بدأت روسيا بتكثيف تحركاتها الدبلوماسية والاقتصادية في سوريا، حيث تسعى إلى تعزيز مصالحها العسكرية والحفاظ على قواعدها الاستراتيجية في البلاد، وذلك بعد أكثر من عقد من الصراع.

ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا أعده بينوا فوكون وتوماس غروف قالا فيه إن روسيا تبحث مع حكام سوريا الجدد عن صفقة يسمح لهم فيها بالحفاظ على قواعدهم العسكرية في سوريا.



وقالا إن غياب الوضوح من إدارة دونالد ترامب فيما يتعلق بدمشق، ترك فراغا سمح لموسكو لاستغلاله. وقبل أيام من سقوط نظام بشار الأسد، وصفت روسيا مقاتلي المعارضة الذين كانوا يتقدمون نحو دمشق بالإرهابيين. ولكن موسكو ترى فرصة بعد وصولهم إلى السلطة وتوسيع علاقاتها الإقتصادية والحفاظ في الوقت نفسه على مصالحها العسكرية في البلد.

وأشارت الصحيفة أن هذا التقارب مفاجئ، وبخاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعب دورا فعالا في الحفاظ على نظام الأسد خلال الحرب الأهلية التي استمرت لعقد من الزمان. كما مكنته القواعد التي بنتها روسيا على طول ساحل سوريا من نشر قواته في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، فضلا عن ضرب أهداف المعارضة، بما فيها المواقع التي كان يديرها حكام سوريا الجدد، هيئة تحرير الشام.


ولكن مع عدم تأكد حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من موقف إدارة ترامب بشأن سوريا، فإنهم يماطلون في تقديم الإحتياجات الطارئة للحكومة الجديدة. وهذا يوفر فرصة غير متوقعة لروسيا ليس فقط للحفاظ على وجودها بل وتعزيزه.

وفي واحدة من الإشارات الملموسة عن التقارب بين الطرفين، سلمت روسيا في الشهر الماضي ما يعادل 23 مليون دولار بالعملة السورية بأسعار رسمية إلى البنك المركزي في دمشق.

وقال مسؤولون سوريون وأوروبيون إن موسكو صكت الأوراق النقدية لدعم الاقتصاد السوري الذي يحتاج للنقد عندما رفضت معظم البلدان الأخرى تقديم المال، خوفا من العقوبات.

وقال هؤلاء الأشخاص إن ضخ الأموال جاء في الوقت الذي امتنعت فيه قطر والسعودية عن تقديم ملايين الدولارات من المساعدات المالية التي ناقشتا تقديمها للنظام الجديد. وقالوا إن هاتين الدولتين تنتظران توضيحا من واشنطن بشأن ما إذا كانت العقوبات الأمريكية ضد الجهاديين السابقين الذين يتولون السلطة الآن سترفع.

وتشير الصحيفة  إلى أن الحكومة السورية والسعودية التعليق على ما ورد في التقرير، كما ولم يستجب الكرملين لطلب التعليق. ولكن روسيا  التي تعاني من نظام عقوبات قاس فرضته أوروبا والولايات المتحدة عقابا لها على غزو أوكرانيا، ليست لديها مثل هذه المخاوف. ونقلت عن آنا بورشفسكايا، الزميلة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني قولها إن "ميزة روسيا في التفاوض مع سوريا هي أنها لا تعيقها أي مخاوف أخلاقية في التعامل مع سوريا ويمكنها تنفيذ القرارات دون الحاجة إلى الإجماع". وأضافت أن "السؤال الرئيسي هو كيف سيموضع الغرب نفسه ويتعامل مع سوريا لتقليل أسباب الاعتماد على روسيا".

وتظل الجائزة الكبرى لروسيا من هذا التعاون هي الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا، والتي توسعت بشكل كبير في حين تواجه انتكاسات في الحرب في أوكرانيا.

