فوسفات سوريا: إعادة إحياء الاقتصاد عبر التصدير في عصر ما بعد الأسد
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، تسعى سوريا إلى إعادة بناء اقتصادها المنهك من خلال استثمار مواردها الطبيعية، وفي مقدمتها الفوسفات الذي يُعد أحد أهم الثروات الوطنية، باحتياطي يُقدر بنحو 1.8 إلى 2.1 مليار طن، مما يضعها ضمن أكبر 5 دول عالميًا في هذا المجال. وتبرز مرافئ اللاذقية وطرطوس محورا رئيسيا لتصدير هذه الثروة، بما يعزز دورها في دعم الاقتصاد المحلي وتنشيط التجارة الخارجية.
وتهدف الخطة الحكومية إلى تعظيم العائدات الاقتصادية من خلال تصدير كميات أكبر من الفوسفات بأسعار تنافسية، وإنهاء السيطرة الأجنبية -خصوصًا الروسية والإيرانية- على المناجم، وتطوير إدارة محلية شفافة. كما تشمل الخطة تخصيص جزء من الإنتاج لتغذية الصناعات المحلية، ولا سيما الأسمدة والمنتجات الفوسفاتية، إلى جانب تحسين البنية التحتية لتسهيل عمليات التصدير والامتثال للمعايير الدولية لتجاوز العقوبات الاقتصادية.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية القطاعات اللوجستية في دعم جهود إعادة الإعمار في ظل التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها سوريا. ويتولى مازن علوش (مدير العلاقات العامة في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية) مسؤولية الإشراف على التواصل حول عمليات التصدير عبر مرفأي اللاذقية وطرطوس، حيث يعدان الشريان الرئيسي لتجارة الفوسفات.
تصاعد وتيرة التصدير وفتح أسواق جديدةوفي تصريح خاص لموقع الجزيرة نت، قدم علوش رؤية تفصيلية حول التقدم في تصدير الفوسفات، موضحًا كيف تساهم هذه العمليات في تعزيز الاقتصاد الوطني، مع التركيز على الخطط الحكومية لتوسيع الأسواق الدولية ورفع كفاءة العمليات اللوجستية.
وأكد أن صادرات الفوسفات تشهد نشاطًا متزايدًا ضمن خطة حكومية تهدف إلى توسيع التبادل التجاري وتحفيز الناتج المحلي. وأوضح أن هناك 5 شحنات تم تصديرها منذ استعادة السيطرة على المناجم، مع تحميل الشحنتين السادسة والسابعة حاليًا في مرفأ طرطوس، بإجمالي يبلغ نحو 40 ألف طن متجهة إلى رومانيا.
إعلانوأشار علوش إلى أن التحميل يتم بشكل متزامن من أجل رفع وتيرة التصدير، وتسريع العمليات التجارية، ضمن جهود دعم الاقتصاد الوطني.
وكشف أن الشحنات تم توجيهها إلى دول مثل رومانيا وتركيا وكازاخستان والهند، بموجب اتفاقيات رسمية، مع سعي حكومي حثيث لفتح أسواق جديدة.
كما أفاد أن الصادرات تجاوزت 140 ألف طن منذ بداية عام 2025، وذلك وفقًا للجاهزية اللوجستية لمرافئ التصدير وسلاسل النقل.
طموحات اقتصادية وخطط لزيادة الإنتاجوفي سياق جهود الحكومة السورية الجديدة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، تبرز أهمية استثمار الموارد الطبيعية كمحرك رئيسي للتنمية الاقتصادية المستدامة.
وفي هذا الإطار، يقدم الدكتور أسامة قاضي (رئيس مركز "قاضي للاستشارات" الاقتصادية ومستشار بوزارة الاقتصاد السورية وأحد المسؤولين المشاركين في وضع السياسات الاقتصادية) رؤية إستراتيجية حول كيفية الاستفادة من ثروة الفوسفات لدعم الخزينة العامة.
