراء البحار لا يسمعون إلا صدى مصالحهم، فتوزعت الأرض بين قواعد عسكرية ونفوذ إقليمي، وغابت الحلول السورية الخالصة. لبنان يقف كطائر على سلك كهربائي، بين سقوطين، وكل يد ممدودة من الخارج تحمل في كفها الأخرى خيطًا يشدّ البلد نحو حيث تشاء، والتدخلات الدولية في شؤونه لا تأتي إلا ضمن توازنات إقليمية، غالبًا لصالح قوى أخرى لا لصالح اللبنانيين.
ليبيا صارت صحراء واسعة تتقاطع فيها قوافل الغرباء، كلّ منهم يرسم خطًا جديدًا على رمالها المتحركة، والأمريكي، كغيره، حضر في لحظة إسقاط النظام، ثم ترك الفوضى تتناسل في فراغ السلطة. في السودان، الحرب مثل نهر جارف يلتهم القرى، وصوت البعض يعلو طالبًا من البعيد أن يقيم السدّ، غير مدرك أن الذي يشيّد السدّ يملك مفاتيح مياهه إلى الأبد، فالتدخل الخارجي هنا يعني إعادة رسم الخرائط، لا وقف النزيف.
أما العراق، فقد عرف القارب الأمريكي من قبل، جاء بأعلام الحرية، ثم ترك الميناء مثقلًا بالخراب، وبنية الدولة مفككة، والمجتمع مشرذم بين ولاءات متناحرة. واليمن، آخر خرائط الصراع، ظلّت موانئه تحت أعين الغريب، لا تُفتح أبوابها إلا بميزان مصالح لا يعرف الجياع ولا العطشى، وتحولت الحرب فيه إلى ملف إقليمي ودولي أكثر منها قضية وطنية.
كل هذه الأرض، من المتوسط حتى باب المندب، تعرف الحقيقة البسيطة: أن الخلاص لا يأتي محمولًا على متن سفن غريبة، وأن المنقذ الذي يأتي من وراء البحار، إن جاء، يزرع على الشاطئ قيوده قبل أن يزرع أشجار السلام. الجغرافيا تقول بوضوح: الخلاص يصنعه أهل الأرض، ومن يسلم مفاتيح مستقبله للغريب، يمنحه حق إعادة كتابة تاريخه على هواه. والحقيقة المُرة أن من ينتظر خلاصه من الآخر، سيجد نفسه رهينةً لشروطه، وأن من يسلّم قراره طوعًا، لا يملك أن يشكو من ثمن الفاتورة. فالأوطان لا تُبنى بالانتظار، ولا تتحرر بالرهان على يدٍ غريبة، بل بوعي شعوبها وإرادتها في الفعل لا في الترقب.
«المنقذ لا يطرق الأبواب… وحدهم أصحاب الأرض يصنعون الفجر»
اقرأ أيضاًالمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف يصل موسكو لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس
«المبعوث الأمريكي»: إسرائيل وافقت على اقتراحي بشأن صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار في غزة
المبعوث الأمريكي للسودان يطالب العالم بزيادة المساعدات الإنسانية للخرطوم