«سلة الخير في مجتمع الخير».. ترسيخ ثقافة العطاء
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
خولة علي (أبوظبي)
أخبار ذات صلةمبادرة «سلة الخير في مجتمع الخير»، تُعد إحدى المبادرات الإنسانية الملهمة التي تنظمها لجنة الاستدامة، ضمن مبادرات مجلس أولياء الأمور بمنطقة دبي التعليمية في «عام المجتمع»، وتهدف هذه المبادرة إلى دعم الطلاب أصحاب الحالات الإنسانية في مدارس دبي، تزامناً مع شهر رمضان الكريم، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية من خلال إشراك مختلف فئات المجتمع في أعمال تطوعية تسهم في ترسيخ ثقافة العطاء والبذل، خاصة في الشهر الفضيل، وذلك بتوزيع سلال المحاصيل الزراعية على أسر الطلبة المستحقين في خطوة إنسانية تجسد روح التعاون والعطاء في المجتمع.
مسؤولية مجتمعية
يشير محمد إبراهيم البلوشي رئيس مجلس أولياء الأمور لجنة منطقة دبي التعليمية، إلى أن المبادرة تسعى إلى دعم طلاب اليوم وصنع قادة المستقبل، من خلال إشراك فئات المجتمع المختلفة، مما يعزز التعاون والمسؤولية المجتمعية، كما تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للطلاب المستفيدين وتعزيز الروابط بين المعلمين والطلبة وأولياء الأمور، مما ينعكس إيجابياً على البيئة التعليمية.
آلية العمل
عن آلية العمل، يوضح البلوشي أنه تم التواصل مع أصحاب المزارع في «حتا» لتنظيم عملية التجميع والتوزيع، وقوبلت المبادرة بتفاعل إيجابي من جانبهم، حيث تم توزيع 80 سلة خضراوات على جميع مدارس حتا، بعد تخصيص عدد محدد لكل مدرسة لضمان الخصوصية، كما تم تجميع وتوزيع 80 سلة إضافية بالتعاون مع اللجنة في نطاقات ديرة وبر دبي، حسب الكشوفات المرسلة من مسؤولة النطاق.
وأوضح أنه تم تنفيذ المبادرة وتوزيع السلال على الطلاب المستحقين، بكل حب وألفة من خلال إشراك جميع فئات المجتمع، بهدف تعزيز روح التعاون والمسؤولية الاجتماعية، والمساهمة بشكل فعال في تحسين حياة الطلاب ودعم العملية التعليمية.
مفهوم التطوع
ويؤكد البلوشي أن مبادرة «سلة الخير في مجتمع الخير»، تمثل واحدة من بين عديد المبادرات التي يطلقها المجلس لدعم طلبة المدارس، وغرس مفهوم التطوع في نفوس الأجيال القادمة، إيماناً بأهمية التكافل الاجتماعي في توفير بيئة داعمة ومحفزة للطلاب، وتخفيف الأعباء عن الأسر المحتاجة، وتعزيز قيم العطاء والتعاون بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تشجيع الطلاب على المشاركة في الأنشطة المجتمعية التي تنمي لديهم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، كما تسعى المبادرة إلى بناء جسور التواصل بين أولياء الأمور والهيئات التعليمية، بما يساهم في تحقيق رؤية مستقبلية تقوم على دعم التعليم وترسيخ ثقافة العمل التطوعي كجزء أصيل من الهوية الوطنية.
نتائج ملموسة
ويرى البلوشي أن المبادرة أسفرت عن نتائج إيجابية ملموسة على المشاركين فيها، حيث ساعدت في تعزيز قيم الانتماء لدى الطلاب والمشاركين، قائلاً «منحت المبادرة الطلاب فرصة تطوير مهارات القيادة والعمل الجماعي، كما عززت لديهم فهم أهمية العطاء والمساهمة في تحسين أحوال المجتمع، أما أولياء الأمور، فقد أتاحت لهم تعزيز علاقتهم بالمؤسسات التعليمية والمساهمة الفعالة في بناء بيئة تعليمية داعمة، مما يعكس قيمة التعاون المشترك بين الأفراد والمؤسسات لتحقيق تنمية مستدامة».
جيل مسؤول
أعرب محمد البلوشي عن شكره وتقديره للأستاذة رفيعة بنت معدن الكتبي، رئيسة لجنة نطاقات دبي، ولكل من أسهم في إنجاح هذه المبادرة التي تعكس قيم التكافل الاجتماعي في دولة الإمارات، مؤكداً أن هذه الجهود تجسد رؤية مجلس أولياء الأمور في دعم طلاب اليوم والمساهمة في بناء جيل أكثر مسؤولية تجاه مجتمعه ووطنه.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: المبادرات الإنسانية الإمارات عام المجتمع مدارس دبي دبي رمضان شهر رمضان أولیاء الأمور
إقرأ أيضاً:
ليبيا.. الدولة الغائبة والوعي المؤجل
في ظل مشهد مضطرب تعيشه ليبيا منذ أكثر من عقد، تتكشف حقيقة صادمة: لم تُبنَ في ليبيا دولة بالمعنى الحقيقي، رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على الاستقلال، ورغم ما توفر من ثروات وفرص. بل إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل أزمة بنيوية عميقة في الوعي والانتماء، وفي العلاقة بين المواطن والدولة.
من الاستقلال إلى التيه
استقلت ليبيا عام 1951، في تجربة رائدة على مستوى أفريقيا والعالم العربي، وكان من الممكن أن تشكّل نموذجًا للدولة الوطنية الحديثة.
وبالفعل، شهدت البلاد خلال الستينات وحتى أواخر السبعينات تقدمًا في مجالات التعليم، والصحة، والبنية التحتية، بل صُنفت حينها من بين الدول المتقدمة نسبيًا.
