ماذا تعني سيطرة الجيش السوداني على القصر الجمهوري؟
تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT
قوات من الجيش السوداني من داخل القصر الجمهوري بالخرطوم (مواقع التواصل)
في خطوة تشكل علامة فارقة في مسار الحرب بالسودان، استعاد الجيش صبيحة اليوم الجمعة القصر الجمهوري، مقر رئاسة الدولة السودانية ورمز السيادة بالخرطوم، بعد أن فقده منذ الدقائق الأولى لبداية الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023.
وأعلن الجيش السوداني بسط سيطرته على القصر، وجاء في بيان للناطق الرسمي باسم القوات المسلحة: "في ملحمة بطولية خالدة، توجت قواتنا اليوم نجاحاتها بمحاور الخرطوم، حيث تمكنت من سحق شراذم مليشيا آل دقلو الإرهابية بمناطق وسط الخرطوم والسوق العربي ومباني القصر الجمهوري".
وشهد محيط القصر الجمهوري على مدى الأشهر الماضية معارك ضارية تمكن فيها الجيش من انتزاع القصر بمبنييه القديم والجديد بعد إلحاق الهزيمة بقوات الدعم السريع التي فقدت اليوم أحد أهم المواقع التي كانت تتحصن بها وسط العاصمة الخرطوم.
ووسط مشاعر فرح وطني غمرت فئات الشعب السوداني المختلفة، برز سؤال مُلِحٌّ حول ما تعنيه هذه السيطرة العسكرية على القصر ودلالاتها وتأثيراتها في الواقع على أكثر من صعيد.
الأنفاس الأخيرة
وفي حديث للجزيرة نت، أكد رئيس أركان الجيش السوداني السابق الفريق أول هاشم عبد المطلب أن استعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الجمهوري تؤكد أن النصر بات قريبا.
وقال عبد المطلب إنه بسيطرة الجيش على القصر الذي يمثل رمزية السيادة تكون مليشيا الدعم السريع قد فقدت ما كانت تحرص عليه، لأن السيطرة تفقدها هدفا كان يمثل لها الكثير داخليا وخارجيا.
وأشار عبد المطلب إلى خطة متكاملة يجري تنفيذها لتحرير ما تبقى من مناطق بالخرطوم، وأفاد بأن نشاط قوات الدعم السريع التي كانت هي من تهاجم قل كثيرا وانحصر على الدفاع فقط وعلى القصف المدفعي واستخدام المسيّرات لإثبات الوجود، "مما يعني أن العدو بات يلفظ أنفاسَه الأخيرة"، وفقا لتعبيره.
وعزا تغيير قوات الدعم السريع لتكتيكاتها لعدة أسباب منها غياب القادة، إما بقتلهم أو بهروبهم إلى إقليم دارفور، وانخفاض الروح المعنوية، والنقص الكبير في أنواع مهمة لهم كالأسلحة والذخائر والمحروقات، بجانب عدم قدرتهم على استخدام أسلوبهم المعروف بالفزع بعد أن حرمهم الهجوم المتزامن للقوات المسلحة في محاور مختلفة من ذلك، وهو ما أثر عليهم كثيرا، ماديا ومعنويا.
بداية العد التنازلي
ويرى الخبير العسكري والإستراتيجي العميد جمال الشهيد أن سيطرة الجيش على القصر الجمهوري يعد تقدما إستراتيجيا كبيرا ومهما، لكنه لا يعني نهاية الحرب بعد، مضيفا أن الحرب دخلت مرحلة العد التنازلي، لكن الحسم يتطلب استكمال العمليات في بقية ولايات كردفان ودارفور.
وأفاد الشهيد، في حديث للجزيرة نت، بأن المرحلة المقبلة حاسمة جدا، وأي تقدم إضافي للجيش قد يجعل إنهاء الحرب مسألةَ وقت لا أكثر، مشيرا إلى أن الدعم السريع أصبح في موقف دفاعي ضعيف، ولكنه لم يستبعد استخدامه تكتيكات حرب المدن لإطالة أمد المعركة.
وقال إن السيطرة على القصر الجمهوري يعني توجيه ضربة معنوية قوية لمليشيا الدعم السريع، حيث تمنح السيطرة عليه -تكتيكيا- الجيش نقطة ارتكاز قوية وسط الخرطوم، مما يسهل التقدم نحو مواقع أخرى أيضا هي في غاية الأهمية، كما يعزز من ثقه الحكومة وينهي مزاعم سيطرة المليشيا المتمردة على المرافق الحيوية والإستراتيجية.
