في أكنافها فعالية رمضانية بالأردن تحاكي الرباط في الأقصى
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
عمّان- نظمت لجنة القدس في الجامعة الأردنية أول أمس الثلاثاء فعالية رمضانية تحت عنوان "في أكنافها" تحاكي الرباط في المسجد الأقصى.
وركزت الفعالية على واقع المسجد الأقصى، مسلطة الضوء على دور الاعتكاف فيه كأحد أشكال الرباط، في ظل منع سلطات الاحتلال الاعتكاف فيه في النصف الأول من رمضان لأول مرة منذ سنوات.
ويمتاز الأردن بوجود عمل شعبي مؤسسي متنوع يولي اهتماما بالقدس والمسجد الأقصى في جوانب مختلفة، سواء على المستوى المعرفي أو العملي الميداني وتثبيت صمود المقدسيين عبر حملات تبرع سنوية، إضافة إلى العمل في الجامعات التي تحوي ما يزيد على 30 لجنة مختصة تهدف لإبقاء قضية القدس حاضرة لدى جيل الشباب والطلاب.
وأعلن منظمو الفعالية أن ريع الإفطار الجماعي الذي أقيم خلالها سيتم توجيهه لإعمار أجزاء من المسجد الأقصى، في محاولة لتعزيز المسؤولية الشبابية تجاه المقدسات، وتحويل مشاعر التضامن إلى خطوات ملموسة على الأرض.
وتضمنت الفعالية أجواء تحاكي القدس والمسجد الأقصى، إذ بُث الأذان بشكل مباشر من القدس، مما أضفى على المكان روحانية خاصة، كما تخللت الفعالية فقرات إنشادية مقدسية، ومسابقات ثقافية حول معالم الأقصى وتاريخه وواقعه.
وفي حديثه للجزيرة نت قال المسؤول في لجنة القدس بالجامعة محمد سامي "حرصنا في هذه الفعالية أن نحاكي أجواء الإفطار والاعتكاف والرباط في المسجد الأقصى المبارك لتعزيز حالة الارتباط بين مجتمع الطلبة وبيت المقدس، ولا سيما في ظل ما يمر به الأقصى من مخططات تهويد غير مسبوقة".
إعلانوأضاف أن الهدف منها لم يكن مجرد تجمع رمضاني، بل رسالة عملية لدعم الأقصى في هذا الشهر الفضيل.
وبحضور تجاوز 400 طالب وطالبة من الجامعة تحدث الدكتور خالد البزايعة عن واقع المسجد الأقصى والدور الذي يستطيعه الشباب تجاهه، ولا سيما في الأردن، مشيرا إلى أن حالة التخاذل وصلت أقصى مراحلها.
واستعرض البزايعة تسلسلا زمنيا لأحداث القضية الفلسطينية، مؤكدا على أن الشباب كانوا رأس الحربة في العمل لنصرة القضية، وأن القضية اليوم أحوج ما تكون إليهم.
وبيّن أن العمل ضمن لجان القدس وفي أي مساحات لنصرة القضية هو "اصطفاء من الله لمن حمل هذا الهم الذي يشكل عقيدة لأمة كاملة".
وأكد الدكتور سليمان الدقور في كلمته أن الدفاع عن المسجد الأقصى -فضلا عن مركزيته ومكانته- هو أيضا دفاع عن الأردن الذي لا يخفي الاحتلال أطماعه به، ومن المحتوم أن يد الاحتلال ستتغول إليه حين تسنح له الفرصة، مؤكدا على أن الاحتلال إذا استطاع القضاء على غزة ومقاومتها فسيكون الدور المقبل على الأردن ودول المنطقة.
وشدد الدقور على أهمية الوعي والتعبئة لدى الشباب في هذه القضية، وألا تكون مواقف الأمة ردات فعل، إنما هم وعمل دائم وتعزيز جبهات حصينة ضد الاحتلال الذي يريد الشر لكل بلادنا وشعوبنا.
بحضور أكثر من 400 طالب وطالبة..
لجنة القدس تتم بفضل الله الإفطار المقدسي الأول لطلبة الجامعة الأردنية بعنوان "بين أكنافها"
أسعدنا حضوركم ونسأل الله أن ينصُر أهلنا في أرض العزة❤#غزة_تحت_القصف #الجامعة_الأردنية pic.twitter.com/0rkhtpHecO
— مِحراك – الجامعة الأردنية (@me7rak_) March 19, 2025
غزة حاضرةوكان لما يحصل في قطاع غزة من تجدد لحرب الإبادة أثر في الفعالية التي افتتحت بقراءة الفاتحة والدعاء لشهدائها ومقاوميها.
