مستشفى حمد القطري في غزة يستأنف العمل جزئيا
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
غزة- لم يجدِ صراخ أم محمد شبات في وجه الجندي الإسرائيلي وهي تتوسل إليه بأعلى صوتها "طفلي أصمّ لا يسمع" في محاولة منها لمنعه من ضرب طفلها محمد (9 أعوام)، ولا من صفعه بوحشية، مطالبا إياه بالتحدث دون اعتبار لحالته الصحية أو لصغر سنه.
تلقى محمد ضربات متتالية على وجهه ورقبته أسقطت جهاز القوقعة الخارجي الملتصق بأذنه أرضا، ليتهشم تحت بساطير الجنود، ويفقد على إثر ذلك سمعه كليًا بعد أن كان يعتمد على جهاز القوقعة في التقاط الأصوات من حوله.
وقف والد محمد شبات عاجزا أمام فجيعة ابنه الذي كان يقضي نهاره وليله باكيًا، بعدما عاد للتحدث مع الناس بلغة الإشارة، فلا مكان لتغيير الجهاز الخارجي للقوقعة ولا لإصلاحها، بعد خروج مستشفى حمد عن الخدمة جراء الحرب الإسرائيلية منذ أيام الحرب الأولى، وهو المكان الذي كان يتابع فيه حالة طفله.
يستذكر والد محمد حين اكتشف فَقدَ ابنه للسمع قبل 6 أعوام، حيث توجه به إلى مستشفى حمد التخصصي ليتبين بعد الفحوصات أنه أصم منذ مولده، فيتبناه المستشفى القطري الذي قام بزراعة قوقعة له في ذلك الحين.
يقول والد محمد للجزيرة نت "لقد قدم لي مستشفى حمد حلا أنهى كابوسا كان يرافقني طول العمر بأن يظل ابني أصم وأبكم، لكن بفضل جهودهم زرعت له القوقعة وأعيد تأهيله وتمكن من الاندماج مع الطلاب العاديين في المدرسة".
أما محمد عليوة (22 سنة) الذي بُترت قدمه عام 2018 خلال مسيرات العودة، فقد كان يعتمد في سيره وأداء مهامه اليومية ونشاطاته الرياضية على الطرف الصناعي الذي زرعه في مستشفى حمد منذ ذلك الحين، لكنه اضطُر لخلعه قبل عام خلال الحرب، بسبب حاجته إلى الصيانة فقد صار متهالكا ومهترئا.
إعلانكان النزوح المتكرر شاقا على محمد الذي عاد لاستخدام العكاز بعد عدم صلاحية طرفه الصناعي الذي قام فريق الأطباء في مستشفى حمد بتركيبه له بعد فتة قصيرة من الإصابة، ينتظر بفارغ الصبر تمكنه من إصلاح الطرف والعودة لحياته الطبيعية وأداء أنشطته ومهامه اليومية.
محمد عليوة واحد من ألفي مصاب بالبتر، كان مستشفى حمد وجهتهم في تلقي الرعاية الطبية وتركيب الأطراف الصناعية وصيانتها.
يضاف إليهم اليوم 4500 حالة بتر جديدة وقعوا ضحية الاستهداف الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، بحسب منظمة الصحة العالمية، وسيكونون بحاجة ماسة لوجود مستشفى متخصص يتلقون فيه الخدمات النوعية والرعاية الخاصة التي يحتاجونها.
(الجزيرة) عودة رغم الدمار
رصدت الجزيرة نت مظاهر الدمار في مستشفى حمد وآثار حرق الاحتلال لعدد من الأقسام فيه.
وكان قد خرج عن الخدمة منذ أيام الحرب الأولى، بعد تعرضه للاستهداف المباشر، ولوجوده في محور التوغل الذي بدأ جيش الاحتلال مناورته البرية منه. على إثر ذلك فقد آلاف المراجعين قدرتهم على المتابعة التي يحتاجونها بشكل دوري.
دافعٌ أجبر إدارة مستشفى حمد للعمل على قدم وساق لترميم عدد من أقسامه لإعادة تشغيلها، حيث نجحت وبدعم من صندوق قطر للتنمية الذي يتولى مهمة إعادة تأهيله، باستئناف فتح أبوابها لاستقبال الحالات في قسمي الأطراف الصناعية وقسم السمع والتوازن وتقديم الخدمات الخاصة لهم في المرحلة الأولى.
كما يجري العمل على ترميم بقية الأقسام لافتتاحها خلال الأسابيع القادمة، وهي حاجة ملحة في ظل وجود أكثر من 24 ألف حالة بحاجة للتأهيل الطبي حتى يتمكنوا من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
وقال المدير العام لمستشفى حمد أحمد نعيم في مقابلة مع الجزيرة نت "نحاول إعادة التأهيل بالحد الأدنى بما يتوفر من إمكانات متاحة وقطع غيار متوفرة، حيث يرفض الاحتلال السماح بإدخال معدات الصيانة والأجهزة اللازمة لتشغيله بطاقته القصوى التي كان يعمل بها قديما".
