خسارة!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
حصيلة سنة ونص من الحرب، وسنوات طويلة سبفت في الإعداد لها، كاتت (من منظور العدو)؛
٠- الفشل في إلقاء القبض على القائد العام أو مساعديه أو رئيس أركانه، رغم ضخامة القوّة العسكريّة المعدّة لهذا الغرض؛
٢- الفشل في اقتحام وحدات الجيش الأساسيّة: القيادة، وادي سيدنا، المهندسين، المدرّعات، وحتّى سلاح صغير زي الإشارة، لحدّي ما انتهى الحصار بعد سنتين؛
٢- إهدار أكثر من نصف مليون مقاتل، مقابل أقل من عشر عدد القتلى على الجانب المقابل؛
٣- إهدار مليارات الدولارات بدون تحقيق أيّ اتتصار مستدام، حتّى انفلاب الميزان العسكري؛ على سبيل التفصيل .

.
٣,١- إهدار أطنان من الذخيرة في جدران الأسلحة المحاصرة، مقابل كفاءة استخدام عالية جدّا عند الطرف المقابل مكّنته من الصمود بين العام والعامين حتّى فك الحصار والتحوّل للهجوم الكاسح؛
٣,٢- إهدار آلاف المركبات العسكريّة، وخسارة كثير منها كغتائم للطرف المقابل؛
٣,٣- إهدار مئات المسيّرات الصغيرة وعدد من المسيّرات بعيدة المدى دون تحقيق مكسب عسكري معتبر؛
٤- هلاك معظم القيادات الميدانيّة المتمرّسة وذات الشعبيّة وسط الجنود من أمثال علي يعقوب والبيشي وجلحة وشيريا، مع العجز عن تعويضهم بكفاءات مماثلة؛
٥- استهلاك الكثير من الدعايات بدون تحقيق جدوى سياسيّة، سواء في المستوى الأعلى، حيث القضايا الوهميّة التي ابتدأت بالحرب على الفلول ولم تنتهي بالحديث عن التهميش والحرب على دولة ٥٦، أو مستوى الشعارات الفضفاضة، أو حتى مستوى اللوقوهات على بروفايلات الفيسبوك؛
٥,١ – على وجه الخصوص فقد تمّ استهلاك شعار “لا للحرب” حدّ الابتذال بفضل تناقض الخطّة نفسها ما بين شعارات السلام في الأسافير وممارسة الإرهاب على الأرض: الجنجويد نجحوا تماماً في إقناع كلّ من لديه شك باستحالة التعايش السلمي معهم، وأنّ حربهم أرحم من سلامهم؛
٦- تبديد القاعدة الجماهيريّة للواجهة السياسيّة، لدرجة استبدالها بالنقمة والكراهيّة والازدراء؛
٦,١ – على وجه الخصوص، تمّ إهدار الشعبيّة الغير مسبوقة لحمدوك التي تمّ حشدها عبر عامين من الدعاية الممنهجة؛
٦,٢ – كما تمّ استبدال الإعجاب والتعاطف بالمقت والازدراء حول العديد من الواجهات، من أمثال علاء الدين نقد ورشا عوض وعرمان وغيرهم؛
٦,٣- وكذلك تمّ نبذ الآلاف من الكوادر والموالين في قروبات التواصل الاجتماعية على كلّ المستويات، وتحوّلوا إلى مثار للسخرية والازدراء والتندّر: أشرف سوكرتات!
٧- الفشل في تمرير أيّ قرار أممي داعم لأجندة المشروع، رغم تواطؤ دولة بحجم بريطانيا، والتي نجحت في استمالة ١٣ دولة أخرى من أصل ١٤!