كما تناولت الكلمات "كيف يقف الغزيون بأجسادهم وكل ما يملكون نيابة عن أمة كاملة مترامية ودول وشعوب في الدفاع عن قضية المسلمين، مما يستدعي واجبا ملحا بالوقوف إلى جانبهم من كل أبناء الأمة".
ويأتي تنظيم "في أكنافها" في وقت تشهد فيه القدس تصعيدا خطيرا من الاحتلال الإسرائيلي، إذ منعت قوات الاحتلال الاعتكاف في المسجد الأقصى خلال النصف الأول من رمضان للمرة الأولى منذ سنوات، كما أصدرت عشرات قرارات الإبعاد عن الأقصى قبيل وأثناء الشهر الفضيل شملت صحفيين ونشطاء وأسرى محررين.
إعلانويرى مقدسيون ومختصون أن هذه الخطوات تهدف إلى تغيير واقع المسجد تمهيدا لمزيد من الانتهاكات وتحقيق مخطط التهويد وبسط السيطرة الكاملة عليه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان 2025 الجامعة الأردنیة فی المسجد الأقصى الرباط فی
إقرأ أيضاً:
في اليوم الذي يسمونه يوم القدس
في اليوم الذي يسمونه "يوم القدس"، لا يتم الاحتفاء بالقدس وإنما تتعرض البلدة القديمة للتدنيس، حيث تتحول مسيرة العلم الإسرائيلي، التي تنظم سنوياً تحت راية الفخر القومي إلى مشهد من مشاهد الكراهية التي لا حدود لها.
وهذا العام انحطت إلى قعر الخسة والفجور.
أوردت صحيفة هآريتز أن الفتيان الإسرائيليين انطلقوا في مسيرة عبر الحي الإسلامي وهم يهتفون "الموت للعرب"، "امسحوا غزة"، "لا توجد في غزة مدرسة، لم يبق فيها أطفال". كانت صواري الأعلام تدق في الأبواب العتيقة، بينما ينهال المشاركون في المسيرة بالسباب والشتائم على النبي محمد ويسخرون من ذكرى فلسطين.
لم يُلق القبض على أحد بتهمة التحريض.
في يوم القدس يتم فعلياً تجميد قانون التحريض، وتصبح الكراهية سلوكاً تحض عليه الدولة. ما تنطلق به الحناجر من شعارات ليس هتافاً موجهاً ضد حماس، وإنما إعلان حرب على العرب والمسلمين – وعلى روح المدينة نفسها.
وعلى النقيض من المزاعم بأن هذا من فعل مجموعة هامشية، تبدو الحقيقة أكثر بشاعة. فكما يلاحظ صحفي هآريتز نير حسون، الهاشميون ليسوا العنصريين، وإنما أولئك الذين يرفضون الانضمام إليهم.
وحتى المنظمات المتحالفة مع التيار اليميني السائد، مثل إم ترتوز المنتسب إلى الليكود، انطلقت عناصرها وهي ترفع لوحات كتب عليها "لا نصر بلا نكبة". تلقى مسرح الكراهية هذا تمويله بشكل مباشر من بلدية القدس، التي خصصت 700 ألف شيكل (ما يعادل 200 ألف دولار) – بدون مناقصة عامة – لدعم منظمي المسيرة.
الغزو والتطهير
هذه ليست فورة عاطفية، وإنما عقيدة قيد التطبيق، واستعراض للاهوت يقوم على الاعتقاد بالتفوق العنصري على الآخر، تتواجد في القلب منه رؤية تنبؤية ليس من أجل إقامة السلام أو التعددية وإنما من أجل الغزو والتطهير.
من أبرز مهندسي هذه الرؤية الحاخام إسحق غينزبيرغ، الأب الروحي لما يسمي "شباب رؤوس التلال"، وهي مليشيا مكونة من المستوطنين، تمارس العنف قتلاً وإفساداً في مختلف أرجاء الضفة الغربية. يشيد غينزبيرغ علانية بباروخ غولدستين الذي ارتكب مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل في عام 1994 وأزهق أرواح 29 فلسطينياً بينما هم ركوع في صلاة الفجر بالحرم الإبراهيمي. بل نشر غينزبيرغ كتابات يحض فيها على قتل نساء وأطفال غير اليهود.