تبذل إدارة المستشفى جهدا ذاتيا حثيثا منذ اليوم الأول لإعلان وقف النار لبعث الحياة فيه، في ظل شح المتوفر وتأثر القدرة التشغيلية للمستشفى والتي لن تتجاوز 70%، خاصة بعدما فقدت 4 من كوادرها المتخصصة شهداء، فضلًا عن سفر عدد منهم خارج القطاع.
إعلانوخلال جولة رافقنا بها نعيم في أقسام المستشفى، علق قائلا "كلفنا تجهيز هذه الغرفة 800 ألف دولار وهي وحدة فريدة من نوعها على مستوى فلسطين لتشخيص السمع والتوازن تم إحراقها بالكامل، وفقدنا كل الأجهزة التي فيها، نحتاج لبدائل ومعدات جديدة ومولدات لتشغيل الأجهزة".
وبين حرق أجهزة الفحص السمعي بالكُلّية، وافتقار المستشفى لأجهزة القوقعة ولكثير من قطع الغيار الخاصة بها، تتجدد المطالبات بالإغاثة العاجلة لإعادة المكان الذي وصفته رئيس قسم السمع والتوازن في المستشفى بسمة صلاح بأنه من أفضل الأماكن في الوطن العربي التي تقدم خدمات متكاملة لفاقدي السمع بدءا من تشخيص المريض وحتى زراعة القوقعة إلى جلسات تأهيل سمعي ولفظي لدمج المرضى بالمجتمع.
وقد كشفت بسمة صلاح أن أكثر من 300 مريض هم بحاجة لقطع غيار لصيانة أجهزة القوقعة الخاصة بهم، وهو أمر مرهون بفتح المعبر، وسماح الاحتلال لهذه المستلزمات بالدخول.
تقول بسمة صلاح للجزيرة نت، "سنعيد البدء من الصفر مع كل الأطفال الذين تعطل لديهم جهاز القوقعة في الحرب، حيث يحتاجون لأجهزة جديدة وبرمجة جديدة وتأهيل جديد، وهم بحاجة لإعادة البرنامج المتكامل بشكل كلي كأنهم أطفال جدد، ما يعني أنهم شطبوا عمرا من أعمار مرضانا".
يذكر أن مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية بغزة والممول من صندوق قطر للتنمية يعد مرفقا حيويا ونوعيا في قطاع غزة، وهو الوحيد والأكبر الذي يقدّم خدمات عالية الجودة في مجالات التأهيل، السمع والتوازن، والأطراف الصناعية، كما يقدم خدماته بشكل مجاني لكل الفلسطينيين في قطاع غزة من رفح وحتى بيت حانون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
في فيلم وثائقي.. طبيبان بريطانيان يوثقان تجربتهما المؤلمة في غزة (شاهد)
وثّق طبيبان بريطانيا، في فيلم مصوّر تضمن مشاهد مما عايناه خلال وجودهما في قطاع غزة، جانبا من الآثار الفظيعة التي يخلفها القصف الإسرائيلي على سكان القطاع.
وتضمن الفيلم الذي صوره الطبيبان الجراحان توم بوتكار وفيكتوريا روز وعرضته قناة سكاي نيوز البريطانية؛ مشاهد صادمة خلال عمليات إنقاذ الضحايا والمصابين الفلسطينيين من تحت الأنقاض أو خلال علاجهم في المستشفيات، إلى جانب ما تتعرض له المستشفيات استهداف إسرائيلي.
ويقول الطبيبان اللذان قضيا أسابيع في غزة؛ إنهما لا يريان نفسيهما بطلين، ويضيف الدكتور الجراح بوتكار: "هذا (الفيلم) يجب ألا يكون حولنا.. يجب أن يكون حول ما يجري للفلسطينيين والعاملين في الصحة داخل غزة"..
وكان الطبيبان اللذان ذهبا إلى غزة بدعم من منظمة "IDEALS" الخيرية؛ يرسلان مقاطع توثق مشاهداتهما اليومية لمعدة الفيلم في سكاي نيوز، حيث أكدا أن غالبية مصابي القصف الإسرائيلي الذين كانا يقومان بعلاجهم هم من الأطفال.
وتحدثا عن اضطرارهما لتنفيذ عمليات بتر لأطراف أطفال في محاولة لتخفيف الألم وآثار الالتهابات في حالات الحروق الشديدة التي تتسبب بها القنابل الإسرائيلية، نظرا لنقص الأدوية والعلاجات. ومن الحالات التي وثقها الطبيبان بحرقة؛ حالة طفلة تبلغ من العمر سبع سنوات وقد بُترت كلتا ساقيها.