وتضيف الصحيفة أن المفاوضات الخاصة تطرقت إلى عدد من المواضيع، بما فيها مليارات الدولارات نقدا واستثمارات في حقول النفط والموانئ واحتمال تقديم موسكو اعتذارا للشعب السوري على ضرب المدنيين وحتى طلب رسمي من دمشق لترحيل الأسد.


ولكن الجانب الروسي، رفض مناقشة طلب تسليم الأسد، حسب مسؤولين أوروبيين وسوريين أحيطوا بالمحادثات. وبالمقارنة لم تقدم إدارة ترامب خطة للتعامل مع النظام الجديد، على حد قول الدبلوماسي الأمريكي السابق، ديفيد شينكر الذي علق قائلا إن "غياب التوافق الأمريكي بشأن سوريا يعقد من محاولاتها لمعارضة عودة روسيا".

ومن شأن أي اتفاق شامل بين روسيا وسوريا، أن يعيد العديد من الروابط التي رسخت العلاقة بين البلدين. ففي عهد الأسد، كانت سوريا واحدة من أكثر الدول  المتعاونة مع روسيا ولاء. وكانت موسكو من بين أكبر الشركاء التجاريين لسوريا.

وفي ذلك الوقت، كانت الشركات الروسية لديها مليارات الدولارات من الاستثمارات، والتي شملت ضخ النفط من الحقول السورية ومعالجة الغاز الطبيعي للتصدير.

وبدأت المفاوضات في كانون الثاني/يناير عندما وصل ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، وألكسندر لافرينتييف، مبعوثها إلى سوريا. وكانت نيتهما التفاوض على مستقبل قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس، لكن المحادثات سرعان ما توسعت لتشمل علاقات اقتصادية أوسع، وفقا لأشخاص مطلعين على المفاوضات.

واكتسب العلاقات الحذرة بين روسيا وقادة سوريا الجدد، زخما بعد اتصال الرئيس بوتين مع أحمد الشرع الذي أصبح رئيسا لسوريا. وناقشا في المكالمة العلاقات السياسية والإقتصادية والتجارية، بما فيها استعداد روسيا "لتحسين الوضع الإجتماعي – الإقتصادي في سوريا"، كما ورد في بيان الكرملين عن فحوى المكالمة. وأرسلت روسيا طائرة محملة بالأوراق المالية بعد أيام قليلة. ومن جهتها، فسوريا مدفوعة بتنويع تحالفاتها وأبعد من تركيا، والتي لعبت دورا مهما في دعم المعارضين وجماعة هيئة تحرير الشام. كما وأرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رجال أعمال ومسؤولين إلى دمشق بعد أيام من سقوط الأسد ونشر جيشه في أجزاء من شمال سوريا.

وكانت دمشق حذرة في تأطير مفاوضاتها مع روسيا وأنها محاولة للحصول على تعويض عن المعاناة والدمار الذي أحدثته القوات الروسية خلال حملات القصف الشرسة التي شنتها لدعم نظام الأسد.

وقال المفاوضون السوريون إن الحكومة الجديدة تريد إعادة الأموال التي نقلها النظام السابق إلى روسيا، بحسب الأشخاص.

وفي الفترة بين عامي 2018 و2019، أرسل البنك المركزي السوري ما يقرب من 250 مليون دولارا إلى بنك حكومي في موسكو، وفقا لسجلات الجمارك.

كما اشترى أفراد عائلة الأسد الذين بنوا ثرواتهم من الاحتكارات التجارية والعمولات شققا بقيمة تزيد عن 40 مليون دولارا في ناطحات سحاب فاخرة في روسيا، وفقا لتقرير صادر عام 2019 عن مجموعة مكافحة الفساد غلوبال ويتنس.


وبعد المكالمة بين بوتين والشرع، أعلنت  الرئاسة السورية بأن بوتين دعا وزير خارجيتها إلى موسكو. وأضافت دمشق إن بوتين قال أيضا إن روسيا مستعدة لمناقشة شروط الاتفاقيات الموقعة بين روسيا وسوريا الأسد، وهو مطلب رئيسي للحكومة السورية الجديدة، وفقا لأشخاص مطلعين على المحادثات. وتشمل هذه العقود مرحلة جديدة في بناء ميناء طرطوس، الذي تم تعليقه وتطوير امتيازات الغاز الطبيعي البحرية العملاقة، ومناجم الفوسفات وحقول الهيدروكربون في منطقة تدمر، فضلا عن بناء مصنع للأسمدة في حمص، وسط سوريا.