وكان غينزبيرغ قبل عقدين اثنين من الزمن قد ألقى خطبته الشهيرة بعنوان "حان الوقت لكسر الجوزة"، حيث شبه إسرائيل بثمرة محاطة بأربعة أغلفة – تتكون من الدولةل العلمانية ومؤسساتها – كانت لها من قبل غاية ومبررات، ولكنها باتت الآن عقبة تعيق الخلاص.
أعلن في خطبته أنه ينبغي تدمير هذه الأغلفة، ألا وهي الإعلام، والقضاء، والحكومة، والميثاق الأخلاقي للجيش. فقط من خلال القضاء عليها يمكن أن يبرز اللب الخالص للتفوق اليهودي ويمكن للعهد المهدوي أن ينطلق.
هذه ليست حالة من الفوضى وإنما عملية منظمة قيد تنفيذ.
إن الهتافات التي تردد صداها في طرقات القدس هذا العام لم تكن تشوهات، بل أعراضاً لمنظومة تخلصت من رداء الديمقراطية العلمانية. وما تبقى منها غير قومية عرقية ومهدوية معراة، رؤيتها مستمدة من سفر الرؤيا، وتوجهاتها تشي بارتكاب الإبادة الجماعية.
من الوزراء اليمينيين المتطرفين إيتامار بن غفير وبيزاليل سموتريتش، لم تعد النزوة مقصورة على الهمس، بل باتت تذاع على الملأ. في هذه الأثناء، انطلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر نفق "طريق الحاج" تحت المسجد الأقصى، معلناً أمام طلاب المعاهد الدينية اليهودية: "سوف تنطلقون من هناك وتخرجون [إلى الهيكل]."
إلا أن سموتريتش، كعادته، كان أكثر صراحة، فقد أعلن في نفس ذلك اليوم، متحدثاً أمام جمهور من الأتباع المتحمسين: "بعون من الرب، سوف نوسع حدود إسرائيل، ونحقق الخلاص التام، ونعيد بناء الهيكل ههنا."
إن الدعوة إلى بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى ليست مجرد انتهاك للوضع القائم، وإنما هي إعلان شامل للحرب الدينية، الأمر الذي يتبدد معه وهم التعايش، وذلك أن المشروع الصهيوني ليس إعلان حرب على المسلمين فقط، وإنما هو حرب معلنة على المسيحيين كذلك. ها هو الوجود المسيحي في القدس – بكل عراقته وأصالته وقدسيته – يتعرض للاستئصال بشكل منتظم.
حقبة جديدة
في وقت مبكر من عام 2023، أي قبل شهور من السابع من أكتوبر، حذر زعماء الكنائس من الهجمات المتصاعدة، ومن الاستيلاء على الأراضي، ومن الحصانة من المساءلة والمحاسبة التي تمنح لمن يرتكبون ذلك.
أعلن الأب دون بيندر، من كنيسة القديس جورج، قائلاً: "إن العناصر اليمينية المتطرفة عازمة على تهويد البلدة القديمة." أما الكاردينال بيتزابالا فقال إن عام 2024 كان "أسوأ فترة عشتها على الإطلاق." وبحلول عام 2025، مُنع المسيحيون من حضور الصلوات في عيد الفصح، وارتفع منسوب المضايقات التي يواجهونها والاعتداءات التي تتعرض لها ممتلكاتهم وأعمال التخريب. وغدا البصق على المسحيين روتينا، بحث عليه بن غفير ويصفه بأنه "تقليد يهودي".
هذه ليست أعمالا معزولة، بل جزءا من حملة منظمة. فالصهيونية لا تسعى فقط إلى الهيمنة على المدينة، وإنما إلى مسح خصائصها العربية والإسلامية والمسيحية كذلك.
ما نشهده ليس مجرد عنصرية، بل تهويد، مشروع الغاية منه إعادة تشكيل المدينة لتجسد عقيدة التفوق العرقي اليهودي.
ومع ذلك ثمة نموذج آخر ينبع لا من القهر بل على التعايش. في القرن السابع، كانت القدس المدينة الوحيدة التي شد إليها الخليفة عمر بن الخطاب الرحال لتسلم مفاتيحها، نزولا عند طلب زعيمها الديني المسيحي البطريرك صوفرونيوس. رفض عمر الصلاة داخل كنيسة القيامة خشية أن يراه المسلمين فيستحوذوا عليها لاحقا، وأدى الصلاة بدلاً من ذلك بتواضع على الدرجات في الخارج، ثم ألصدر مرسوماً بتحريم مصادرتها.