وفي حديث خاص لموقع الجزيرة نت، استعرض قاضي التحديات التي واجهت القطاع خلال العقد الماضي، مع التركيز على الخطط الطموحة لزيادة الإنتاج وجذب الاستثمارات الإقليمية والدولية، وتعزيز الصناعات المحلية المرتبطة بالفوسفات. وأكد أن الفوسفات يمثل مصدر دخل حيوي إذا استُثمر بشكل جيد، موضحًا أن احتياطي سوريا من هذه المادة، والمقدر بنحو 1.8 مليار طن، قد عانى من توقف شبه كامل للتصدير خلال السنوات الـ14 الماضية نتيجة الحرب وتدخلات خارجية.
وأضاف أن الإدارة الجديدة تعمل على طرح مناقصات دائمة لتسويق الفوسفات بشكل شفاف، مع بدء الشحن مجددًا من مرفأ طرطوس. وأوضح أن الإنتاج السنوي السابق بلغ حوالي 3.2 ملايين طن، لكن الحكومة تستهدف زيادته إلى 7 ملايين بحلول عام 2026، وربما يصل إلى 10 ملايين بحلول 2027، من خلال استخدام تكنولوجيا حديثة. وأشار إلى أن هذه الثروة ستكون عامل جذب مهمًا للمستثمرين الإقليميين والدوليين لتطوير صناعة الأسمدة وتحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي مع تصدير الفائض، شريطة ضمان الشفافية في إدارة العائدات والعقود الحكومية.
التحول نحو التصنيع المحلي والتنمية المستدامةفي خضم هذا السعي لتحويل الفوسفات من مجرد مورد طبيعي إلى عنصر فعّال في إستراتيجية التنمية المستدامة، تبرز الحاجة إلى رؤى اقتصادية متقدمة تتجاوز البُعد التقليدي للتصدير الخام، وتعتمد على مقاربات شمولية تدمج بين اعتبارات الإنتاج والتصنيع المحلي، والتحولات البيئية، والتمويل المستدام. فعلى الرغم من ضخامة الاحتياطي السوري من الفوسفات، والذي يُعد من الأكبر عالميًا، إلا أن العائدات الفعلية منه ظلت محدودة لعقود بسبب سوء الإدارة والفساد والتدخلات الخارجية في قطاع الثروات الطبيعية، خاصة من قبل شركاء غير سوريين استغلوا ظروف الحرب لبسط نفوذهم على مناجم تدمر وخنيفيس.
وتناول الخبير الاقتصادي أسامة العبد الله، في تصريح خاص لموقع الجزيرة نت، الجوانب اللوجستية والمالية والاستثمارية للقطاع، مقدمًا اقتراحات مبتكرة لتطويره، من ضمنها دمج التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز الاستدامة البيئية، وتطوير نماذج تمويل جديدة لجذب المستثمرين.
إعلانوأكد العبد الله أن الفوسفات يشكل ركيزة إستراتيجية لإنعاش الاقتصاد السوري في مرحلة إعادة الإعمار، لكنه شدد على ضرورة تبني نهج شامل يتجاوز مجرد التصدير الخام. وأوضح أن تحسين البنية التحتية للمناجم والموانئ، إلى جانب تطوير سلاسل التوريد المتكاملة، يُعد أولوية أساسية لضمان استدامة الإنتاج وتقليل التكاليف اللوجستية.
وأشار إلى أهمية الشراكات الدولية التي تركز على نقل التكنولوجيا المتقدمة لتطوير الصناعات التحويلية المحلية، مثل إنتاج الأسمدة عالية الجودة والمنتجات الكيميائية المشتقة من الفوسفات، مما يعزز القيمة المضافة للاقتصاد الوطني ويقلل الاعتماد على تصدير المادة الخام. كما أكد أن الشفافية في إدارة العقود وتوزيع العائدات ستكون حاسمة لجذب استثمارات أجنبية طويلة الأجل، مقترحًا إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الإيرادات وضمان دخولها الكامل إلى الخزينة العامة.