وفي الواقع، أحيت المحادثات طموحات روسيا الاقتصادية الواسعة والراسخة في سوريا. وتعلق الصحيفة أن الأسد أصبح بطريقة ما خيبة أمل لموسكو. فقبل أسبوع من سقوطه، حاولت إسرائيل التوسط بصفقة مع الرئيس المقبل ترامب. وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن ذلك كان سيسمح لروسيا بمجال للاستثمار في سوريا دون أي عائق، مقابل تهميش الأسد لإيران. وقال هؤلاء الأشخاص إنه عندما رفض فريق ترامب، تخلت عنه موسكو التي سئمت من الأسد. ويبدو أن وسيا لديها بدائل قليلة في أماكن أخرى، فهي تتمتع بإمكانية الوصول إلى القواعد الجوية في ليبيا التي يسيطر عليها أمير الحرب خليفة حفتر. وكانت تتفاوض لإنشاء قاعدة بحرية هناك ولكن بدون نجاح، حسب مسؤولين ليبيين وأوروبيين وأمريكيين.

ولدى روسيا الآن، فرصة لأن تعيد بناء حضورها في سوريا، حيث ستجد دمشق شريكا يمكن أن يواجه تأثير تركيا وإيران، القوتان الرئيستان بالمنطقة. وقال مسؤول سوري مطلع على المحادثات: "رغم الجرائم الروسي في القصف وتسليح النظام السابق، يقول السوريون إنهم يريدون فتح صفحة جديدة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية روسيا سوريا بشار الأسد سوريا امريكا روسيا بشار الأسد الادارة السورية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

"بعد الجدل الذي أثاره .. وزارة السياحة السورية توضح تفاصيل ضوابط اللباس البحري

بعد الضجة والجدل الذي أثاره قرار السلطات السورية، المتعلق يفرض قيود على ملابس رواد الشواطئ والمنشآت السياحية، أوضحت وزارة السياحة بعض النقاط التي وردت في تعليمات قواعد اللباس، على لسان معاون الوزير. اعلان

نفى معاون وزير السياحة لشؤون التطوير والاستثمار في سوريا، غياث الفراح، أن تكون الوزارة قد أصدرت قرارًا بمنع أي نوع من ملابس السباحة، مؤكدًا أن التعليمات الجديدة التي صدرت في 10 حزيران/يونيو تهدف إلى تنظيم قواعد اللباس بما يراعي الذوق العام والتنوع الثقافي والديني في البلاد، دون إقصاء أي فئة.

وفي تصريح عبر قناة "الإخبارية السورية"، أوضح الفراح أن القرار الجديد لم يمنع ارتداء أي نوع من ملابس السباحة، بل حدد أنواع اللباس المسموح بها تبعًا لنوع المنشأة السياحية، مشيرًا إلى أن البوركيني، الذي كان محظورًا في العديد من الشواطئ على زمن النظام البائد، أصبح مسموحًا به في بعض المواقع المخصصة لذلك.

Relatedوزارة السياحة السورية تُلزم النساء بـ"البوركيني" على الشواطئ.. قيود جديدة تُغضب المواطنيننهب الآثار في سوريا يتفشى وسط انهيار الأمن وانتشار الفقرسوريا.. هل يتبخّر حلم انتعاش السياحة أمام الفوضى الأمنية والقيود على الحريات؟

وقال: "لم نمنع أي نوع من اللباس، وإنما قمنا بتقسيم الشواطئ بين تلك التي يُسمح فيها بارتداء اللباس المحتشم كالبوركيني، وأخرى يُسمح فيها بارتداء اللباس الغربي، وفق طبيعة المنشأة ودرجة تصنيفها". وأضاف أن القرار جاء نتيجة دراسات مقارنة مع تجارب دول مجاورة كالسعودية والأردن، واستنادًا إلى توصيات خبراء محليين.