بل سمح العهد الإسلامي الجديد في القدس لليهود بالعيش في المدينة بعد أن كان ذلك محظوراً عليهم لعقود تحت الحكم البيزنطي. في كتابه بعنوان "التاريخ المقتضب لإسرائيل"، يلاحظ المؤلف بيرنارد ريتش أنه "منذ بداية الحكم الإسلامي، استؤنف التواجد اليهودي في القدس، ومُنح المجتمع اليهودي الإذن بالعيش تحت "الحماية"، وهو الوضع المتعارف عليه لغير المسلمين في ظل الحكم الإسلامي، والذي يصون حياتهم وممتلكاتهم وحريتهم في العبادة، مقابل دفع جزية خاصة وضرائب على الممتلكات."
بعد ذلك بقرون، وفي ظل تنازع الطوائف المسيحية على أحقية الإشراف على الكنيسة، عهد السلطان صلاح الدين بمفاتيح نفس تلك الكنيسة إلى عائلتين مسلمتين، آل جودة وآل نسيبة، ظلتا على مدى 850 عاماً هما من يفتح ويغلق أبوابها بكل إخلاص ونزاهة.
"القلق الصليبي"
هذه هي القدس كما ينبغي لها أن تكون، مدينة الأمانة لا الهيمنة، والتوقير لا التطهير.
إلا أن المعركة على روح القدس لم تنته، بل إنه الصراع الأكثر رمزية على الإطلاق، بين الغزاة وأهل البلاد، بين دعاة الإقصاء ودعاة الاستيعاب، بين عقيدة استيطانية استعمارية تعبد النقاء الخالص عبر العنف، ومدينة كانت عظمتها ذات يوم ثمرة تعدديتها المقدسة.
ثمة تشابه مع الحروب الصليبية. ففي عام 1099، اجتاحت جيوش الصليبيين القدس وذبحت الآلاف من المسلمين واليهود. واليوم، ها هم الصهاينة يرددون نفس منطق الصليبيين، ويستعيدون صورهم، وينهجون سبيلهم. من إيماءات نتنياهو حول الهيكل إلى عقيدة الإبادة التي يحملها غينزبيرغ، ها هي الصليبية تنبعث من جديد.
إلا أن ممالك الصليبيين تهاوت. فقد حرر صلاح الدين القدس من الصليبيين بعد ثمانية عقود من الاحتلال، وانهارت المغامرة الصليبية بأسرها خلال قرنين، تاركة خلفها ندوباً عميقة، وفي نفس الوقت عزماً قوياً وثابتاً على مقاومة الغزاة.
يشعر الجنود الإسرائيليون أنفسهم بهذه المقارنة. كتب المؤرخ ديفيد أوهانا يقول إن "القلق الصليبي" يطارد النفسية الإسرائيلية – إنها الخشية الدفينة من أن الصهيونية، كما كان حال سلفها في القرون الوسطى، قد تنتهي ذات يوم وكأنها لم تكن من قبل. وهذا حق، لأن القدس لا تجوز لمن ينتهكون حرمتها.
قد تحترق غزة، وقد تنزف الضفة الغربية، ولكن تبقى القدس هي درة التاج. مهما بلغ توحش الصهيونية، فإنها لن تتمكن من طمس ما تشكل بفعل التاريخ والجغرافيا والعقيدة. تعيش فلسطين في قلوب الملايين، والقدس ليست على الهامش من ذلك، بل إنها تتربع في القلب من العالمين العربي والإسلامي.
مهما حفر الصهاينة من أنفاق، ومهما رفعوا من أعلام، ومهما بثوا من أحقاد، سوف يستمر الفلسطينيون في الإنشاد، كما غردت ذات يوم المغنية اللبنانية المسيحية فيروز "يا قدس، يا مدينة الصلاة. عيوننا إليك ترحل كل يوم. تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس القديمة، وتمسح الحزن عن المساجد .... وبأيدينا سنعيد بهاء القدس، بأيدينا للقدس سلام."
قد تكون مسيرة الكراهية صاخبة اليوم، ولكنها سوف تصمت يوماً لا محالة. وفي ذلك اليوم سوف تتحرر القدس من الاحتلال ومن الغلو ومن العنصرية، وسوف تعود إلى أهلها، لم تنكسر روحها، ولم تُنتقص قدسيتها.