مواضع الألف الفارقة فـي الرسم الإملائي «1»
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
لكلِّ علم أهلُه، ولكلِّ فنٍّ أربابُه الذين يسجِّلونه، ويشرحُونه، ويسهرون عليه، فإذا وجدوا ثغرة سَدَّدُوا وقارَبوا، واشترطوا، ونبَّهوا، وهذا حاصلٌ في علم النحو، وعلم الصرف؛ حيث تجد للعلماء كلامًا كثيرًا تحت ما يُسمَّى بأمن اللبس ومحظورات الوقوع في الوهم، والمواضع المستثناة من شروط معينة في أبواب محددة، وغيرها من المصطلحات التي تَعْنِي اهتمامَهم البالغَ بكل ما يمكن أن يحدث لَغَطًا في الفهم، واضطرابا في السياق، ولكني ، لم أر أحدًا قد جمع منهم هذا الأمر في الرسم الإملائي في كتاب مستقلٍّ، فقلت:” أجمعه، وأكتبه، وأشرحه، فبدأت من فترة، وقد شارفتُ ـ بفضل الله ـ على الانتهاء منه، وسيصدر قريبًا، وما أكتبه الآن هو شيء، أو شأنٌ مقتطع منه، يتحدَّث عن أمن اللبس بوجود الألف في الكتابة الإملائية في بعض المواطن التي يحدث فيها لبسٌ، ويقع فيها وهمٌ، فتأتي تلك اللام لتكون حاجزا حصينا دون وقوع ذلك، وتضع حدًّا لكل وهمٍ، وينتهي بها أيُّ لبسٍ كان سيقع لولا دخول تلك الألف، ومنها المواضع الآتية:
الألف الموضوعة بعد واو الجماعة المسندة إلى الفعل المعتل الآخر بالواو؛ حيث جاؤوا بها؛ منعًا للبس بين شريحتين من شرائح التعبير؛ الأولى: المضارع المعتل الآخر المسند إلى الواحد الغائب، مثل:(هو يدعو إلى الله، ويرجو رضاه، ويسمو بنفسه في طريق هداه)، وشريحة المعتل الآخر بالواو أيضا المسند إلى جماعة الغائبين عن النصب أو الجزم، نحو: (هم لم يدعو إلى باطل، ولم يرجو إلا الله، ولم يسموا إلا بأنفسه في طريق الله)، وتعمَّدْتُ عدم كتابة الألف لتروا تشابه الكتابة بين العبارات في المثالين المذكورين بين التنصيص.
فلو أن قائلًا نطق بالفعلين، وكتبهما ـ كما رسمتهما سلفًا ـ لالتبس الأمرُ، واختلط المفرد بالجمع؛ ولكنْ، تنبه أهل الأداء والنحويون إلى وضع تلك الألف مع واو الجماعة: جزمًا، ونصبًا؛ تمييزًا للفعلين رسمًا، ونطقًا، فكتبوا:(هو يدعو وهم لم يدعوا)، و(هو يرجو، وهم لم يرجوا)، و(هو يسمو، وهم لم يسموا).
فتلك الألف جاءتْ غاية في الأهمية؛ بغرض رفع التوهم بين شريحتَي الأفعال، وتنبيهًا على اختلاف جهتَىْ الكلام، قارن الآن بين العبارتين:(هو يرجو وهم لم يرجوا)، و(هو يرنو وهم لم يرنوا)، تجد الأمور قد اتضحتْ، والدلالات قد اتزنتْ، والمعاني قد ظهرت، والتعبيرين قد افترقا، وراح ما يسمَّى باللبس، وانتهى ما كان من الوهم، ولم يعد هناك ارتباك للمتكلم، ولا للناظر القارئ لما يقرأ.
والألف الثانية هي الموضوعة في كلمة (مائة) أيام كُتِبَتْ قديمًا، ساعة لم يكن ثَمَّ نقطٌ، ولا ضبطٌ، ولا همزٌ، فكانت تلتبس كلمة(مائة) بكلمات نحو:(منه، ومئة).. ونحوها؛ لأنها كانت تتشابه تمامًا كتابة ببعضها، وكان عليهم أن يَصِفُوا، ويكثروا الكتابة توصيفًا لكل حرف، لكنْ، لو لم يكتبوا تلك الألف لوقع القارئ في اللبس، ولضاع منه الفهم، وتاه السياق، وضاع المعنى؛ لعدم التمييز بين تلك الكلمات.
ولمزيد الإيضاح حول تلك الكلمة (مائة) التي قد لا يعرف عن تاريخها كثيرٌ من الكُتَّاب، والباحثين، فتلك إضاءة سريعة تبيِّن لنا: لِمَ كان أهلُ الإملاء والترقيم حريصين على رسم تلك الألف، وما هدفهم من النص عليها قبل اختراع النقط، والضبط، والهمز، وجاءتنا عن رسمهم لها في سياقاتها في الكتب التراثية القديمة.
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
[email protected]
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
حكم صيام شهر رجب.. الإفتاء تجيب
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونة: هل يجوز صيام شهر رجب؟ لأن بعض الناس يذكرون أن تخصيص شهر رجب بالصيام بدعة محرمة، وأن الفقهاء الذين استحبوه -كالشافعية- مخطؤون، وهم قد استندوا في قولهم هذا لأحاديث ضعيفة وموضوعة، فهل هذا صحيح؟.
وردت دار الإفتاء أن الصحيح عند جمهور الفقهاء استحباب التنفل بالصيام في شهر رجب كما هو مستحب طوال العام، والصوم في رجب بخصوصه وإن لم يصح في استحبابه حديثٌ بخصوصه، إلا أنه داخلٌ في العمومات الشرعية التي تندب للصوم مطلقًا، فضلًا عن أن الوارد فيه من الضعيف المحتمل الذي يُعمل به في فضائل الأعمال.
شهر رجب من الأشهر الحرموأوضحت دار الإفتاء أن رَجَب من الأشهر الحُرُم التي ذكرها الله عَزَّ وجَلَّ في مُحكم التنزيل؛ حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، وهذه الأشهر هي: ذو القَعدة، وذو الحِجة، والمُحَرَّم، ورَجَب، كما بينتها السنَّة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ حيث روى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ». وهذه الأشهر الحرم هي أشرف الشهور، بالإضافة إلى شهر رمضان، وهو أفضلها مطلقًا. انظر: "حاشية الشرقاوي على التحرير" (1/ 426، ط. دار إحياء الكتب العربية، فيصل الحلبي).
وأشارت دار الإفتاء إلى أن رجب كان من الشهور الْمُعَظَّمة عند العرب؛ فأكثَروا من أسمائه على عادتهم في أنهم إذا هابوا شيئًا أو أحبوه أكثروا من أسمائه، وكثرة الأسماء تدلُّ على شرف المسمَّى، أَو كمالِه في أَمر من الأمور، كما ذكره العلامة الفيروز آبادي في "بصائر ذوي التمييز" (1/ 88، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية)، وقد أورد العلامة ابن دحية الكلبي ثمانية عشر اسمًا من أسمائه في كتابه "أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب" (ص: 30، ط. المكتب الإسلامي)، منها: الفرْد؛ لأنَّ الأشهر الحرم الأُخر وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، وَالمحرّم متتابعة، وَرجب فرد، ومنها الأصم؛ لأنَّه ما كان يُسمع فيه قعقَعة سلاح؛ لتعطيلهم الحَرب فيه، إلى غير ذلك من بقية الأسماء التي ذكرها ابن دحية.