٨- الفشل الذريع في حملة حمدوك لتمرير أجندة حظر الطيران الحربي لصالح المشروع؛
٩- الفشل في تمرير أيّ قرار عبر الاتّحاد الأفريقي، بل وتأكيد الكثير من الدول الأفريقيّة على تمسّكها بسيادة الدولة السودانيّة؛
١٠- الفشل في تحقيق أيّ مكسب سياسي من الإذاعة القوميّة خلال عامٍ من احتلالها، والقصر الرئاسي خلال عامين كاملين؛
١١- الفشل في تكوين أيّ إدارة مدنيّة ناجحة في أيّ من المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيا، والتي تراوحت من مستوى الحيّ الصغير وحتّى الولاية الكاملة: فشل ١٠٠٪؜؛
١٢- خسارة عشرات الحسابات الرسميّة على شبكات التواصل الاجتماعي التي استثمرت فيها مبالغ طائلة ومجهودات كبيرة من شركات العلاقات العامّة؛
١٣- حظر القاعدة الجماهيريّة لمئات الآلاف من حسابات “الجداد” الإلكتروني الحقيقيّة والوهميّة؛
١٤- الفشل في تكوين الحكومة الموازية في نيروبي، والتي يبدو أنّها أتت كخطوة متعجّلة اصطدمت بصعوبة الخطوات التفصيليّة ما بين تسمية الهيكل السيادي وتعيين العاصمة الإداريّة وغير ذلك؛
١٥- انقسام وتفكّك الواجهة السياسيّة التي كانت تراهن على تفكّك الجانب المقابل؛
نكتفي بهذا القدر، وممكن في التعليقات نعدّد بنود إضافيّة للفشل وخسائر المشروع؛
دا كلّه غير مكاسب الطرف المقابل، مثلاً:
١- الشعبيّة الكبيرة اللقوها قادة الجيش والقوّات المساندة، والتي تفوق رصيد الحرّيّة والتغيير في قمّة شعبيّتها؛
٢- الالتفاف الجماهيري الكبير حول الجيش، عكس الخطّة الرامية لشيطنته؛
٣- تحوّل الجيش السوداني لأحد أقوى الجيوش في المنطقة، عكس الخطّة الرامية لإضعافه وتفكيكه؛
وصحيح تكبّدنا خسائر ماليّة كبيرة قصاد المكاسب دي؛
تقريباً خسرنا كل ما نملك؛
لــــــــــــكـــــــــــن؛
ما خسرنا وحدتنا وتماسكنا؛
ولا خسرنا هويّتنا؛
بل بالعكس، كسبنا حس قومي كبير، وشعور كدنا نفقده بالفخر بوطنّا وجيشنا وشعبنا؛
وحتّى الخسارة الخسرناها تحتسب ضمن الفشل في إدارة المشروع دا؛
: ما خلّوا لينا حاجة نخاف عليها!
لا قروش لا بيوت لا أعراض لا مقامات؛
ولذلك فلم تجدي محاولات تخويفنا بالحرب أو إغراءنا بالسلام!
زي ما قلت، ممكن نعدّد جوانب تانية في التعليقات على سبيل التكملة؛
لكن النقاط الذكرتها دي أظن كافية تماما للوصول لخلاصة المهمّة التالية:
«مشروع الدعم السريع يستحق بجدارة صفة أفشل مشروع خلال الربع المنقضي من هذا القرن الواحد وعشرين!»
الكلام دا ما بقوله تريقة وللا سخرية، وإنّما توصيف موضوعي جدّا، بالنظر لحجم الاستثمار، وحجم الخسارة المتحصّلة؛
عشان ناخد نموذج للمقارنة؛
أهمّ مشروع في العالم كلّه في القرن الواحد وعشرين دا يمكن يكون تطوير نماذج الذكاء الصناعي: ChatGPT على وجه التحديد؛
البعرف مشروع أهمّ ممكن يفيدنا في التعليقات، وما أظن ح نختلف؛
يللا حسّة سألت ChatGPT نفسه عن حجم الاستثمار بتاعه؛
شركة OpenAI قامت في على استثمار بتاع بليون (مليار) دولار واحد في ٢٠١٥، تقريباً بداية الاستثمار في الدعم السريع؛
بعدين مايكروسوفت ضخّت تمويل على دفعتين، لحدّي ما وصل المجموع حوالي ١٣ مليار؛
اللي هو بلا شك أقلّ من حجم الاستثمار في الدعم السريع؛
فماذا كانت النتيجة؟!
الليلة OpenAI قيمتها السوقيّة تقدّر بـ ١٥٧ مليار دولار؛
في مقابل خسارة شاملة في كلّ الجوانب في مشروع الدعم السريع: قروش وأصول وموارد بشريّة ونفوذ سياسي؛
بل وأبعد من ذلك، بقى فيه تكلفة متزايدة على سمعة المستثمرين فيه، بما فيها تحوّل شعب كامل لكتائب الكترونيّة شغّالة ضد كلّ المساهمين في المشروع دا!