وأضاف العبد الله أن اعتماد ممارسات استخراج مستدامة بيئيًا، مثل تقليل النفايات وإعادة تدوير المخلفات، سيُسهم في تحسين صورة سوريا في الأسواق العالمية، ويُظهر التزامها بالمعايير الدولية، مما يزيد من فرص الاندماج في الاقتصاد العالمي. وختم بالتأكيد على ضرورة إصلاح السياسات المالية والمصرفية، بما في ذلك إنشاء آليات تمويل مبتكرة، مثل صناديق استثمار مخصصة لقطاع الفوسفات، لتسهيل تدفق رؤوس الأموال، وتعزيز القدرة التنافسية للقطاع في الأسواق الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
الانتخابات الأولى بعد الأسد وفي حكم الشرع.. سوريا تجري تصويتاً غير مباشر لاختيار نواب مجلس الشعب
أجرت سوريا، الأحد، أول انتخابات لاختيار نواب مجلس الشعب بعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد وتولّي رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع حكم البلاد، حيث جرت بشكل مباشر في المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق ولم تشمل السويداء ومناطق سيطرة "قسد". اعلان
وأدلى أعضاء الهيئات الناخبة في المحافظات السورية بأصواتهم في عملية اختيار أعضاء مجلس الشعب وذلك بعد أن فتحت مراكز الاقتراع أبوابها منذ الساعة التاسعة من صباح اليوم، وأغلقت معظم مراكز الاقتراع عند الساعة الثانية عشرة ظهراً بينما مددت في عدد من المحافظات مثل دمشق وحلب.
ولم تعلن السلطات عن نسبة الاقتراع، بينما ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن نسبة المشاركة كانت مرتفعة دون أن تحددها.
وقد أعلن رئيس اللجنة العليا السورية للانتخابات نوار نجمة في وقت سابق اليوم بدء فرز الأصوات في عدد من المناطق وإعلان فوز مرشحين.
القانون الانتخابيوقد دعي 6 آلاف ناخب من هيئات انتخابية بمختلف المحافظات للإدلاء بأصواتهم في انتخابات غير مباشرة واختيار ثلثي مقاعد مجلس الشعب.
حددت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب 49 مركزاً للاقتراع للدوائر الانتخابية المقررة بالمحافظات على أن يتم تحديد موعد لاحق للاقتراع في بعض مناطق محافظتي الرقة والحسكة (معدان ورأس العين وتل أبيض)، بينما ستبقى مقاعد باقي الدوائر شاغرة في المحافظتين، إضافة إلى دوائر محافظة السويداء كافة إلى حين توافر الظروف المناسبة.
وكان 1578 شخصاً من الهيئات الناخبة على مستوى 50 دائرة انتخابية في عموم سوريا بينهم 14 بالمئة من النساء ترشحوا لخوض الانتخابات للفوز بعضوية مجلس الشعب الجديد.
ونص المرسوم الرئاسي رقم (66) لعام 2025 الصادر عن الشرع، على توزيع أعضاء المجلس وفق الكثافة السكانية في المحافظات، وبحسب فئتي الأعيان والمثقفين، مع تعيين ثلث الأعضاء من قبل رئيس الجمهورية، وانتخاب الثلثين وفق لجان انتخابية توزعت مقاعدهم على المحافظات.
فيما حدد المرسوم رقم (143) لعام 2025 عدد أعضاء مجلس الشعب بـ 210 أعضاء، على أن تشكل الدوائر الانتخابية على مستوى المناطق الإدارية، بحيث تتألف الدائرة من منطقة أو أكثر، ولكل منها هيئتها الناخبة التي تتولى انتخاب ثلثي أعضاء المجلس، بينما يقتصر حق الترشح على أعضاء الهيئات الناخبة.
هل يمكن لأي شخص الترشح للبرلمان؟قضت اللجنة الانتخابية بأنه لا يُسمح للكثيرين في البلاد بالترشح للبرلمان. شمل ذلك أي شخص كان مرتبطًا بنظام الأسد أو مؤيدًا له، مثل النواب السابقين، ما لم يكونوا قد استقالوا أو انشقوا سابقًا.
كما استُبعد أي شخص لديه سجل جنائي؛ وأي شخص دون سن الخامسة والعشرين؛ وأي شخص متورط في "منظمات إرهابية"؛ وأي شخص دعا إلى الانفصال أو التقسيم أو سعى إلى التدخل الأجنبي.
كما استُبعد أولئك الذين لم يحملوا الجنسية السورية قبل عام 2011، عام اندلاع الحرب الأهلية.