لكن هذا التقدم لم يكن مستندًا إلى بنية مؤسسية راسخة، بل ظل هشًا، يعتمد على مركزية القرار، وعلى النفط كمصدر وحيد للثروة، دون تنمية ثقافة العمل والإنتاج.
دولة الريع وتآكل الوعي
منذ اكتشاف النفط، تحوّلت الدولة إلى “خزانة” توزع الموارد بدل أن تبني اقتصادًا متوازنًا، فترسّخت ثقافة الاتكالية، وتراجعت قيمة العمل، وتحول المواطن إلى تابع ينتظر “العطاء”، لا شريكًا في التنمية.
تآكلت بذلك ثقافة المسؤولية، وغاب الشعور بالملكية الجماعية للوطن، وتم استباحة المال العام، والمؤسسات، وحتى فكرة “الدولة” نفسها.
المجتمع… بين الجهوية والقبيلة
لم تتطور الهوية الوطنية الجامعة، وبقيت الانتماءات القبلية والجهوية والمناطقية هي السائدة. ليس ذلك فحسب، بل أصبحت أحيانًا أدوات صراع على السلطة والمناصب والثروة، حتى في أوساط المتعلمين والنخب. فما بالك بالمواطن البسيط الذي لم يتح له الوعي، ولا أدوات المشاركة الحقيقية؟
هذه الولاءات الضيقة ساهمت في تفكيك النسيج الاجتماعي، وأضعفت روح المواطنة، وعرقلت بناء مؤسسات وطنية مستقلة عن النفوذ العصبوي والمناطقي.
غياب ثقافة الدولة والمجتمع المدني
لم تُبنَ ثقافة الدولة لدى الأفراد. لم نُدرَّب في المدارس ولا في الإعلام ولا في المساجد على احترام القانون، وعلى أن الوطن فوق الجميع. لم تُزرع قيم العطاء والمبادرة، بل سادت ثقافة التلقّي، و”من الدولة لنا”، لا “منّا للدولة”.
كما لم يتشكل مجتمع مدني حقيقي، بل تمت محاصرته، أو تم تسليحه، أو تحريكه بالمال السياسي، ففقد دوره التوعوي والتنموي.
فشل النخب قبل فشل السلطة
من المثير للأسف أن النخب المتعلمة لم تنجُ من عدوى الانتماء الضيق، ولم تتمكن من تقديم خطاب وطني جامع. في كثير من الأحيان، تحوّلت إلى أدوات في الصراع، أو وقفت عاجزة أمام تعقيدات المشهد، فغاب المشروع، وغابت القيادة المجتمعية.
لماذا تراجعت ليبيا؟
الجواب ببساطة: لأن الدولة لم تُبنَ على قاعدة من الوعي، ولم يُبنَ الإنسان الليبي كمواطن حرّ ومسؤول، بل ظل تابعًا، هشًا، يقاد بالعاطفة، لا بالعقل.
ولهذا، حين انهارت السلطة بعد 2011، انهارت معها الدولة، لأن البناء لم يكن حقيقيًا، والمؤسسات كانت هشة، والمجتمع كان مفككًا.
نهاية الحلم وبداية الحقيقة
اليوم، لم يعد يختلف عاقلان على أن ليبيا دخلت نفقًا ضيقًا ومظلمًا، وأن الليبيين باتوا يندمون على ما آل إليه حال البلاد. فقد تبيّن أن الدولة ما قبل 2011، رغم عيوبها، كانت أكثر استقرارًا وسيادة من واقع الفوضى والانقسام الراهن، حيث كانت السلطة موحّدة، وصوت القرار واضح، وإن اختلف معه الكثيرون.
فلا يُعقل أن تُسمى “ثورة”، ثم تعود البلاد إلى فوضى شاملة، وفساد غير مسبوق، يهدد بانهيار كامل، في ظل أخطار خارجية متزايدة، تجعل ليبيا عاجزة عن الدفاع عن مصالحها أو فرض إرادتها.
ومع فشل مشروع “الديمقراطية الموعودة”، لم تعد هناك أولوية تتقدّم على استعادة القانون، وبسط النظام، وإعادة الاعتبار لفكرة الدولة نفسها.
خاتمة: وعي الإنسان قبل بناء الدولة
ليبيا ليست دولة فقيرة، ولا تفتقر إلى الثروات أو الإمكانات. لكنها افتقرت — وتفتقر — إلى وعي حقيقي بمعنى الدولة، وإلى إنسان مؤمن بقيم المواطنة والانتماء.
ولهذا، لم تُبنَ في ليبيا دولة حقيقية، بل كيان مؤجل، ينتظر من يؤمن به ويُخلِص له، ويعيد بناءه على أسس راسخة: إنسان حر، مجتمع واعٍ، ودولة عادلة.
أما إذا استمر غياب الوعي، فسوف تظل الأزمات تتوالى، والانهيارات تتكرّر، وتضيع البلاد. فالتحديات جسيمة، تبدأ من ضرورة إعادة بناء الإنسان والمجتمع، لا سيما فئة الشباب الذين يعانون البطالة، والمخدرات، وانعدام الدعم، فضلًا عن التحديات الديموغرافية المقلقة، كتراجع معدلات الخصوبة، وارتفاع العنوسة، واتساع الفجوة الاجتماعية.
لهذا، آن الأوان لأن يتحرّك الليبيون بوعي وجدية. فالشعارات لم تعد تكفي، والوقت لم يعد في صالح أحد. لا بد من سلطة وطنية واحدة وقوية، تبسط الأمن والاستقرار، وتعيد للدولة هيبتها وفاعليتها… قبل أن يفوت الأوان.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.