ليه فشل بعد كلّ الصرف دا؟!
السبب الأساسي بطبيعة الحال أخلاقي؛
ما أظن ربّنا يبارك حاجة زي دا بحجم الظلم الفيها؛
وحتّى لو انت ما مؤمن بوجود إله عادل وقاهر، فطبيعة الحياة ما بتقبل مستوى زي دا من الإخلال بالتوازن؛
لــــــــــــكـــــــــــن؛
دا لوحده ما سبب كافي لفشل المشروع؛
حصل قبل كدا ظلم وإبادة بصورة متكرّرة في الأمريكتين واستراليا؛
وفيي أفريقتنا دي؛
بل وفي سودانّا دا؛
واليوم بتتعاد المشاهد في الشرق الأوسط؛
يبقى الظلم وحده ما سبب كافي؛
وإنّما فيه أسباب عمليّة، على رأسها ضعف الكادر؛
يعني حمدوك الجابوه يلعب دور “المؤسّس” دا تعبان تعب الموت، فشل في كل مهامه: شخصيّة باهتة، لا ترقى لسد الدور المنوط بيها؛
حميدتي أحسن حالاً بكتير من ناحية كاريزما؛
لكن ناقصاه مؤهّلات كتيرة من المهارات المكتسبة بواسطة التعليم؛
فضلاً عن إنّه عُقده طاغية عليه بالقدر البخلّيه يخسر من يفترض إنّه حلفاه: بقصقص للزميل؛
أمّا بقيّة التشكيلة، ما بين سلك ونقد وعرمان وفكي وقرّاي وتعايشي وبرمة وعزّام ورشا عوض ودقير، وانت ماشّي لحدّي أصغر سنبلة، فتعبانين تعب الموت؛
السمة المشتركة بينهم هي “الوهم”؛
كلّهم متوهّمين حجم أكبر بكثيييير من محتواهم؛
لكن بفضل التصوّر الخاطئ جدّا للعالم الخارجي عن السودان وشعبه، فالوهم ديل نجحوا في إقناع المستثمرين الأجانب بقدرتهم على إكمال المشروع دا؛
لكن طلعوا مواسير، باختصار شديد جدّا؛
على سبيل المثال، ثبت عمليّا من خلال الحرب إنّه القدرات العسكريّة والسياسيّة والدبلوماسيّة والشخصيّة العند البرهان أعلى بكثير من العند حميدتي وحمدوك مجتمعين؛
لكن حميدتي جد جد كان متوهّم إنّه بفهم في العسكريّة أحسن من خرّيجي الكلّيّة، ونجح يقنع المحيط الإقليمي بالحاجة دي بفضل استخفافهم بمقدرات السودانيّين؛
وكذا الحال بالنسبة لحمدوك بالنسبة للغربيّين؛
وهكذا الحال في كلّ المستويات؛
وانا بالذات يمكن أكون في موضع جيّد لمشاهدة الحاجة دي من خلال مشاهدة الناس البتزدري “أوّل السودان”؛
العامل المشترك بينهم، بعيداً عن الحسادة، إنّهم متوهّمين حجم أكبر بكثير من محتواهم.