Related المحادثات بين إسرائيل وسوريا تتعثر بسبب إصرار تل أبيب على فتح "ممر إنساني" إلى السويداءأول يهودي سوري يترشح للبرلمان منذ 1967: هنري حمرة يعود بمشروع "سوريا موحدة ومزدهرة"سوريا تدخل الصمت الانتخابي: تعيينات بالولاءات أم اختبار لديمقراطية حقيقية؟ الشرع يتفقد سير العمليةودعا أحمد الشرع السوريين إلى المساهمة ببناء بلدهم من جديد، وذلك في تصريح له بعد تفقده سير العملية الانتخابية في العاصمة دمشق قائلاً إن سوريا تمكنت خلال أشهر قليلة من "إنتاج عمل جبار وأن تدخل في عملية انتخابية جديدة".
وأضاف أن السوريين يفخرون بالانتقال من مرحلة الحرب والفوضى خلال بضعة أشهر إلى الانتخابات والتشاركية. لافتا إلى أهمية إجراء الانتخابات في وقت وجيز حتى يكون هناك تمثيل للشعب ومراقبة ومحاسبة للسلطة.
وأشار إلى أن هناك الكثير من القوانين المعلقة بحاجة إلى تصويت للمضي قدما في عملية البناء، وأضاف "نحن بحاجة إلى إنجازات جديدة خلال الأيام القادمة من أجل إعادة بناء سوريا"
عملية سلسةوفي وقت سابق اليوم، نقلت "سانا" تصريحات لرئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب محمد الأحمد، قال فيها إنه "جرى تمديد عمليات الاقتراع في دمشق والمدن الكبرى في بعض المحافظات، فيما انتهت عمليات الاقتراع بريف دمشق وعدد من المراكز الأخرى في المحافظات".
وأكد الأحمد، أن العملية الانتخابية "تسير بسلاسة"، معرباً عن اعتزاز السوريين بـ"خوض أول تجربة حقيقية لاختيار ممثليهم في مجلس الشعب".
وقال متحدث اللجنة العليا للانتخابات نوار نجمة، في تصريحات لـ"سانا"، أن النتائج النهائية ستعلن خلال مؤتمر صحفي رسمي تعقده اللجنة العليا للانتخابات في مجلس الشعب يوم الاثنين أو الثلاثاء القادمين.
انتقادات للعمليةنالت العملية الحالية انتقادات كثيرة أبرزها أن الشعب لا يصوّت مباشرةً لاختيار النواب، كما أن الشرع يعيّن ثلث أعضاء البرلمان البالغ عددهم 210 أعضاءً بشكل مباشر.
مع ذلك، رحّب بعض السوريين بهذا باعتباره خطوةً للأمام بعد أكثر من خمسة عقود من حكم النظام السابق.
يقول المنتقدون إن التصويت غير تمثيلي، ويشتبهون في أن الشرع يستغله لترسيخ سلطته.
لا تُجرى الانتخابات في جميع أنحاء البلاد، ولا يشارك فيها عدد من الأقليات، وتُستثنى من الانتخابات المناطق التي لم تخضع بعد للسيطرة الكاملة للحكومة الوطنية.
انتقدت الإدارة الذاتية في شرق سوريا، التي لا تزال تسيطر على جزء كبير من البلاد معظمه من السكان الأكراد، الانتخابات ووصفتها بأنها "محاولة لإعادة إنتاج السياسات الإقصائية التي حكمت سوريا لعقود".
وقالت إن التصويت لن يكون تمثيليًا وسيُهمّش العديد من المجتمعات، وحثّت المجتمع الدولي على عدم الاعتراف بالنتائج.
كانت القيادة الكردية تُجري مفاوضات لدمج عملياتها العسكرية والمدنية مع حكومة دمشق، لكن هذه المفاوضات تعثرت مؤخرًا.
وبين مؤيدين ومعارضين تبقى الأعين شاخصة على المجلس الجديد وأعضائه، وما إذا كانوا فرصة لمشرْعين حقيقيين أم إعادة صياغة لمجالس سابقة كانت صورة شكلية في ظلم حكم رئاسي مطلق، وسط مخاوف من أن يكون السيناريو الحالي شبيهاً بالسابق خلال حكم بشار الأسد لكن بشخصيات جديدة.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة