من أوكرانيا إلى فلسطين: العدالة الغائبة تحت عباءة السياسة العربية
تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT
محمد عبدالمؤمن الشامي
في المحاضرة الرمضانية الـ 12 للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أشار إلى حقيقة صارخة لا يمكن إنكارها: الفرق الشاسع بين الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، وبين تعامل الدول العربية مع القضية الفلسطينية. هذه المقارنة تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات جوهرية حول طبيعة المواقف السياسية، ومعايير “الإنسانية” التي تُستخدم بمكيالين في القضايا الدولية.
أُورُوبا وأوكرانيا: دعم غير محدود
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، سارعت الدول الأُورُوبية، مدعومةً من الولايات المتحدة، إلى تقديم كُـلّ أشكال الدعم لكييف، سواء عبر المساعدات العسكرية، الاقتصادية، أَو حتى التغطية السياسية والإعلامية الواسعة. لا تكاد تخلو أي قمة أُورُوبية من قرارات بزيادة الدعم لأوكرانيا، سواء عبر شحنات الأسلحة المتطورة أَو المساعدات المالية الضخمة التي تُقدَّم بلا شروط.
كل ذلك يتم تحت شعار “الدفاع عن السيادة والحق في مواجهة الاحتلال”، وهو الشعار الذي يُنتهك يوميًّا عندما يتعلق الأمر بفلسطين، حَيثُ يمارس الاحتلال الإسرائيلي أبشع الجرائم ضد الفلسطينيين دون أن يواجه أي ضغط حقيقي من الغرب، بل على العكس، يحظى بدعم سياسي وعسكري غير محدود.
العرب وفلسطين: عجز وتخاذل
في المقابل، تعيش فلسطين مأساة ممتدة منذ أكثر من 75 عامًا، ومع ذلك، لم تحظَ بدعم عربي يقترب حتى من مستوى ما قُدِّم لأوكرانيا خلال عامين فقط. الأنظمة العربية تكتفي ببيانات الشجب والإدانة، فيما تواصل بعضها خطوات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، في تناقض صارخ مع كُـلّ الشعارات القومية والإسلامية.
لم تُستخدم الثروات العربية كما استُخدمت الأموال الغربية لدعم أوكرانيا، ولم تُقدَّم الأسلحة للمقاومة الفلسطينية كما تُقدَّم لكييف، ولم تُفرض عقوبات على “إسرائيل” كما فُرضت على روسيا، بل على العكس، أصبح التطبيع سياسة علنية لدى بعض العواصم، وتحول الصمت العربي إلى مشاركة غير مباشرة في استمرار الاحتلال الصهيوني وجرائمه.
المقاومة: الخيار الوحيد أمام هذه المعادلة الظالمة
في ظل هذا الواقع، يتجلى الحل الوحيد أمام الفلسطينيين، كما أكّـد السيد القائد عبد الملك الحوثي، في التمسك بخيار المقاومة، التي أثبتت وحدها أنها قادرة على فرض معادلات جديدة. فمن دون دعم رسمي، ومن دون مساعدات عسكرية أَو اقتصادية، استطاعت المقاومة أن تُحرج الاحتلال وتُغيّر قواعد الاشتباك، وتجعل الاحتلال يحسب ألف حساب قبل أي اعتداء.
وإن كانت أوكرانيا قد حصلت على دعم الغرب بلا حدود، فَــإنَّ الفلسطينيين لا خيار لهم سوى الاعتماد على إرادتهم الذاتية، واحتضان محور المقاومة كبديل عن الدعم العربي المفقود. لقد أثبتت الأحداث أن المقاومة وحدها هي القادرة على إحداث تغيير حقيقي في مسار القضية الفلسطينية، بينما لم يحقّق التفاوض والتطبيع سوى المزيد من التراجع والخسائر.
المواقف بالأفعال لا بالشعارات:
عندما تُقاس المواقف بالأفعال لا بالشعارات، تنكشف الحقائق الصادمة: فلسطين تُترك وحيدة، بينما تُغدق أُورُوبا الدعم على أوكرانيا بلا حساب. هذه هي المعادلة الظالمة التي كشفها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حَيثُ يتجلى التخاذل العربي بأبشع صوره، ما بين متواطئ بصمته، ومتآمر بتطبيعه، وعاجز عن اتِّخاذ موقف يليق بحجم القضية.
إن ازدواجية المعايير لم تعد مُجَـرّد سياسة خفية، بل باتت نهجًا مُعلنًا، تُباع فيه المبادئ على طاولات المصالح، بينما يُترك الفلسطيني تحت القصف والحصار. وكما أكّـد السيد القائد عبد الملك الحوثي، فَــإنَّ المقاومة وحدها هي القادرة على إعادة التوازن لهذه المعادلة المختلة، مهما تعاظم التواطؤ، ومهما خفتت الأصوات الصادقة.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء تهديد إسرائيل بـضغط عسكري حقيقي في غزة؟
رغم مرور 22 شهرا على الحرب، فإن إسرائيل صعّدت على المستويين السياسي والعسكري من نبرة تهديدها لقطاع غزة، بعد تمسك المقاومة بمطالبها لإبرام صفقة تفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وفي وقت كثفت فيه المقاومة عملياتها وكمائنها المركبة على الأرض، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي دفرين إن المؤسسة العسكرية ستقدم خططا للمستوى السياسي لاستمرار القتال في غزة.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر أن العملية العسكرية في غزة ستنتقل إلى مرحلة "أكثر تصعيدا إذا لم يحدث تقدم في المفاوضات".