إذن فالاستثمار في مشروع الدعم السريع تحوّل لخسارة كبيرة بفضل ضعف الكادر الموكل بإدارة المشروع؛
مجموعة من الرمتالة قدّموا روحهم للعالم الخارجي كشفوت لديهم القدرة على قيادة الشعب السوداني؛
والقصّة خالت في الناس البرّة بسبب نظرة دونيّة بتخلّيهم يعتقدوا إنّه ياهو دا مستوانا؛
والنتيجة كانت خسارة على الجانبين: خسروا استثماراتهم وأفسدوا علينا حياتنا؛
الوحيدين الما خسروا هم الوهم الطلعوا فوق راسنا ديل؛
لأنّه زي ما قلنا، هم مجرّد مواعين فارغة، ما عندهم حاجة يخسروها؛
يعني بالنسبة لي زول زي رشيد سعيد مثلاً، فالقصّة لا تعدو مجرّد مغامرة؛
حمدوك، لقى أكتر بكثير من البحلم بيه، ما بين شكر على لا شيء، ودخل مادّي ما معروف كم؛
الفكي، من ركّاني في المين لقى روحه رمز سيادة؛
القرّاي، خجلت ليه لمن شفت منشوراته البتعدّ على الأصابع، ركّب مكنة الخفس الماف زول بلحقه في المناهج، وبقى عنده صفحة في ويكيبيديا؛
القوني، متجدّع في المؤتمرات في أوروبا؛
الدقير، لقى فرصة يستعرض موهبته الأدبيّة المتواضعة في ناس مجبرين يسمعوه؛
إبراهيم الميرغني، عاطل عن المواهب فجأة بقى موضع اهتمام؛
منعم بيجو؛
حنان حسن؛
وانت ماشّي لحدّي “ياجوج وماجوج” بتاع الجنجويد؛
زول ساي، فجأة بقى مهم؛
وما تنسى عزّام؛
وهكذا؛
فحقيقي ناس رمتالة، موهبتهم الأساسيّة هي القدرة على بيع الوهم؛
اهدرت بسببهم بلايين الدولارات في مشروع حصيلته تدمير بلد بدون أيّ فائدة لأيّ زول؛
في اللحظة، دي وانا بكتب، شعرت بارتياح كبير جدّا، وتوفيق في القدرة على التعبير؛
أظن دي أوّل مرّة يتشرح بالوضوح دا سبب حنقنا على المواهيم ديل بما يضاهي مقتنا للجنجويد؛
وتخيّل، فوق دا كلّه، فيه واحدين بدافعوا عنّهم باعتبار إنّهم دعاة سلام!!
ما أتمنّاه إنّه كلّ الاستمروا في مشروع الدعم السريع دا، في الداخل والخارج، يتقبّلوا الخسارة كـ sunk cost، زي ما بقولوا، ويجهضوا المشروع؛
ويستبدلوه بمشروع مبني على الكسب المتبادل: win-win؛
بيقولوا if you can’t beat them, join them؛
: لو غلبك تغلبهم، ابقى معاهم؛
العالم الخارجي غلبه يغلبنا؛
فياريت ياخد فرصة يعيد التفكير، ويفهم مفاتيح التعامل معانا؛
والدعوة كذلك للدول الحولنا، وكلّ دول العالم، الما شاركت في التحربة الفاشلة دي؛
السودانيّين مفتاحهم الكلمة الطيبة؛
“الكلمة الطيبة بتقطع شنب الأسد” على قولهم؛
بتكسبهم بأنّك تكرمهم؛
وبتخسرهم تماماً لو أهنتهم وما احترمتهم؛
فأسلوب الإذلال والابتذال دا ما بجيب ليك غير الوهم البدّدوا البلايين في لاشيء؛
والله نص الصرف الاتصرف في مشروع الدعم السريع دا لو اتصرف في استثمار حقيقي في السودان كان خيرنا دفّق في أفريقيا والعالم العربي؛
ونص الصرف الاتصرف على حمدوك والمواهيم المعاه دا لو اتوجّه للشباب السوداني كان غطّوا حاجة المنطقة كلّها من الكوادر الوظيفيّة المؤهلة؛
ونص الصرف الاتصرف على الجنجويد ديل عشان يبقوا مرتزقة ويموتوا فطايس لو اتصرف في مشاريع تنمويّة في مناطقهم، كان وفّر عائدات مستدامة تكفّينا وتكفّي الدول المستثمرة فينا؛
لكن ما فات شيء؛
باسم كلّ البتّفقوا معاي فيما كتبت بتوجّه بالدعوة للجيران ولكلّ العالم إنّنا نطوي مرارات التجربة الفاشلة دي، ونفتح صفحة جديدة أساسها الاحترام والمنفعة المتبادلة؛
نحن شعارنا حب وصداقة
للناس الصفت أخلاقا!

عبدالله جعفر
٢٠ مارس ٢٠٢٥

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی مشروع الدعم السریع العسکری ة الفشل فی ما بین

إقرأ أيضاً:

تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،، الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية

تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،،
الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية..
مخاوف تنتاب ذويهم جراء الظروف القاسية التي تواجه الأسرى..
ضغوط محلية وإقليمية عبر مذكرتين للبرهان ومُفوَّض الاتحاد الأفريقي..
