هل تحوّل التوافقات السورية تحركات إسرائيل إلى مغامرة حمقاء؟
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
القدس المحتلة- عقب الاتفاق بين الرئاسة السورية وقيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك مع وجهاء محافظة السويداء، جاءت زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الخاطفة إلى قمة جبل الشيخ السوري والمنطقة العازلة بالجولان المحتل لتعكس هواجس تل أبيب من وحدة أراضي سوريا وهشاشة مخططاتها لتفكيكها وتقسيمها.
وتراقب إسرائيل تطورات إعلان الرئاسة السورية اندماج قوات "قسد" ضمن مؤسسات الدولة، وكذلك إلحاق الأجهزة الأمنية في السويداء بوزارة الداخلية السورية.
وهي التحولات والمستجدات التي تضع العصي في دواليب مخططات تل أبيب لتقسيم الأراضي السورية، وتحبط مشاريع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التي تأتي تحت ذريعة توفير الحماية للأقليات في الجنوب السوري.
وفي محاولة من إسرائيل للإبقاء على بذور الفتنة وتكريس الاحتلال والتوغل العسكري في الجنوب السوري، كثّف الطيران الحربي الإسرائيلي غاراته على عشرات المواقع العسكرية بالعمق السوري، وأقام الاحتلال 7 مواقع عسكرية إضافية داخل المنطقة العازلة لمنع تموضع القوات السورية، وكذلك نشر 3 فرق عسكرية، بزعم منع أي محاولات تسلل أو تهريب.
وفي هذا السياق، أجرى رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلي إيال زامير تقييما للوضع وجولة في المنطقة الأمنية العازلة عند خط وقف إطلاق النار بمرتفعات الجولان المحتل مع قائد المنطقة الشمالية أوري جوردين، وقائد الفرقة 210 يائير فالاي، ومسؤولين آخرين.
وأمام هذه المستجدات بالمشهد السوري والاتفاقات التي يقودها الرئيس أحمد الشرع حفاظا على وحدة الشعب وتصديا لمخططات لتقسيم سوريا، واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي التموضع بالمنطقة العازلة والانتشار على بعد حوالي 65 كيلومترا من خط وقف إطلاق النار، وما زال يحاصر نحو 40 ألف مدني سوري، بينما لوح كاتس مجددا بالورقة الاقتصادية عبر السماح قريبا للسوريين بالعمل بمستوطنات الجولان.
إعلانووصفت القراءات والتحليلات الإسرائيلية الاتفاقات التي أبرمها الشرع مع قادة "قسد" ووجهاء محافظة السويداء "بالإنجاز التاريخي والتكتيكي للدولة السورية"، وأجمعت على أن ذلك يسهم في إحباط مخططات إسرائيل لتفكيك وحدة الأراضي السورية، عبر السيطرة على مناطق الجنوب، وكذلك التموضع العسكري بالمنطقة العازلة.
وتوافقت قراءات المحللين على أن ردود المستوى السياسي والأمني في تل أبيب على الاتفاقات التي أبرمها الشرع بتشكيل واقع عسكري احتلالي في جنوب سوريا من شأنه أن يضر بإسرائيل ويورّطها في "الصراعات السورية الداخلية" بالمستقبل، بحسب التقديرات الإسرائيلية.
مغامرة حمقاء
وحذّر الباحث في تاريخ الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب البروفيسور إيال زيسر مما وصفه "بالعبث" الإسرائيلي والتدخل في الشؤون الداخلية السورية، واعتبر ذلك "مغامرة حمقاء" من قبل حكومة بنيامين نتنياهو تفتقر إلى المنطق السياسي أو العسكري وهي مضرّة لإسرائيل في المستقبل.
وأوضح زيسر المختص بالشأن السوري، في حديث لصحيفة "يسرائيل هيوم"، أن إسرائيل تبذل جهودا عبثية للتدخل في الشؤون الداخلية بسوريا، "بدلا من تكريس جهودها للقضاء على حماس في غزة، أو هزيمة حزب الله في لبنان".
وقال إن "الدروز ما زالوا يعتبرون أنفسهم سوريين. والسياسات الإسرائيلية تدفع سوريا إلى أحضان تركيا، ومن لا يريد الشرع ينتظره رجب طيب أردوغان الذي يعتبر زعيما قويا وتحديا كبيرا لإسرائيل في المنطقة".