كما نقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع قوله إن الجيش سيعمل على إيجاد "تهديد عسكري حقيقي في مناطق معينة، أملا أن يدفع ذلك نحو التوصل إلى صفقة جزئية".
وأشارت الصحيفة إلى أنه من المحتمل أن التنسيق يجري حاليا وراء الكواليس بين إسرائيل والولايات المتحدة بهدف زيادة الضغط على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
مأزق مزدوجويخفي هذا التوجه الجديد مأزقا سياسيا وعسكريا إسرائيليا في قطاع غزة يترجم بتعميق التجويع وزيادة وتيرة القتل، وفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى.
وحسب حديث مصطفى لبرنامج "مسار الأحداث"، فإنه لا يوجد في جعبة جيش الاحتلال من الناحية الإستراتيجية ما يمكن استخدامه لإجبار حركة حماس على القبول بالشروط الإسرائيلية في المفاوضات.
وشكلت عملية "عربات جدعون" -التي أطلقها جيش الاحتلال في مايو/أيار الماضي- أقصى تهديد عسكري حقيقي لحماس، إذ كانت ذروة عمليات جيش الاحتلال خلال الحرب، التي ينظر إليها المجتمع الإسرائيلي بأنها أصبحت عبثية.
واستبعد الباحث في الشؤون السياسية سعيد زياد نجاح إسرائيل في إخضاع المقاومة عبر أي تهديد عسكري جديد، مستدلا بالكمائن ضد جيش الاحتلال في بيت حانون شمالا ورفح جنوبا.
وحسب زياد، فإن استمرار سقوط القتلى والجرحى الإسرائيليين في رفح وبيت حانون "دلالة راسخة على استعصاء العمل العسكري في هزيمة قطاع غزة".
إعلانوبناء على ذلك، فإن انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبرى قاب قوسين أو أدنى، في حين يبقى الهدف الإسرائيلي الأسمى تصفية القضية الفلسطينية عبر رفع شعار القضاء على المقاومة ونزع سلاحها وفرض حكم عسكري على القطاع ثم تهجير سكانه.
ضوء أخضر أميركيلكن المقاومة بدأت قراءة المتغيرات الميدانية، بعدما بات جيش الاحتلال يميل للاندفاع أكثر بما يحقق له احتلالا مباشرا للأرض وفرض حصار مطبق، كما يقول الخبير العسكري أحمد الشريفي.
وتحاول إسرائيل فرض واقعين على المقاومة الأول: "تفاوض تحت النار"، والآخر: "تفاوض تحت الحصار" عبر عمليات استطلاع متقدم -حسب الشريفي- ضمن هدف لم يعد تكتيكيا، وإنما في إطار إستراتيجية إدارة الأزمة.
وبناء على هذا الوضع الميداني، بات واضحا ارتفاع وتيرة عمليات المقاومة إثر تغير في الأهداف تبناه جيش الاحتلال، الذي يريد السيطرة على محاور متعددة لإسكات قدرة حماس على المشاغلة والمواجهة.
لكن استهداف المقاومة وحدات الاستطلاع يعني أنها "لم تؤمّن قاعدة بيانات وبنك أهداف جديدا"، مرجحا إطاحة عمليات المقاومة بإستراتيجية إسرائيل القائمة على الاحتلال والحصار.
وأعرب الشريفي عن قناعته بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعطى الضوء الأخضر لإنعاش جيش الاحتلال -الذي يعاني ضعفا وانهيار معنويا- من قبل الولايات المتحدة لإدامة زخم المعركة حتى تحقيق الأهداف الإسرائيلية والأميركية في غزة.
في المقابل، رأى المحلل الإستراتيجي في الحزب الجمهوري الأميركي أدولفو فرانكو في الهجمات الفلسطينية على القوات الإسرائيلية أنها بمنزلة "تقوية لحكومة بنيامين نتنياهو"، إذ تظهر أن هناك حربا لم تنتهِ، وضرورة القضاء على حماس وطرد قياداتها إلى الخارج.
وحسب فرانكو، فإن حماس تريد تجميع عناصرها وترتيب صفوفها والعودة إلى الحرب، مرجحا في نهاية المطاف التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مع ضمانات أمنية إسرائيلية.
وكان ترامب قال -في أحدث تصريحاته- إنه "لا يعلم ما الذي سيحدث في غزة"، مطالبا إسرائيل باتخاذ قرار بشأن الخطوات التالية، في حين قال نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية في غزة- إنه سيواصل التفاوض ويتقدم في القتال من أجل القضاء على حماس وتحرير الأسرى.