مطالب بتسليم الملف لرئيس الوزراء ليكون أحد مفاتيح الحل السياسي..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
بعد مرور أكثر من شهرين على تحرير العاصمة الخرطوم وإعلانها خالية من ميليشيا الدعم السريع، بدأت جيوش القلق تجتاح نفوس الأسر والعائلات الذين كان أبناؤهم محتجزين لدى ميليشيا الدعم السريع لفترات متفاوتة في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم وضواحيها، وتزداد مخاوف هذه العائلات عن مصير أبنائهم في ظل الحديث المتواتر عن ترحيلهم القسري إلى مدينة نيالا، حيث اتخذتهم ميليشيا آل دقلو دروعاً بشرية لتفادي خطر القصف الجوي من سلاح الطيران أثناء مغادرتهم العاصمة في اتجاه الغرب، وبعد مرور أكثر من شهرين على ترحيلهم، تتفاقم مأساة هؤلاء الأسرى، وتخبو جذوة الأمل في نفوس عائلاتهم الذين لم يعودوا يطلبون إلا خيط، أو معلومة تطمئنهم على حياة أبنائهم.
ظروف إنسانية قاسية:
وكان الأسرى الذين تم العثور عليهم في مناطق صالحة وجبل أولياء عقب تحرير العاصمة الخرطوم، قد عانوا من ظروف قاسية ومخالفة لأدنى معايير المعاملة الإنسانية وفقاً لشهادات عدد من الأسرى الذين تم تحريرهم، حيث أكدوا أنهم قاسوا أوضاعاً مأساوية، افتقروا خلالها لأبسط مقومات الحياة، ما أدى إلى وفاة عدد منهم بسبب الجوع وانعدام الرعاية الصحية، ومن خرج منهم كان “عبارة عن هياكل عظمية”، نتيجة الجوع والعطش، وانعدام النوم، والتعرض المستمر للتعذيب النفسي، وسط تجاهل كامل لمتطلباتهم الإنسانية، وقد ظلت هذه الصور الإنسانية عالقة في النفوس، وهو ما يزيد طين القلق بلة لدى أسر وعائلات الأسرى الذين تم ترحيلهم إلى مدينة نيالا، خاصة وأن مصادر أكدت أن عملية الترحيل تمت عبر طرق برية وعرة، قطع خلالها الأسرى مئات الكيلومترات وهم في حالة صحية ونفسية بالغة التدهور دون الحصول على الغذاء الكافي أو الرعاية الطبية، الأمر الذي يجدد القلق والمخاوف من تفاقم أوضاعهم الصحية، خاصة في ظل تفشي الأمراض ونقص الدواء في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الدعم السريع.
مطالبة البرهان بالتدخل:
وفي الثالث والعشرين من يوليو الجاري وفي خطوة عكست حالة القلق الدائم والترقّب المؤلم والمخاوف التي تسللت إلى أفئدتهم وقلوبهم، وجهت أسر وعائلات الأسرى، نداءً إنسانياً مؤثراً إلى رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وطالبوا في مذكرة لهم الرئيس البرهان بالتدخل العاجل للكشف عن مصير أبنائهم الذين انقطع الاتصال بهم منذ اندلاع الحرب، مشددين على ضرورة أن تتحرك الحكومة وأجهزتها المختصة بشكل فوري للكشف عن مصير أبنائهم المختفين منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023م، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تعرضهم لانتهاكات جسيمة قد تصل حد الإخفاء القسري أو التعذيب الممنهج، وأعربت أسر وعائلات المحتجزين لدى ميليشيا الدعم السريع عن قلقها البالغ على سلامة أبنائهم في ظل غياب المعلومات المؤكدة عن أوضاعهم، مناشدين كل من له تواصل أو اتصال أو تأثير على هذه القوات أن يُسارع بنقل صوتهم إليها، وأن يعمل على طمأنتهم عن ذويـهم من هؤلاء الأسرى، ويمكِّن الجهات المختصة من الوصول إليهم والاطمئنان على سلامتهم، مؤكدين أن قضية الأسرى من النظاميين والمدنيين قضية إنسانية بحتة، ولا ينبغي أن تكون رهينة للتجاذبات أو الصراعات.