وأشار الفراح إلى أن القرار رقم (294) هو إجراء تنظيمي متجدد يُصدر في كل موسم سياحي، ويهدف إلى تأطير عمل المنشآت السياحية الساحلية، بما يشمل تنظيم اللباس، وتحقيق معايير السلامة العامة، مثل تحديد أوقات السباحة المناسبة، والتقيد بتعليمات المنقذين والإشارات التحذيرية.

ووفق التعليمات التي نشرتها وزارة السياحة في العاشر من يونيو، يُطلب من النساء في الشواطئ والمسابح العامة ارتداء ملابس سباحة "أكثر احتشامًا" مثل البوركيني أو ملابس تغطي الجسم بشكل أكبر، بالإضافة إلى ارتداء رداء فضفاض عند التنقل خارج مناطق السباحة، كما يُطلب من الرجال تجنب الظهور مكشوفي الصدر خارج نطاق الشواطئ، كالمطاعم وبهو الفنادق.

وقد خُففت هذه القيود في المنتجعات المصنّفة ضمن الفئة الدولية (أربع نجوم وما فوق) والأندية الخاصة، حيث يُسمح بارتداء ملابس السباحة الغربية ضمن حدود "السلوك الحضاري والآداب العامة"، أما المنشآت الأقل تصنيفًا، فتبقى خاضعة للتعليمات العامة الأكثر تحفظًا.

وتُلزم التعليمات أصحاب المنشآت السياحية والمستثمرين بوضع الإرشادات الجديدة في أماكن بارزة على الشواطئ والمسابح، ومتابعة تطبيقها، بما يشمل الالتزام بأوقات السباحة المحددة.

من جهة أخرى، لم تتطرق الوزارة حتى الآن إلى آلية تطبيق هذه التعليمات أو العقوبات المترتبة على مخالفتها، ما أثار تساؤلات واسعة بين المواطنين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين عبّر كثير منهم عن استيائهم من هذه التعليمات، معتبرين أن القرار يمثل تقييدًا للحريات الشخصية، ومحاولة لفرض نمط مجتمعي موحد لا يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي في سوريا.

وفي حديثه مع الإخبارية شدد الفراح على أن تطبيق القرار سيكون عبر الشرطة السياحية التي تم تأهيلها مؤخرًا بالتعاون مع وزارة الداخلية، وذلك لضمان الالتزام، ومنع الفوضى، والحفاظ على جودة الخدمات المقدمة للزوار.

واختتم بالقول إن القرار قابل للتقييم والتعديل بناء على نتائج تطبيقه خلال موسم صيف 2025، في إطار سعي الوزارة لتحقيق التوازن بين الحريات الفردية والاعتبارات المجتمعية.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • خارجية روسيا: موسكو مستعدة لدعم جهود تسوية ملف البرنامج النووي الإيراني
  • إغلاق الأجواء السورية مؤقتًا أمام حركة الطيران المدني حتى صباح الأحد 15 حزيران
  • فيديو: صواريخ إسرائيل وإيران في سماء السويداء السورية
  • الخطوط الجوية السورية تعلن استئناف رحلاتها تدريجياً
  • الخطوط الجوية السورية توقف جميع رحلاتها حتى إشعار آخر بسبب الأوضاع في المنطقة
  • موسكو: روسيا تدين بشدة الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت إيران
  • الداخلية السورية تعلق على توغل الاحتلال في ريف دمشق
  • من قصر بدمشق إلى برج الزجاج.. الأسد منبوذ في موسكو وتحت رقابة مشددة
  • الداخلية السورية: قتيل و7 مختطفين في توغل إسرائيلي بريف دمشق
  • "بعد الجدل الذي أثاره .. وزارة السياحة السورية توضح تفاصيل ضوابط اللباس البحري