واعتبر الشهيد سيطرة الجيش وفرض إرادته على القصر الجمهوري نصرا كبيرا له، وخسارة كبيرة في المقابل للدعم السريع، جازما بأن تقدم الجيش يعزز موقفه التفاوضي في أي عملية سياسية مستقبلية، وسيدفع بالقوى الإقليمية والدولية لإعادة حساباتها بناء على موازين القوة الجديدة، خاصة الدول التي تدعم أو تتوسط لإنهاء النزاع.
تحييد مراكز القيادة والسيطرة
وفي منتصف مارس/آزار الجاري تعهد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، في تسجيل بثه على منصة "ْإكس"، بعدم خروج قواته من القصر، لكن المعارك الضارية التي شنها الجيش السوداني على قواته بمحيط القصر، جعلت الكثير منها يبحث عن الانسحاب من القصر الذي لم يعد آمنا منذ ذلك الحين، بعد تضييق الخناق من كل اتجاه.
وبدا الجيش السوداني مصرا على استعادة السيطرة الكاملة على الخرطوم والمواقع الإستراتيجية التي فقدها منذ بداية الحرب حيث عزز عملياته في الخرطوم عبر تكثيف الضربات الجوية والمدفعية، مما أدى إلى استنزاف الدعم السريع بتحييد مراكز القيادة والسيطرة التابعة لها، مما يعكس تقدما في إضعاف القيادة الميدانية للمتمردين.
وحبس السودانيون أنفاسهم وهم يتابعون تطورات العملية العسكرية خلال الأيام الماضية في محيط القصر الجمهوري الذي يُعد مصدرا مهما من مصادر تاريخ السودان الحديث والمعاصر ورمزا لسيادة الدولة السودانية وشرعيتها واستقلالها.
واشتعلت فور الإعلان الرسمي عن استكمال السيطرة على القصر منصاتُ التواصل الاجتماعي ومجالس السودانيين، ابتهاجا بهذه الخطوة التي اعتبرها البعض إطاحة بآمال "حميدتي" في الاستيلاء على الحكم بالقوة، واعتبرها آخرون مؤشرا لاستعادة المناطق الأخرى بالخرطوم التي ما زالت تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
قيمة معنوية وسيادية
وقال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي مجدي عبد العزيز إن تحرير القصر الجمهوري وعودته إلى حضن الوطن يعد نصرا ذا قيمة معنوية وإستراتيجية وسيادية لا تُضاهى لأنه يعتبر أحد أهم أيقونات السيادة الوطنية وأحد أهم الصروح ذات البعد التاريخي والوطني في السودان.
وأشار عبد العزيز الذي عمل لوقت ليس بالقصير بمراسم الدولة من داخل القصر الجمهوري أن القصر بمبنييه القديم والجديد ظل مقر رئاسة الدولة السودانية حيث وجدت به مكاتب وديوان رئاسة الدولة بكل أشكاله الدستورية التي مرت على عهود السودان منذ الاستقلال.
وأوضح أن قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي" كانت تساهم في حراسة القصر الجمهوري وغدرت بمن كانوا يعتبرون رفاقهم في المهمة من قوات الحرس الجمهوري التابعة للجيش السوداني، وقامت باحتلاله طيلة شهور الحرب الماضية وتخريب مرافقه وسرقة محتوياته إلى أن جاءت ساعة تحريره.
وكشف أن القصر الجمهوري يضم بداخله أضخم متحف رئاسي بالسودان حوى العديد من الآثار والتحف التي تعبر عن عهود مختلفة منذ عهد الجنرال تشارلز جورج غردون حاكم السودان في العهد الاستعماري الأول والذي قُتل على سلالم القصر على أيدي الثوار في عام 1885، مرورا بعهد اللورد هربرت كتشنر الذي قاد حملة لغزو السودان في عام 1898، ومن بعد كل آثار العهود الوطنية وقادتها.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: على القصر الجمهوری قوات الدعم السریع الجیش السودانی سیطرة الجیش
إقرأ أيضاً:
هجمات بالمسيّرات وتحركات ميدانية كثيفة.. معارك ضارية بين الجيش السوداني و«الدعم» في كردفان
البلاد – الخرطوم
تشهد ولايات كردفان الثلاث (شمال، جنوب وغرب كردفان) تصعيدًا خطيرًا في المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط تزايد الهجمات بالطائرات المسيّرة وتحركات ميدانية لافتة قد تعيد رسم خريطة السيطرة في الإقليم المضطرب.