مذكرة للاتحاد الأفريقي:
ولم يمضِ أسبوع على النداء الذي وجهه أسر وعائلات المعتقلين لدى ميليشيا الدعم السريع إلى الفريق عبد الفتاح البرهان، حتى عادت ذات الأسر والعائلات إلى مطالبة الاتحاد الأفريقي لتبني مبادرة إنسانية ترمي إلى إبرام صفقة تبادل بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، ودعوا في مذكرة قدمت إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السفير محمود علي يوسف، التكتل القاري إلى الاضطلاع بدور قيادي في تسهيل مبادرة محايدة وخاضعة للرقابة الدولية لتبادل الأسرى بين أطراف النزاع في السودان، منوهين إلى القلق الذي ينتاب هذه الأسر والعائلات على سلامة أبنائها المحتجزين في ظل غياب المعلومات المؤكدة عن أوضاعهم، داعين الاتحاد الأفريقي إلى الدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة من المحتجزين، وخاصة الأطفال والنساء وذوي الإعاقة، بما يتماشى مع الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب ومعايير القانون الدولي الإنساني.
دور حكومة الأمل:
ويطالب مراقبون بضرورة الدفع بملف الأسرى المعتقلين لدى ميليشيا الدعم السريع إلى رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية انتشال البلاد من هذا النفق المظلم، وقالوا إن إدريس مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعطاء هذا الملف أولوية قصوى، ذلك أن ملف الأسرى ليس فقط قضية إنسانية وأخلاقية، بل أحد مفاتيح الحل السياسي وبوابة لبناء الثقة بين أطراف النزاع، الأمر الذي يتوجب على حكومة الأمل المدنية أن تضغط عبر الوسائل الدبلوماسية والمنصات الإقليمية والدولية لكشف مصير الأسرى وتأمين إطلاق سراحهم وفقاً لمواثيق القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، مشددين على ضرورة أن تتحمل المنظمات الإنسانية والحقوقية، سواء المحلية أو الدولية، إضافة إلى الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية في هذا الملف، وإعمال ضغوط مستمرة على ميليشيا الدعم السريع للسماح بزيارة الأسرى، وضمان معاملتهم معاملة إنسانية، وفق ما نصت عليه اتفاقيات جنيف.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر تبقى النداءات الإنسانية المتكررة من قبل الأسر والعائلات، ضرورة مرحلية ملحة لما تُحدثه من تأثير سياسي وأمني كبير، فهي تعيد ملف الأسرى إلى واجهة الأحداث، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والإنسانية، كما تشكل ورقة ضغط داخلي على الميليشيا المتمردة لإبداء حسن النية عبر إطلاق سراح الأسرى، ذلك أنّ استمرار التعتيم على مصير المحتجزين يكرّس مزيداً من الألم ويعمّق جراح الوطن، وبالتالي فإنّ كل صوت يُرفع للمطالبة بالكشف عنهم، وكل جهد يُبذل لتحريرهم، هي مبادرة نحو استعادة إنسانية ضاعت في أتون الصراع، وخطوةٌ أولى على طريق طي تداعيات النزاع.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حاكم غرب بحر الغزال: عبور عناصر من الدعم السريع إلى جنوب السودان دون إذن رسمي أثار الذعر ونزوح السكان
  • ماذا تعني تلميحات مناوي بإمكانية تواصله مع الدعم السريع؟
  • تحتجزهم ميليشيا الدعم السريع في نيالا،، الأسرى،، صـرخة لاستعادة الإنسانية
  • الاتحاد الإفريقي يدعو إلى عدم الاعتراف بحكومة حميدتي الموازية
  • شاهد بالفيديو.. قائد ميداني بالدعم السريع يسير على درب “يأجوج ومأجوج” ويهاجم حكومتهم الجديدة: (طارت قمرية ونزلت بلومة.. 13 عضو لا أعرف منهم غير حميدتي والكيزان أفضل منكم)
  • الذايدي ينتقد سياسة الدعم: هل أصبح الفشل طريقًا لفتح الخزائن؟
  • الجيش السوداني يقصف وقوة من “الدعم السريع” تغادر مدينة مهمة في كردفان
  • فارون من انتهاكات “الدعم السريع”.. مصرع وإصابة 27 نازحا من الفاشر
  • إعادة دفن جثامين من “الدعم السريع” في الخرطوم
  • منشق عن “الدعم السريع” يكشف معلومات خطيرة