ويضيف زيسر أن إسرائيل ارتكبت منذ سقوط نظام بشار الأسد كل الأخطاء الممكنة في سوريا:
أولا باحتلال أراضٍ داخل سوريا من دون أي ضرورة أمنية، بل من أجل إرضاء جزء من الجمهور الإسرائيلي. وإنشاء منطقة منزوعة السلاح جنوب دمشق، وهو أمر غير عملي، بحسب الباحث. والإعلان عن أنها ستساعد الدروز "الذين لا يريدون مساعدتها على الإطلاق ولا يريدون أي حماية". إعلانوخلص إلى القول "لا يكون الدفاع عن إسرائيل بالتصريحات الجوفاء والتحركات والسياسات لحكومة نتنياهو بغرض العلاقات العامة الداخلية التي لا تخدم الأمن القومي الإسرائيلي، بل تضر به فقط. في سوريا يوجد نظام جديد تحتضنه أوروبا الغربية وتدعمه الدول العربية لأنها تريده كقوة مضادة لإيران وحزب الله. وعليه، تشعر إسرائيل بالريبة والشك".
وفي مؤشر يعكس الريبة والهواجس الإسرائيلية، استعرض محلل الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي تداعيات اتفاقات الرئاسة السورية مع "قسد" ووجهاء محافظة السويداء، قائلا إن "إسرائيل وفي مواجهة الشرع وتركيا، وحماس أيضا، تحاول تشكيل واقع جديد في سوريا".
ويعتقد بن يشاي أن الإضرابات التي شهدها الساحل السوري عززت تصور إسرائيل بأن هذه تهديدات ناشئة، وتتطلب منها الاستعداد مسبقا لتطورها، قائلا إن "هذا ليس مجرد تهديد من جانب الجهاديين الذين استولوا على السلطة، بل هو تصور بأن سوريا يمكن أن تصبح مركزا للقواعد العسكرية من الإمبراطورية العثمانية التي يحاول أردوغان إعادة تأسيسها".
وتكمن المشكلة والتحديات الأبرز لتل أبيب، كما يراها المحلل العسكري، في أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب يريد سحب قواته من سوريا، مدّعيا أن الحرب هناك ليست من شأن واشنطن". ويقول الكاتب إن إسرائيل تشعر بالقلق من هذا الاحتمال، وتحاول إقناع فريق ترامب بترك الجنود الأميركيين في سوريا، على الأقل حتى يستقر الوضع.
وفي مواجهة هذه التهديدات المتعددة، يتابع بن يشاي "تسعى إسرائيل لتشكيل واقع جديد في المنطقة القريبة من خط وقف إطلاق النار جنوب دمشق. وأعلن نتنياهو وكاتس بالفعل أن إسرائيل لن تكون مستعدة لوجود مسلحي النظام الجديد في الجنوب، قبالة مرتفعات الجولان، وعليه تسعى إلى إنشاء "مجموعة دفاعية من 3 مناطق أو أشرطة جغرافية".
إعلان تهديدات أساسيةمن جانبه، يعتقد الباحث في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم) نير أرييلي أنه بدلا من الأمن، فإن غطرسة إسرائيل وتدخلها في سوريا تخلق تهديدات رئيسية. وقال إنه "منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نفذت إسرائيل سلسلة من الخطوات الهجومية في الأراضي السورية تحت غطاء إرساء حدود هادئة".
وأوضح أرييلي، وهو أستاذ التاريخ الدولي في جامعة ليدز البريطانية، في تقدير موقف نشره الموقع الإلكتروني الإسرائيلي "والا"، أنه إذا كانت حكومة نتنياهو تريد إرساء حدود آمنة، فمن الأفضل أن تستغل الظروف الفريدة التي نشأت للوصول إلى تفاهمات مع الحكومة السورية الجديدة؛ "فالحدود الأكثر أمنا لإسرائيل هي تلك التي تستند إلى تسوية سياسية، وليس إقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا".
لكن، هناك اعتبار اختفى من السياسة الإسرائيلية الحالية في سوريا، كما يقول أرييلي "وهو الذكرى المريرة التي تحملها إسرائيل لإنشاء المنطقة الأمنية في جنوب لبنان، حيث لم تمنع إطلاق صواريخ الكاتيوشا على البلدات الشمالية فحسب، بل عززت المقاومة ضد الوجود الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية. وعلى نحو مماثل، فإن الوجود الإسرائيلي في الأراضي السورية يعزز القوى التي تسعى إلى زعزعة استقرار إسرائيل ومحاربتها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الأراضی السوریة المنطقة العازلة فی سوریا تل أبیب فی جنوب
إقرأ أيضاً:
تحركات مكثفة من عدن.. الزُبيدي يقود جهوداً لتطبيع الأوضاع الخدمية وتعزيز الاستقرار
تشهد العاصمة عدن منذ أيام تحركات مكثفة يقودها عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس قاسم الزُبيدي، في إطار مساعٍ متواصلة لتطبيع الأوضاع العامة، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية، ومتابعة سير الأعمال والإنجازات المرتبطة باحتياجات المواطنين اليومية، في ظل تحديات اقتصادية وخدمية متراكمة تمر بها البلاد.