ومع الساعات الأولى من صباح أمس (الإثنين)، شنّت قوات الدعم السريع هجومًا جديدًا باستخدام طائرات مسيّرة على مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان. ويُعد هذا الهجوم الثاني خلال أربعة أيام، بعد هجوم سابق استهدف المدينة في أول أيام عيد الأضحى، حيث تعرضت مرافق مدنية لأضرار، دون صدور بيانات رسمية عن حجم الخسائر حتى الآن.
هذا التصعيد يتزامن مع تحركات عسكرية واسعة للجيش السوداني بعد سيطرته الكاملة على العاصمة الخرطوم. حيث اتجهت العمليات نحو ولايات كردفان الثلاث، ما أدى إلى تحول هذه الولايات إلى ساحة جديدة للصراع، تتداخل فيها الأهداف العسكرية مع الأبعاد الجيوسياسية.
يكتسب طريق الإنقاذ الغربي أهمية استراتيجية كبرى، إذ يربط الخرطوم بولايات كردفان ثم إلى إقليم دارفور. ويمثّل هذا الطريق نقطة تنافس حاد بين الجانبين؛ فالجيش يسعى لاستخدامه كممر للتقدم نحو دارفور، فيما تعتبره قوات الدعم السريع خط الدفاع الأول عن الإقليم، بل ونقطة ارتكاز أساسية لطموحاتها في استعادة التوغل نحو العاصمة.
في ولاية غرب كردفان، اشتعلت المعارك في مناطق استراتيجية وحساسة، خصوصًا في ظل وجود معظم حقول النفط السودانية داخلها. تبادل الطرفان السيطرة في مدينتي الخوي والنهود، ضمن معارك كر وفر، انتهت مؤخرًا بسيطرة “الدعم السريع” عليهما. وفي المقابل، تمكّن الجيش السوداني من صد هجوم واسع استهدف مدينة بابنوسة، والتي تضم مقر الفرقة 22 مشاة.
تُعد ولاية شمال كردفان إحدى أهم جبهات المواجهة حاليًا، حيث تسعى قوات الدعم السريع للتقدم نحو مدينة الأبيض، عبر مناطق سيطرتها شمالًا، وخصوصًا مدينة بارا.
الجيش السوداني يُعزز من وجوده في مناطق الجنوب والشمال بهدف إنهاء وجود “الدعم السريع” في الولاية، وبالتالي تسهيل فك الحصار المفروض على ولاية جنوب كردفان المجاورة.
في جنوب كردفان، تواجه القوات المسلحة السودانية جبهتين في آنٍ واحد: قوات الدعم السريع، وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، المتحالفة مع الدعم السريع في هذه المرحلة.
وقد شهدت هذه الولاية معارك عنيفة مؤخرًا، حيث تمكن الجيش من السيطرة على منطقتي الدبيبات والحمادي بهدف كسر الحصار عن الدلنج وكادقلي، إلا أن قوات الدعم السريع عادت واستعادت هاتين المنطقتين.
كما استطاع الجيش تحقيق تقدم شرقي الولاية، واستعاد السيطرة على منطقة أم دحيليب، مما يجعله على مقربة من كاودا، المعقل الأساسي للحركة الشعبية.
الصراع في ولايات كردفان لم يعد مجرّد امتداد للحرب في العاصمة، بل تحوّل إلى جبهة مستقلة ذات حسابات خاصة، فمن جهة، تعني السيطرة على هذه الولايات القدرة على التحكم في طريق الإمداد الرئيسي ونقاط الثروة (النفط والطرق)، ومن جهة أخرى، فإن التوازنات القبلية والسياسية في كردفان تجعل أي تحرك عسكري فيها محفوفًا بتعقيدات كبيرة.
كما أن دخول الحركة الشعبية على خط المعارك، يضاعف تعقيد الصراع ويحوّله إلى نزاع متعدد الأطراف، يُرجح أن تكون له تبعات كبيرة على مستقبل العملية السياسية ومسارات التفاوض، خاصة في ظل الانقسام الجغرافي والسياسي المتزايد داخل البلاد.
المعارك المتصاعدة في كردفان تنذر بتحوّلات كبيرة في مشهد الحرب السودانية، وقد تكون نقطة تحول ميدانية تؤثر على موازين القوى بين الجيش والدعم السريع، وربما على مستقبل السودان بأكمله.