وعبر الطبيان عن غضبهما تجاه "التواطؤ السياسي" من المجتمع الدولي الذي لا يقوم بما يكفي لوقف الحرب، كما طالبا بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة.
وتقول الطبيبة فيكتوريا في أحد المشاهد من مستشفى ناصر: "غالبية مرضاي هم من الأطفال. وقد ظهرت وهي تبدي تعاطفها مع طفل صغير يبلغ من العمر ثلاث سنوات؛ تعرض لحروق أصابت 35 في المئة من جسمه، وقد لفّته الضمادات فلا يظهر سوى وجهه. وتضيف: "هذا طفلي المفضل".
وتقل معدّة الفيلم: "عشرات الآلاف من الذين شاهدوا تحديثاتها (الطبيبة) على منصات التواصل الاجتماعي وقعوا في حب هذا الطفل الصغير أيضا".
وإلى جانب متابعة المرضى وعمل الفرق الطبية خلال وجودهما في غزة، تابع الطبيبان عمليات القصف الإسرائيلية ليلا ونهار، وتناقص الإمدادات الطبية والنقص الحاد في الطعام.
وتوثق المشاهد علاج أطفال تحولوا لـ"هياكل عظمية" نتيجة نقص الغذاء، إضافة إلى المساعدة في إخلاء جرحى تعرضوا لإصابات شديدة؛ من المراكز الطبية التي تتقلص باستمرار.
وتقول الدكتورة فيكتوريا: "يظهر أنه قصف عشوائي" إسرائيلي، وتضيف: "لا أحد آمن، سواء كان امرأة أو رجلا أو طفلا أو عاملا صحيا.. لكن يبدو أن هناك نمطا ممنهجا من مهاجمة البنية التحتية وخصوصا حول الخدمات الصحية".
وتشير مثلا إلى استهداف إمدادات المياه للمستشفيات ثم الكهرباء، إلى جانب القصف في محيط المستشفيات ما يجعل الوصول إليها أو الخروج منها صعبا.
وبخلاف المزاعم الإسرائيلية، يؤكد الأطباء بشدة أنهم لم يشاهدوا أي مظاهر مسلحة في المستشفيات، كما ليس هناك أي دليل على وجود أنفاق لحركة حماس أسفل هذه المستشفيات التي تتعرض للقصف.
وتنقل معدة الفيلم أليكس كروفورد عن الدكتور بوتكار قوله لها بعد قصف المستشفى الأوروبي في غزة؛ أن القطاع تحول إلى "مسلخ".
والدكتور بوتكار هو جراح بريطاني متخصص بالحروق، وسبق أن عمل قبل ذلك في مناطق الحروب، مثل الصومال ولبنان.
وهرع الدكتور بوتكار إلى المستشفى الأوروبي بعد قصفه من قبل الاحتلال الإسرائيلي بعدة قنابل، حيث وثق حجم الدمار الكبير الذي تعرض له المستشفى، بينما دخل إلى الممرات الممتلئة بالدخان وهو يبحث طبيب التخدير الذي يعمل معه أو عن مصابين آخرين داخل المستشفى.
ويوضح الدكتور بوتكار أن الأمر لم يكن سهلا عليه للقيام بهذه المهمة في التوثيق، "لكن من المهم أن يرى الناس ما الذي يجري هنا" في غزة. ويضيف: "السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: لماذا يُمنع دخول الصحفيون الأجانب (إلى غزة)؟ ما الذي لا تريد إسرائيل أن يراه الناس؟".
أما الدكتورة فيكتوريا، المتخصصة في الجراحة التجميلية في مستشفيات لندن، فقد كانت تعبر عن مخاوفها من أن يتعرض مستشفى ناصر الذي تتواجد مع زميلها الدكتور توم الذي انتقل إليه بعد قصف المستشفى الأوروبي؛ لذات مصير المستشفى الأوروبي الذي بات خارج الخدمة.
وتقول: "علينا أن نذكر الناس باستمرار بما يجري هنا (مستشفى ناصر)، لأن مستشفى ناصر هو آخر مستشفى عامل في الجنوب، وإذا تم إخلاؤه فسيترتب على ذلك عواقب مأساوية على المدنيين هنا.. المئات سوف يموتون".
وتقول كروفورد إن الفيلم يتضمن مشاهد قاسية ومؤلمة لأناس في ظروف مأساوية ويعانون، حيث يتحدث الفيلم "من خلال أعين الجراحَين المُلهِمَين والاستثنائيين؛ اللذين أحسّا بأن مهمتهما كطبيبين تعني أن عليهما أيضا كشف ما يجري في قطاع غزة، بينما تحول تركيز العالم إلى أماكن أخرى".