وتأتي هذه اللقاءات في سياق جهود سياسية وحكومية تهدف إلى تعزيز الاستقرار وضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة، وتكثيف التنسيق مع الوزارات والجهات المعنية والشركاء الدوليين، بما يسهم في تخفيف معاناة المواطنين والارتقاء بالخدمات الصحية والمائية وغيرها من القطاعات الحيوية.
وفي هذا الإطار، التقى الزُبيدي، الأحد، في القصر الرئاسي بالعاصمة عدن، وزير الصحة العامة والسكان الدكتور قاسم محمد بحيبح، ووكيل قطاع السكان بالوزارة الدكتور سالم الشبحي، حيث اطّلع خلال اللقاء على مجمل الأوضاع الصحية في محافظة أرخبيل سقطرى، وذلك في ضوء الزيارة الميدانية الأخيرة التي نفذها وزير الصحة إلى المحافظة.
واستعرض الوزير نتائج التقييم الميداني لواقع القطاع الصحي في الأرخبيل، وما يواجهه من تحديات، حيث شدد الزُبيدي على ضرورة إيلاء المستشفى الحكومي في سقطرى اهتماماً خاصاً، والعمل على تحسين مستوى الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، بما يواكب احتياجاتهم الصحية المتزايدة.
كما ناقش اللقاء أوضاع المستشفيات الحكومية في العاصمة عدن وبقية المحافظات المحررة، والتدخلات المنفذة من قبل الشركاء الدوليين في القطاع الصحي، وفي مقدمتها الخطة التي يعمل عليها مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع (UNOPS) لإعادة تأهيل مستشفى الصداقة ومستشفى الجمهورية في عدن، بما يسهم في رفع كفاءة البنية التحتية الصحية وتحسين جودة الخدمات العلاجية.
وتطرق الجانبان إلى أهمية توطين الصناعات الدوائية في اليمن، لما لذلك من دور محوري في تعزيز الأمن الدوائي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، وتحسين توفر الأدوية الأساسية، خاصة في ظل الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها القطاع الصحي.
وفي لقاء آخر، شدد الزُبيدي على أهمية تبنّي حلول مستدامة لمعالجة أزمة المياه، وذلك خلال لقائه نائب وزير المياه والبيئة مجاهد بن عفرار، حيث أكد ضرورة إعداد خطط استراتيجية طويلة المدى تقوم على الإدارة الرشيدة للموارد المائية، وتوظيف التقنيات الحديثة، ودراسة البدء في تنفيذ مشاريع تحلية المياه، إلى جانب الاهتمام بمشاريع حصاد مياه الأمطار.
وناقش اللقاء جملة من التحديات التي تواجه قطاع المياه، وفي مقدمتها شح الموارد المائية، وتزايد الطلب، وتأثيرات التغيرات المناخية، فضلاً عن ضعف البنية التحتية في العديد من المحافظات، وما يتطلبه ذلك من تنسيق أكبر بين الوزارة والجهات الحكومية والشركاء الدوليين.
واطّلع الزُبيدي من نائب وزير المياه والبيئة على الجهود التي تبذلها الوزارة لإيجاد حلول لندرة المياه وتعزيز الموارد المائية في المدن والأرياف، إضافة إلى البرامج المستقبلية الرامية إلى تحسين كفاءة قطاع المياه وضمان استدامته، مشيداً باهتمام القيادة بهذا القطاع الحيوي.
كما استمع إلى إحاطة حول مشاركة نائب الوزير في مؤتمر المناخ الذي عُقد في جمهورية البرازيل، وما تضمنته من نقاشات تتعلق بقضايا المياه والتغيرات المناخية، وفرص الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في مواجهة التحديات البيئية والمناخية.
وتعكس هذه اللقاءات نهجاً عملياً يتبناه الزُبيدي من داخل العاصمة عدن، يقوم على المتابعة المباشرة لملفات الخدمات الأساسية، وتعزيز دور الحكومة في تلبية احتياجات المواطنين، وترسيخ الاستقرار كمدخل رئيس لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية.